|
أما بعد ، أيها الإخوة
المؤمنون :
في زمن يكثر فيه الاضطراب ، ويتماوج فيه القلق ، ويكاد الحزن يرتسم على كل حي
وحارة وبلد ، يخجل الإنسان أن يكون متكلماً ، بل يحب في مثل هذا الزمن الذي
وصفناه أن يكون متحركاً عاملاً فاعلاً . ألا ترون إلى ما يحدث في فلسطين ؟! كنت
أقول لنفسي قبل أن أصعد المنبر : عن ماذا ستتحدث ؟ لكن أما وأن الخطبة فرض
والكلام ضرورة شرعية لا بد منها ، والنصيحة قضية أساسية في ديننا ، دفعني ذلك
من أجل أن أقول لنفسي ولأمتي وللعالم : إن العيش في مستنقع الذل لا يمكن أن
يرضى به إنسان أوتي من العقل ما أوتي ، وإن العيش وأخوك الذي بجانبك يقتل ويشرد
ويجرح لا يمكن أن يكون مقبولاً لدى إنسان لديه أدنى مِسْكَة من العقل . كلنا
يفتح عينيه على القنوات الفضائية ليرى ما يحدث في فلسطين ، واسمحوا لي أن أقول
: إن بعض قنواتنا الفضائية في عالمنا العربي تمر عليها هذه الأحداث وكأن شيئاً
لم يكن ، فبرامجها الترفيهية والرياضية والتزيينية هي كما هي ، تقف أمام محطة
تنقل لك حادثاً مروّعاً أوقع بإخوانٍ لك أكثر من خمسة وعشرين شهيداً ، وتأتي
على أخرى لتريك كيف تتجمل المرأة ، وثالثة تحدثك عن بطولة كأس أوروبا أو
إيطاليا ، والقناة هذه قناة عربية . لقد انعكس هذا علينا ، ولا أريد أن أحمِّل
القنوات والدول العبء وحدهم ، لكنني أقول : انعكس هذا علينا ، فشبابنا وأسرنا
أصبحوا حينما يستمعون إلى حديث أو إلى خبر عن أخ لنا في فلسطين قُتل ولده أو
استشهدت امرأته ، أو بترت ساقه ، أو أصيب في رأسه ، أصبح هذا الخبر وكأنه تاريخ
، وكأن القضية لا تمت إليه بصلة ، وإنما هي قضية أناس يعيشون على كوكب آخر .
لعلكم تقولون : وماذا عسانا نفعل ؟ لا أريد أن أسمع مثل هذا السؤال ، فمن توجه
إلى ربه جلت قدرته ، وتوجه إلى الحي القيوم أن يدلَّه على ماذا يفعل استجاب له
ربه . أريدك أيها الشاب أن لا تقول هذا الكلام وتعتبر نفسك بعد ذلك قد أسقطت
التبعة عن كاهلك ، لتكون هذه التبعة على كتفي . أريد أن تسأل ربك قائلاً :
اللهم إني أستهديك لأرشد أمري وأسألك علماً ينفعني . لو أنك سمعت عن ولد لك
يعيش في بلد الغربة ، وسمعت أن في هذا البلد مشكلة ما ، ألا تتوجه إلى ربك من
أجل أن يحفظ لك هذا الولد ؟! فما بالك لا تقوم بربع هذا العمل الذي تقوم به
تجاه ولدك ، حيال إخوتك الذين تُقتل نساؤهم وأطفالهم ولا يجدون الطعام ولا
المأوى . أنت تنام لكنهم لا ينامون . الليلة الماضية إخوتنا في فلسطين أُمطروا
بوابلٍ من طائرات العدو ، إخوتنا في مخيمات خان يونس وطولكرم والدهيشة في الضفة
وفي القطاع كانوا يعيشون قلقاً واضطراباً ، فالطائرات تمطرهم بوابل من القنابل
، وكذلك الدبابات ترميهم بأسلحتها ونيرانها وقذائفها ، كلنا سمع هذا ، ولكن ما
الذي تحرك فينا ؟! أصبحنا نسمع الأخبار لنتكلم فيها . ولكن فإلى متى ؟! إنه
نداء لكم وللقادة والمسؤولين وللعالَم والأمم ؟ لا يحمل كلامي هذا شيء من اليأس
، ولكن يحمل دعوة صريحة وسؤال إلى متى ؟ أنا لا أعرف اليأس لأن إسلامي حرم
عليَّ اليأس ، قال لي : ( إن لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) لأن
إخواننا في فلسطين علَّمونا من خلال أعمالهم البطولية والفدائية والاستشهادية
أن اليأس محرم ، علمونا كيف نزرع الأمل بين ثنايا الألم . لقد سمعتم أنه منذ
أربعة أيام وإلى اليوم قتل إخواننا في فلسطين أكثر من خمسين قتيلاً إسرائيلياً
وجرحوا أكثر من مائة منهم ، وإنهم في ذلك ليسطرون بأنهم في هذا العصر أبطاله
ورواده وعماله ، وإننا لنسطر أننا في هذا العصر من يتحدث ولا يزيد على الكلام
شيئاً . فيا إخوتنا في فلسطين نبارك لكم ، ونُشهد الله بأن ندعو لكم على أقل
تقدير في ليلنا ونهارنا ، فلقد أثبتم للعالم أنكم أصحاب قضية وأصحاب حق ، وأنكم
جادون في طلب هذا الحق ، وجادون في نزع مخالب الصهيونية الآثمة من أجسادكم
البريئة بقوة تستند إلى الإيمان بالله ، إن قوتكم المادية ضعيفة لكن إيمانكم
بالله متين . إن شاباً لم يتجاوز عمره السابعة عشرة اليوم غدا هذا اليوم فقتل
ما قتل من الإسرائيليين ، ضحى بزهرة شبابه وألقى بنفسه في أتون المعركة وجرح
أكثر من عشرين إسرائيلياً ، نسأل الله أن يجعل هذا الشاب وأمثاله في الفردوس
الأعلى ، وأن يجعل عملهم مقبولاً عنده .
في زمن الاضطراب لا بد من الحديث عن أساسيات ومسلمات ، وأساسياتنا ومسلماتنا هي
: إيماننا بالله لا يتزعزع ، وعقيدتنا بالإسلام أساسية ، الجهاد طريقنا إلى
النصر ، الوحدة بين المسلمين طريق هذا النصر ، المحبة بين المسلمين أساس الرفعة
والسيادة ، وإذا لم يتحد المسلمون والعرب فلا سيادة ولا قيادة ، وإذا لم
يجتمعوا على كتاب الله فلا رفعة ولا عِز ولا شان . هذه ثوابت يجب أن لا نحيد
عنها .
وحدتنا طريق إلى النصر ، وإذا كنا ننتظر غير ذلك فإننا بلهاء ، وإننا سُذَّج
نتجاوز درجة الغباء ، ولا يمكن للنصر أن يأتي على أيدينا ، ولذلك لا تستغربوا
أن يأتي النصر على أناسٍ يتحرقون ويتحركون من أجل النصر تضامناً مع إخوانهم
المقاتلين ، لأن النصر لا ينسب إلى الفئة المقاتلة فحسب وإنما ينسب إلى الأمة
شريطة أن تكون متعاونة متضامنة مع الذين يقاتلون ، وإذا كنا لم نتعاون كأمة ولم
نتضامن فلن يكون النصر . النصر لمن اتحد مع أخيه على الحق ومن أجل الحق ، النصر
لمن أحب أخاه الذي يعتقد أنه مثله وأنه على الحق ومع الحق ، النصر لمن محَّص
أساسياته وقواعده ، ونظر أوامر الله عز وجل إذ يقول له : ( واعتصموا بحبل الله
جميعاً ) ففكر في ضرورة القيام بهذه الفريضة ، ونظر موقفه من فريضة الاعتصام ،
هل اعتصم ليكون أهلاً لينسب النصر إليه ، هل اعتصمت مع أخيك كما قال سيدنا
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم : " وكونوا عباد الله
إخواناً " هل أنت أخ لهذا الذي تعتقد أنه على دينك ، والأخوة تعني حباً
وتعاوناً ونصحاً ، هل نظرت حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدعونا
لنكون صفاً واحداً ، وهل امتثلت أمر الله تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون في
سبيله صفاً كأنه بنيان مرصوص ) .
من لم يعي سنن التاريخ وقواعده فلا يمكن أن يفهم قواعد النصر ، وإن سنن التاريخ
وقواعده أثبتت أن الأمة التي تتحد بأجسادها وبقلوبها تنتصر على كل من عداها ،
إن أوروبا اتحدت بأجسامها وبمادياتها ، والواجب علينا أن نتحد بالأجسام
والماديات والقلوب ، وإذا اتحدنا بالأجسام والماديات والقلوب يمكننا حينها أن
ننتصر على الذين اتحدوا بالأجساد ، لكن إذا بقي هؤلاء متحدين بأجسادهم
ومادياتهم وبقينا متفرقين بالأجساد والقلوب ، فالنصر عنوانهم والخذلان عنواننا
.
في فلسطين اليوم وحدة ، وهذه الفصائل قد اتحدت ، ولذلك بدأت تباشير النصر ،
ولعلكم سمعتم ما قالته بالأمس بعض القنوات الفضائية أنه في بداية الانتفاضة كان
يُستشهد سبعة فلسطينيين مقابل واحد من الإسرائيليين يقتل ، أما في الأيام
الأخيرة فقد غدا واحد مقابل ثلاثة ، ارتفعت النسبة وهذه قضية مقلقة لإسرائيل
ومربكة لها ، لقد أربك إخواننا العدو إذ اتحدوا ، اتحدت حماس والجهاد والقسَّام
والأقصى وفتح والجبهة ، وأصبحوا يظهرون بمظهر المتحد ، ويضعون أيديهم مع بعضهم
البعض ، أثبتت هذه الوحدة المُعطَى المعرفي الذي يقول : بالوحدة وبالاجتماع على
الله يكون النصر . يا أمة العرب ، يا أمة الإسلام : أما آن لنا أن نصرخ في
وجوهنا ونحن ننظر المرآة إلى متى سنظل نَكْرَع كأس الذل ، ونجامل أعداءنا ،
ونعتقد أن أمريكا حَلَّت محل الله ، ونعتقد أن أمريكا تفعل ما يفعل الله بل
أكثر من ذلك ، وهذا ما عبر عنه بعضٌ منا غباء واستهتاراً بهذا الدين الحنيف .
إن أمريكا دولة ظالمة وآثمة وهي مع الإسرائيليين ولن تكون في يوم من الأيام مع
الفلسطينيين ، ولن تكون مع الحق ولا مع أصحابه ، فإلى متى سنظل ننظر إليها على
أنها القوة المطلقة ؟!
علينا أن نعيد النظر في الثوابت في زمن الاضطراب ، ومن أهم الثوابت : الإيمان
بالله ، المحبة من أجل نصرة دين الله الوحدة على الله من أجل الدفاع عن مقدسات
الله ، لا نريد سفك الدماء لكننا نريد أن ندافع عن أرضنا وعن حقوقنا ، أن ندافع
عن القرآن ، عن الأقصى ، عن القدس .
أين أموال الدول العربية التي بجب أن يذهب جزءٌ كبير منها لإخواننا في فلسطين
الذين لا يجدون طعاماً ولا شراباً ، وإنما اكتفوا بالنار والبارود ، فقد حملوه
على أكتافهم وضربوا به العدو ، فربما بقي الواحد منهم أكثر من أربع وعشرين ساعة
من غير طعام ، ولكنه يتابع العدو ويتحَرَّاه ، ويتسقطه من أجل أن ينال منه وأن
يقضي عليه ، ونحن ننظر إليهم على أن الواجب عليهم فحسب وليس واجباً علينا .
في مثل هذه الأزمنة يجب أن نتذكر الثوابت والأساسيات ، أن نزيل من بيننا التحسس
والحساسيات ، فحين نتحدث عن الحكومات العربية لا نتحدث عنهم من باب التَشَفِّي
، ولكنهم إخوة ، ونحن نُذَكِّرهم بتبعاتهم ويجب أن ينهضوا بتبعاتهم ، وإذا كان
مؤتمر القمة بعد أيام فيجب عليكم أن تتوجهوا لربكم قبل الذهاب إلى القمة ،
لتسألوه ما الذي يجب أن تقولوه في هذه القمة ، وليقل الواحد منكم ما يرضي ربه
وليس ما يرضي أمريكا ، ليقل الذي يرضي ربه ، وبعد ذلك فليكن ما يكون ، وطوبى
لإنسان أعطاه الله مقاليد المسؤولية فقام بها حق القيام وقال خير الكلام ، وعمل
خير العمل ، حتى إذا وجد نفسه عاجزاً عن أن يقول خير الكلام أعلن انسحابه ،
وأعلن اعتزاله . نحن نريد أن نكون صفاً واحداً القيادات والشعوب ، أن نقاطع
أمريكا ، أن نقاطع إسرائيل على أقل تقدير ، أخرجوا هؤلاء الذين يمثلون الدولة
الخائنة من بلادكم ، لا تجعلوا لبلادكم سفارات لها ، قولوا لأمريكا : لا ،
وقولوا لإسرائيل : لا . أنتم تقولون بأننا أصحاب حق ، وما دمتم تقولون ذلك
فأعلنوا هذا القولة وقاطعوا إسرائيل ، وقاطعوا الداعمين لإسرائيل ، والداعمين
لها في أي دولة كان ، قولوا لمن يريد منا أن نقيم علاقات مع إسرائيل : خسئت ،
اصمت ، اعزلوه وارفضوه .
أيها الإخوة ، أخيراً : أعيد ما قلت ، ثوابتنا الاعتصام بحبل الله جميعاً ،
والوحدة أساس وطريق للنصر ، المحبة بين المسلمين أساس الرفعة .
لسنا على الوجه الإيجابي الذي ذكرت وإنما أريد دعوتكم ودعوة نفسي قبلكم إلى أن
نكون على الوجه الإيجابي ، لنكون مفكرين فيما يجب أن نفعله حيال هذه الأساسيات
والقواعد والثوابت ، فلنتحد ولنعتصم ، ولنكن عباد الله إخواناً : " لا تدخلون
الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنون حتى تحابوا " الإيمان مرفوع من صدورنا إذا لم
تكن المحبة وشيجة تربط بيننا ، وبساطاً يجمعنا ننسجه بكل صفات خيرة .
هذه هي الثوابت ، فسلوا الله عز وجل من أجل أن يوفقنا لنكون عليها وبها ، وإلا
أرأيتم إلى هذا الذل الذي نعيشه ، وهذا الواقع المرير ، والفوضى التي نعيشها .
أسأل الله أن يوفقنا من أجل أن نكون إخوة متضامنين متعاونين معتصمين متحدين ،
وأسأل الله لدولنا العربية والإسلامية أن يفكر المسؤولون والشعوب من جديد حيال
هذه الثوابت ، وأن يتخذوها منطلقات لهم في مؤتمراتهم واجتماعاتهم ومنظماتهم
ومجالسهم ، إن ربنا على كل شيء قدير ، اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ،
نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات