أمَّا بعد، فيا أيُّها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

ثمة فرائض تغيب عن أذهاننا فرضيتها، ونكادُ نظنُّها نافلة أو ر بما حسبناها أبعد من النافلة، من هذه الفرائض المنسيَّة والتي نذكرها ولا نُتبع التطبيقَ للذِّكر، هذه الفريضة فريضة صلة الرحم، وأعتقد أن جميعنا يذكر هذه الفريضة، لكنه لا يذكرها على أنها فريضة بل يذكرها على أنها نافلة أو ربما كانت أقل وأبعد قوة في الأمر من النافلة. الله عز وجل قال: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) وقال أيضاً: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتُقَطِّعوا أرحامكم) من صور الفساد في الأرض أن تُقطِّع الرحم، وأن لا تصل الرحم، من صور الفساد في الأرض هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) تسألني بعد أن ذكرتُ لك حُكم صلة الرحم وفرضيته: مَن الرحم التي يجب أن أَصِلها وكيفَ أَصِلُها ؟ الرَّحم هي: القرابة على إطلاقها من جهة النَّسب ومن جهة المصاهرة، وضمنَ هذه الساحة يتحدد الأقرب فالأقرب، كل قريب لك هو رحم يجب أن تصله إن كان عبر النسب أو عبر المصاهرة، إن كان لك قريب له جَاهٌ كبير وهذه القرابة بعيدة بالنسبة لك، لكنك عندما تذكره وهو ذو جاه تقول عنه بأنه قريبك، فالذي تذكره وهو ذو جاه على أنه قريبك عليك أن تذكر مَنْ هو في حاجةٍ وهو في نفس المستوى على أنه قريبك أيضاً. القرابة على إطلاقها هي الرحم التي ينبغي أن تصلها وأن تكونَ على صلة بها في حياتك وأن توصي بها مَنْ بعدك بعدَ وفاتك. كيف تصل الرحم ؟

الأمر الأول التعارف: تعرف على أقربائك، ابحث عنهم، الله عز وجل قال: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فإذا كان التعارف واجباً مع البعيد، والتعارف يفضي إلى التآلف، فإنه من باب أولى أن تتعرف وأن تتعارف مع أقربائك ليكون هذا التعارف أمراً وتجلياً من تجليات صلة الرحم، وكيف تصل رحمك إذا لم تعرفه.

الأمر الثاني: أن تلبي حاجته وأن تساعده وأن تتفقد أحواله: ابحث عن أقربائك، ابحث عن ذي الحاجة فيهم، وعمَّن يحتاجك إن كانت الحاجة مادية أو معنوية، تفقد هؤلاء، ولَبِّ حاجاتهم وساعدهم وأعنهم، فـ: (الصَّدقةُ على المسكين صَدقة، وهي على ذي الرَّحم ثِنتان، صَدقةٌ وصِلة) كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.

الأمر الثالث: الدُّعاء لهم في صلواتك وخلواتك: إذا كان أخوك المسلم يجب أن تدعو له في صلواتك فمن باب أولى أن يكون هذا الواجب آكد عندما يتعلق بذي رحم منك، يُروى عن بعض الصحابة كان يقول: "إني لأدعو لسبعين أخاً في صلاتي أُسمِّيهم بأسمائهم" ادعُ لأقربائك في ليلة النصف من شعبان، ادعُ لهم في سجودك في النافلة وفي صلاة الليل وحينما تتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء، لا تقصر الأمر على أولادك وإخوتك النسبيين، ولكن قل: اللهم إني أسألك مغفرةً وعوناً، وأن تُعطي وتمنح .... كما تدعو لأولادك، أسألك هذا لأقربائي وأرحامي، ولا حرج أن تذكر أسماءهم في النافلة في سجودك، بل لَعلَّه الأولى، اذكر أسماءهم ودرجة قرابتهم في صلاة النافلة.

