مناشدات
أما بعد ، أيها
الإخوة المؤمنون
:
لعلي أُعيد على ذاكرتكم ما قلته عليكم منذ ثلاثة أسابيع ، قلت لكم : إن
كنتم تظنون أننا بخُطبةٍ أو بعاطفة أو بإثارة شعار سننتصر فذاك أمر بعيد عن
سنن الله في الكون ، وأنا أقول اليوم : سنة الله في خلقه لا تتبدل ولا
تتغير ، ولن تجد لها تبديلاً ولن تجد لها تحويلاً ، وببساطة شديدة جداً
ودعونا من كل مُفرَزات العاطفة التي يمكن أن نعيشها ، السؤال الذي يفرِض
نفسه في مثل هذه الأيام ، وليس هذا الذي نقوله تبريراً لله ، فالله عز وجل
لا يحتاج إلى من يبرر له ، لأن الله حكيم ، لأن الله عليم ، لأن الله رحيم
، ولكننا نقوله اعترافاً من قلوبنا ، من ألسنتنا ، من جوارحنا ، من ذراتنا
، من كلِّنا ، ببساطة شديدة : أليس للنصر مقومات ؟! الجواب : بلى . إن
للنصر مقومات . السؤال التالي : هل سلكنا مقومات النصر ؟ أعتقد أن الجواب
من أغلبنا لا . ولكنني حينما أُفَصِّل في امتلاك مقومات النصر أقول : قد
نكون وقد لا للتقريب - كما يقول علماء اللغة - قد نكون نمتلك بعض مقومات
النصر ، ولكننا لا نمتلك كلَّ مقومات النصر ، وقد ذكرنا أيام الرخاء مقومات
النصر وعددناها ، ولربما سأل سائل سؤالاً ثالثاً : ما مقومات النصر التي لم
نمتلكها ، والتي غابت عنا ، ونحن نتحدث عن نصرٍ من الله عز وجل ؟ أقول : إن
مقومات النصر التي لم نمتلكها كثيرة جداً - لا أريد أن أُثَبِّطكم ، ولكن
أريد أن أستنهض العقل والقلب والإسلام والصغار والكبار ، أن أستنهض
الموضوعية التي خُلقنا مستعدين لها ، أريد أن أستنهض الحركة الصادقة
الواعية فينا ، ولا أريد أن أستنهض العواطف التي لا تنتج إلا حركاتٍ لا
قيمة لها في عالم الإنتاج ، ولا أريد استنهاض عاطفة بمفردها لا تقوم إلا
على شفا جرفٍ هارٍ . ما المقومات التي نفتقدها ؟ أقول : من المقومات التي
نفتقدها علاقة طيبة فيما بين المؤمنين المجاهدين أو الذين هم مشاريع
مجاهدين . ما العلاقة التي تربطني بكم ، هل هي علاقة طيبة ، ربما قال قائل
نعم . ولكن مَحِّص هذا الجواب . هل يكفي من أجل أن تكون العلاقة طيبة أن
تستمع إليَّ وأن أتكلم إليك ، أم لا بد من أن تكون هنالك روابط قوية ،
نسيجها وقوامها الحب والنصيحة .
من المقومات التي نفتقدها العدل . نحن أمة نتعامل بالظلم فيما بيننا . لا
أريد أن أجعل الظلم سمةً لفئة دون فئة من حكامنا ، لا أريد أن أجعل الظلم
سمة للحكام فحسب ، ولكنني أقول : إن الظلم سمة للأب في بيته ، وللمدير في
إدارته ، للطبيب في عيادته ، للصيدلي في صيدليته ، للمحامي في محكمته ،
للقاضي على قوسه ، للخطيب على منبره ، للرجل حيال زوجته ، للزوجة حيال
زوجها ، ولا أظن أنني بحاجة إلى تدليل على الأمر الذي نعايش آثاره فيما
بيننا ، من مقومات النصر العدل ، فأين العدل بيننا . من مقومات النصر عدل
ينتشر في كل قطاعات المجتمع وفي كل مستوياته وفي كل صعده .
