آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
منظومة الهجرة

منظومة الهجرة

تاريخ الإضافة: 2002/03/15 | عدد المشاهدات: 4536

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون : 
كلَّ عام وأنتم بألف خير ، وكل رأس سنة هجرية وأنتم والمسلمون في كل بقاع الأرض بألف خير ، كلّ عامٍ ومقدسات الأمة للأمة ولدى الأمة وعندها ، كل عام والأمل بالله أن يرتاد الناس القدس والأقصى كما يرتادون المدينة ومكة ، فعمرةٌ تذهب من خلالها إلى مكة ولكن عن طريق القدس كما جاء على لسان سيد الكائنات محمد عليه وآله الصلاة والسلام عمرة من القدس إلى مكة كحجة معي - أي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم - . 
أيها الإخوة المسلمون : الهجرة - هذا المصطلح - لم يَعُد مصطلحاً تاريخياً فحسب ، ولم تعد الهجرة قيمة تاريخية فقط ، حينما نذكر الهجرة فلا نذكر حركةً أو فعلةً قام بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فحسب ، ليست الهجرة قيمة تاريخية فحسب ، بل الهجرة مصطلح دخل قاموس الفكر ، وقاموس الحركة والعمل الإسلامي بقوة ، وأصبح يُشَكِّل منظومةً يجب أن تكون أمام أعيننا دائماً وباستمرار ، وأن لا تغادر قلوبنا وعقولنا وتخطيطنا لمستقبلٍ نريد أن نعيشه ، ونريد للإنسان أن يعيشه ، هذا المستقبل يَتَّسم بالعدالة والحق والفضيلة والرشد . منظومة الهجرة إنسانية ربانية خيرية ، ماضية وحاضرة ومستقبلية . 
منظومة الهجرة تقوم على أركان ، ومن حسن الطالع أن تكون مفرداتنا الزمنية مرتبطة بهذه المنظومة ، فها نحن نستقبل سنةً هجرية وأريد من المسلمين أن يعرفوا الرقم الذي وصلنا إليه ، لأنه من المؤسف أن كثيراً من أبنائنا حتى لو اعتبروا الهجرة قيمةً تاريخية فهم لم يعودوا يلتفتوا إليها بشكل صحيح ، يؤسفنا أن نجد البعض لا يعرف رقم السنة الهجرية التي نعيش رأسها هذا اليوم ، ولا يعرف أسماء الأشهر الهجرية وترتيبها ، وربما لا يعرف الفرق بينها وبين الأشهر الميلادية . لقد مَرَّت علينا سحابات داكنة أمطرتنا بوابلٍ من التفاهات ، من جملتها أنك إن حدثت شاباً يدرس الطب أو الهندسة على سبيل المثال عن اللغة العربية لغة القرآن ، وقلت له لم لا تعتني باللغة العربية أجابك بقوله : وما فائدة اللغة العربية ؟! ولئن سألته عن الأشهر الهجرية أجابك بقوله : وما الذي يعود عليَّ بالنفع حين أحفظ الأشهر الهجرية ؟ وما الذي يعنيني في النتيجة ؟! نقول له : وما الذي يعنيك من إسلامك أيضاً ، لأن مثل هذه الأجوبة سينسحب حتى على الصلاة والصيام والحج وعلى غبرها من أوامر الإسلام . الجواب على كل هذه التساؤلات ، أن نقول له من فمك ندينك ، فأنت تقول عن نفسك بأنك مسلم ، وأنك تنتمي إلى الأمة العربية وتنتمي للأمة الإسلامية وتنتمي لسورية والأردن والعراق ، هيا فقل لنا بأنك لست كذلك لنبدأ الحديث والحوار من جانب آخر معك . لماذا ؟ لأننا نريد أن نحقق وجوداً مادياً ومعنوياً . 
الهجرة منظومة إسلامية عظيمة تحمل فكراً وحركة وعملاً وسعياً وإنسانية ورحمة ورسالة ، وتحمل مختصر الإسلام في كل ميادينه ، وحين نذكر الهجرة نذكر الإسلام باختصار . 
منظومة الهجرة تقوم على أمور : 
أولاً : تقوم على تضحية . وهل الإسلام إلا تضحية ، وكلنا يعلم أن سيدنا محمداً عليه وآله الصلاة والسلام ضحَّى وهاجر ، ضَحَّى بالغالي ، ضحى بالوطن مكة - أي تركها - وقد وقف أمام مكة يودعها ويقول كما يروي البيهقي : " والله إنك لأحب بلاد الله عندي ولولا لأن قومك أخرجوني ما خرجت " . الهجرة منظومة تقوم على تضحية : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ) . 
ثانياً : تقوم منظومة الهجرة على إعداد . وكلنا يعلم أن الهجرة أُعدّ لها إعداداً دقيقاً استخدمت فيها التكتيكات والاستراتيجيات ، فرسول الله انتظر الأمر الإلهي ، وهذا أساس في الإعداد ، نحن نُعِدّ بناء على أمر إلهي ، والله عز وجل قال لنا : ( وأعدوا ) ، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الإعداد انتظر الأمر الإلهي أولاً ، ثم انتظر صاحباً أو حليفاً هو سيدنا أبو بكر ، وثالثاً وضع له خليفاً هو سيدنا علي . الإعداد يقوم على الأمر الإلهي وعلى اختيار الحليف والخليف ، فمَنْ حلفاؤكم أيها العرب ؟! واختيار المضيف فمن الذي يستقبلك ؟ لقد هَيَّأ رسول الله من خلال الإعداد من يستقبله في المدينة المنورة ، فقد أرسل قبل الهجرة أناساً مبشرين ممهدين يخططون ، واختيار الطريق والمسار ، وقد هاجر رسول الله عن طريق البحر ، مضحياً وباذلاً الجهد الكبير وهو في الثالثة والخمسين من عمره . يقوم الإعداد على ربط الخليف والحليف والمضيف بالحب لله تعالى ، فعليٌّ كان يحب أبا بكر ، وأبو بكر كان يحب علياً ، وأهل المدينة كانوا يحبون أبا بكر وعلياً ، والكل كانوا مرتبطين بوشيجة الحب . أرأيتم إلى النسيج العظيم الذي استقبل به أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والذي معه :
 

طـلع البـدر عليـنا

مـن ثنيـات الـوداع

وجـب الشكـر علينا

مـا دعـا لله داع

أيـها المبعـوث فينـا

جـئت بالأمـر المطاع

جـئت شرفـت المديـنة

مـرحباً يا خـير داع

الهجرة منظومة تقوم على التضحية والإعداد ، وهي مختصرٌ للإسلام وإسقاط مُكثَّف للإسلام على الأرض ، وأُسقط تطبيقاً وتنفيذاً من خلال الهجرة ، لأن الإسلام تضحية وإعداد ، ورسول الله أعدَّ . 
ثالثاً : تقوم منظومة الهجرة على ثقة بالله . نحن نقول اليوم إن الأزمةَ أزمةُ ثقة بالله ، وهذه الثقة تتجلى في أكثر من موطن في هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا أدلَّ على ذلك من قول النبي الذي نستمتع بذكره حينما قال لأبي بكر ، وقد قال له أبو بكر : يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى أخمص قدمه لرآنا ، فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما . ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) ، ونحن نقول لإخواننا في فلسطين وحاشا ، أنا لا أقول لهم لأنهم أكثر إيماناً مني ، فهم يقولون لنا لأنهم هم الذين يجاهدون ولأنهم يقدمون التضحية والإعداد ، يقولون لنا : لا تحزنوا إن الله معنا ، أما نحن - كما في اللغة العامية - ( دَعْوَجِيَّة ) ندعو الله فقط ، ولكن آمل أن يكون هذا الدعاء قائماً على ثقة . إن إخواننا في فلسطين يقولون لبعضهم : لا تحزنوا إن الله معنا وناصرنا ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، و ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) . 
أخيراً : منظومة الهجرة تقوم على المبدأ الحق . والإسلام حق ، ومن شك في الإسلام فليقدِّم لنا هذا الشك عبر عبارات تليق بهذا الإنسان ، ولا نريد الشك في عبارات شاتمة أو عبارات فيها فحشاء وتهكم ، أو عبارات تُدّلِّل على حقد في هذا الشاك . وإذا كنتم تعتقدون - ونحن نعتقد - أن هذا القرآن من عند الله ، وأنا أريد أن أُثبِّت هذا في أنفسنا قبل أن أثبته في نفوس الأمريكيين والغربيين ، فالله يقول : ( ورضيت لكم الإسلام ديناً ) فالهجرة تقوم على منظوم حق والإسلام هو الحق ، ويا أيها الناس في الأرض كافة : إذا أردتم مبدأً حقاً فعليكم بالإسلام ، أنا لا أقول عليكم بالمسلمين ، ولكن عليكم بالإسلام الذي يُجَلِّيه القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمعطيات العامة التي جاءت من خلال ما أفرزته الآيات والسنة المطهرة الشريفة - واسمحوا لي أن أضيف عليها الصحيحة - لأننا لا نعترف على سُنَّةٍ غير صحيحة وهي ليست سنة ، لكننا وقد كثر فينا من يذكر من السنة غير الصحيح حق علينا أن نقول السنة الصحيحة . 
منظومة الهجرة تقوم على التضحية والإعداد والثقة بالله والمبدأ الحق واعتناقه . أخبرنا عن مبدئك الذي تعتنقه ، وعن قناعاتك المذهبية والمبدئية . هل أنت مُتَحلِّل من أي مبدأ ؟ هل أنت إباحي لا تريد الالتزام بمبدأ ما ؟ نحن نطرح عليك الإسلام ولا نطرح عليك المسلمين . فهذا أمر وذاك أمر آخر . 
أسأل الله عز وجل أن يعيد علينا الأشهر الهجرية ، وليس السنة ، فنحن طامعون في فضل الله وعطائه أن يعيد علينا الشهر تلو الشهر وقد تحققت آمالنا ، وقد انتفت آلامنا ، وتحررت قدسنا ، وقد أبيد عدونا ، وقد تمحَّص الحق وظهر ، نرجو الله عز وجل أن يعيد علينا الأشهر الهجرية وقد اتحد المسلمون ، فعليٌّ يحب أبا بكر ، وأبو بكر يحب علياً ، وقد اتحد المسلمون في كل بقاع الأرض على ثوابت وأسس ، هذه الثوابت هي : آمنت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبالقرآن كتاباً ، وبمحمد نبياً . هذه ثوابتنا . أسأل الله أن يعيد الأشهر الهجرية وقد اتحد المسلمون ، ولديَّ رجاء وطلب إلى الحكام العرب وهاهم يُزمِعون الاجتماع في مؤتمر القمة القادم ، أقول لهم : تذكروا الهجرة وأنها منظومة إسلامية ، تذكروا هجرة سيدكم وسيدنا ، وحبيبكم وحبيبنا ، لأنكم مسلمون وعرب ، والعربي النظيف يحب محمداً مهما كان دين هذا العربي ، لأن محمداً عربي عظيمٌ في عروبته ، لأن محمداً نبي عظيم في نبوته ، لأن محمداً شخصية إنسانية عظيم في إنسانيته ، وهو مَحَكُّ القلوب الطيبة فمن أحبه من القلوب فالقلب طيب ، ومن أبغضه فالقلب خبيث . 
يا قادة الشعوب ، ويا قادة العرب : ضعوا نصب أعينكم أن الهجرة تقوم على تضحية وإعداد وثقة بالله ومبدأٍ حق هو الإسلام ، اللهم كن معنا ولا تكن علينا ، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

محمد

تاريخ :2007/07/29

موضوع جد ا را ئع وجزاك الله كل خير

شاركنا بتعليق