آخر تحديث: السبت 20 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حقائق عن الإيمان وعن المؤمن

حقائق عن الإيمان وعن المؤمن

تاريخ الإضافة: 2012/04/20 | عدد المشاهدات: 4278

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا وحمى أوطاننا من كل مكروه.

والإيمان درجة أسمى من الإسلام، لأن الإسلام ظاهر والإيمان باطن، لأن الإسلام على الجوارح والإيمان في القلب.

أيها الإخوة: باعتباري أني ذكرت الإيمان وأنه أسمى من الإسلام، رأيت من الواجب أن أعرض على مسامعكم بعضاً من حقائق عن الإيمان حتى تنظر إلى هذا الذي احتواه قلبك تنظر إلى قيمته إلى عظمته وتسعى من أجل أن تؤصله عن قناعة في داخلك، فالإيمان إذا كان عن تقليد فلا يخلو من ترديد، أي من شك، عليك أن تؤصِّل الإيمان من خلال قناعة فكرية ووجدان، وإلا فالإيمان الذي تدَّعيه ليس هو الإيمان المطلوب، هذا الإيمان الذي تسعى إليه وتركزه في داخلك وتثبته في فؤادك عبر القناعة العقلية والوجدان، هذا الذي سأذكر بعض الحقائق عنه، هذا الذي ثبت في فؤادك بعد سعي جهيد وقوي منك، هذا الذي امتثلت وأنت تثبته في داخلك قول الله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا﴾، أي جددوا الإيمان واجعلوا إيمانكم بي نابعاً من تفكير وعن تفكير ومن وجدان ملؤه الصدق والأمانة.

الحقائق التي أريد أن أعرضها عليكم عن الإيمان وعن المؤمنين:

أولاً: الحقيقة الأولى، الإيمان أفضل الأعمال، أتريد أن تكون من الذين يعملون العمل الصالح ؟ انظر الإيمان فإنه أفضل الأعمال، سأل أبو ذر رسولَ الله كما جاء في البخاري ومسلم: أي الأعمال أفضل ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان بالله عز وجل). هذه هي حقيقة.

الحقيقة الثانية: الإيمان أساس الأعمال، من عمل صالحاً على أساس من غير إيمان فلا قيمة لعمله الصالح: ﴿ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً﴾ الإيمان أساس الأعمال الصالحة، أتريد لعملك هذا الذي تفعله أن يكون صالحاً، أسِّسه على الإيمان، إن لم تؤسس عملك على الإيمان فليس العمل بصالح حتى وإن كان نافعاً لأن الله طلب منك أن يكون عملك صالحاً مؤسَّساً على إيمان به فإذا كان عملك غير مؤسس على إيمانٍ به فمحله الدنيا فقط: ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً﴾ في الآخرة لأنه لم يؤسس على إيمانٍ بالله حينما عُمل.

الحقيقة الثالثة: للإيمان حلاوة تجدها في داخلك، فإن لم تجد الحلاوة هذه فأعد النظر في إيمانك، الإيمان له حلاوة يا ناس، الإيمان له لذه خاصة: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ هل تجد هذه الحلاوة أنت في داخلك إذاً أنت مؤمن تمتع بحقيقة بينة عن هذا الإيمان، هل تجد لذة لهذا الإيمان الذي يقبع في صدرك وداخلك أم أنك ترى الإيمان هذا عبئاً عليك ؟ هل تجد في الإيمان واحة تلجأ إليها كلما لفحك هجير الحياة أم أنك تعتبر الإيمان قد حمّلك أعباءً وأثقالاً ؟ (ثلاثة) كما جاء في البخاري (من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) هل تحب الله أكثر من ولدك ؟ هل تحب الله أكثر من نفسك ؟ هل تحب الله أكثر من الدنيا ؟ هل تحب رسول الله أكثر من ولدك ؟ لَأنتَ أحب إلينا من أولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ هكذا كان يقول الصحابة الكرام المؤمنون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) هل تحب أخاك هذا الذي يصلي بجانبك لله أم أن حبك يزداد إذ ترتبط به لمصلحة دنيوية، عند ذلك لا يكون هذا دليلاً على حلاوة الإيمان ولن تستمتع بحلاوة الإيمان إذا كانت علاقتك مع المؤمن محبتك له تزداد وتنقص بحسب المصالح الدنيوية الوهمية: (وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) هل تحب أن تعود إلى الكفر ؟ هل تحب أن تعود إلى الفسق ؟ هل تحب أن ترتد عن دينك ؟ هل تهوى هل ترغب هل يفوح منك شميمٌ من رغبة أو إرادة أو أمنية لتعود إلى الكفر بعد أن أنقذك الله منه ؟ أنت في إيمان وإن كان هذا الإيمان جاءك بالتوارث إلا أنك مدعو من أجل أن تحقق الإيمان في داخلك بالاجتهاد والتفكير والمنطق لكنه على كل حال شرفٌ لك، الإيمان شرفٌ لك لذلك: (وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار). هذه حقائق عن الإيمان، أما بعض الحقائق عن المؤمن، فانظر بعض الحقائق عنك لأنك تقول عن نفسك بأنك مؤمن.

أولاً: المؤمن ثابت لا يتأثر بإغراء ولا يتأثر بتهديد، هل تثبت وهل تصبر أمام الإغراءات وأمام الأمنيات وأمام الوعيد وأمام التهديد ؟ هل تثبت على إيمانك أم أنك تنزاح عن إيمانك إذ يلوح أمامك بريق دولار أو بريق مال أو بريق مصلحة شخصية أو عندما تخوَّف أو تهدد ؟ هل تترك الإيمان هل تنزاح عنه هل تعدل عنه ؟ إن كنت كذلك فأعد النظر في إيمانك: ﴿وغلَّقت الأبواب وقالت هيت لك﴾ ماذا قال يوسف عليه السلام ؟ يا شبابنا المؤمن صابر أمام التهديد والوعيد والإغراء والتحذير: ﴿وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي﴾ أيها الشباب الشَّارد عن دينه قولوا: معاذ الله. أيها الشباب المغرَّر بهم من أجل أن يعدلوا عن إيمانهم بربهم إلى اتباع الهوى والشهوات والنزوات قولوا جميعاً: معاذ الله إنه ربنا أحسن مثوانا، هذا إذا رُغِّبت، أما إذا رُهِّبت فقل كما قال أولئك الذين آمنوا بعد إذ كفروا فقل كما قال سحرة فرعون: ﴿لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خيرٌ وأبقى﴾. المؤمن ثابت أمام الترغيب والترهيب، أما الإغراء والتحذير، أمام التهديد والوعيد وبذل الأماني. نحن نحتاج إلى شباب ثابت لا ينزاح ولا يعدل عن إيمانه بالله إلى أي شيء سواه حتى ولو كلفه ذلك أن يكون فقيراً من حيث المال أو أن يكون معزولاً وأن يترك مكانة المنصب وأن يكون بعيداً عن الأضواء فكل ذلك مرغبات أو مرهبات يُراد منها ويُستهدف إيمانك.

الحقيقة الثانية: المؤمن مُمتحَن مُبتَلى، أتريدون أن تدّعوا الإيمان من غير بينة ؟ والبينة امتحان وابتلاء: ﴿أتصبرون وكان ربك قديراً﴾ إذا كنت مؤمناً فأنت معرّض للامتحان والابتلاء فإن صبرتَ فقد نجحت في امتحان الإيمان وها أنت ذا مؤمن وإلا فأعد النظر في إيمانك: ﴿أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين﴾ ستفتتن ستمتحن ستبتلى وانظر المؤمن الأعظم بين المؤمنين على الإطلاق من أول الخليقة إلى آخرها وقد ابتلي وهو النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ابتلي وامتحن وهو يرفع يديه إلى ربه وهو يقول: (إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي) فهل أنت تقول هذا في أيام محن تنتابنا وتمر علينا وتظللنا ؟ هل يقول الواحد منا في هذه الأيام الصعبة لربه إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي، أم تقول ما دام لي رصيد في البنك الخارجي فلا أبالي وما دام السفر متاحاً لي من أجل أن أترك بلدي فلا أبالي وما دام الشخص الفلاني داعماً لي إن كان من هنا أو من هناك فلا أبالي ؟ هل تقول هذا إذاً لستَ مؤمناً، المؤمن يقول عند الابتلاء لرب العزة جلت قدرته يرفع يديه إليه ويقول: إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي: ﴿فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين﴾، ﴿والله يعصمك من الناس﴾، ﴿فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم﴾، ﴿واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا﴾ المؤمن ممتحن ومبتلى.

