آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حق الحياة

حق الحياة

تاريخ الإضافة: 2012/01/20 | عدد المشاهدات: 3695

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون:

رحم الله شهداءنا وحمى أوطاننا من كل مكروه.

أيها الإخوة: عندما يتحدث الإنسان عن حقوق الإنسان بشكل عام يَودُّ لو أنه عَلِم بأهم هذه الحقوق وأخطر هذه الحقوق، ولقد سئلتُ من قبل إنسان غربي يعمل في مجال الدراسات الاستشراقية قال لي: ما وجهة نظر الإسلام في حقوق الإنسان ؟ وما أهم هذه الحقوق ؟ وما أخطرها ؟

قلت له: أهم حق من حقوق الإنسان رعاه الإسلام هو حق الحياة، وهذا الحق يجب على كلنا أن يوفره لكلنا فإذا ما قُصِّر تجاه هذا الحق فكل المجتمع يتحمل إثم التقصير، يجب على كلنا أن يوفر لكلنا حق الحياة لأن الإنسان في الإسلام إنسانٌ يسمى المخلوق الأسمى المكرَّم، الله عز وجل قال: ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ ولأن الإنسان في الإسلام خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه. أوليس الله قد قال: ﴿إني خالق بشراً من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ ؟ ولأن الإنسان في التصور الإسلامي سجدت له الملائكة: ﴿فقعوا له ساجدين﴾، ﴿اسجدوا لآدم﴾ ولأن الإنسان في المنظور الإسلامي أيضاً مسخرٌ له الكون بكل ما فيه: ﴿ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ ولأن الإنسان في المنظور الإسلامي خليفة الله في الأرض: ﴿إني جاعلٌ في الأرض خليفة﴾ إذا كان الإنسان في الإسلام هو المخلوق الأسمى المكرّم، وإذا كان الإنسان في المنظور الإسلامي هو من خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وإذا كان الإنسان في المنظور الإسلامي هو من أسجد الله له الملائكة، وإذا كان الإنسان في المنظور الإسلامي هو الخليفة لله عز وجل، وإذا كان الإنسان في المنظور الإسلامي هو من سخر الله له الكون بما فيه، إذاً فحق حياة الإنسان هذا أهم حق، وعلى كلنا أن يوفر لكلنا هذا الحق، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في البيهقي وأرجو أن يسمع الجميع في بلادنا بشكل خاص هذا الكلام، أيها المواطنون على اختلاف مناصبكم، أيها الناس، أيها الحاكم، أيها الفرد، أيها الإنسان، أيها الشعب اسمعوا هذا، حق الحياة هو الحق الأقدس الذي يجب أن يوفره كلنا لكلنا لأن الإنسان في المنظور الإسلامي كما ذكرنا، ولأن نبينا قال كما في البيهقي: (لزوال الدنيا أهون على الله من دم سُفك بغير حق)، ومن أجل هذا وقف سيد الكائنات من رعى حقوق الإنسان على شكل كامل أكمل وقف في حجة الوداع في يوم مبارك بل هو اليوم الأبرك لأنه اليوم الذي استدار فيه الزمن كيوم خلقه الله عز وجل وقف سيد الكائنات الإنسان الأكمل في اليوم الأبرك في الشهر الأكثر حرمة في الموقف الأعظم في الحج الأكبر وقال للأمم كلها ولأمته بشكل خاص: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا في يومكم هذا، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد).

عذراً رسول الله فإنا أضعنا هذا النداء، عذراً رسول الله فلم تعد دماؤنا حراماً علينا، عذراً رسول الله فلقد أصبحت دماؤنا مسترخصة ورخيصة، أصبحنا نرتكب ما تخوفت منه الملائكة: ﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ وها نحن نفسد فيها ونسفك الدماء ورائحة الدم أصبحت معششة في أنوفنا، تسمع هنا دماً يسفك وتسمع هناك دماً يسفح، وتسمع هنا وهناك هذا الدم يسيل، وأصبح منظر الدم الإنساني المسفوح أمراً معتاداً عليه من قبلنا، إن دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

أيها الإخوة: من لم يقم برعاية هذا الحق فأباد الإنسان وقتله فهو المجرم الأفظع وهو المجرم الأخطر وهو المجرم الأكبر: ﴿من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾ يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) لا يزال المؤمن يُقال له مؤمن ما لم يصب دماً حراماً فإذا أصاب دماً حراماً انتفى عنه الإيمان لم يعد دينه يتسع له، افعل ما شئت فدينك يتسع لك أما أن تصيب دماً حراماً فسيضيق الدين عنك ولن يتسع لك، فما بالنا يا إخوتي يفعل الواحد منا هذه الفعلة غير آبه ؟ لن يسمى ذاك الذي يصيب دماً حراماً مؤمناً: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، ولا تظنن أن القضية قاصرة على المؤمن ربما قلت بينك وبين نفسك أنا لم أقتل مؤمناً قتلتُ غير مؤمن، لا، يا أخي، هذا هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) المواطن الذي بجانبك معاهد مَن كان بغض النظر عن دينه، بغض النظر عن عرقه، نحن هنا في هذا الوطن معاهِدون ومعاهَدون فلا تقولن يا أخي حذرتنا من أن يقتل الإنسان المؤمن، لا، يا أخي أذكرك بالحديث الذي قلته: (لزوال الدنيا أهون على الله من دم سفك بغير حق) مهما كان صاحب هذا الدم: (ومن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) وكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي: (من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) من أهل الذمة، وأنا في ذمتك يا أخي وجارك في ذمتك وثالثٌ في ذمتك وهذا الذي يأتي بلدك في ذمتك، فكيف بالله عليك تستحلّ وأنا لا أخاطب نوعاً أو شريحة بل أخاطب الجميع وأذكركم بأني أقول حق الحياة يجب أن يوفره كلنا لكلنا ومن باب أولى أن يوفره القوي للضعيف وأن يوفره القادر للعاجز وأن يوفره صاحب المسؤولية الأكبر لذي المسؤولية الأصغر. هذا الذي يقتل ويسفك الدماء سينال العقاب عند الله عز وجل وسينال العقاب الشديد منه، وهل تعلمون بأن أول ما يُقضى فيه بين الناس يوم القيامة ما هو ؟ أتدرون ما الذي سنحاسب عليه أولاً يوم القيامة ؟ ها هو سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فيه الدماء) سيكون أول القضايا التي يقضى فيها ويحكم فيها الدماء، والنتيجة بعد القضاء مَن قتل لن يُغفر له في جهنم خالداً مخلداً فيها: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو يقتل مؤمناً متعمداً) كما في النسائي هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في قتل مؤمن لعذبهم الله) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً. فهل وعينا هذه القضية وهذا الأمر، أنا آمل أن نعي هذا الأمر. جاء في البيهقي أيضاً لو اشتركت بكلمة بشطر كلمة في قتل إنسان فأنت آيس من رحمة الله عز وجل ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في البيهقي: (من أعان على قتل امرئ مسلم بشطر كلمة كُتب بين عينيه آيس من رحمة الله) لذلك أذكركم بأن لا نقول مثل هذا الشطر من الكلمة ولا أن نسمع أيضاً، فما بالكم أذكركم بأمر ربما يجنبكم ربما مثل هذا الذي نحذّر أنفسنا منه، ولطالما ركزت عليه، بالله عليكم يا إخوتي، كم ساعة تقضونها على التلفاز وأنتم تسمعون من يعين فلاناً بشطر كلمة وبكلمة وبجملة وبصفحة على فلان وأنتم ساكتون وبإرادتكم، لماذا تضيعون الوقت على التلفاز وتتجنبون قراءة القرآن الكريم ؟ ما الذي ستقوله لربك يوم يسألك كيف أضعت وقتك ؟ كيف صرفت وقتك ؟ هل ستقول له قضيت ساعتين على التلفاز ؟ سيقول لك وهل قرأت كتابي لتتعرف على حقوقك وواجباتك ؟ ماذا ستقول لربك غداً يوم يسألك ربك عن عمرك الذي أفنيته لأنك ستسأل عن كل دقيقة وساعة عن كل يوم وأسبوع عن كل شهر وسنة، ما الذي ستقول ؟ أنت تسمع من هنا وهناك ولا أتحدث عن جهة معينة أتحدث عن كلها أتريد أخباراً ؟ هلا صليت ركعتين على فرض أنك سمعت التلفاز ساعتين فهل كان ختام هذا السماع صلاة ركعتين قلت فيهما لربك: اللهم إني أسألك يا رب أن تنصر الحق وأهله، أسألك أن توفقنا من أجل أن يوفر جميعنا لجميعنا حق الحياة، هل كان الختام صلاة ركعتين أم كان الأمر على حساب الركعات والصلاة والخشوع والقراءة النافعة وتدبر القرآن ؟ هذا ما يحدث وهذا ما نفعل وكلنا من حي صغير ومن حارة صغيرة وكلنا يعرف كلنا ولا حاجة لأن أحدثكم وأن تحدثوني عن نفسي فكلنا يعرف كلنا في هذا البلد بالذات، وكلنا لا يأبه لدينه ولا إسلامه ولا لقرآن ربه، وكلنا ضيّع قرآن ربه واتخذه مهجوراً واقتصر في قراءته على ما يسمعه من الخطيب أو من المدرّس أو من ذاك الذي يلقنه الدروس في المدرسة، أما أن يخلو بنفسه بكتاب ربه فهذا ما لم يعهد نفسه بذلك وعلى ذلك، فاتقوا الله أيها الإخوة. وأعود لأؤكد على ما قلته في البداية حق الحياة أهم حق هكذا جاء في إسلامنا وشريعتنا وعلى كلنا أن يوفر هذا الحق لكلنا، وعلى كلنا أن يطمئن كلنا، أصبح الواحد منا يخاف من الآخر فلربما كان الآخر قاتلاً مَن يدري لأن القتل أصبح في كل مكان، أصبح الواحد منا يخاف من نظرة الآخر بدلاً من أن نطمئن إلى الآخر وهو ينظر إليك، أصبح الرعب يسكنك إذا أردت السفر، أصبح الخوف يسكنك إذا ما أردت أن تتجول، أصبحت خائفاً تترقب، إذا ما أردت أن تخرج في الليل وقيل لك هيا نذهب إلى المكان الفلاني رفعت كل يديك لتقول لا، إني أخاف و: (من نظر إلى أخيه نظرة يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة)، تصوروا ما قاله سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. فلنطمئن بعضنا وليطمئن كل منا جاره، أصبحنا ينظر الواحد إلى الذي يصلي بجانبه يرقبه يخاف منه ترتعد فرائصه، وكما قلت لإخوتي وأختم بذلك حديثي، أصبح الناس يخافون أن يدخلوا المساجد، فهذا المسجد منذ أكثر من أحد عشر شهراً اجتمع فيه أكثر من ثلاثين ألف شخص الآن أصبح رواد المساجد في يوم الجمعة أقل مما كانوا عليه بكثير لأنهم يخافون، ويحق لهم أن يخافوا، وأنا أقول لهم نعم، أصبح الأب يخاف على أولاده وأصبحت الأم تخاف على أولادها أفهذا مجتمع ينتمي للإيمان والإسلام ؟ أفهذا مجتمع تنشدونه وتطلبونه ؟ أفهذا مجتمع تريدونه وترغبونه ؟ بغض النظر عن تحديد الجهة، كلنا مشتركون ولا أريد أن أعمم لأموِّه ولكن أعني ما أقول وأنتم تفهمون الذي أقول، كلنا مشتركون، انظروا إلى حياتنا التي نعيشها أصبحنا نخاف وأصبح الأمل بالدولار، وكان يجب علينا أن نضع الأمل بالله، الكل يتزاحم على صرف العملة والكل يتزاحم من أجل أن يأوي إلى بيته والكل يتزاحم من أجل أن يكنز في بيته المال لأنه يؤمن بالله ادّعاءاً ولا يتعامل مع الله تعامل المؤمن المحب، اتقوا الله أيها الإخوة فلنتق الله ولنكن على هدي رسول الله وعاهدوا ربكم على أن تكونوا معه، وأن تكونوا مع نبيه وأن تكونوا مع كتابه وأن تكونوا مع الذين يوجهونكم من كتاب ربكم وسنة نبيكم لا من أغراضهم ولا من غاياتهم ولا من رؤاهم السياسية بل انظروا إلى دينكم فلقد آن الأوان من أجل أن يمحص كل نفسه فاتقوا الله أيها المؤمنون فاتقوا الله أيها المؤمنون فاتقوا الله أيها المؤمنون وارجوه جل وعلا أن يوفقنا من أجل أن نكون أماناً لبعضنا وأن يرعى بعضنا بعضاً وأن يؤمِّن كلنا كلنا،  وأن يراعي كلنا كلنا، وأن نكون مستسلمين لأمر ربنا، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 20/1/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق