الـسـؤال
وجهت جمعية العلماء المسلمين في إندونيسيا إلي فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام سؤالاً عن أهلية المرأة للولاية العامة من منظور إسلامي .
الإجـابة
لا بد من الإشارة أولا ً إلى أن الإسلام دعا إلى التساوي في الحقوق والواجبات بين كل الناس ذكورا ً وإناثاً، وهذا لا يعني التماثل والتطابق وإنما يقصد منه رعاية الكفاءات وتقديرها وإعطاؤها حقها بغض النظر عن مصدرها . وعلى سبيل المثال : حق العالم ليس هو ذاته حق الجاهل ، وحق الغني لا يمكن أن يكون نفسه حق الفقير وقد كان هذا الحق للعالم أو الغني بناء ً على ( صفة ) كفائية أو اقتدارية معينة والقضية في ( أمر الرعاية ) محسومة لصالح الأكفأ في امتلاك مقومات ساحة ومجال وميدان هذه الرعاية والناس سواء أمام هذا .
هب أن الزوج الفقير ، والزوجة غنية فمن الذي يرعى مسؤولا ً أمر الإنفاق ؟ ومن الذي يتولى راغباً زمام الإنفاق ؟ !
الجواب : الزوجة الغنية .
وينسحب هذا على كل خلية اجتماعية صغيرة أو كبيرة ، وهذا ما تفرزه الآية الكريمة : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) التوبة / 71 . ويبقى السؤال الأكبر ما تعلّق في الولاية العامة وهل هذه - أي الولاية العامة - خلية من جملة الخلايا التي أشرنا إليها آنفا ً أم أنها خارجة عن ذلك بقطعية سندية ودلالية معا ً ؟
أما الجواب : فينصب أولا ً على نفي القطعية السندية والدلالية الداعية إلى إخراج هذه المساحة أو تلك الخلية كما أسميناها عن نظيراتها من سائر الخلايا الاجتماعية والسياسية . فللمرأة حق التصرف اقتصادا ً واجتماعا ًوسياسة وبحسب امتلاكها للكفاءة المطلوبة لكل مجال كالرجل لا فرق بينهما في ذلك . وللمرأة (الولاية) إذا امتلكت مقوماتها كما هو الأمر بالنسبة للرجل ولا يمكن أبدا ً أن تفقد صفة (الأنوثة) أحقية المرأة بالولاية هنا : الولاية بشكل عام حتى إذا ما وصفناها بـ (العامة) وصار المراد منها : (( الرئاسة العامة )) قلنا ورددنا ما قلناه آنفا ً .
وإلا فماذا يعني حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائل : " إنما النساء شقائق الرجال " رواه الإمام أحمد والترمذي . وماذا يعني حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القائل أيضا ً : " ناس من أمتي عرضوا علي غزاةً في سبيل الله ، يركبون ثبج البحر ملوكا ً على الأسرة " فقالت أم حرام : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها . رواه البخاري ومسلم .
نعم ادع الله أن يجعلني منهم وهم الموصوفون بالملوك على الأسرة فدعا لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وأما ما احتج به من قبل المعارضين وهو حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " برواياته الكثيرة المختلفة فانه لا يدخل في عداد قطعي السند والدلالة على الإطلاق أولاً, ثم إنه واقعة حال حسب رأي بعضهم وواقعة الحال ليست دليلاً في البحث . وما أظن أن قوله تعالى : ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) النمل 34 ، يصلح دليلا ً لرفض تسمية الحاكم ملكا ًفي إسلامنا أو لنسف اعتبار ( الملكية ) صيغة من صيغ الإسلام السياسة المقبولة إذا قامت على العدل والشورى ومرجعية القرآن الكريم والسنة الشريفة . ولم نر في القرآن الكريم بعد ذكره وسرده قصة بلقيس الملكة تعليقا ً يفيد الإنكار على كونها ملكة أو حاكمة أو رئيسة ولو كان الأمر ممنوعا ًومرفوضا ًشرعاً لأشير إلى ذلك سيما وأن القرآن الكريم هو الكتاب الأعظم في اغتنام الفرص والتعليق المناسب واتباع القصص المحكية بالعبر المطلوبة .
إنها كلمة لا تشكل فتوى وإنما هي مشروع بحث جاد في تلك القضية الهامة جداً . سنعيد النظر كرة أخرى بوثائق أكثر ومفاهيم أوفى إلى أن نصل إلى ما يقربنا من مُرادات الله الحق أكثر واعتقادنا أولاً وآخرا ً أنَّ ما كان من الله حقاً هو الحق وبقدر ما تقترب الأحكام من الحق المطلوب بقدر ما تكتسب مقبولية إنسانية واعتبارا ً ربانيا ً مرضيا ً.
فاللهم كن لنا في كل حال .