ما أحوجنا إلى القيام بفريضة صلة الرحم لا سيما في هذه الأيام ، في أيام الفضيلة، في أيام الخير، في أيام شعبان، في أيام رمضان، ما أحوجنا إلى أن يتذكر العم ابن أخيه، وأن يتذكر ابن الأخ عمَّه، وأن يتذكر الخال ابن اخته، وأن يتذكر ابن الأخت خاله، وأن يتذكر القريبُ القريبَ، وأن يتذكر الصهر أهله وبيت حميه، وأن يتذكر كُلُّنا كُلَّنا، لأننا إن فتشنا وبحثنا ومحَّصنا لنجد بأننا نرتبط ببعضنا ارتباط القرابة عن طريق نسب ما أو عن طريق مصاهرة.

أقول أمراً احترازياً: إن وصلك أرحامهم فوصلتهم فليس لك شيءٌ من الفضل، أو ربما كان الفضل محدوداً، إن وصلوك فوصلتهم ليس لك شيء من الفضل الكبير، لكن الفضل الكبير ستحصله يوم يقطعونك فتصلهم: (ليسَ الواصلُ بالمكافئ) من وصلك وصلته فأنت مكافئ، من أعطاك أعطيته فأنت مكافئ ولست مواصلاً، (ولكن الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها) كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. أوما سمعتم البارحة حديثاً صحيحاً لم يصح إلاه فيما يتعلق بليلة النصف من شعبان: (إنَّ الله ليطلع فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) وهذا المشاحن مع كل الناس، أما المشاحن مع القريب فسيزداد الأمر سوءاً ولن يغفر الله له في هذه الليلة التي هي ليلة المغفرة الشاملة، (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعته رحمه وصلها). يا من قاطعتَ أخاك، يا من قاطعت أباك، يا من قاطعت قريبك اعلم علم اليقين أنك إن هجرتَ أخاك في الإسلام، ومن باب أولى إن هجرت قريبك كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هَجَرَ أخاه سنةً فهو كسفك دمه) وربما ظنَّ البعض أن الهجر يعني العداوة، لا يا أخي، أنت تهجر عندما لا تسأل وعندما لا تبحث، عندما لا تصل الصِّلة المطلوبة منك، ليس الهجر أن تبغض لكن الهجر أن تترك وأن لا تسأل وأن لا تبحث، ما بالنا نسمع مل هذه الأحاديث ولا نلتفتُ إلى ضرورة التطبيق: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه).

أخيراً: أتريد أن يكثر رزقك، وأن يُبارك الله في مالك وفيما تملك، أتريد أن يبارك الله في عمرك، أتريد أن تكون البركة حالَّةً في مالك وفي عمرك، كلنا يريد، فاسمع من أجل هذا كلام نبي الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق: (من سَرَّه أن يُبسَط له في رزقه وأن يُنسَأَ له في أثره فليصل رحمه) أن يبارك له في رزقه، قال شُراح الحديث: من أرادَ أن يُبسَط له في رزقه حقاً وليس مجازاً، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدَّث على سبيل الحقيقة وليس المجاز، (من سَرَّه أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره) أن يمتدَّ أجله، أن يبارك في عمره، (فليصل رحمه)، وأعتقد أن جميعنا يرغب ويريد ويتمنى ويسعى ويلح أن يكون رزقه مباركاً فيه وأن يكون أجله مباركاً فيه، وأن تكون سِنون حياته مُباركاً فيها، إذاً فالدواء من عند سيد الناس عليه الصلاة والسلام: (فليصل رحمه). هيا يا إخوتي في هذا الشهر الفضيل وفي شهر رمضان هيا إلى صلة الأرحام والأقارب وِفقَ البنود التي ذكرناها: تعرَّفوا عليهم وتعارفوا، ساعدوهم، لبُّوا حاجاتهم، ادعوا لهم في صلواتكم وفي خلواتكم، وأسأل الله عز وجل بفضل القيام بفريضة صلة الرحم أن يرفع عن بلدنا الغلاء والبلاء والوباء، اللهم إني أسألك حسن قيام بهذه الفريضة يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَنْ يُسأَلُ أنت، ونِعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القول وأستغفر الله.

أُلقِيت في جامع "السيِّدة نفيسة عليها السلام" بحلب الجديدة بتاريخ 18/3/2022

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/bQBgopWXFW/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg