لقد كانت مفاجأة لي أودت ببعض
أحلامي وكلامي وربما بأوهامي، إذ شعرت بانكسار أليم وأنا أُسأل من قِبل الموظفة
الألمانية في مطار
(دوسلدورف)
هل تملك تأشيرة لـ (أبو ظبي) ? فأجبتها : نعم
ولكنها غير مدونة على جواز السفر، فأنا مدعو من بعض الأخوة هناك لقضاء عدة أيام،
وها أنا أملك (فاكس) لهذه الدعوة
.
أجابت الموظفة : حسناً ولكن لابد من (فيزا)
رسمية مسجلة على الجواز، وما نحن بذلكم المتشددين، وإنما هي مطالب حكومة (أبو
ظبي) فهل تسمح
?
أريتها (الفاكس) وهو باللغة العربية، فاقتنعت دون أن تطلب
الترجمة، ما دمت أمامها في حالة لا تتحمل المخالفة - والتقدير لها - وطوبى لمن وعى
فقدّر .
لكنها عادت لتقول : إن حكومة (أبو ظبي) مُصرة على أن تكون البطاقة
ذهاباً وعودة، وها أنت تملك بطاقة ذهاب فقط، أجبتها - وقد دارت في ذهني مئات
الكلمات الحزينة - سأحجز من هناك إلى دمشق.
فقالت: لا يوافقون
.
فقلت:
إذاً احجزي عودة إلى ألمانيا أو إلى دمشق
.
ووجمت، وقالت بعد لحظة تفكير: حسناً
سأدبر لك الأمر، وذهبت ثم عادت لتخبرني بأنها قد وضعت حجزاً أولياً وابتسمت قائلة:
حتى لا يزعجوك هناك
.
يا الله، عربي تُدبِّر أمره امرأة ألمانية حتى لا يُزعَج من
قِبل عربي آخر ?!! إيه دنيا العروبة...
نعم إنها شكلية تمتُّ إلى الحقيقة بكبير
صلة، والذي يزيد الألم ويقلق الفؤاد، مقارنة بين ما حدث وبين سفر أمضيته قبل ليلة
حين انطلقت - أنا العربي - من ألمانيا إلى هولندا، إلى بلجيكا دون حدود أو سدود أو
سؤال أو كلمة.
رباه : هيِّء لنا من أمرنا رشداً، واجعل شعوبنا تثور ضد الحدود
والسدود، وقوِّ في دواخلها شعوراً بضرورة هذا، وأبعد عنا المشرذِمين والمفتتين
وتبريرهم الواهم السخيف لأفعالهم المعادية لسبل الوحدة، فقد يقولون: الحق مع حكومة
(أبو
ظبي) أو سواها مما ماثلها، لأن عرباً كثيرين يدخلون ولا يخرجون، فلا بد من
التدقيق والتشديد، وجوابي:
لا يا عرب: فأنتم كرام وبيوتكم تتسع لكل صديق، فضلا
عن أخ ومستنجد، فضلاً عن لائذ.
لا يا عرب: لا يخدعنكم الشيطان وجنوده ليدخلوا
هُم مكان إخوتكم، ولا يلفتنكم عن الشهامة والكرامة واللطف والأناقة لافت كائد يكيد
لكم كيداً; فلقد عهدنا العرب ذوي حياء وأرباب فضل.
لا يا عرب: نحن لبعضنا،
وكلنا لغيرنا، والكل في النهاية إنسان، والإنسان يسعد مع الإنسان بالأمان.
لا
يا عرب: لا تدعوا غيركم يسبقكم إلى خير، لا لأنكم أنانيون بل لأنكم قدمتم منه
لغيركم قبل أنفسكم، فالعهد عنكم أنكم أريحيون.
لا يا عرب: كسِّروا الحدود
وأزيلوا السدود، وقولوا ما قاله سيد العرب والعجم صلى الله عليه وآله وسلم : "إن
الأشعريين إذا أرملوا جمعوا أوعيتهم في وعاء واحد ثم تقاسموه بينهم، فأنا منهم وهم
مني" .
يا عرب: إلى اللقاء في دمشق الوحدة، وكل لقاء في مدينة الوحدة خيِّر
معطاء.
1995 في الطائرة من ألمانيا إلى أبو ظبي
التعليقات