آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سبل المصالحة الربانية

سبل المصالحة الربانية

تاريخ الإضافة: 2012/07/06 | عدد المشاهدات: 4559

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا الأبرياء، وحمى أوطاننا من كل مكروه.

أيها الأحبة:

يحاول المخلصون في هذا البلد الكريم أن يسلكوا أسباب الأمن والأمان والاطمئنان والحماية لهذا البلد، فيتحدثون عن الحوار ويتحدثون عن المصالحة الوطنية، ويتحدثون عن نبذ العنف ويتحدثون عن عدم انتهاك الأعراض ويتحدثون ويتحدثون، وكل هذه أسباب، لكنهم ونحن نقرهم على هذا الذي يتحدثون عنه، لكنه في رأيي يحتاجون إلى أن نذكّرهم جميعاً دون استثناء، أن نذكرهم بسبب من الأسباب التي غفلوا عنها، هذا السبب هو المصالحة الربانية، المصالحة الإلهية، المصالحة التي تمر عبر قناة العبودية لرب العزة جلت قدرته، فهل يا أيها الإخوة في هذا البلد تذكرون هذا، وإن كنتم تذكرون فهل تفعِّلوا هذا السبب ؟ أنا أدعو إخوتي في بلدنا في وطننا كله إلى المصالحة مع الله عز وجل وأعتقد أن الأوان قد آن، أنا معكم في اتخاذ الأسباب التي تتحدثون عنها بوسائلكم الإعلامية لكننا هنا في وسيلتنا الإعلامية هذه على منابرنا لنا سببٌ أيضاً ولنا طريقٌ نريد أن نبينه، وكما تدعوننا جميعاً ندعوكم جميعاً، تدعوننا إلى الحوار ونحن معكم، تدعوننا إلى المصالحة الوطنية ونحن معكم، وها نحن أولاء ندعوكم على المصالحة الربانية لأنكم جميعاً تقولون بأنكم تنتمون لله عز وجل وهو خلقكم حتى الذين يسمون بالشيوعيين يقولون لا تتعارض الشيوعية مع الإيمان بالله وقد سمعت هذا من جُلِّ الذين ينتسبون لهذه الإيديولوجية كما يُقال، لذلك أدعو الجميع في هذا الوطن رئيساً ومرؤوسين حاكماً ومحكومين جنوداً وضباط إعلاميين ومدرسين أطباء ومهندسين قضاة ومحامين عمالاً وتجاراً رجالاً ونساءً طلاباً ومعلمين أدعوهم إلى المصالحة الربانية إلى المصالحة مع ربنا عز وجل من خلال التوبة والدعاء، اذكروا بأن الله يدعوكم من أجل أن تدعوه ليستجيب لكم، ألم يقل الله عز وجل: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم﴾ ؟ فلماذا لا تدعوه ولماذا لا تتوجهوا إليه ؟ ولماذا لا تعرض بينك وبين ربك في جلسة خاصة وفي جلسة نوعية مع الله عز وجل تعرض ما ألمَّ بك تعرض حاجاتك تعرض همومك تعرض غمومك: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾. يقول سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم – وأنتم بين متبع ومُعجب في هذا الوطن هناك متبعون لهذا النبي وهناك معجبون وما أظن أن ثمة فريقاً ثالثاً يمكن أن يدخل تحت عنوان المعاداة لهذا النبي حاشا، فيا أيها المعجبون ويا أيها المتبعون اسمعوا كلام النبي عندما قال كما جاء في سنن أبي يعلى: (ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويُدرّ عليكم أرزاقكم ؟ الجواب من الحاضربن ومنا بلى. ادعوا الله في ليلكم ونهاركم فإن الدعاء سلاح المؤمن) أين هذا السلاح ألا تحمل هذا السلاح أنت أم استبدلت به سلاحاً لم يقره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيا بؤسك إذاً ويا ويلك، ولعلك تسألني وأعلم أن هذا السؤال من حقك: هل ثمة شروط لهذا الدعاء ؟ لن أكثر عليك الشروط، لكن أقول ثمة أربعة شروط:

الشرط الأول: أن توقن بالإجابة، وأن توقن بالله وأن لا يكون دعاؤك من باب فضّ العتب. أوما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في الترمذي: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).

الشرط الثاني: أن تكون يقظاً وأنت تدعو الله عز وجل، وأن تكون صادقاً وواعياً وأن يكون قلبك حاضراً، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ) فهل قلبك غافل لاهٍ وأنت تدعو ؟ إذاً لن يستجيب الله دعاءك، هذا شرط ثانٍ.

الشرط الثالث: عليك أن تتخذ من الدعاء ديدناً، أن تكون ممن يدعو الله في الرخاء والشدة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في الترمذي: (من سره أن يستجيب الله له في الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء) نحن أمة إن كنا في رخاء نسينا الله عز وجل: ﴿حتى إذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين﴾ أتريد أن يُستجاب دعاؤك ؟ ادعوا الله في الرخاء والشدة.

الشرط الرابع: الإلحاح والبكاء والتمرغ والتذلل، عليك أن تلح بالدعاء بينك وبين ربك فإن الله يحبك إن ألححت بالدعاء له جلَّ وعلا، وها هو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري كان في غزوة بدر في وقت بلغت القلوب الحناجر رفع يديه حتى ظهر إبطه وهو يقول: اللهم أنشدك وعدك وعهدك. ويلح ويكرر: اللهم أنشدك عهدك ووعدك. ونحن يا رب ننشدك عهدك ووعدك، يا رب وإن لم نكن على المستوى المطلوب لكننا نتجرأ بالطمع فيك، نتجرأ ونحن ندعو لأننا نقدّم بين يدي دعائنا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأننا نقدم دموع الثكالى، لأننا نقدم دموع الأيتام، لأننا نقدم براءة الأطفال، فيا رب ننشدك عهدك ووعدك.

هذه شروط أربعة للدعاء، ستسألني سؤالاً آخر: ما الذي أدعو به ؟

أقول لك باختصار أيضاً هيا إلى القرآن فثمة أدعية كثيرة في القرآن الكريم احصها وادع الله بها، وها أنذا أقدم لك آيتين دعائين من القرآن الكريم أدعو بهما ربي عز وجل: ﴿ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين﴾ والدعاء الآخر: ﴿ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين﴾ مَن كانوا يا رب، عليك بالقرآن من أجل أن تدعو بما ورد فيه، وعليك بالسنة من أجل أن تدعو بما ورد فيها، فعلى سبيل المثال وأنا أدعو بهذا الدعاء مما جاء في السنن، كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي) والدعاء الآخر من السنة وهذه الأدعية أدعو الله بها لا سيما في هذه الأيام: (اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم كن لي جاراً من شر كل ذي شر – هذا الذي تخاف شره بينك وبين ربك سمِّه – ومن شر الجن والإنس وأتباعهم أن يفرط علي أحدٌ منهم عزَّ جارك وجلَّ ثناؤك ولا إله غيرك).

وأيضاً أذكرك يا أخي بدعاء المناسبات، لعلك في غفلة عنها، فهل أنت تدعو بدعاء الصباح عندما تستيقظ ؟ وهل أنت ممن يدعو بدعاء المساء والنوم عندما تأوي إلى فراشك ؟ فهل تقول باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ؟ وهل تقول دعاء الخروج من البيت: اللهم إني أعوذ بك أن أَضلَّ أو أُضل أو أَزل أو أُزل أو أَظلم أو أُظلم أو أجهل أو يجهل علي. أذكرك بدعاء المناسبات أين أنت منها يا من تريد الخلاص من أزمة حلَّت بنا، هيا إلى المصالحة الربانية، ادع الله بما ورد في القرآن وادع الله بما ورد في السنة، واستغفر الله، ولطالما دعوتكم بعد الصلاة إلى الاستغفار فقد جاء في سنن أبي داود والنسائي: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل همِّ فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب)، ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً﴾ قولوا سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

أخيراً: أدعوك أن تركِّب دعاءً أنت تقول فيه حاجاتك بلغتك البسيطة، هيا وأخرج ما في داخلك بعباراتك دعاءً ترفعه إلى الله عز وجل وأنا أقول يا إخوتي ويشهد الله في كل صباح من جملة ما أقول: رب اشرح صدري ويسِّر أمري وأعطني سؤلي وتولني ولا ترني في نفسي ولا في بلدي ولا في ولدي مكروهاً، قل مثل هذا. وكل الأولاد أولادنا، وأقول في كل صباح: اللهم اشفني وارحمني واغفر لي وتولني واسترني وأعزني وسددني وثبتني وزدني علماً وتمم فضلك علي يوم ألقاك يا رب العالمين. أقوله في كل يوم. هيا أنتم إلى القرآن والاستغفار إلى السنة إلى ما يمكن أن يخطر على بالكم بلغتكم البسيطة باللغة العامية قولوا يا رب تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك، يا رب ضاق الحبل على الودج، يا رب عظم الأمر يا رب، يسر أمرنا اشرح صدرنا احفظ هذا البلد احفظ أولادنا. قلها بلغتك يا أخي بلغتك البسيطة.

كما بدأت الحديث أعيده: نحن مع الحوار ومع المصالحة الوطنية ومع أن يكون المواطنون جميعاً معاً من كل الفئات ومن الجبهات هذا صحيح لكننا نخاطب الجميع: عليكم أيضاً أن تسلكوا طريق المصالحة الربانية، ما المانع أنت أيها المسؤول حيث كنت أن تدخل مكتبك وأن تقول اللهم احفظ بلادنا، هل هذا الأمر صعبٌ عليك ؟ لماذا لا تتوجه إلى ربك أيها الضابط وأنت أيها الجندي وأنت أيها المدير وأنت أيها الوزير وأنت أيها الإعلامي قل حيثما حللت ونحن مع الأسباب الأخرى بلا شك لكن كن أنت أيضاً مع السبب الذي نطرحه لأننا نتوسل إلى الفعّال المطلق الذي بيده مقاليد السموات والأرض، قل يا رب احفظنا، قل يا رب يسر أمورنا، قل يا رب اجعلنا في حفظك وأمانك ورعايتك.

أيها الإخوة: هيا إلى دعاء يعبر عن مصالحة ربانية نبتغيها واعلموا علم اليقين أن الله عز وجل إن لم ينصرنا فلن ينصرنا أحد، وإن لم يكن معنا فليس في الكون أحد معنا. يقول الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه: إن في الله خلفاً عن الناس وليس في الناس خلفٌ عن الله عز وجل.

اللهم بحق أسمائك وبحق صفاتك وبحق من يدعوك وبحق الذي دعاك وكان أفضل من دعا، بحق محمد صلى الله عليه وآله وسلم احفظ بلادنا من كل مكروه واجعلنا يا ربنا من الذين يأمنون في أوطانهم ويستجيبون لندائك ولنداء نبيك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأن الاستجابة لندائك فيها الحياة: ﴿استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 6/7/2012

 

التعليقات

شاركنا بتعليق