آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


تعـــليقـــــات

   
*في حَضرةِ غيابِ الحفَّار..*

*في حَضرةِ غيابِ الحفَّار..*

تاريخ الإضافة: 2020/03/23 | عدد المشاهدات: 1429

كتبَ الدّكتور علي محمود عكَّام:

*في حَضرةِ غيابِ الحفَّار..*

أيُّها الرَّاحلُ اليومَ عن أشباحنا، والمقيمُ أبدًا في أرواحنا..

العزيز المِفَنّ أبا أديب..

في مشهدِ وداعِك المَهيب..

في حضرةِ غيابك المؤلم..

لعلَّ أندَى ما يَبُلُّ ثراكَ اليوم هو ذاك القانون الوجوديُّ السَّاري بين الموجودات والنَّافذُ فيهم بلا تخلُّف: "إنَّما الجزاءُ من جنس العمل.." فإذا حقَّت هذه المعادلة -وهي حاقَّةٌ في الدُّنيا والآخرة بلا ريب- فاستبشرنَّ إذًا، ولْيَستبشرنَّ معكَ أهلوكَ وأحبَّاؤكَ وسامعوك..

استبشرنَّ -يا أبا أديب- برحمة الله وبسنَّتِه التي تحكي هذا المعنى: (هل جزاءُ الإحسانِ إلَّا الإحسان..)، وبحديث النبيِّ صلِّى الله عليه وسلَّم الذي يُقاربُ المعنَى ذاتَه: "أهلُ المعروفِ في الدُّنيا هم أهلُ المعروفِ في الآخرة".

نعم، فقد كان معروفُكَ الذي دأَبتَ عليه، وعملُك الذي أبلَيتَ فيه صوتَك وروحكَ، نثرَ الجمالِ وإشاعةَ السُّرور في الأنحاء والأحناء..

والقلبُ يَعشقُ كلَّ جميل.. ولذا أحبَّتك القلوب..

واللهُ من فوقها "جميلٌ يحبُّ الجمال.."

ولذا أحبَّك الله، أجلْ، فلولا حبُّه إيَّاك لما بَسطَ لكَ المحبَّةَ في قلوبِ أحبابِه.. أولئك الذين صافَحْتَ أسماعَهم بصوتِكَ النِّديِّ البهيِّ، وهيَّمتَ أفئدَتَهم باحترافِك الفنِّيِّ السَّنيِّ..

ولعلَّك الآنَ -حيثُ أنتَ- ملحوظٌ بأنظارهم، فهم أهل العرفانِ والوفاء، ولعلَّك غدًا في مَشهدِ الحسابِ -كما نرجو- مشمولٌ بشفاعتهم ومعيَّتهم، فهم أهلُ النَّجدة والسَّخاء..

وقد كانوا بالأَمسِ المَنشودينَ في نداءاتك وابتهالاتِك وضَراعاتِك..

وقد صاروا اليومَ الحاضرينَ في مَصيرِك، والمُحتَفين بقُدومِك، تُحاضِرُهم وتُناجيهم وتناغِمُهم -كما شاءَ لكَ الهوى-، روحًا لروحٍ، وسرًّا لِسرٍّ..

وكأنّي بكَ تردِّدُ في حِماهم من جديدٍ ما كنتَ تَرفعُ به عقيرتَك الشَّجيَّةَ في كلِّ نادٍ وواد، ولكنْ بلسانِ الحقيقةِ وفي دنيا الخُلود:

فيا جيرةَ الشّعب اليمانيْ بحقِّكم      صِلوا أو مُروا طيفَ الخيال يزورُ

بعدتُّم ولم يَبعُد عن القلبِ حبُّكم       وغبتُم وأنتم في الفؤادِ حضورُ

أعيروا عيوني نظرةً مِن جَمالكم         فما كلُّ مَن يبغي الوصالَ يُعيرُ

وضَحوةُ عيدي يومَ أُضحِي بقربكُم    عليَّ من اللُّطفِ الخفيِّ سُتورُ

وإنَّي لمُستغنٍ عن الكون دونكم          أمَّا إليكم سادتي ففقيرُ..

طُوبَى لكَ افتقارُك يا أبا أديب،

 فقد صيَّركَ اليومَ غنيَّاً:

قلبي غَنيٌّ بهم عن كلِّ بارزةٍ                  لكنْ لهم أبدًا واللهِ مفتقرُ

باللهِ يا سائقَ الأظعانِ خُذ خبرًا           من الكئيبِ الذي أودَى به الخبرُ

واذكُر لأهل الحِمى من شأنِه أثرًا          فالعينُ غالَت به والشَّخصُ والأثرُ..

سلامٌ عليكَ يا أبا أديب في المحبِّين..

وسلامٌ على صوتِك في الضَّارعين..

وسلامٌ على روحِك النَّاعمةِ برحمةِ الله في الملأ الأعلى إلى يوم الدِّين..

حلب

28 رجب 1441 هـ

علي محمود عكَّام..

التعليقات

شاركنا بتعليق