الحقيقة الثالثة: المؤمن يحكم على الظاهر الحسن: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة﴾ يا ناس المؤمن يحكم على الظاهر الحسن فما بالكم تريدون أن تنفذوا إلى الدواخل بوسائل غير صحيحة لتحكموا على الظاهر الحسن بالسوء ؟ ما بالكم توزعون الإيمان هنا وهناك وتعدلون عن أن تصفوا به هذا أو ذاك لأنه لم يعجبكم ؟ من أين أتيتم بالحكم على الناس بأن هذا مؤمن وهذا غير مؤمن ؟ وهذا الذي قلتم عنه بأنه غير مؤمن ألقى إليكم السلام وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبعد ذلك تقولون عنه بأنه ليس مؤمن، ففي الحديث الذي يرويه البخاري: (إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما)، المؤمن لا يكفّر من ألقى إليه السلام، أتريد أن تتعرف على نفسك فيما إذا كنت مؤمناً، هذا الذي أمامك إن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو بالنسبة لك مؤمّن، وإياك أن تحكم عليه بأنه غير مؤمن لتغتاله، لتقتله، لتسفك دمه، لتنتهك عرضه... إياك، هذه حقائق واضحة اقرؤوها في كتاب ربكم وفي سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، يا ناس نحن بحاجة إلى صحوة لنتعرف على من حولنا وعلى ما حولنا، احتفظ بسوء الظن لتصرفاتك ولكن أن تجهر بأنَّ هذا الذي ألقى إليك السلام ليس مؤمناً، أن تجهر بذلك فهذا نقيض الإيمان وأنت تناقض الإيمان، يا إخوتي، يا أبناء بلدتي، يا أبناء وطني، يا أمة الإسلام، يا أمة العرب: الإسلام لم يعد الآن عامل اطمئنان في هذه الأوقات وإنما أصبح الإسلام للأسف الشديد عامل خوف، والمسلم يكاد يتمنى ألا يكون قد أسلم لأنه إذ يُسلم يُحكَم عليه بأنه غير مسلم، وإن كان غير مسلم احتُرم ربما أكثر من أن يكون مسلماً، تلقى إنساناً غير مسلم يكلمك بكلامٍ لطيف فتؤمّنه وتلقى إنساناً مسلماً يقول لا إله إلا الله ويلقي إليك السلام فترعبه لأنه لم يكن على الشاكلة التي أنتَ عليها لأنه لم يكن صورة طبق الأصل عنك أنت، ومن أنت حتى يكون هذا الذي تدعوه صورة صادقة عنك ؟ نحن نريد أن نكون صورة مستنسخة عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أسوتنا وقدوتنا، يا هؤلاء اتسعوا لما اتسع له قائدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم اتسعوا يا ناس، أوفعلتها يا أسامة ؟ قال يا رسول الله قالها خوفاً من السيف، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (هلا شققت على قلبه ؟) وأنت الذي لا تعرف ظاهراً فضلاً عن أن تعرف باطناً: ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً﴾ هذه بعضٌ من حقائق عن الإيمان وعن المؤمنين، الإيمان أفضل الأعمال، الإيمان أساس الأعمال، للإيمان حلاوة، هذه حقائق عن الإيمان، وأما بعض الحقائق عن المؤمنين فالمؤمن صابرٌ ثابت أمام الإغراء والتحذير، والمؤمن ممتحن ومبتلى، بيد أن الإيمان يساعده ويعينه، والمؤمن لا يحكم إلا على الظاهر الحسن، ويحكم على أمامه على الظاهر الحسن على أنه حسن.

إذا كنت كذلك أتدري ما النتيجة ؟ النتيجة حياة طيبة في الدنيا وجنة أعدت للمؤمنين: ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ شاء من شاء وأبى من أبى، يقسم ربنا أنه سيحيي هذا الإنسان المؤمن الذي تحقق بحقائق الإيمان وحقائق المؤمنين سيحييه حياة طيبة في الدنيا، وفي الآخرة سيدخله جنة الخلد: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً﴾ لكن لا تحسب أن هذا الأمر يأتي بمجرد أن تدَّعي الإيمان، للإيمان حقائق وللمؤمنين حقائق فإن كنت على بينة من هذه الحقائق فستكون في هذه الدنيا على حياة طيبة وفي الآخرة ستدخل جنة ربك وفي الدنيا أيضاً سيجعل لك الرحمن وداً وستكون مقبولاً.

اللهم إني أسألك ان تجعلنا ممن يتحقق بالإيمان وممن تنتابه وتسري عليه حقائق الإيمان بالله عز وجل، واجعلنا يا ربنا من المؤمنين المتحلين بتلك الحقائق التي هي في النهاية بينات، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 20/4/2012

 

التعليقات

شاركنا بتعليق