آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
الإنسان بين بناء بعضه والسعي خلف حظه

الإنسان بين بناء بعضه والسعي خلف حظه

تاريخ الإضافة: 2006/09/22 | عدد المشاهدات: 3180

التقى الدكتور الشيخ محمود عكام عشية أول أيام رمضان المبارك من هذا العام 1427 هـ مع مجموعة من الإخوة الكرام طلاب العلم وأساتذة التربية الإسلامية وأئمة المساجد وخطبائها، وقد تنفس المجلس من روح شهر القرآن والصيام والقيام والجهاد، فدار حديث الدكتور الشيخ محمود عكام مع الإخوة حول ما سماه الدكتور محمود: (البعض والحظ).

يقول الدكتور محمود:

في حياة طالب العلم خاصة والإنسان عامة مساران اثنان يتنازعان عمله وسعيه وقلبه:

أما المسار الأول: فهو مسار بناء (البعض)، هكذا سمَّيته، أعني به المسار الذي ينصرف فيه سعي الإنسان وجهده ونيته لبناء بعضه، أي لبناء نفسه.

وأما المسار الثاني: فهو المسار الذي تتعلق نية الإنسان فيه ومن ورائها سعيه وعمله وجهده لاكتساب ما سمّيته (الحظ).

وإذا أردت تعريف البعض والحظ فإن:

البعض: ما اكتسبته بجهدك ولا يمكن أن ينفك عنك، كالعلم والمعرفة والأدب والخلق والإيمان.

والحظ: ما يمكن أن ينفك عنك، كالسلطة من رئاسة وإمارة وولاية ومنصب وكالمال.

الحظ زائل والبعض هو موطن البقاء.

أقول هذا الكلام لأني أريد من طالب العلم ومن كل إنسان أن يسعى لتكوين بعضه، ولكني أرى فتناً كثيرة تتنازع طالب العلم، وتتنازع الإنسان لتأخذه عن بناء بعضه، وتصرفه لاكتساب الحظ.

ما أخشاه على طالب العلم ثلاثة أمور:

1- أن يلهو عن بعضه فيوقف بناء نفسه.

2- أن يضيّع ما سبق وبناه.

3- أن يصبح عبداً للحظوظ. ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تعس عبدُ الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يُعطَ سخط).

ولو وقفنا عند الأمر الأول الذي نخشاه، لو وقفنا عنده وحده لكان الأمر قاتلاً، على مبدأ (من تساوى يوماه فهو مغبون)، والساعة التي أنت فيها إذا لم تكن أحسن من التي قبلها في الكسب وبناء النفس فأنت مغبون.

فما بالك إذا نسفتَ كل الماضي وضيعت ما اكتسبته وهدمت ما بنيته ؟!

والخشية الثالثة أن يحول الإنسان مساره كلياً ليغدو عبداً للحظوظ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: (تعس عبد الدينار ...)، فيغدو كما قال شاعرنا الكبير المرحوم عمر بهاء الدين الأميري:

عُدتَ لأهوائك عبداً                    وكم تستعبد الأهواء أربابها

وقد تأتي هذه الأمور الثلاثة التي نخشاها على دفعات، وربما أتت دفعة واحدة، لأن المتطلع إلى الحظ يسهل عند المساومة، لذا يمكن أن يقع في المحاذير الثلاثة مباشرة.

وقال الدكتور عكام:

ما أرجوه من نفسي، وممن أحب، ومن طلاب العلم، ومن كل إنسان، أن يلتفت الواحد منا لتكوين بعضه وبناء نفسه، وعلينا أن نعلم أن هذا السبيل تعترضه فتن كثيرة، ولكنه سبيل مملوء بالمعززات أيضاً، وفيه سعادة وسرور كبيرين يجدهما الإنسان في قلبه.

الحظ يقلقني ويقلقك، وكذلك انتظاره، لأنه متعلق بغيري، فلو حوّلت السعي إلى مجال الحظ لكنتُ محلاً للإحباط، وربما الجنون.

أما البعض والسعي إليه وإلى بنائه فهو يطمئنك، لأنه يحدث بينك وبين ذاتك، ولا تنتظر فيه غيرك.

فإذا مشيتُ مع من أمامي في خط الحظ لا في خط البعض فإن هذا ما يشكل مصدر القلق والاضطراب والخوف... المال والمسكن والمنصب فتن، وإذا كان الآخر يرى نفسه من خلال الحظ فعليك أن ترحمه، لا أن تقف معه على وجه الندّيّة في الالتفات إلى الحظوظ.

التفت لبناء نفسك، لا إلى تحصيل الحظوظ... والأكبر من ذلك أن يُعرَضَ على الإنسان الذي يكوّن بعضَه شيء من الحظ فيرفضه، كما فعل أبو حنيفة رحمه الله عندما رفض منصب القضاء.

التفت إلى بعضك وعمّق ودعّم ما أظهرت وقدّمت نفسَك من خلاله...

أطالب علم أنت ؟ إذن عمّق طلبك للعلم، ودعّم بحثك ودراستك وقراءتك.

هل أنت إمام مسجد ؟ إذن عمِّق ما يؤكد فيك إمامتك للمسجد، وما يجعلها حسَنة عند الله وعند نفسك، مِن مواظبة ومتابعة، ولا تنظر إلى غيرك من أصحاب الحظوظ.

إذا نظرتَ إلى من أعطي المال أو المنصب فستدخل خط النفاق والممالأة، وربما لم تحصِّل شيئاً أبداً.

(ما قدِّر لماضغيك أن يمضغاه لا بد أن يمضغاه. ويحك كُلها بعز ولا تأكلها بذل) هذا هو الحظ. الحظ حاصل غير مقصود، وإن لم يحصل لم تقع فريسة الهم: (من كانت الآخرة همَّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة) هذا هو الباحث عن بعضه. (ومن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه وفرَّق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له) هذا الباحث عن الحظ.

 

وقال الدكتور عكام:

الحظ آت آت... فلا تضيّع بعضك من أجله. والحظوظ لا نهاية لها، و (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) وكذلك لا نهاية للسعي في بناء البعض، ولكن الفرق أن الباب مفتوح في الأولى على الوهم والسَّراب، وهوفي الثانية مفتوح على البناء والترقي، وقد روي عن ابن مسعود قوله: "منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا. ولا يستويان؛ أما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان، وأما صاحب العلم فيزداد من رضا الرحمن". كلما تعلمت ازددت حاجة إلى العلم، ولكن المال فضل زائد عندما تصل إلى حد الكفاية.

لا أعلم من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا أفقه منه، ومع ذلك قال له ربه تعالى: ﴿وقل رب زدني علماً.

كلما تعلمتَ نشطتَ لتتعلم أكثر، وإذا أكلت انصرفت عن أن تأكل أكثر، ولو أكلت لقتلك ما تأكل، ولكن العلم يحييك كلما ازددت منه !

عندما تسعى لإشباعِ ما موطنه (اللاجسد) فأنت الباقي الذي لا يفنى. أما الجسد فهو فانٍ ولا يحتمل العمل لأجله زيادة على حد الكفاية.

إن اشتغلت لجسمك على أساس أنك ستعيش مئةً وخمسين سنة لكنتَ مكثراً، ولو اشتغلت لبعضك على أنك خالد لم تكن مكثراً.

وختم الدكتور محمود عكام:

في رمضان لتكن هناك لفتة إلى الإنسان. تخلّص من تبعيتك للحظوظ والتفت إلى نفسك وبناء بعضك.

التعليقات

شاركنا بتعليق