لقطات تفسير بيانية (نموذج)
قال تعالى: (الحمد لله ربِّ العالمين) وهذه هي أول آيةٍ لأوِّل سورة افتتح بها المصحف، فلا حاجة إلى بيان "الحمد" لغة ودلالة ما دام الإنسان القرآني لا ينفكُّ لسانه – بَلْهَ – قلبه دائماً عن مقولة "الحمد لله" وفي كل حال وحول ولا سيما في الرَّخاء. أما السؤال الذي يُطرح: فهو بيان "الله" لفظ الجلالة و"رب". وهنا يقال: حُمِدَ الله ذاتاً، والربُّ صفة تتعلق بالمخلوق الأسمى (الإنسان) الخليفة، فالله رب هذا الإنسان، والرب: القيُّوم العام "مادة ومعنى" و: "العالمين" هم الناس، إذ كل واحد منهم عالَم قائم بذاته، وهنا تتجلَّى عظمة هذا الرب حين أنزل "منهاجاً" كتابه صالحاً للنَّهل منه من قِبل كل واحد من الناس رغم الاختلافات العقلية والفكرية والتكوينية والكسبية بينهم، فيا أيها الإنسان: لا وجود لك إلا بمعبود حق هو "الله" وبقيوم عليك "مسؤول" هو ذاته المتحلِّي والمتجلِّي بالربوبية (يُعنى بك إيجاداً وإمداداً). وإذ يكون رب العالمين جميعهم على تنوعهم واختلافهم فهو رب كل "عالَم" إنسان في تقلباته السلوكية وتغيراته الفكرية وأحواله النفسية، وعموم الأفراد يعني شمول الفرد كله (وعموم الكم يقتضي عموم النوع). ونتابع: فيذكر القرآن صفات هذا الرب (الرحمن الرحيم) فالرحمن وصف "لله" والرحيم صفة للرب (على اللفِّ والنَّشر المرتَّب)، والرحمن تجلَّى بالخالقية فخلَقك يا أيها الإنسان وأوجدَك، والرحيم تجلَّى بالربوبية متعهداً تربيتك (مادة ومعنى): (ولتُصنع على عيني). والأوزان الصَّرفية (الرَّحمن فعلان) (والرَّحيم فعيل) فالأولى فعلان صفة ثابتة وقوية ولا تثبت إلا لمن يقدر على "الخلق والإيجاد"، وها هو ذا أوجدك وخلقك، أوجدك بقضائه وخلقك بقدره، والرحيم هو يرحم دائماً (مع الإمداد) وكأن المعنى غدا: الرحمن الذي خلقك وصورك وسواك وعدلك، والرحيم الذي (يربيك) عبر كتبه ورسله لتبقى في أحسن تقويم ظاهراً وباطناً. ومن كان كذلك – في النهاية – فلا سواه يعبد (إياك نعبد) وجدك دون سواك.
حلب
22/12/2018
محمود عكام
التعليقات