آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الصفات الجاذبة والصفات النابذة

الصفات الجاذبة والصفات النابذة

تاريخ الإضافة: 2003/12/05 | عدد المشاهدات: 3392

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :

كثيراً ما نتحدث عن ضرورة ترابط أبناء مجمعاتنا ، وكثيرا ًما يرغب بعضنا إلى بعض من أجل أن يتحد الجميع وأن يأتلف الجميع ، وأن يشكل الجميع لحمة واحدة ، ولكن السؤال الذي يتبدى في مثل هذا الحديث هو وقد سألني بعضهم هذا السؤال : كيف يمكنني أن أكون مقبولاً لدى الآخرين ، وأن يكون الآخرون مقبولين عندي ؟ بعبارة أخرى : كيف أكون ذا ظل خفيف عند الآخرين يرغبون بي ولا يرغبون عني ، وكيف يمكن أن يكون الآخرون مرغوباً فيهم وليس مرغوباً عنهم ؟ بكل بساطة واختصار يقول علماء الإنسان : إن الإنسان صفات ، أنت صفات ، وإذا كان الإنسان صفات – كما يقول علماء الإنسان والذين يشتغلون بالاجتماع وبالنفس ، وأصبح هذا العلم يمزج بين الاجتماع والنفس ، وقد سمي بعلم الاجتماع النفسي – إذا كان الإنسان صفات ، فما الصفات التي تجعل منك إنساناً مقبولاً ، وما الصفات التي تجعل منك إنساناً مرفوضاً . أيضاً يمكن أن نسمي الصفات التي تجعل منك إنساناً مقبولاً بالصفات الجاذبة ، ويمكن أن نطلق على الصفات التي تجعل منك إنساناً مرفوضاً الصفات النابذة . من خلال قراءات شتى ومتعددة لهذا الذي ذكرنا وجدت أن الصفات الجاذبة هي : الحكمة والعلم ، والتواضع والحلم ، والكرم والرحمة والصبر . صفات سبع وجدتها من خلال الأنموذج الأول الذي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن خلال الصحابة الكرام ، ومن خلال العقلاء عند غير المسلمين ، ومن خلال الدراسات وجدت أن الصفات الجاذبة التي تجعل منك إنساناً مقبولاً عند الآخرين هي : الحكمة والعلم ، والتواضع والحلم ، والكرم والرحمة والصبر . وها أنا أقول لنفسي ولكم : انظروا صفاتكم ، انظروا أنفسكم ، قفوا أمام مرآة النقد الذاتي بينكم وبين أنفسكم ، فإن وجدتم أنفسكم أنكم تتمتعون بالحكمة والعلم ، والتواضع والحلم ، والكرم والرحمة والصبر فاحكموا على أنفسكم بأنكم مقبولون ، واحكموا على أنفسكم بأنكم أهل لأن تكونوا في عالم الانسجام الظاهري والباطني مع الآخرين ، افحصوا أنفسكم على ضوء قراءة مستفيضة لهذه الصفات ، وبعد أن تكون القراءة قد أودت بكم إلى ساحة التمكن المعرفي منها انظروا أنفسكم ، وهل أنتم ظلال ، وهل أنتم تجليات ، وهل أنتم محددات لهذه الصفات ؟ فاطمئنوا بعدها إن كان الجواب بالإيجاب إلى مقبوليتكم عند الآخرين .
إذا نظرنا إلى الصفة الأولى الحكمة ، والحكمة تعني العقل الواثق المطلع الفاهم الذي يتحرك في مصلحة الإنسان ، والذي يتحرك في مصلحة المخلوقات كلها ، ولا أدلَّ على حكمة الإسلام مما ورد في القرآن الكريم من دعوة إلى التحلي بها ، ومن تشجيع للأفراد من أجل أن يتصفوا بها ، ولطالما كررنا في مثل هذه المواقف قصة الأعرابي حسب ما جاء في مسند الإمام أحمد يقول هذا الأعرابي : دخلت إلى رسول الله ، إلى محمد – ولم يكن قد أسلم – وخرج يعلن الشهادة والإسلام ، فقالوا له : لم ، وكيف ، وما الذي جعلك مسلماً ؟ فقال : والله ما أمر بأمر قال العقل ليته نهى عنه ، ولا نهى عن شيء قال العقل ليته أمر به .
الحكمة والعلم ، والعلم مدعو إليه في القرآن الكريم ، يقول ربنا عز وجل :
﴿ وقل رب زدني علماً طه : 114 ويقول النبي عليه وآله الصلاة والسلام - افحص نفسك يا أخي كما كان النبي عليه وآله الصلاة والسلام يفحص نفسه في كل صباح - فيما يخص صفة العلم ، فقد قال كما جاء في الطبراني بسند حسن : " إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله ، فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم " الحكمة والعلم .
افحص نفسك على التواضع لأن من الصفات الجاذبة التواضع ، اقرأ حديث النبي القائل كما في صحيح مسلم : " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ، ولا يفخر أحد على أحد " واقرأ سيرة سيد المتواضعين عليه وآله الصلاة والسلام الذي روى الترمذي عنه أنه : كان يشهد الجنائز ويعود المرضى ، ويحكي مع العبد ، ويكرم العبد ، وقد رئي يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف وعليه إكاف من ليف . اقرأ سيرة المتواضعين وافحص نفسك هل أنت متواضع أم أنك لا تعرف للتواضع سبيلاً ، أم أنك تدَّعي التواضع وشتان بين ادعاء الصفة وبين التحقق بالصفة ، أكرر فأقول : الحكمة والعلم ، والتواضع والحلم .
افحص نفسك على قانون الحلم الذي وردت الدعوة إليه في القرآن الكريم ، يوم قال ربنا عز وجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم :
﴿ ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك آل عمران : 159 وكان النبي عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في الحاكم وأبو داود عندما جاءه اليهودي زيد بن سعنة وقد قرأ هذا الرجل في العهد القديم ، قرأ عن النبي عليه وآله الصلاة والسلام أن حلمه يسبق جهله وأن شدة الجهل عليه تزيده حلماً ، والقصة معروفة ، هذا الرجل أقرض النبي عليه وآله الصلاة والسلام قرضاً لأجَل ، وجاء قبل حلول الأجل يطالب النبي بغلظة ، يقول : يا محمد أعطني حقي – قبل حلول الأجل – ثم قال : يا بني هاشم : إنكم قوم مطل . تؤخرون الدين ، لا تؤدون الدين في وقته ، علماً أن هذا الرجل جاء قبل حلول الأجل ، وإذ بسيدنا عمر بن يقول : يا رسول الله دعني أضرب عنقه . فالتفت النبي عليه وآله الصلاة والسلام إلى عمر وقال : مَهْ يا عمر . عليك أن تأمره بحسن الاقتضاء ، وأن تقول لي بحسن الاقتضاء ، يا عمر إن لصاحب الحق مقالاً ، أعطه دَيْنه وزده أجر ما روعته " عند ذلك قال هذا الرجل الحبر في يهوديته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
إن الصفات الجاذبة – وهذا من باب التحديد – وقد درست ذلك دراسة مفصلة : الحكمة والعلم ، والتواضع والحلم ، والكرم والرحمة والصبر .
افحص نفسك على الكرم ، هل أنت كريم
﴿ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه الحديد : 7 ﴿ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون آل عمران : 92 هذا عنوان الكرم أن تنفق مما تحب ، أن تنفق كرائم المال ، أن تقدم وأنت محتاج ، ولذلك ورد في الترمذي أن رجلاً جاء إلى النبي عليه وآله الصلاة والسلام فقال له : يا رسول الله ! أعطني . فقال له النبي عليه وآله الصلاة والسلام : " ما عندي شيء ، ولكن اذهب فابتع علي " اقترض على حسابي ، خذ الذي تريد وسجل الحساب علي ، اذهب وابتع علي فإن جاءني شيء قضيته ، فالتفت إليه سيدنا عمر وقال : يا رسول الله ! ما كلفك ربك هذا وما عندك شيء . وإذ بالنبي عليه وآله الصلاة والسلام يقطب وجهه . لا ، لا أريد أن يقول لي أحد هذا . فقام رجل من الأنصار وقال : يا رسول الله ! أنفق ، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً . فالتفت النبي إلى ذلك الرجل متبسماً وقال لأولئك الذين كانوا معه : " بهذا أمرت " وأنا أغتنم هذه الفرصة لأقول لأغنيائنا : كونوا كرماء ، كونوا كريمين ، ﴿ أنفقوا مما جعلكم مستخلفين الحديد : 7 أنفقوا مما تحبون ، أقول لأغنيائنا ، لفقرائنا أيضاً : أنفق ينفق عليك ، حتى ولو كنت محتاجاً . ألتفت إلى الدولة لأقول : أيتها الدولة الكريمة ! كوني كريمة في عطائك ، إن شعبنا ، إن موظفينا بحاجة إلى زيادة الرواتب ، وبالتالي يجب على كل دولة تريد أن تكون مقبولة من قبل شعبها أن تزيد في عطائها ، أن تزيد فيما تعطيه لأبنائها ، أن تتمتع بالكرم ، نحن ندعو من خلال حرصنا على دولة محبوبة من قبل الشعب ، وعلى شعب يحب حكومته ، ويحب دولته ، ويحب قيادته . إن الكرم صفة جاذبة ، نضع هذا في آذان مسؤولينا ، حتى لا يقول الأغنياء ما لكم اجتمعتم علينا تطالبوننا بالإنفاق ؟! أوليست دولتنا قادرة بدراسة ما أن تكون أيضاً كريمة ، على أن تكون معطاءة . نحن نطالب بهذا ، نطالب بكرم الدولة فيما يخص موظفيها وعمالها ، لا نريد لموظف أن يتبناه غير الدولة إذا مرض الموظف ، ولا نريد لعامل أو موظف أن تتبناه غير الدولة إذا كان بحاجة إلى مأوى ، ولا نريد لعامل عند الدولة أن تتبناه غير الدولة إذا كان بحاجة إلى زواج ، كما نقول لصاحب المعمل ولصاحب المصنع ولصاحب المتجر : اكفِ هؤلاء الموظفين عندك ، ولا تحوجهم إلى أن يذهبوا إلى غيرك من التجار ، أو من الصناع ، أو من الزراع ، بل كن على يقظة من إشعارهم ومن تحسسهم بكفايتهم .
بعد الكرم افحص نفسك : هل أنت رحيم ، على أساس الرحمة
﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم آل عمران : 159 يروي الشيخان ومعهما أبو داود أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام في عودته من الطائف جاءه جبريل ومعه ملك الجبال : إن شئت يا محمد أطبق عليهم الأخشبين ؟ قال : " لا . عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله "

وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ             هذان في الدنيا هما الرحماءُ

" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " الرحمةَ الرحمة أيها المواطنون ، الرحمةَ فيما بينكم ، أيتها الدولة : الرحمةَ الرحمة بشعوبك ، أيها الشعب : الرحمةَ الرحمة بحكومتك ، أيها الأغنياء : الرحمةَ الرحمة بالفقراء ، أيها العاملون : الرحمةَ الرحمة بأعمالكم التي أوكلت إليكم . الرحمة . ﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم آل عمران : 159 وما أملك إن كان الله قد نزع من قلوب بعضنا الرحمة .
والصفة الأخيرة الصبر ، وتحدثت عن الصبر أكثر من مرة ، الصبر ثبات ، الصبر تضحية ، الصبر متابعة ، الصبر أن تقول بينك وبين نفسك : يا رب ! ثبتني على دينك ، يا رب ! اجعلني ممن يفي بعقد أبرمه الله معك يوم قال ربنا :
﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة التوبة : 111 الصبر استمرار ومتابعة ، والنبي عليه وآله الصلاة والسلام سيد الصابرين تحمل في سبيل مبدئه الحق تحمل المشاق ، أكل القليل ، كسرت رباعيته ، خلع كتفه ، وبقي يقول : " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب " الصبرَ الصبر أيها الإخوة المقاتلون في فلسطين ، وأغتنمها مناسبة لكي أذكر إخواننا في فلسطين ، آمل أن لا ينفد صبركم ، فإني أرى أحياناً بعضاً من نفاد الصبر عندكم ، وذلك ما لحظته عندما وقَّع بعض منكم ، وأنا لا أريد هذا منكم ، عندما وقع بعض منكم وثيقة جنيف في سويسرا ، لا أريد هذا ، إن في توقيعكم هذه الوثيقة تفريطاً بالحقوق ، إن في توقيعكم هذه الوثيقة تنازل عن حق العودة ، ونحن لا نريد هذا ، وهذا إن دل على شيء – ونحن لا نسيء الظن بكم – لكننا ننصح أنفسنا لوجه الله أن لا ينفد صبركم وأن تتابعوا طريق المقاومة لأناس لا يرقبون في الإنسان إلا ولا ذمة ، ورب الكعبة إنهم لمُجَرَّبون ، أعني اليهود الإسرائيليين ، لئن وقعوا معكم اليوم وثيقة فهم الذين لا يحترمون عقودهم ، ولا يحترمون توقيعهم ، ومن جَرَّب المُجَرَّب كان عقله أقرب إلى المُخَرَّب ، لا تجربوهم فقد جَرَّبهم التاريخ ، وأثبتت كل قواعد مفرزات التاريخ أن هؤلاء لئيمون ولؤماء ، وأن هؤلاء لا يرعون عهداً ولا عهداً ، وأن هؤلاء لا يصلح معهم إلا المقاومة ، المقاومة من قبل كل المسلمين ، من قبل كل العرب ، من قبل القادة والشعوب ، المقاومة الموحدة ، المقاومة التي تبتغي وجه الله عز وجل . أرجو أن لا ينفد صبركم أيها الإخوة الفلسطينيون ، وأرجو أن لا يلجئكم نفاد الصبر إلى ما لا يحمد عقباه ، اجتمعوا واصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله .
الصفات الجاذبة : حكمة وعلم ، وتواضع وحلم ، وكرم ورحمة ، ويجمع ذلك كله الصبر. اللهم إنا نسألك أن تمتعنا بالصفات الجاذبة من أجل أن نعيش إخوة متحابين ، نسالم من سالمت ، ونحارب من حاربت ، نعم من يسأل أنت
، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق