آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الكرامة الإنسانية

الكرامة الإنسانية

تاريخ الإضافة: 2023/05/13 | عدد المشاهدات: 208

أمَّا بعد، أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

لعل أهم ما تحرص عليه أنت باعتبارك إنساناً هو الكرامة، أليس كذلك ? دائماً تقول: الإنسان بلا كرامة لا إنسان"، والإنسان هو الكرامة، ومن دون كرامة لا قيمة لي. أذكر منذ سنوات عديدة دخل أحد المدرسين علينا يومَ كنا طلاباً، وهذا المدرس في ذاك الوقت كان "عِلمانياً" أو "لا دينياً" فقال لنا: إن الأمم المتحدة، وهذه نقطة حضارية وتطور حضاري، إن الأمم المتحدة في عام ثمانية وأربعين وتسعمئة وألف أصدرت إعلانا يُسمى "إعلان حقوق الإنسان" في ثلاثين مادة، المادة الأولى من هذا الإعلان تقول: "يولد الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق"، هذه هي المادة الأولى، قال هذا الأستاذ هذا طور حضاري وتقدم حضاري. أجبناه في ذاك الوقت وقلنا له: إن كان هذا الذي تقول تقدماً وتطوراً حضارياً فما رأيك بقول الله عز وجل منذ أكثر من خمسة عشر قرناً حينما قال القرآن الكريم: (ولقد كَرَّمنا بني آدم)، فالتفت هذا الأستاذ مستغرباً، ولم يعرف آنذاك بأن في القرآن الكريم آية أو أن هذا الذي ذكرناه آية في القرآن الكريم، قال: أفي القرآن الكريم هذه الآية ? قلنا: نعم، وهناك آية أخرى في سورة أخرى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)، ثم تابعنا الحديث معه وقلنا: اسمع قصةً وردت عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، والقصة معروفة لدى الناس كافة، وترويها بعض كتب التاريخ يوم كان عمرو بن العاص والياً على مصر، وتسابق ابن عمرو بن العاص مع قِبطي، تسابقا في الخيل، فسبق القبطي ابنَ عمرو، فكان وَقْعُ ذلك على ابن عمرو ابن العاص صعباً، فلطم ابن عمرو القبطيَّ، وقال له: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين ؟! جاء أبو هذا القبطي وشكى أمره إلى الناس فقال له الناس: ما عليك إلا أن تذهب إلى عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، خليفة المسلمين في المدينة لتشكو ابنَ والي مصر، وفِعلاً ذهب هذا الرجل إلى المدينة المنورة، ووصل إلى أمير المؤمنين، إلى خليفة المسلمين، إلى عمر وشكى له هذا الذي ألمَّ به وحصل له، فاستدعى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عمرو بن العاص وولدَه إلى المدينة، ثم قال للقبطي: أهذا الذي ضربك أو لطمك ? قال: نعم. قال: الطمه. فضربه القبطي، ثم قال عمر بن رضي الله عنه لهذا القبطي: لو ضربتَ والده ما منعتك، لأنه إنما ضربك بسلطان أبيه، ثم قال كلمته المشهورة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟! لاحظوا العبارة التي جاءت في إعلان حقوق الإنسان: "يولد الناس أحراراً بالكرامة والحقوق" لاحظوا هذا التقارب مع عبارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، و: "يولد الناس أحراراً". تعالوا نتحدث عن الكرامة فيما بيننا، الكرامة الاحترام، الاحترام أن يكون لهذا الذي بجانبك حُرمة كما للكعبة حُرمة، كما للمسجد حرمة، فللإنسان الذي بجانبك حُرمة تفوق حُرمة الكعبة وتفوق حُرمة المسجد وتفوق حُرمة المشاعر والشعائر، لأن هذا الإنسان مقدس ومكرم من قبل الله عز وجل، فهل أنتم على وعي بهذه القضية يا أيتها الأمة الإنسانية بشكل عام، ويا أيتها الأمة الإسلامية، ويا أيتها الأمة العربية، نقول لأولئك الذين سَجَّلوا في إعلان حقوق الإنسان: "يولد الناس أحراراً متساوين في الحقوق والكرامة" هل تُنفِّذون هذا ? أيتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أيتها الدول الكبرى: هل تنفذون هذا ? هل تنفذين هذا يا أمريكا في العراق، في سورية، في أفغانستان، في الصومال ? هل تنفذين هذا يا فرنسا ? هل تنفذين هذا يا بريطانيا ? أنا لا أعتب ولكنني أتساءل وفعلاً أتساءل: هل تنفذون هذا في فلسطين ? هل الفلسطينيون يتمتعون بالكرامة التي أعلنتم عنها في إعلان حقوق الإنسان عام ثمانية وأربعين ? أهذا القتل الذي تَشُنُّونه على الفلسطينيين أهذا هو نتيجة هذا الإعلان ?! راجعوا أنفسكم، أما الإسلام، ولا أتكلم عن المسلمين، أما الاسلام هذا الدين العظيم فجاءَ ليقول: (ولقد كَرَّمنا بني آدم) وما مصدر التكريم، من الذي كرمك ? لو سألنا الغربيين ما مصدر الكرامة، ومن الذي يعطيك الكرامة لَوَجَموا وسكتوا، أما نحن فنقول: مصدر الكرامة ربك، ومن أَولى من ربك بأن يُعطيك الكرامة ? وإذا كرمك ربك فلا عليك مِن غيره إن كَرَّمك أو لم يكرمك. مصدر الكرامة ربك، (ولقد كرمنا بني آدم).

ثم بعدَ ذلك نقول: الكرامة نوعان: كرامة إنسانية، كرامة لأنك إنسان، وها هو أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه يكتب رسالة لواليه، وهذه الرسالة أضحت الرسالة الأشهر في عالَم حقوق الإنسان، يكتب لواليه في مصر مالك ابن الأشتر: "أَشعِر قلبَك الرَّحمة للرعية، ولا تكن عليهم سَبُعاً ضارياً، فالناس صِنفان: أما أخٌ لك في الدين أو نَظيرٌ لك في الخَلق" نظير لك في الخَلق، في الكرامة الإنسانية، لأنك إنسان فأنت مُكرَّم.

مَرَّت جنازة أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم فقامَ لها تقديراً وكرامة. فقالوا له: يا رسول الله إنها جنازة يهودي ! فقال لهم المصطفى عليه الصلاة والسلام: أوليست نفساً ? فما بالكم يا إخوتي وأنتم تتعاملون بعكس ذلك مع المسلمين، مع المؤمنين، مع الجيران، أين حرمة المسلم اليوم في عالم المسلمين ? نحن نتحدث عن إسرائيل فنقول: إن إسرائيل كيان مغتصب آثم فاجر، انتهينا منه، لكن أين كرامة المسلمين فيما بين المسلمين ?! حَدِّثوني عن هذه الكرامة، حدثوني عن اقتدائكم باعتبار الإنسان بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، بأمير المؤمنين علي، بأمير المؤمنين عمر، بهؤلاء الذين دَرَّسوا الإنسانية، دَرَّسوا حقوق الإنسان نظراً وعملاً، درَّسوا حقوق الإنسان واقعاً تطبيقياً مُطبَّقا مُنفذاً ونظريةً مُقنعة منطقية، أين نحن من هذا ؟

الكرامة الأخرى هي الكرامة الدينية، كرامة العبودية، كرامة الإيمان، هذه الكرامة أعظم ما يمكن أن يُطلَق عليك من صفة هي العَبدية: (سُبحان الذي أسرى بعبده) كرامة العبودية، وقال كل العلماء أو أغلب العلماء: إن أعظم مديحٍ للمصطفى صلى الله عليه وسلم جاء في سورة الإسراء في هذه الآية: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) فهل أنت تشعر بهذه الكرامة بأنك عبد، لقد شعر بها الإمام الشافعي رضي الله عنه فقال:

ومما زادني شَـرفاً وتيـهاً                     وكِدتُ بأخمُصي أطأ الثُّريَّا

دُخولي تحتَ قولك يا عبادي             وأن صيَّرتَ أحمدَ لي نَبيَّاً

لقد أدرك هذه الكرامة، فهل أنتم تقولون بينكم وبين أنفسكم: يكفيني عِزاً أني عبد لله، ويكفيني فخراً أن ربي الله، يكفيني عِزاً أنني عبدٌ لله، هل تستشعر هذه الكرامة بالنسبة لك وبالنسبة لغيرك، لهؤلاء الذين يُصلون معك، هم أيضاً عباد الله، تعترف بذلك أنت، فللعبودية كرامة تعلو على الكرامة الإنسانية لأنها درجة أرقى.

أيها الإخوة: ابحثوا عن كرامتكم في عبوديتكم، وابحثوا عن كرامتكم في إنسانيتكم، هل أنت إنسان، هل تتصف بصفة الإنسانية بشكل صحيح إذاً أنت مكرم، ابحثوا عن الكرامة في إنسانيتكم، وابحثوا عن عن الكرامة في عبوديتكم، فإذا كنت إنساناً عبداً توافرت فيه صفات الإنسان والعبد فنِعمَ المكرَّم أنت وإلا لا كرامة ولا وجود ولا حياة وإن كنت تمشي وتأكل وتشرب، فالله عَزَّ وجَلَّ فضَّل الأنعام على خلقٍ في ظاهرهم هم أناس لكنهم في الحقيقة: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل) اللهم متعنا بكرامة الإنسانية وبكرامة العبودية يا ربَّ العالمين، نعم مَن يُسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقولُ هذا القول وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتاريخ 12/5/2023

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/kuhQBCMuKL/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق