آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
التربية الوطنية

التربية الوطنية

تاريخ الإضافة: 2024/03/28 | عدد المشاهدات: 4262

أمَّا بعد :
أيُّها الإخوة المؤمنون :
و يتتابع الحديث عن " التربية "، وتتوارد الأسئلة عن محاور هذه التربية، هلاّ تحدثتَ لنا عن التربية الوطنية ؟ وهل هناك ما يسمَّى بالتربية الوطنية في حديثك ، إذ تتكلم عن أفكارٍ تستلهما منَ الإسلام ؟ .
أيُّها الإخوة المسلمون :
ما أظنُّ أحدا ً يمكن أنْ يتحدَّث عن الوطن حبَّا ًووفاءً وكرامة كالمسلم، فالمسلم هو الذي يتحرَّك في الوطن ، وقد ربط حبَّه بعقيدته ، المسلم هو الذي يحمي الوطن ، وقد ربط حمايته بكلِّ ما يمكن أنْ يؤمن به مِنْ أركانٍ للإيمان وأركانٍ للإسلام وأركانٍ للإحسان .
ما مِنْ شكٍ في أنَّ الإسلام رعى حبَّ الوطن في داخل الإنسان ، وهو فطرة ، واستنبتَ هذا الحبَّ استنباتا ًحسنا ً، ففاض عطاءً و وفاءً للوطن الذي يعيش فيه ، ولذلك نحن بحاجةٍ إلى أنْ يذكِّر بعضنا بعضا ً بواجباتنا حِـيَال وطننا ، وأنْ يذكِّر بعضنا بعضا ً بواجبات طلابنا حيال وطنهم ، وأنْ يذكِّر بعضنا بعضا ً بواجبات كلِّ أولئك الذين يعيشون على أرض هذا الوطن، لضرورة الحفاظ عليه والقيام بواجباتهم حياله . سيبقى الوطن غاليا ً في قلوبنا ما حيينا . ولمَ لا والوطن جزءٌ مِنْ أرضٍ ممتدةٍ تشكِّل بالنسبة إلى المسلم مسجدا ً، فلقد قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم : " وجُعِلتْ ليَ الأرض مسجدا ًوطهورا ً، فأيُّما رجلٌ مِنْ أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ " ، وما دامت الأرض كلُّها مسجدا ً، فإنَّ وطننا الذي نعيش فيه بكلِّ مساحاته ما هو إلا جزءٌ مِنْ هذا المسجد الكبير ، مِنْ هذه الأرض الكبيرة . 
أيُّها الإخوة :
نحن الذين نريد أنْ نتحدَّث عن الوطن ، لكننا لا نريد أنْ يبقى الحديث دعايةً ، ولا نريد أنْ يبقى الحديث كلاما ً لا يُحوَّل إلى ترجمةٍ عملية يعيشها هذا المواطن ، ولا نريد للحديث أنْ يبقى فضفاضا ً، لكننا ننادي كلَّ فرد في هذا الوطن :أنْ يا أيُّها المواطن ، هذا هو الوطن ، فقدِّم له كلَّ ما مكَّـنك ربِّي عز َّوجلَّ منه ، مِنْ رعايةٍ وعناية و حماية وحبٍّ ، فذلك واد عبوديةٌ تتوجَّه مِنْ خلالها إلى ربِّ العزَّة جلَّتْ قدرته ، فتحققُ مِنْ خلال ذلك ما مِنْ أجله خُــلِقتَ ، يوم قال ربُّـك لك: ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون ) . 
أيُّها الإخوة :
واجبنا حيال الوطن ، وبالتحديد حيال سورية ، فلا نريد أنْ نتحدَّث بشكلٍ واسع نتجاوز مِنْ خلاله حدودا ً نعيش ضمنها، فسورية لن تكون أغلى على غيرنا منها علينا ، ولنْ يتعلَّق بها أحدٌ تعلُّـقَنا بها ، فنحن الذين نريدها مصونة ، ونحن الذين نريدها محميَّة ، ونحن الذين نريدها أنْ تكون مجاهدة تقف أمام أعداء الله ، أولئك الذين يريدون أنْ يستلبوا أرضها ، وأنْ يعيثوا فيها فسادا ً، منْ أجل أنْ تدحر كلَّ غاشم ، كلَّ مفسد ، كلَّ مضلِّل . 
واجباتنا حيال سورية :حبٌّ ووفاء ، بذلٌ وعطاء ، تضحيةٌ وفداء . 

1- حبٌّ و وفاءٌ : حبٌّ ووفاءٌ علَّمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم وقف أمام وطنه مكة حالَ إخراجِه منها ووداعِه لها : " والله إنَّـك لخير أرضِ الله ، وأحبُّ أرض الله لي ، ولولا أنَّ قومك أخرجوني منكِ ما خرجت " ، ولما ذكِرتْ أمامه مكة ، مِنْ قِبَل رجلٍ يسمَّى أصَـيْل الغفاري ، كما جاء في الطبراني ، بكى وقال له : " إيه أصيل ، أبكيتني وإنِّي لمكة لمشتاق " . علَّمنا مصطفانا صلى الله عليه وآله وسلم حبَّ الوطن يوم وقف أمام جبلٍ منْ جبال الوطن الذي يعيش فيه ، و يسمى الجبل أحدا ً، وقف وأعلن للملأ ، كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم و الترمذي : " أحدٌ جبلٌ يحبُّـنا ونحبُّه " . إنَّه حبٌّ ووفاء ، ولابدَّ مِنْ أنْ يترجَم هذا الحبُّ بعد ذلك إلى : 
2- بذلٌ وعطاءٌ : إنَّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديثٍ يرويه البخاري ومسلم : " الإيمان بِضْعٌ وسبعون شعبة ، فأفضلها لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " ، وإنَّ الشُّعَـب بعدها لتتدرَّج لترعى كلَّ شيءٍ في هذا البلد حيث يعيش المسلم ، وربُّنا عز َّوجلَّ ركَّز في داخلنا حبَّ البلد ، ونرجوه جلَّ وعلا أنْ يمتِّعنا دائما ًبالتطلُّع إلى رعاية الوطن الذي نعيش فيه . 
أيُّها المسلمون تذكَّروا أنكم مطالَبون وأنتم توجِّهون أولادكم ، وأنتم توجِّهون طلابكم ، وأنتم توجِّهون تلاميذكم ، وأنتم توجِّهون عمالكم ، وأنتم توجِّهون جنودكم ؛ أنَّه بنبغي على الجميع أنْ يحافظوا على هذه البلد، على أخلاقها ، على إسلامها ، أنْ يحافظوا على أنْ تكون بلدةً خيِّرةً معطاءة تنادي بكلِّ ذراتها :أنَّ ربِّي الله ، وأنَّ كتابي القرآن ، وأنَّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو الشارح لكتاب ربِّي ، وهو القائد ، وهو الذي سنسير وراءه ، و هو الذي يقدِّم لنا ما به نسير في دروب العزَّة والكرامة . 
ألا مَنْ قدَّم خيرا ًلهذه البلد ؛ أسأل الله عز َّوجلَّ أنْ يوفـِّـقه ، ألا مَنْ قدَّم خيرا ًلدِين هذا البلد ، لأخلاق هذا البلد ، لكلِّ خيرٍ يمكن أنْ يَـنعمَ به أهل هذا البلد ؛ أسأل الله أنْ يمدَّه ويكافأه و يُـجْزلَ له الأجر والثواب . 
3- تضحيةٌ و فداءٌ : فنحن نعطي وطننا كلَّ ما يطلبه منا ، نعطي لسورية ، نعطي لحلب ، نعطي لكلِّ مكان نعيش فيه مُهَجَنا و أرواحنا ، ونعلم علمَ اليقين أنَّ الأرواح حينما تُـبْذل دفاعا ًعن الأرض ، فإنَّ صاحبها سيكون في عداد الشُّهداء الذين هم أحياءٌ عند ربِّهم يرزقون . 
سوريةَ ، لنْ يتغنَّى أحدٌ كتغنِّـينا بكِ .
سوريةَ ، أيَّـتها البلد الذي يسعَى منْ أجل أنْ يكون في مرابع النهضة والاطمئنان والاستقرار .
سوريةَ،لا نريدك أنْ تكوني مع إسرائيل ولا نريدك أنْ تكوني مخدوعةً بكلامٍ مِنْ أولئك الذين يحاولون جاهدين أنْ يحشرونا تحت خيامٍ سوداء . 
سوريةَ ، نريدك أنْ تكوني دائما ًعزيزةً أبيَّـةً ، ونريد لأفرادك ، نريد لمواطنيك أنْ يستلهموا هذا الحبَّ منْ ديننا ، منْ إسلامنا ، فلا يمكن أنْ يمدَّنا بالحبِّ لك أيَّتها البلد الغالية إلا ديننا ، إلا قرآننا ، إلا نبيُّـنا صلى الله عليه وآله وسلم .
مَنْ قتِل دونك يا سورية فهو شهيد : " مَنْ قتِل دون أرضه فهو شهيد ، ومنْ قتِل دون أهله فهو شهيد ، ومنْ قتِل دون ماله فهو شهيد " . وإنَّنا لنتطلَّع إلى كلِّ أولئك الذين يعيشون على تراب هذا البلد ، من أجل أنْ يحافظوا عليه ، أنْ يحافظوا على كرامته ، أنْ يحافظوا على استقلاله، أنْ يحافظوا على أخلاق المواطنين فيه ، وإنَّنا لننادي أنفسنا من أجل أنْ نقدِّم كلَّ ما تحتاجه هذه البلاد ، ليتمَّ الخير فيها ، فلئن قال عن سورية غيرنا أنَّها بريقُ العيون ، فإنَّنا نقول عن سورية بأنَّها عيوننا ذاتها . 
أسأل الله أنْ يزيدنا حبَّا ًووفاءً ، و أنْ يزيدنا بذلا ًوعطاءً ، و أنْ يزيدنا تضحيةً وفداءً لبلدنا ، لكي نكون أقوياء بانتسابنا لهذا البلد . إنَّ الآخرين يحققون انتسابا ًخيِّرا ً لبلادهم ، وإنَّ الآخرين بالرغم منْ باطلهم الذي يعيشون على فُــتاته ، يحاولون أنْ يقدموا وفاءً لبلدٍ لا ينتسبون إليه تاريخا ًوحقا ًوعدلا ً، وإنما ينتسبون زورا ً وبهتانا ً.
إنَّ إسرائيل تنادي بحبِّ فلسطين ، وفلسطين ليست بلدا ً لهؤلاء الذين يعيثون فسادا ً، والذين يقتلون فيها أطفالنا ، والذين يستحْـيون فيها نساءَنا، إنَّ إسرائيل ليست كما قال هذا اللعين الآثم في خطبةٍ وقف ليعلن فيها شراسته :ستبقى القدس عاصمةً أبديَّـة لإسرائيل .
لا يا أيُّها الإخوة ، ولكنَّـنا نريد أنْ نتعلَّم درسا ً لا يمكن أنْ ننساه : إنَّ أهل الباطل في باطلهم يحاولون أنْ يزوِّروا التاريخ في حقائقه ، ويحاولون أنْ يلملموا كلماتٍ لا تستند إلى مصداقية في عالم الواقع ، فنحن أوْلى وأجدرُ بأنْ ننادي : إنَّ فلسطين ستبقى مسلمةً وعربية ، و إنَّ سورية ستحافظ على هويَّـتها الإسلامية ، من أجل أنْ تكون خيِّرةً معطاءة ، نموذجا ً يُــقدَّم من خلاله كلُّ خير ، وكلُّ عطاءٍ وحبٍّ . 
إنَّ الأرض لنا مسجد ، وإذا كنا نرى للمسجد حُـرْمة ، فللأرض حرمةٌ كحرمة المسجد ، ما دام النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى لها صفةَ المسجديَّـة . 
يا إخواني إذا ً فلنشمِّر عن ساعد الجِدِّ لنبنيَ هذا البلد . 
أنت أيُّها التاجر : اسعَ من أجل أنْ نبني هذا البلد ، ولعلك تسألني عن القانون الذي تراعيه ، والذي تسير وِفقـَه وأنت تبني هذا البلد ، فإنِّي قائل لك : إنَّ القانون ،وإنَّ النموذج هو ما قاله وما فعله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . 
وأنت أيُّها الجنديُّ : بوركتْ سواعدك و أنت تستلهم القوةَ منْ كتاب الله . بوركتْ سواعدك وأنت تستلهم العزَّة منَ الله .
بوركتْ سواعدك وأنت تحاول في سلوكك أنْ تكون مقتديا ً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . 
أنت أيُّها المعلم : بورك تعليمك وأنت تبني سورية ، وأنت تبني هذا البلد ، وتستلهم البناءَ ومعالمَ البناء منْ كتاب ربِّـنا ، ومنْ سنَّـة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم . 
وأنت أيُّها العامل : بارك الله بيدَيْـك اللتين تعملان ليلَ نهار من أجل بناءِ هذا البلد بالخلق الحميد المستمدِّ منْ كتاب الله ، وبالسعي الحثيث المستلهم منْ آيات الله ، وبكلِّ صفةٍ خيِّرةٍ تُـؤخَـذ منْ معالم وملامح سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . 
أيُّها الأطفال : مِنْ بسمتكم البريئة ، نريد أنْ نتطلَّع ، ونريد أنْ نستقرأ مكامنَ الخيرِ الذي أضحككم . 
أيُّها الأطفال : والذي جعلكم تبتسمون لتنيروا لنا مستقبلاً زاهرا ًإنَّما هو الله ، والذي جعلكم تبتسمون هو الذي سيجعلنا نبتسم في حياتنا ، ما دمنا معه ، وما دمنا نستلهم كلَّ تشريعاته التي جاءت فـي كتابه الكريم ، وعلى لسان نبيِّـه العظيم محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم . 
أيَّتها البلد أكرِّر دعائي وأقول : رعاك الله ، وأرجو الله أنْ يحفظك منْ كل كائدٍ و أثيم ، ومنْ كلِّ غاشم ، ومنْ كلِّ فاسدٍ ومفسدٍ مضلِّل . 
رعاك الله يا بلدتنا ، يا وطننا ؛ وأنت تقدِّمين لنا العلماء ، وتقدِّمين الشهداء ، وتقدِّمين الأبطال والحرَّاس . 
رعاك الله ، وأرجو لمن رأى منك الخيرَ وحرص عليه ، أنْ يُـوفـَّـق للخير ، وأرجو الله لمن أراد بك شرا ًأنْ يدحرَه الله ، وأنْ يقضيَ عليه بالطريقة التي يريدها . 
اللهمَّ مَنْ أراد بهذا البلد خيرا ًمستلهَما ًمنْ ديننا وإسلامنا فوفقه لكلِّ خير . ومنْ أراد به شرا ًفخذه أخذَ عزيزٍ مقتدر 
إنَّك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير . 
والحمد لله ربِّ العالمين .

التعليقات

شاركنا بتعليق