آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
مظاهر الخَواء الروحي -1-

مظاهر الخَواء الروحي -1-

تاريخ الإضافة: 2021/08/22 | عدد المشاهدات: 878

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

زارني عددٌ من الشَّباب وقالوا لي: إن المجتمع كما نسمع أضحى مجتمعاً مادياً، فما معنى هذا الكلام ؟ قلتُ لهم: هل تعلمون وتدركون أن الإنسان جسم وروح ؟! أجابوا: نعم. قلت: فأيُّ الأمرين أهم بالنسبة لوجود الإنسان ؟ فقالوا: تعلَّمنا في الصِّغر أن الإنسان بروحه، وقد سمعنا بيتاً من الشِّعر وحفظناه:

أقبل على النفس واستكمل فضائلها         فأنتَ بالرُّوح لا بالجسمِ إنسانُ

قلت لهم: إذا كان الروح هي الأهم بالنسبة للجسم، فما الذي نقدِّمه لهذه الروح ؟ ألسنا نقدم للجسم حاجته للطعام والشراب أكثر من حاجته، نقدِّم له زيادةً على الحاجة من الطعام والشراب واللعب واللهو، فما الذي نقدِّمه للروح في مقابل هذا الذي نقدِّمه للجسم ؟ قالوا: إذاً كيف تصف هذا المجتمع ؟ قلت لهم مجتمع يتَّصف بالخَواء الروحي، مجتمع إذا كان يتصف بالخواء الروحي فمعنى ذلك أن الجسم فيه يلتذُّ ويرتاح والروح تتعب وتستوحش، ومظاهر هذا الخَواء، حتى ونحن نعبد الله، نصوم ونصلي، مظاهر هذا الخواء:

نَعبُدُ مِن غير حُبٍّ: أترونَ إذ تأتون إلى المسجد الآن، تأتون - ولا أعمِّم – وتنتظرون اللحظة التي تنتهون منها لتخرجوا وتعودوا إلى البيت وكأنكم تعبتم من هذا الذي قمتم به. نعبدُ من غير حُب. وقفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً ما يُصلِّي، أتدرون – أيها الإخوة – كم بقي يُصلي ؟ صلَّى حتى تورَّمت قدماه، وفي رواية حتى تشقَّقت قدماه. أيها الشباب: من منكم يقف يُصلي في الليل حتى يتعب وتتورم قدماه، الرسول صلى الله عليه وسلم وقف حتى تورمت قدماه لكنه لم يكن ليشعر وإنما كان الحب يسيطر على كُلِّيته صلى الله عليه وسلم ، تسأله السيدة عائشة رضي الله عنها: وأنتَ يا رسولَ الله وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر !! فيقول: (أفلا أحبُّ أن أكون عبداً شكوراً).

دعونا نتصارح، من منا أيها التاجر وأيها العالم والأستاذ والمرأة والزوجة والزوج والعسكري والجندي: من منا يصلي من أجل الصِّلة مع الله، من أجل أن يرتاح، من أجل أن يُعطي لروحه رِيَّها، من أجل أن يُقدم للروح ما تحتاجه، نعبدُ من عير حب. قرأتُ عن محمد إقبال رحمه الله الشاعر العالم الفيلسوف الهندي الباكستاني عندما وصل إلى أعلى المناصب العلمية والسياسية وقف يخاطب الناس وقال في مُستَهلِّ حديثه قال: "يا ربِّ مهما شئت أن تحرمني فاحرمني، ولكن لا تحرمني لذَّة مُناجاتك في هَدأة الليل" نسجُد ولا نستشعر أننا في سُجودنا نُسارِرُ الله عزَّ وجل، نقرأُ القرآن في الصلاة ولا نستشعر أننا نكلم الله عز وجل (أرِحنا بها يا بلال)، الصوم سِرٌّ بينك وبينَ الله لأنه لا يعلم بالصوم إلا الله: (إلا الصوم فإنه لي وأنا الذي أجزي به) الصومُ يُعلِّمك على أن يقوى السِّر الذي بينك وبينَ الله فإن وقعتَ في أمرٍ أو كربٍ قلتَ: اللهمَّ بسِرٍّ بيني بينك فرِّج عني ما أنا فيه. أتنظرونَ هذه الحال التي نحن عليها، سبحان الله ما أعظمَ الله وما أرحمَ الله، سبحان الله حتى العبادة التي نقومُ بها أصبحت مظهراً من مظاهر المادة.

أما المظهرُ الآخر نتعلَّمُ من غير إحسان: وأنا لا أتوجَّه فقط إلى الذين يتعلَّمون في المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات، لكنني أتوجَّه إلى الجميع، لأنَّ الإنسانَ عليه أن يتعلَّم: (إذا أتى عَليَّ يومٌ لا أزدادُ فيه علماً يُقرِّبني إلى الله فلا بُوركَ لي في شمس ذلك اليوم). أيها المتعلِّمون: الإحسان ثلاثة أمور:

الإتقان: يا أيها المتعلمون من مختلف الفئات أتقنوا وأنتم تتعلَّمون، أتقنوا المضمونَ وأتقنوا الأسلوب: (ليسَ منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرِف لعالمنا حقه)، وفي رواية: (ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرنا) الإتقان للمضمون بالتَّوثيق والتَّحقيق، والإتقان للشَّكل لإعطاء الشَّكل الأدب، المعلمون يشكون من طلابهم لأن طلابهم لا يتعلمون بإحسان، بإتقان المضمون والشَّكل من حيث التوقير والإجلال والإكبار، والأب يقف بجانب ولده ولو كان على الباطل، إن كان المعلم قد أدَّب ولده فها هو ذا يغدو إلى المدرسة ليشكو المعلم الذي قسا أحياناً على ولده. ألا ترون إلى مدارسنا ومعاهدنا ومساجدنا ومؤسساتنا التعليمية، إلى أُسَرِنا حتى، الولد لم يعُد يتعلَّم من أبيه فضلاً عن أن يتعلم منه بإحسان، والإحسان إتقان وإخلاص، أنت تتعلَّم لوجه الله، أنت تتعلم لترضي ربك، لأنَّ الله يرضى عنك وأنت تتعلم. الإحسان: إتقان للمضمون والشكل، والإحسان إخلاص أيضاً: (إن لم يكُن بكَ غضبٌ عَليَّ فلا أُبالي) يا ربِّ أنا أتعلم وأتحرك كل حركة من أجل أن تكون راضياً عني يا طالبنا وأنت تذهب إلى المدرسة والمعهد والجامع قل: اللهم إني أبتغي بذلك وجهك الكريم. يا أخي يا أيها السائل: الخَواء الروحي في هذا. هل طلابنا إذ يذهبون إلى مدراسهم يقولون لربهم وهم في طريقهم: اللهم اجعل تعلمنا خالصاً لوجهك الكريم. ما أظن ذلك. والإحسان بالإضافة إلى الإتقان والإخلاص الإحسان شُكر، إذ تتعلَّم عليك أن تشكر الله إذ وفقك للعلم، لأن العلمَ فضيلة الفضائل: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) عليك أن تشكر الله، نشكر ربنا عز وجل ونشكر المعلِّم، ونبدي للمعلم الاحترام الذي يفوق كل احترام، نحن نحترم بالعصا، أما أن نحترم بدافع من محبة الله، بدافع من مرضاة الله فهذا ما يجب أن نتحقق به، وهذا ما نحن بعيدون عنه، ولذلك أدعو نفسي وإياكم إلى أن نتعلم بإحسان. أيها المتعلمون والعابدون: نعبد من غير وحب، ونتعلم بغير إحسان، وسنكمل هذه المظاهر في الأسبوع القادم إن شاء الله، وأسأل الله أن يحعلنا ممن يتطلَّع إلى روحٍ وثَّابة تنشط في مجال العبادة والعمل، في مجال الحركة، وفي كل مجالات الحياة لتكون هذه الروح ترفرف حول سُبُحات الله جلَّ شأنه، اللهم اجعل أرواحنا تتطلع إلى مرضاتك، واجعل عقولنا تتطلع إلى معرفتك، واجعل قلوبنا تتطلع إلى محبتك يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السلام بحلب الجديدة بتارخ 20/8/2021

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/7yn1TFFBya/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

ندعوكم لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg

التعليقات

شاركنا بتعليق