آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
الحوار الثقافي والحضاري في خدمة السلام/ مجلة العمران- كندا

الحوار الثقافي والحضاري في خدمة السلام/ مجلة العمران- كندا

تاريخ الإضافة: 2008/07/15 | عدد المشاهدات: 3068

 

نشرت مجلة "العمران" التي تصدر في كندا، في عددها الخامس بتاريخ: 15 تموز 2008، مقالاً للدكتور الشيخ محمود عكام بعنوان: الحوار الثقافي والحضاري في خدمة السلام "رؤية إسلامية"، فيما يلي نصه:

الحوار الثقافي والحضاري في خدمة السلام

"رؤية إسلامية"

1- إشكالية ومقدمة:
لماذا الحوار؟! وهل العالم جاد في تبنيه سبيلا للقاء ؟ وهل هناك اتفاق على مضمونه ومعناه ؟ مادام الحوار شكلية وصيغة.
من الحكَم في الحوار، ومن المرجع الحاكم على أطرافه ؟
هل الحوار صرعة أو صرخة عابرة ؟أم هو ثابتة إنسانية، تغيب إذ يسود القمع، وتظهر حين يزول.
هل الحوار إعلان رفض، وردة فعل على سباق التسلح المخيف، ذي التنوع الأكثر من تعددية فنون الحوار وطرقه ؟ هل قرر العالم بمن فيه الحوار للتعايش ؟ أم هو قرار الضعيف ليقوى، والقوي ليتمكن ويستولي ؟ ويستعدي ويستعلي ؟ التساؤلات جد وفيرة، ولازالت في ازدياد.
2- الإنسان والحوار:
أ- الكلمة أس الحوار:
الحوار مراجعة ومواجهة، والمراجعة إنسانية، وما دامت إنسانية فهي في المعنى عبر الكلمة المنطوقة أو المكتوبة، وربما عبر إشارتها المعهودة لدى من لا يحسن نطقها أو تناول قلمها. والحوار مواجهة بين من اختصوا بالوجه المعبر، والوجه صفحة مرسلة ومستقبلة في آن معاً:
فالفم فيه: مصدر معرفة مقولة ومرسلة.
والأذن فيه: طريق موصلة للفكر إلى مستقر الصدر، الصدر الحاوي: ( ألم نشرح لك صدرك ) الشرح/1، و (قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري ) طه/25.
وأما العين الباصرة فكفيلة بدعم الفم قائلا مرسلاً ، ودعم الأذن مستقبلة.
الحوار فن في المراجعة والمواجهة، تراجع بينك وبين ذاتك، وتواجه الآخر بما راجعت وبما حوّرت في خلدك وداخلك، وهو على الكلمة يقوم، وقد غدا اليوم فناً من الفنون المؤهلة إلى درجة العلوم له قواعده ونظمه وأسسه.
وحاوَرَ: " تعني لقاء على الكلمة، فإذا ما تم اللقاء على سواها الذي لا يمت إليها، غدا الأمر مسمى بحسب الوسيلة البديل، قاتل "... إلخ.
على أن الكلمة التي يرتكز عليها الحوار، مراجعة ومواجهة، ليست مطلقة ولا حرة من قيد يبقيها سمة إنسانية لائقة، فليس القصد في الحوار أن تتكلم، ولكن القصد والمطلوب أن تصبر على كلام الآخر، فلا تستخدم في مواجهته - ولو كان ما يصدر عنه غير لائق - إلا اللائق: ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ) الفرقان/63.
إن الكلمة الأس في الحوار هي التي تستتبع كلمة أخرى، ولا تفضي إلى حنق أو إثارة، لأن الكلمة في انطلاقها وغايتها نوعان: فقد تكون أداة فتك وفتنة، وقد تكون سبيل مواصلة إنسانية، ولم أقل سبيل اتفاق، لأن التواصل بالكلمة - وبغض النظر عن الاتفاق أو عدمه - هو غاية الحوار: ( وقولوا للناس حسناً ) البقرة/83،.
و "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " (1) كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
وشتان بين كلمة مرغوبة تعني الخير وتحمله، وبين كلمة أخرى تعني الشر وتسو قه: " إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم " (2)، كما قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الحوار في النهاية:
كلمة مناسبة للإنسان الذي اختير أمينا في الأرض، وموضوعا شاغلاً لأهل السماء. فهل من سبيل إلى تلاق بين الإنسان والحوار، أو إلى إعادة التلاقي، وهما معا للكلمة ومعها وبها ؟
ب- الكلمة أس الإنسان:
الإنسان تركيبة معقدة، والتعقيد هنا في مقابل البساطة المرفوضة، وهو في النهاية مجموعة معان تنظمها خصوصية فطرية مستقلة، في قالب خلقي راق: ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) التين/4، تشكل هذه المجموعة وحدة قائمة بذاتها، وكينونة نواة نوعية للعالم، ونقطة استقطاب واعية، تدور حولها، وفي فلكها، الأشياء كلها: ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) لقمان/20 و ( إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) الكهف/50.
وكأني بكل و حدة من هذه الوحدات عالما مستقلا ، ولاغرو و لا غرابة أن تكون إضافة الرب إلى العالمين، الواردة في كتب السماء بشكل عام، تعني إسنادَ الربِّ إلى الإنسان، والإنسانِ والإنسان، أي إلى الناس، لأن كل واحد من الناس عالم.
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
ولنعد إلى المعاني المكونة - كما أسلفنا - لنجدها تعبيرا صادرا عبر الكلمة، أو ما يقوم مقامها، أي مقام الكلمة.
ومن هنا كانت الكلمة هذه، الركن الأهم في حد الإنسان وتعريفه ورسمه، فقد قالوا معر فين: الإنسان حيوان ناطق يأتلف مع بقية المخلوقات الحية في مطلق الحياة المادية، وينفرد بالنطق، الذي هو صوت الكلمة، وبالكلمة التي هي لبوس المعنى، وبالمعنى الذي هو المرتكز والأساس ولعله النفحة الإلهية التي ميز بها الإنسان: ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) الحجر/29.
هذه قصة الكلمة والإنسان، اختصرناها وكثفناها.
ج - الإنسان والحوار بجامع الكلمة:
كلاهما يقومان على الكلمة، وتجمعهما الكلمة، فهل يجوز لنا أن نقول: الإنسان حوار والحوار إنسان ؟
إني لأجيب بنعم، وأنا واثق أن العلاقة وطيدة، والحكم رشيد. وعلى أساس الحوار يلتقي الإنسان الإنسان ، لأن الحوار فعلة الإنسان الرئيسة، مادامت هذه الفعلة تتعامل مع الكلمة.
أو ليس الإنسان - حسب معطيات كل الديانات - حامل كلمة ، وناقل كلمة، ومبل غ كلمة، وتلك مهمته التي كلف بها أمانة يسعى إلى أدائها بكل جدية، فمن: ( اقرأ ) العلق/1، إلى: ( سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ) المزمل/5، إلى: ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) فصلت/30، إلى: ( يا أيها الرسول بلغ ما أ نزل إليك من ربك ) المائدة/67.
وهل هذا إلا حوار ؟ ما دمنا قد عر فنا الحوار وعر فناه على أنه الكلمة تراجع ويواجه بها.
فمن أعرض عنها فلم يستقبلها: ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشو ا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) نوح/7، أو استبدل بها سواها في الإرسال ( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ) الأنبياء/68; من كان كذلك فقد بعدت عليه الشقة مع إنسانيته، وأضحى إلى سوء يبعده عن معانيه التي تحمل سر ه، وغدا حينها منسلخاً ، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث ، وإن تتركه يلهث.
الحديث، أخيراً ، عن الإنسان والحوار حديث عن نون والقلم، عن الصحيفة والحرف، حديث عن مجلىً يظهر إنسانية الإنسان.
يقول فروم: " الإنسان بالحب يسمو، وبالقيم يسود، وبالحوار يتقدم "(3).
3- الإسلام والحوار:
أ – الإسلام أس الكلمة وعليها يقوم:
الإسلام - كغيره من الديانات - قام على الكلمة وأسس عليها، استقبلها من السماء بأمانة عن طريق الوحي، وأرسلها إلى الناس بوفاء عن طريق التبليغ والدعوة والرسالة. ولو أحصينا ما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة عن الكلمة، وكونها الأصل المرتكز والمحور، لما أبقينا لغيرها شيئا في عالم المصادر.
فالعلم الذي يفترش جل صفحات القرآن الكريم، والتفكير الذي يشغل حيزاً كبيرا في أسطر هذا السفر العظيم، والدعوة التي ملأت أركان الكتاب الكريم، والسلام والسلم اللذان دعي إليهما الإنسان مرارا وتكرارا ، والإيمان، والتقوى، و...، دليل على أن الإسلام كلمة، لأن هاتيك المصطلحات التي أتينا على ذكرها تواً لا تعني إلا الكلمة ، والكلمة فقط، فإن رفعتها - أقصد الكلمة - منها - أي من المصطلحات - غدت الأخيرة هذه حروفا صوتية، أو لفظا دون قول، كما يقول النحاة.
والكلمة في الدين الحنيف تتسم بثلاث سمات:
1- الإنتاجية.
2- قابلية التوريث.
3- البعد الرباني.
أما الإنتاجية: فالدلالة والمعنى المحدد المفهوم، الذي يرى فيه العصر والمكان، والمؤدي في الأخير إلى سلوك، وإذا لم تملك الكلمة مقومات الإنتاج فهي الثرثرة المضيِّعة المضيَّعة.
وأما قابلية التوريث: فإمكانية النقل والتعليم لمن يعيها: ( وتعيها أذن واعية ) الحاقة/12، ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) النساء/113.
وأما البعد الرباني: فالكلمة من الله دون سواه: ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) الرحمن/1-4، ( وعلَّم آدم الأسماء كلها) بقرة/31.
الكلمة في الإسلام لها نسب ، وهكذا ينبغي أن تكون بشكل عام، ومن لا ينسب الكلمة إلى الله يُسَاءَل عن مصدره المعتمد لكلمته، ولم عدل عن ربه مصدراً يأخذ عنه ؟! فهل وجد ما ينافي العقل ؟ أم رأى في عقله ما يمكن أن يمده ؟ فليفصح إذاً (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) البقرة/111.
إن مشكلة الكلمة هذه مشكلة ما قبل الحوار، وعلى الإنسان أن يحل هذه المشكلة بينه وبين ذاته، قبل أن يثيرها مشكلة مستعصية مع غيره: ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) البقرة/37.
قدِّر لرجلك قبل الخطو موضعها فمن علا موطناً عن غِرَّة زلقا
ونحن نقول: قد ر لكلمتك قبل الحوار مصدرها.
ب- الإسلام والحوار بجامع الكلمة:
أسُّ كليهما الكلمة، والسمة الأهم لكل منهما الكلمة، وعلى هذا فالإسلام حوار يبتدئ من الذات ومعها، ويستمر ويتتابع مع الآخر، أعني مع الإنسان، وينتهي إعلانا مفاده: ( قد تبين الرشد من الغي ) البقرة ، و( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ) الشورى.

أما بدايته مع الذات:

فاقرأ معي قصة إبراهيم: ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين. فلما جنَّ عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر. فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. وحاجه قومه … ) الأنعام ، وأما متابعته واستمراره ليتجاوز إلى الآخر فاقرأ المجادلة: ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ) المجادلة. ورتل أيضا: ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ) الكهف. واتل أيضا: ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) آل عمران.

وأما نهايته الإعلانية: ( فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) غافر. و ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) سبأ. ونذكر حوار حصين مع النبي صلى الله عليه وسلم الذي بدأ:" يا حصين، كم تعبد من إله ؟ ".

فقال حصين: سبعا في الأرض وواحدا في السماء.

فقال النبي: " فإذا أصابك الضر من تدعو ؟ ".

فقال حصين: الذي في السماء.

فقال النبي: " فيستجيب لك وحده وتشركه معهم، أرضيته في الشكر، أم تخاف أن يغلب عليك ؟! ". وأسلم بعدها حصين.

4- الحوار سبيلاً للثقافة والحضارة:
أ- الحوار والثقافة:
الثقافة هي تحويل المعطى المعرفى إلى سلوك ، أو القدرة على تحويل المعطيات المعرفية إلى سلوك مناسب ، على أننا نحترز فنؤكد على أن كلا الارتكاب والاجتناب سلوك ، فالمعطى المعرفي الذي يتضمن توجهاً سلبياً إذا ما طبق ، فالثقافة حينها تكون بالاجتناب ، والمعطى المعرفي الذي ينطوي على توجه إيجابي في تطبيقه فالثقافة آنئذ تكون بالارتكاب.
وحتى لا تغرق في المجرد والتجريد نقول: الثقافة سلوك ، وليست ذاكرة ، وإن شئت قل: هي الذاكرة المفعلة باتجاه السلوك والتطبيق والأمثلة وفيرة ، بيد أننا نذكر واحداً منها توضيحاً وتثبيتاً ، فنقول: حينما أقدر على تحويل آداب الطعام – بغض النظر عن مرجعية هذه الآداب – إلى سلوك فأتحلى بها فأنا مثقف ، ولو أنني أبقيت آداب الطعام في طي سجل الذاكرة وتلافيف الدماغ على أنها معارف مكتسبة فلن أمنح صفة الثقافة.
- الثقافة والحوار في دائرة الإحسان:
إذاً: إذا كانت الثقافة والمعرفة وفق الشكل الذي ذكرنا ، والمعرفة كلمة أي تقوم على الكلمة ، وقد قلنا إن الحوار كلمة ، فالتقاطع جلي وواضح فيما يتعلق بالكمة بين الحوار وبين الثقافة. إلا أننا نريد هنا التوضيح فنقول: الحوار والثقافة حواران:
حوار ذاتي يجول ويجري في داخلي وأنا أبحث عن صيغ التنفيذ ، لإظهار ما قد عرفته في قوالب سلوكية.
وحوار مع الآخر يتجلى في حديث معه حول الصيغ المثلى في تجلية مكنون المعرفي المتعلق بأمر ما.... وهكذا.
وها نحن أولاء في هذا العالم نتنادى ، وعبر المنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية إلى ضرورة الدعوة إلى فتح ملف الحوار والثقافة ، وسينصب ذلك على البحث عن صيغ إنسانية مناسبة ، ولعلنا نجد مثالاً على هذا الحوار في سورة لقمان من خلال القرآن الكريم حين توجه لقمان الحكيم إلى ولده قائلاً: ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ).
فالحوار الثقافي حوار يتطلع إلى الإحسان في النهاية ، إلى تحقيق الإحسان في الارتكاب أو الاجتناب ، فإن دعوت إلى خير فليكن ذلك على أساس من إحسان وتلطف ، وإن نهيت عن شر فكذلك ، وفي النهاية فنحن أمام معادلة:
إحسان في الحوار إحسان في الثقافة ( التطبيق ) = إقناع وإبداع
وصدق الله القائل: ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ).
ويا أيعا العالم: كف عن حوار بلا إحسان ، وأنت تبحث عن ثقافة هي سلوك ، يجلي معارفك ، لتكون هذه الثقافة إحسانية أيضاً ، وإلا فلا إقناع ولا إمتاع ، بل شراسة وصراع وعداوات وبغضاء وضياع ، وإن تكن كذلك فلا كنا ولا كانت الدنيا التي تضمنا وتحوينا.

ب- الحوار والحضارة:
لعله من المناسب أن نمر على تعريف الحضارة أولاً , ثم نجري المقاطعات بينها – أي الحضارة – وبين الحوار , فالحضارة – حسب ما أرى – " حضور ووجود من خلال ممارسة لمنهاج إنساني الموضوع رباني المصدر , يستوعب الإنسان فرداً وجماعة , بتمام وكمال , ومواءمة بين الزمان والمكان المعنيين , وتوازن بين الفرد والجماعة لتصب الممارسة في غاية مناسبة , وتوصل إلى هدف جاد على المسارين الدنيوي والأخروي , ضمن سيرورة استيعابية واقتدار على التلقي والتوريث ".
وبناء على ذلك: فالحضارة هي حضور , والحضور لا يكون بالعنف والقهر والجبر , وإنما الحضور قوامه الحوار والإقناع والفكر , حتى إذا ما تم الحضور بالقهر وقوة السلاح فالحضارة عن ذاك الحضور منسلخة وغائبة.
فالحوار ملازم للحضارة لا ينفك عنها , ولا تنفك عنه , فهو طريقها وهي غايته المثلى , ومن كان حاضراً على الواجهة الإنسانية في عصر ما بالإرهاب والتهديد والعنصرية والعنف والتعصب فحضوره تخلف وعنجهية , و " شر الناس من أكرمه الناس اتقاء شره ".
وزيادة عما سبق , فالحضارة تستمر ما دامت تتابع الحوار مع الحضارات الأخرى , ومع أشباه الحضارات , بل هي – أعني الحضارة – تنهار إن شَتمت أو سَبَّت , أما إذا تحملت شتم أشباه الحضارات فسيقوى عودها , ويمتد عمرها ويطول أمدها.
وحتى يكون الحوار مناسباً للحضارة ، وهو طريقها كما ذكرنا ، ينبغي أن يرتكز على الأسلوب الإنساني في المواجهة ، والأسلوب الإنساني يعني الاعتراف بالآخر واحترامه إنساناً يحق له أن يتعاطى الفكر بحرية وضمان مني ، كما يحق لي الشيء ذاته ، كما يعني قطع العهد على النفس في أن نسلم بصحة ما يوصلنا إليه مسار الحوار الحر القائم على الأريحية في التعامل مع المناهج والمبادئ ، ونستبق كل ذلك بالآية الكريمة القائلة: ( وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين ).
وفي نهاية المطاف:
علينا أن نؤكد أن الحضارات ذات الدلالة المذكورة آنفاً لا تتصادم ولا تتصارع ، ما دامت تسعى إلى الحضور بمنهاج إنساني الموضوع ، وفق مسار سلمي آمن مؤمن ، بل يقال عنها إنها تتحاور وتتحادث وتتكامل في استلهام كل منها خيراً تجده لدى الآخر وهكذا...
فقولوا للناس حسناً ، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ، وجادلوا بالتي هي أحسن ، وادخلوا في السلم كافة ، وما أمثال هذه العبارات من آيات كريمة وأحاديث شريفة وأقوال مأثورة إلا مفردات من مفردات الحضارة المنشودة. فهل إلى حضور حر من سبيل ، وإنا لمنتظرون.
5- دائرة الحوار ومجاله:
الإنسان كله،كل ما يصدر عنه، كل ما تفرزه قواه العقلية وقدراته الإدراكية، لايندُّ عن ذلك منه شيء، ولا يستبعد منه معطى، أو أمر ، أو قضية إنسانية.
قل ما تريد إذا كنت محاوراً ، واسمع ما يقال، وأ جب عليه إذا كنت طرفا في الحوار.
تحرر من كل تحرج وأنت تسأل وتحاور: تأتي امرأة من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال النبي: " نعم ". فقالت عائشة: " رحم الله نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء من التفقه في الدين " (4).
بادر وأخر ج كل ما يعتلج في داخلك وأنت تطرق باب الحوار، وقد كان النبي يقف أحيانا ويقول: " سلوني أيها الناس ما شئتم " (5).
كن واضحا وأنت تحاور: ( قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً ) طه/125.
أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم إليه، وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال: أيكم ابن عبد المطلب ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا ابن عبد المطلب ".
فقال: أمحمد ؟ قال: " نعم ".
قال: يابن عبد المطلب، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك ؟
قال: " لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك ".
قال: أنشدك الله إلهك، وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك: آلله بعثك إلينا رسولا ؟
قال: " اللهم نعم ".
قال: فأنشدك بالله إلهك، وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون ؟
قال: " اللهم نعم ".
قال: فأنشدك بالله إلهك، وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس ؟
قال: " اللهم نعم ".
الإنسان بساحاته كلها مجال للحوار، وضمن دائرة الحوار، لا تغيب منه ساحة عن شمس الحوار، ولا تمتنع فيه مساحة من استمتاع بوابل الحوار الطيب.
من وافقك حاوره ليوافقك عن بينة، ومن خالفك حاوره ليخالفك عن معرفة. فإن رُفضت محاوراً حر اً فتحول محارباً حتى تعود محاوراً ، وإن ظلمت فمنعت من إرسال الكلمة، فانطلق مقاتلاً إلى أن تستطيع إرسالها، وإن أ خرجت بالقوة الظالمة من دارك التي تملك موثقا على أنها دارك، فادفع الفعل بمثله: ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) البقرة/194، ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ) النساء/94.
الحوار هو الأصل: ( ادخلوا في السلم كافة ) البقرة/208، وأما سواه - إذ تستخدم القوة المادية - فعرض طارئ شرع للدفع: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا ) البقرة/190.
ولا أريد أن أعد ما يمكن أن يدخل في سجل الحوار، وما لا يمكن أن يحتوي عليه هذا السجل، ما دمت قد قلت: إن الإنسان بكل ما يصدر عنه محل حوار. فهل يستعد الإنسان ؟
يا أيها الإنسان: إذا كان المرء بأصغريه قلبه ولسانه، وهما أداتا الحوار، فليس هو إذا بالجوارح أو بالفتك...
ألم يأن لبني الإنسان أن يعامل بعضهم بعضا كما يعامل الإنسان نفسه حين تخالفه نفسه، و "لا يؤمن أحد كم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " (6)، كما قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فهل رأيت معتدياً على نفسه حين تخالفه نفسه أو يخالفها ؟ وهل يلجأ هذا إلى القوة فينسف نفسه إذا خالفته ؟ فإن فعل هذا كان منتحرا ، وكان عقابه خلودا في نار جهنم، كما جاء في مجمل أدبيات هذا الإسلام، بل الأديان كلها.
وقد يقول قائل: فمن الذي يرعى الحوار حتى لا ينتهي إلى دمار ؟ من الذي يضبطه ؟ ومن الذي يتولى عقاب من اشتطّ من الأطراف ؟ مَن ؟ من ؟
وهذا قول معتبر له حظ من النظر، ونشير في الإجابة إلى وجوب تنصيب قاض حاكم، نرجع إليه مقرين بضرورة الالتزام بحكمه واعتماد قراره، والقاضي يتخذ شكل فرد أو مؤسسة أومنظمة، والمهم هو الإذعان له، والإيمان بضرورته، والعمل على إيجاده، ونأمل اليوم من المنظمات الدولية التي أخذت هذا الدور، أن تلعب الدور بشكل أفضل، وبجدية أكثر، من خلال إلزام أعضائها بمقرراتها: ( فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) الحجرات/9، وتعميم حوار ينصب على ضرورة التزام الأعضاء بها، وإلا كانت اسما عائقا عن عمل جاد ، وصورة مانعة من فعل حق.
ونرفض اقتراحات معادية للحوار، مثل التي صدرت عن فوكوياما حين قال: " كل الحضارات ستذوب في الحضارة الأمريكية".
وعن هانتنغتون الذي قال في كتابه ؛الإسلام والغرب آفاق من الصدام: أن الإسلام خطر أخضر، وهو ذاتي التدمير، ويحذر من تحالف الإسلام مع الكونفوشيوسية، ويؤكد على أن هناك صداما بين الحضارة الإسلامية من جهة، والمسيحية واليهودية من الجهة الثانية.
6- الحوار إرادة ومسؤولية وتحديات:
ما كان الحوار في يوم من الأيام مجرد تنظيم يصدره قرار، ولا كان محض قضية يشر ع بمرسوم، لكنه - أولا وآخرا - إرادة نابعة من الداخل، تتحمل من أجلها الصعوبات: ( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك) لقمان/17.
الحوار مسؤولية كلمة ، وحصانة كلمة، وسيادة كلمة، لأن الكلمة هي الأصل كما أسلفنا; ولأن الكلمة موقف ، ولأن الكلمة مرتكز السلوك; ولأن الكلمة هي كل شيء لدى الإنسان.
الحوار تحد في حلبة الكلمة يؤكد على أطرافه البقاء فيها، وعدم الخروج منها إلى حلبة السيف، أو اللسان، أو البارودة، أو النووي، أو... (وإن كنتم في ريب مم ا نز لنا على عبدنا فأت وا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) البقرة/203.
الحوار أمانة لا يراد منه الإدانة. لكنما الكلمة المقنعة هي الغاية المرجوة، ولتظهر على أي لسان من ألسنة الفرقاء المتحاورة شاءت. فنحن في حوارنا لا ندين، ولكننا نسعى إلى إظهار الذي به ندين: " لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم على إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا ألا تظلموا "(7).
الحوار إنقاذ من جوع يستفحل، وعطش يتفشى، لأن ثمن الطعام والمياه تحول إلى متفجرة دمرت حاضرا وهددت مستقبلا.
7- شروط الحوار:
ويمكن تلخيصها بما يلي:
1- تحديد المصطلحات وتبيانها: ولطالما أخفق الحوار لسوء فهم انتاب المفاهيم المتداولة فيه، إذ يتكلم طرف عن مصطلح ما بتعريف قائم في ذهنه، يختلف عن ذاك التعريف الذي قام في ذهن الطرف الآخر، ولو أنهما اتفقا لقطعا شوطا في الوصول إلى المراد.
2- وضوح الغاية من الحوار: هل الحوار لمجرد الحوار ؟ أم إن هناك غاية يراد تحقيقها والوصول إليها ؟ وأخشى ما أخشاه أن يغدو الحوار هواية ووسيلة تسلية، وأن يعزل عن دوره البناء في خدمة المجتمع وتطويره.
3- تساوي الأطراف من حيث الاعتبار: يجتمع المتحاورون تحت قنطرة الحوار دون سواها، وتسقط سائر الصفات والألقاب، وتتهاوى القوى المسكتة.
4- احترام المتحاورين بعضَهم: إنه خلاف، وخلاف إنساني، فهل يحوّله الإنسان إلى خلاف وحشي يبتعد عن الإنسان ومساره وطبيعته ? هل نستبدل بالحوار المغني للإنسان إنسانيته بحوار يقترب من الحيوان?!
5- الإنصاف: بإقرار ما هو خطأ، وما هو صواب، وبغياب الإنصاف تغيب حتما الحقيقة وبإرادة الإنصاف تبدو الحقيقة، فالقضية موضوعية، وليست ذاتية.
6- المرجع المت فق عليه في الحوار: من الحَكم ? هذا ما ينبغي توضيحه في عالم الحوار. لقد رضينا شرع الله، وعلى الآخرين أن يبينوا ما يريدون.
8 - نداء إلى الإنسان وإلى المسلمين:
أ- نداء إلى الإنسان من أجل حوار جاد يفضي إلى تعايش وسلام:
أيها الإنسان في كل مكان، ادخل السلام والسلم، واعمل على أن يذكرك من بعدك داعي لقاء ووفاق، لا داعي نزاع وفراق، اسع لمستقبل العالم ليكون إنسانيا ، أعمل عقلك فيما يبقي لا فيما يفني، وفيما يجمع لا فيما يبلع.
أيها الإنسان، حاور ولا يستخفنك السفاكون، حاور ففي الحوار حياة، وفي الحوار تطور نحو الأفضل.
أيها الإنسان، أمن الناس من جهتك، وقل لنفسك ؛كما تدين تدان، فاختر العمار على الدمار، أدع ، بلِّغ ، علّم ، فكر ، ولكن إياك أن تقتل، وتفتك، وتسفك. لا تمانع من لا يعجبك رأيه من الحديث والنقاش، وجاهد لتسمعه كما تسمع من يثني عليك ويمدحك، والعاقل من أََخذ لا من أُخذ.
أيها الإنسان، إلى متى ستظل مهددا ؟ وأنت ترفض الحوار، لا أريد مثالية في الحديث، لكني أرجو الكثير في هذا الشأن لننال من الكثير القليل، ليتابع من بعدنا حتى يغدو القليل كثيرا.
أيها الإنسان:
أنت المحور والقطب والمرتكز والأسّ ، فإن صلحت صلح الكون كله، وإن فسدت فسد الكون كله: ( فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها. ولا يخاف عقباها ) الشمس/13-15.
فهل تسعى يا إنسان إليه ؟ وإنا معك ساعون.
ب- نداء إلى المسلمين من أجل حوار فاعل يحقق تعاوناً على البر والتقوى:
ندعوا المسلمين إلى حوار يقرّب بعد إذ يُعرّف، فالمشكلة في أحكام متخذة حيال بعضنا، لا تستند إلى معرفة موثقة عن بعضنا.
أيها المسلمون:
التقوا على مائدة الحوار، وليجنّد كل منا نفسه ليسمع الآخر حتى يعرفه.
فإلى متى نطرح الحوار أسلوبا جميلا للتغني دون التبني ?!
وإلى متى سنظل أسرى جرائم التاريخ التي باعدت بعضنا عن بعض ?!
وإلى متى سنبقى نردد المصالحة باللسان، ونسلك سبيل المسالحة بالفعل والميدان ?!
وإلى متى سنتوارى عن ساح المسامحة، لنظهر في قعر المسافحة ?!
وإلى متى سنعيش الفرقة قد را ننسج خيوطه بدمائنا المسترخصة منا ?!
وإلى متى سيلاحقنا الماضي المرفوض، ليغدوا الواقع والحاضر المفروض ?!
لقد سامنا كل مفلس، وانتزعت مهابتنا من قلب عدو نا، حتى صارت خطوط التاريخ أقوى في تكويننا من نصوص القرآن، وذبذبات السياسة في ملف الزمن السابق أقوى وأعظم أثرا فينا من معاني السنة المشرفة، الداعية إلى الوحدة والاعتصام.
لقد استبدلنا بالنصوص الأساسية بعض التطبيقات البشرية الخاطئة، ونهلنا منها أحكام علاقاتنا، وآداب لقائنا، ورفض حوارنا، حتى لكأن السنة والشيعة، والصوفية والسلفية - هكذا مفر قين - قدر محتوم، لا يمكن أن تقاومه آيات القرآن المكلفة لهؤلاء جميعا بالتوحيد والاتحاد.
أملي أن نحسم الخلاف بيننا بحوار جاد فاعل، قبل أن يحسم علينا، إن لم نقل أن نحسم في وجودنا.
يا مسلم:
حاور المسلم ولا تحاربه: فإذا اتفقتما فتعاونا.
وإذا اختلفتما فقد أغنيتما إسلامكم.
وتعاونا، وهل التعاون - في النهاية - إلا وليد الحوار، فأين فريضة التعاون وتعاونوا ، وأين قبلها فريضة الحوار ( لتعارفوا ) فالمسلم أخو المسلم.
ولنلتق دون ألقاب، أفلا يكفينا الإسلام ?!
خاتمة:
الحوار للسلام ، والسلام مطلوب الإسلام الأول من المجتمعات الإنسانية على اختلاف عقائدها وأفكارها ومذاهبها ومبادئها ، وهو مطلوب الثقافة الجادة ، فالحضارة الخيّرة ، وما لم يحقق الإسلام السلام فليس هو بدين حق آتٍ من الله السلام ، وكذلك الثقافة إن أفضت إلى غير السلام فهي السفسطة القاتلة ، وأما الحضارة فإن لم تنشر في ربوعها السلام ، فهي تقدم مادي يحمل في طياته إنذارات شر واضطراب وقلق ، والحوار هو السبيل دائماً ، لأنه وسيلة سلمية ( إسلامية) ، والسلام الغاية يقتضي ويستلزم ذريعة وطريقاً يتصف بمثل ما اتصفت به الغاية.
والسلام المنشود ذو مستويات:
- فهو سلام الفرد مع ذاته ، فلا تشديد ولا قسوة ولا عنف ولا انتحار ، فللنفس حق علينا وللزوجة حق علينا ، وللجسد حق علينا ، فلنعط كل ذي حق حقه.
- وهو سلام الإنسان مع الآخر: أياً كان:
أ- فإن كان الآخر مثلك ، فلا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وكل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ، وسب المسلم فسوق وقتاله كفر.
ب- وإن كان غير مسلم فكان ذمياً من أهل الكتاب فهو في حصن وأمان ، من آذاه فقد آذى النبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن جار عليه فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله.
ج- وإن لم يكن من أهل الكتاب فكان معاهداً أو معاقداً ، فمن ظلمه أو انتصفه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم خصمه يوم القيامة.
د- وإن كان الآخر – أخيراً – محارباً ، فآداب الجهاد ، وهي إنسانية كلها ، فلا مباغتة ، ولا غدر ، ولا مبادرة بالاعتداء ، ولا اعتداء على مسن أو امرأة أو طفل أو شجرة أو حيوان ، وكل ذلك منشور مبثوث في كتب الفقه والشريعة ، فهل أنتم منصتون.
والسلام الذي نعنيه في النهاية ، هو ضمان الحياة والحرية الشخصية ، وحرية التعبير ، وصيانة المال والأعراض ، والدعوة إلى الكلمة الطيبة بشكل عام ، وعدم بخس الناس أشياءهم.
وعند الوداع كلمة:
السلام أصل ، والحرب عارض ، لأنه مكروه ، وهيهات أن يكون المكروه أصلاً.
والسلام استراتيجية الاستراتيجيات ، والحرب دواءٌ لأمر طارئ ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ).
فإلى الحوار مختارين ، لنصل إلى السلام آمنين.
وإلى الحرب مضطرين ، والضرورة تقدر بقدرها ، لنصل إلى السلام آمنين.
وإلى الإسلام والثقافة والحضارة ، فإن رفض الأول ، فما أظن عاقلاً يرفض الثاني ، وكذلك إن رفض الثاني فلن يرفض الثالث.
وكلها: الإسلام والحضارة والثقافة تدعو إلى السلام عبر طريق الحوار. فهل من المسلمين والمثقفين وذوي الحضارة من مجيب ؟؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

شاركنا بتعليق