قليلة هي الدراسات
الإسلامية التي تلامس القلب والعقل الإنساني بأسلوب فيه الكثير من المحاجة البسيطة
، والتي تسعى إلى شدنا للدين ، ليس بتساهلها ولكن بقوة حجتها .
الكتاب الذي أصدره الباحث الدكتور محمود عكام " من مقولات الفكر الإسلامي " واحد من
هذه الدراسات التي ينسحب عليها هذا الحكم ، فمن خلال مقولاته التي طرحها في هذا
الكتاب يحاول باحثنا جاهداً أن يكشف عن الجوهر ، جوهر النص بما يحمل من أفكار ،
وليس عظات وأوامر ونواهي فحسب ، فهو في قراءة " مقولاته " يرى أن النشاط العقلي -
عمليات التفكير - يجب أن لا تتوقف ما دام النص مفتوحاً للقراءة .
توزعت مقولات الكتاب على ثمانية وعشرين فصلاً ( مقولة ) ، كل واحدة منها تتناول
قضية تفتح حواراً . نذكر منها :
1- الحضارة مفهوماً إسلامياً .
2- رؤية أولية لتفعيل دور الإسلام في الغرب .
3- هل الديمقراطية مطلب إسلامي ؟
4- الفكر الإسلامي والنهضة .
5- دور الدين في التحرر القومي : الصراع العربي - الإسرائيلي نموذجاً .
6- الثورة الإسلامية في إيران .
7- أهل البيت أمن من الزيغ وأمان من الضلال .
8- علي المرتضى عليه السلام بين الثناء والولاء .
9- ثورة الحسين ثورة الإنسان على الطغيان .
10- التحكيم في الفقه الإسلامي .
11- رؤية حول الاستنساخ والإنسان .
12- الإسلام والمخدرات .
13- الإسلام والموسيقا .
في مقولته عن ( الإسلام والموسيقا ) يقول : " إذا كانت الموسيقا تعني : النغمات
الموزونة التي يترقرق فيها الصوت الحسن ، الحامل للكلمة الطيبة النافعة المنتجة ،
فما أروعها إذاً من صيغة يتبناها العقل المتدين والدين المتعقل " ص 413 . هذا موقف
جرئ ومن مفكر إسلامي لا ينظر نظرة ( دوغمائية ) جامدة إلى الدين ، بل هو ينظر نظرة
فاحصة تفاعلت مع النص بشقيه ، محاولة تبسيط الأوامر والنواهي التي فيه ، بما يقرّب
ما بين الناس وبين دينهم . هو لا يفتي ، هو يدرس ويحلل ويصل إلى استنتاجات تزيد من
ثقة البشر بربهم .
أما في مقولته ( القضاء والقدر في الإسلام ) وبعد أن يستند إلى النصين " القرآني
والنبوي " في تعريفهما ، يذهب فيثير موقف الأمويين من القدر ، ومن النظرية (
القدرية ) التي شكلت جبهة ضدهم وحاولت إرزاحتهم ، ومن ثم رد الأمويين على القدريين
، وقتلهم " لمعبد الجهني وغيلان الدمشقي " الذي استعان به الخليفة العادل عمر بن
عبد العزيز على إصلاح شؤون المسلمين بعد أن اشترط على الخليفة عمر بأن يتولى "
غيلان " بنفسه بيع ما في خزائن بني أمية من متاع وذهب وجواهر فوافقه عليها ، وجمع
غيلان متاعهم ونادى في أهل دمشق : تعالوا إلى متاع الظلمة ( يقصد بني أمية ) .
تعالوا ...... من يعذرني ممن يزعم أن هؤلاء كانوا أئمة هدى ؟ وهذا متاعهم والناس
يموتون من الجوع !! طبعاً الباحث العكام هو يشير إلى ، هو يثير ، يفتح باب الحوار .
القدرية ربما تكون ذريعة أكثر منها سبباً أو حزباً أو مذهباً لدفع الصراع - تفجيره
- ما بين الظالم والمظلوم ، فما نعرفه أن معبداً الجهني هذا ذهب مع عطاء بن يسار
إلى الحسن البصري وقالا له : يا أبا سعيد ! هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين
ويأخذون أموالهم ، ويقولون : إنما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى ! فقال لهما
الحسن البصري : كذب أعداء الله .
في مقولته ( هل الديمقراطية مطلب إسلامي ؟ ) نرى أن الباحث الدكتور محمود عكام
يحاول أن يكون أكثر إحاطة وقوة في الرد على هذا السؤال : إن الإسلام ليس فقط ما
سجله الفقهاء السابقون واللاحقون من أحكام ومعارف ، بل هو كل ما يراه العقل حسناً ،
وما يحكم الذوق السليم بالخيرية ، وما يؤكده العلم الصحيح من حقائق الإسلام خير
مؤكد ونفع موثق ، ولا عليك بعدها من سعي لوصل هذا بظواهر النصوص . ص 121 . لندقق في
كلماته : ( العقل - الذوق ) رؤية العقل وحكم الذوق ، وكيف يترك للفكر وللحس أن
يتوصل إلى النتيجة . فالعقل الذي من أول مهامه بعد بلوغه سن الرشد أن يعرف الله ،
مرّ في مراحل تم تقييده وتكبيله كي لا يبحث إلا عن شقائه ، وعن طاعته للسيد المستبد
، فيقدم له خدمات على حساب حريته . الدكتور محمود عكام يحترم العقل ويدفعه للبحث عن
استقلاله ، إنجاز ثقته بالله التي كثيراً ما تتعرض للزعزعة .
من مقولات الفكر الإسلامي - بحث رزينا فيه أن الدكتور محمود عكام قرأ فيه النص ،
فسَّره في حدود المنطق ، ربما لامسه بشيء من الفلسفة ، لكنه بقي منطقياً ، بقي في
الواقع حتى لا يدخل في التجريد خصوصاً وأنه يناقش مقولات ، ولا يناقش نظريات .
المقولات هي موجودات نختلف فيها وعليها ، في تفسيرها وفي تطبيقها ، وهو في مقولاته
يحاول أن يصل إلى ما انقطع بيننا وبين ما استعصى علينا فهمه من النص لقلة بحثنا أو
تقييدنا عقلنا حتى لا يجتهد ، فالحكم عند الدكتور العكام إذن هو وصل موضوع تمّ بتره
، إعادة الحياة إليه ، وهو إنما يأخذ حكمه لا على أنه قطعي ( هو يجتهد ) مستنداً
إلى النص القرآني والنص النبوي ، ولا على أنه حكم فرضي لأنه لا نقاش ولا حوار ( لا
جدل ) فيه ، ولا على أنه حكم يقيني تحصّل بالحجة . في مبحثه المقولات هو يخرج من
إطار المنطق الصوري المحض ، هو ليس ذلك السلفي الذي يتدثر بالتراث عندما يهاجمه
البرد ، برد الطغاة الذين يجيّرون النص لخدمة أهدافهم ومآربهم الدنيوية ، هو يذهب
إلى النص ليس محتكماً فحسب ، بل ليستنبط منه باجتهاده ، بالمنطق المعرفي الاستدلالي
الأحكام التي تهوّن علينا مصيبة ألمت بنا ، وهو يليّن القلب ولا يقسّيه .
التعليقات