نشّط الإسلام الخير في الإنسان ، وخدّر فيه الشر
1- فلسفة التحريم :
جاءت الشريعة الإسلامية لحفظ مقاصد تُشكل كينونة الإنسان المادية والمعنوية
، وهذه المقاصد هي : الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، ويمكن أن تُضاف
إليها مقاصد أخرى على سبيل الكشف وليس التأسيس ، بمعنى أن ما يُضاف ملحوظ
فيما سبق ضمناً ، كالحرية والعدل .
والحفظ الذي جاءت به الشريعة له مستويان : مستوى الحماية ومستوى الرعاية .
أما مستوى الحماية فيعني الوقاية وإبعاد الأضرار والمؤذيات . وأما مستوى
الرعاية فيعني السعي لتحقيق الغاية المرجوّة ، وقد كانت الغاية في منظور
الشريعة الإسلامية " العبادة " لأن الله تعالى قال في القرآن الكريم : (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات /56 . ويكاد يكون العقل أهم
مقصد من هذه المقاصد ، وهو أُسّها ، فالدين من غير عقل طقوس وهرطقات ،
والنفس من غير عقل حركة فوضوية ، والنسل بدون عقل نَزوٌ تائه ، والمال دون
عقل فساد ودمار ، والحرية بمعزل عن العقل هرَج ، والعدل إن لم يكن بعقل ظلم
. ولهذا جعلته الشريعة مناط التكليف ومستند الخطاب ، ومن لا عقل له لا
تكليف عليه ، كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : " رفع القلم عن
ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ،
وعن الصبي حتى يحتلم " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم . وشددت في قوانين
الحماية له ، فها هي ذي - أي الشريعة - تمنع وتحرم كل ما يثبطه ويضعفه ، من
قول أو فعل أو سلوك ، ولا زلت أذكر أول مثال أُعطيناه - ونحن طلاب - على
حماية الإسلام للعقل هو تحريم الخمر : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم
عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) المائدة / 90-91 . والخمر وما
يشبهه من مواد مذهبة للعقل تَضر ببقية المقاصد الشرعية : أما ضررها بالدين
، فلأن الدين منع كل ضار بالفرد والمجتمع ، والخمر والمخدرات لا يخفى ضررها
الأكيد علينا . وأما الضرر الذي ترسله على النفس فبيِّن واضح ، وقد اكتشف
العلماء ولا يزالون يكتشفون المزيد مما يتعلق بالآفات الجسمية التي يحدثها
الخمر والمخدِّر ، إن على الدماغ ، أو على القلب ، أو على سائر أعضاء
وأجزاء الإنسان. وأما الضرر على العقل ، فزيادة على ما ذكرناه من تعطيل له
، فإن الأطباء والمختصين أفاضوا في ذكر يؤدي إليه الإدمان من أخطار على عقل
الإنسان وتركيبته الفيزيولوجية والحُكمية . وأما أذيته للنسل ، فإنه يُضعف
القدرة الجنسية ويشوِّه الأجنة ويفرِّط بالشرف ، الذي لا يُنكر أي من الناس
حرص الإنسان العاقل عليه في كل الدنيا . والضرر الذي يوجهه الخمر - وما
يتبعه يقاس عليه من مخدر ، وربما كان المقيس أقوى في الأثر السلبي من
المقيس عليه - على المال كبير وفظيع يهدره ويضيّعه، ويمنعه عن محاله
المفيدة .
ثم بعدها فالخمر والمخدر يمحقان الصدق والألفة الاجتماعية ، ويفككان الأسر
، ويقضيان على النُّبل ، ويوقعان الخمول والجبن والكسل ، وهذه عوامل هدم
ومعاول تخريب ، وهي بكل أنواعها رمز تمرد سلبي على المجتمع ، ومؤشر إرادة
استقالة من الحياة ، وعلامة تيهٍ ، وإشارة فشل ، و ... و ...
2- الحكم الشرعي : لا نفرق في الحكم بين الخمر والمخدّر ، لتماثلهما في
العلة ، ولعل الأمر الذي على أساسه حرَّم ربي الخمر أكبر في المخدر منه في
الخمر ، وعلى كل فها نحن أولاء نستعرض آيات قرآنية ، وأحاديث نبوية ،
خلاصات فقهية .
أما الآيات الدالة على التحريم :
فالله جل شأنه يقول : ( ويحل لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ) الأعراف
/157 .
ويقول الله تعالى : ( قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن )
الأعراف / 33. والإثم - على قول مكين في اللغة - هي الخمر وما يشبهها في
أثرها وخطرها .
ويقول أيضاً : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) المائدة / 90 .
وأما الأحاديث :
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أتاني جبريل فقال : يا محمد
، إن الله لعن الخمر وعاصرها ومُعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه
وبائعها وساقيها " . أخرجه الترمذي وأحمد .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " كل مُسكر خمر ، وكل خمر حرام "
. أخرجه الستة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
أخرجه الترمذي وأبو داود .
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت :" نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عن كل مُسكرٍ ومُفتِّر " أخرجه أحمد وأبو داود.
وقالت عائشة رضي الله عنها : " إن الله لم يحرّم الخمر لاسمها ، وإنما
حرّمها لعاقبتها ، فكل شراب تكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم
الخمر " أخرجه الدرا قطني .
وأما الفقهاء فقالوا :
- " الحشيشة المسكرة حرام ، ومن استحلّ السُّكر منها فقد كفر " انظر واضح
البيان لابن تيمية ص 17 .
- " من أعظم المنكرات ، وهي شر من الخمور في بعض الوجوه ، لأنها تورث نشوةً
ولذة وطرباً ، ويعب الفطام عنها ، وهي أفظع من الخمر " انظر الفقه على
المذاهب الأربعة .
- " أحمع فقهاء المذاهب الإسلامية على تحريم إنتاج المخدرات وزراعتها
وتعاطيها ، طبيعية كانت أو مخلَّقة ، وعلى تجريم من يقدم على هذا " المؤتمر
الإقليمي السادس للمخدرات المنعقد في الرياض 1974 .
ومن كل ما سبق لا يسعنا إلا أن ننقل حكم الخمر للمخدر ، ومن دون تردد ،
لنقول عنهما معاً : حرام حرام حرام . وأفصِّل وأقول : إن المخدرات على
نوعين : منها ما ئؤدي إلى الاعتماد الجسدي " الإدمان الجسدي " كالهيروئين
والمورفين والكحول والباربيتورات ، فهذه محرمة حرمة قطعية . ومنها ما ئؤدي
إلى الاعتماد النفسي " الإدمان النفسي" فحكمها الكراهة التحريمية كالقات
والنيكوتين والمنوِّمات . والاتجار بالنوعين حرام .
3- العقوبة : عقوبة شارب الخمر الجلد ثمانين جلدة ، وقد ورد ذلك عن علي بن
أبي طالب كرم الله وجهه ، وكذلك من يتعاطى للمرة الأولى المخدّر والمفتِّر
، فإن كررر شرب الخمر أكثر من ثلاث مرات ، وكذلك التعاطي فالعقوبة القتل ،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " من شرب الخمر فاجلدوه ، ثم إن
شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاقتلوه " أخرجه النسائي .
وأما عقوبة المتعاطي للنوع الثاني ، المكروه كراهة تحريمية ، فعقوبته
التعزير وفق ما يراه الحاكم أو نائبه ، أعني القاضي المختص ، فإن استمر
التعاطي زادت العقوبة التعزيرية ، والتعزير يشمل : التهديد ، والتشهير ،
والنفي ، والحبس ومصادرة المال ، والجلد أقل من ثمانين جلدة .
وأما عقوبة المتاجرة بكلا النوعين فهي واحدة من عقوبات متعددة ذكرها الله
عز وجل للمفسدين في الأرض ، وأي فساد أفظع وأشد من إبادة العقل ، وإيذاء
الدين ، والاعتداء على الجسد ، وهتك العرض ، وتبديد الأموال ، قال الله
تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك
لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم . إلا الذين تابوا من قبل أن
تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) المائدة / 33-34 .
4- حلول من أجل الإقلاع ، والحفظ سلفاً :
أ- فتح باب التوبة : واستقبال التائبين برفق وود ( قل يا عبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحم الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه
هو الغفور الرحيم ) الزمر / 53 .
ب- توعية الناس وتقوية الوازع الديني : ومراقبة الله ، فقد جاء في مقابلة "
أمريكا التي أسلمت " أن أحياء " هارلم " و " السلامز " لم تنفع الوسائل في
تطهيرها من الفواحش والعربدة ، إلا وسيلة الإسلام حين دخلها ، وقد قال "
جيمس بالدوين " يخاطب السود : " عودوا إلى دينكم الحقيقي ، انزعوا عنكم
أغلال المستعبد الشيطان ، لا تشربوا الخمرو ولا تتعاطوا المخدرات ، التي
نشرها هذا الشيطان في صفوفكم " .
ت- تدعيم الترابط الأسري : وتقويته من أجل القضاء على العزلة والفراغ ،
اللذين يتطلبان هروباً .
ث- تعديل الفنون : والسعي لتكون جادة ملتزمة ، وإلا فإن الفنون الهابطة
مناخ مناسب وتربة خصبة لنمو الفساد .
ج- تعديل القوانين : التي تبيح التعامل مع الخمور ، حتى لا يُحتجَّ علينا
بالقياس والكيل بمكيالين ، فلماذا نحرّم المخدر ونحلل الخمر ، وهما في
الأثر سواء .
ح- معلومات طريفة :
- ذكرت مجلة " رسالة الخليج " أن شاربي الخمور في عاصمة عربية يدفعون
سنوياً مليار دولار ، وأن دولة عربية محدودة السكان ، شربت عام 1981 م تسعة
ملايين لتر من الخمر .
- يبلغ ما تنفقه أمريكا على المخدرات سنوياً 60 مليار دولار ، كما ذكر "
ريغان " في حملته ضد المخدرات ، وبلغ ما تنفقه الأمة العربية 64 مليار
دولار .
- ذكرت مجلة الشرق الأوسط عدد 66 عام 1987 م أنه تم القبض على 17 شبكة
إسرائلية لتهريب المخدرات إلى مصر ، وقد بلغ عدد اليهود الذين تم القبض
عليهم أثناء تهريب المخدرات عام 1986 م ثلاثة وثمانين يهودياً .
والحمد لله رب العالمين
التعليقات