من مقومات النصر التي تخلَّفنا عنها وتخلفت عنا الرحمة . الرحمة التي تعني
زيادةً على العدل . من منا يرحم الآخر ، من منا لا يفرح حين يصيب الآخر ضيم
، من منا يعيش رحمة بجاره . قلت لكم أيام الرَّخاء إن الجار يظلم الجار
فضلاً عن أنه مقصر في رحمته . نحن لا نرحم جيراننا ، التمسوا في بيوتاتكم
لتروا البسمة مرتسمةً على الوجوه وكأن شيئاً لم يكن ، انظروا بيوتاتكم
لتروا أن الناس - وكأنَّ أمراً لا يحدث - أن الناس تعيش بصخبها وموسيقاها
وفرحها وعرسها وعقدها وكأن شيئاً لم يكن ، أمةٌ فقدت الرحمة فيما بينها
وفيما بين الآخرين ، حينما نتحدث عن رحمة الغرب بالحيوان نستهجن ذلك ،
لكننا الآن صرنا ننشد رحمةً بالإنسان ، صرنا ننشد رحمة منك إليَّ ، أنا
الذي تدَّعي أنني أخوك ، أنا الذي تدعي بأن بيني وبينك مشتركات كثيرة ، لا
يحترم الجار شعور الجار ، يعتدي الجار على الجار بصوته ، انظروا شبابنا ،
انظروا تسيُّبَهم . قد تحدثني فتقول : أليس منا شباب ذهبوا للجهاد أقول لك
: استمع ولا بد أن تعي ما أقول . أنا أقول بأننا نمتلك بعضَ مقومات النصر ،
لكن هذا البعض لا يكفي للنصر ، لأن لله سناً ، فقد جعل النصر مرتبطاً بكل
مقوماته ومعطياته وأسبابه ودوافعه ، ولا يكفي سبب ، وإلا فربنا – وبكل
بساطة – لم ينصرنا ونحن لا نمتلك مقومات النصر ، ونحن لا نمتلك أكثر مقومات
النصر ، وفي غزوة أحد قصَّر المسلمون في أمر واحد بسيط فلم ينصرهم الله ،
أتريدون أن ينصرنا ربنا بالرغم من أننا لا نمتلك مقومات النصر ، وأن لا
ينصر أولئك الذين قصروا ، وقد كانوا باعترافنا جميعاً أفضل منا ، لكن لله
سنناً لا تتحول ، سنن الله : (
إن تنصروا الله ينصركم ) ، ( ولينصرن الله من ينصره
) ولا بد من أن تجتمع المقومات حتى يأتي نصر الله ، ونحن كما بدأنا الأسئلة
نعيدها ونؤكد عليها : هل نمتلك مقومات النصر ؟ ولا يقولن لي أحد بأنني أقول
هذا في وقت سقطت فيه أو لا أقول سقطت وإنما انهارت فيه بغداد . أنا أقول
هذا الكلام منذ ثلاثة أسابيع ، وأقول هذا الكلام منذ أكثر من تسعة عشر
عاماً في هذا المكان ، أقول هذا الكلام ، وقلت في الأسبوع الماضي وأكرر :
إن الأوان لم يفت ، ولا زال في الأمر فسحة ، ولا زال الأمر يحتمل تداركاً ،
ولكن لا يحتمل الأمر أن نبقى ندعو من غير عمل ، وأن نتعاطف من غير حركة ،
وأن نبقى ننادي السماء بلهجة ضعيفة ، فاللهجة الضعيفة إن لم تنبثق عن ضعيف
يستعد للقوة لا تقبلها السماء ، لا تقبل السماء لهجة ضعيف مستكين ، وإنما
تقبل السماء لهجة ضعيف يستعد للقوة ، يتمثل قول الله عز وجل : (
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
) مهما حاولنا أن
نتباكى ، ومهما حاولنا أن نجعل أصواتنا تتهدج ، ومهما أردنا أن نعتصر
العيون لننزل الدمعات ، إن كنا نفعل ذلك معتقدين بأن هذا الأمر كافٍ فليس
الأمر كذلك ورب الكعبة ، القضية قضية عمل ، القضية قضية سعي ، القضية قضية
وحدة ، القضية قضية جهاد ، القضية قضية عدالة ، القضية قضية رحمة ، القضية
قضية إعداد شئتم أم أبيتم ، هذه الأصول والقواعد ، شاء من شاء وأبى من أبى
، سار على الدرب من سار وعدل عن الدرب من عدل . هذه سنة الله التمسناها من
كتاب الله ، ومن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . اقرؤوا سيرة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، اجعلوا السيرة مرجعكم ، اقرؤوا كل يوم
صفحة من السيرة ، لا قراءة من أجل أن نجعل من هذه القصة جلسة رومانسية
هادئة ، أنا أخشى من بعض القنوات الفضائية أنهم أعتقوا المسلمين من كل
الواجبات شريطة أن تستمع الأمة إليهم وهم يحدثونهم حديثاً ناعماً طيباً
خفيفاً ويحمدون الله على كل شيء . نحن نحمد الله ، ولكن نحمده على أن هذا
الذي نحن فيه مكروه ، والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه . كفانا أن
الواحد منا يدغدغ في الآخر مواطن الزهو والعظمة والتكبر ، التكبر على أساس
دمعة ، التكبر على أساس منظر يشعرنا بشيء من الضعف أو الخشوع الواهم المزيف
. إلى متى سنبقى نردد نشيد الخذلان ونحسبه نشيد النصر ، إلى متى سنردد نشيد
الهوان ونحسبه نشيد الرقي والغلبة والعزة ، إلى متى ؟! أما آن لنا أن
نستيقظ ونفيق ! أما آن لنا أن نبعث من جديد ! أما آن لنا أن نتعامل مع
الواقع بواقعية ! أن نفهم إسلامنا كما هو ! أما آن لنا أن نعود إلى رسولنا
عوداً حميداً لنقول له وكأنه حاضر بيننا : يا رسول الله كما قال أولئك له :
إنا جند أوفياء ، صبر عند اللقاء ، صدق في الاتباع ، ولكن هذا الكلام لن
يكون فقط رهين اللسان والفم ، وإنما هو كلام ستراه يا رسول الله ، سنجسده
في جامعاتنا ، نجسده في جوامعنا ومجامعنا ومستشفياتنا وحكوماتنا ، نجسده في
دوائرنا وفي قصورنا العدلية والنيابية ، نريد أن نعيش ذلك . لم يفت الأوان
، فهيا إلى عود حميد إلى هذا الدين الحنيف ، إلى عود حميد إلى هذا الدين
الرشيد ، وليعذرنا الذين لا يؤمنون بالإسلام من أبناء جلدتنا ، لقد وجدنا
ما وعدنا ربنا حقاً ، فهل وجدتم ما وعدكم طواغيتكم حقاً ؟!!! وانظروا
المخبر الإنساني الذي هو التاريخ ، وانظروا التاريخ البعيد والقريب . ثم
بعد ذلك أحببت أن أوجه مناشدة إلى الشعب العراقي ، أقول :
أيها الشعب العراقي : أناشدكم الله أن تلتقوا على الإسلام في مجاله الأوسع
، أناشدكم الله أن تتبنوا الإسلام في أقوالكم وسلوككم وأن تُرُوا الناس
جميعاً أثر الإسلام فيكم ، وأثر حضارته في تصرفاتكم ، أناشدكم الله أن
تجتمعوا في بوتقة الوطن على كلمة الحق وفعلة الخير ورفعة الفضيلة ، ونبذ
التفرقة ، ومعاداة أولياء الشيطان ، وقرناء الرذيلة ، أناشدكم الله أن
تحترموا كبيركم ، وتعطفوا على صغيركم ، وتعرفوا لعالمكم حقه ، أناشدكم الله
أن تتابعوا الجهاد ضد الشر وأهله بإعانة الخير وأهله والجهاد ليس قتالاً
فحسب ، وليكن همكم في جهادكم إرضاء الديان وبناء الإنسان وخدمة الأوطان ،
أناشدكم الله أن يحب الواحد منكم ما يحب لنفسه ، أناشدكم الله أن تختاروا
بقوة حاكمكم على أساس من تقوى الله وخبرة بالحياة وفهم للإنسان واطلاع على
سنن الكون والواقع ونظافة اليد وسلامة القلب وسعة الصدر وحسن الخلق ،
أناشدكم الله أن تحافظوا على بغداد – وقد آلمنا منظر بغداد – أن تحافظوا
على بغداد الحضارة ، بغداد العلم ، بغداد الصمود في وجه الغازين النازيين
الداخلين والخارجين ، أناشدكم الله رعايةً لجوار ، وإجارةً لمستأمَن ،
وحرمةً لمُقدَّس ، وحباً لحقيقة ، وكراهيةً لزيف وباطل ، أناشدكم الله
التحقق بما تدعونه عن أنفسكم في مساجدكم وجامعاتكم ومدارسكم ، أناشدكم الله
أن لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، وعاش في وطنكم ترعونه ويرعاكم وتخلصون له
ويخلص لكم . وأناشد نفسي وأمتي وشعبي وحكومتي هنا : أن نكون أوفياء
لأخُوَّة إيمانية ، وأن نكون معاً على قدم الصدق في تحقيق أمان الإنسان
وأمنه ، وخيره ونفعه ، وأن نستجمع أمرنا في مواجهة التحديات الخارجية
والداخلية ، لأن التحديات الخارجية ربما كانت انعكاساً عن التحديات
الداخلية ، والتحديات الداخلية يجب أن تجابه أولاً . إذا سلم الداخل حسنت
مواجهة الذي يأتي من الخارج ، إذا سلم البنيان من داخله حسنت المواجهة لعدو
يأتي من خارجنا .
أناشد نفسي وأمتي أن نكون كذلك ، أن نفكر في مقومات النصر ، أن نُجمِع
أمرنا على تحقيق مقومات النصر ، فاللهم اجعلنا من الثابتين على شرعتك
الحَقَّة ، لا نقول هذا الكلام مجاملة لك ، فأنت أعلم بالقلوب ، وورب
الكعبة ، وحقك يا رب إنك لَعَدْلٌ ، إنك لحكيم ، إنك لرحيم ، إنك
لَمُدَّبِّر ، إنك لسلام ، إنك لمؤمن ، وحقك يا رب إنك كذلك ، آمنا بك كذلك
، فثبتنا على هذا الإيمان ، فاللهم ارحمنا واجعلنا من الثابتين على شرعتك
الحقة ، وارحم بنا ، وجنبنا الشيطان . باسمي وباسم كل أفراد وطني أقول هذا
الكلام من أعلى شخص إلى أدنى شخص ، أقول : وجنبنا الشيطان في أقوالنا
وأفعالنا وحركاتنا وسكناتنا (
حسبنا الله ونعم الوكيل ) ، ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد )
و ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) .
ويا أيتها الشعوب جميعاً
: ( اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله ) أسأل الله لكل بلاد العرب
والمسلمين ، تقدماً في مسار تحقيق النصر من خلال تحقيق المقومات ، أسأل
الله لكل بلاد العرب والمسلمين أن يجعلها وفق شرعته ، وفق دينه ، وفق مبادئ
قرآنه ، وفق ثوابت كتابه ، أسأل الله العظيم لكل بلاد العرب والمسلمين أن
يحميها من عدو في داخلها وآخر في خارجها ، أسأل الله لكل بلاد العرب
والمسلمين أن يجعلهم مسلمين مؤمنين محسنين مجاهدين ، وأن يكونوا إنسانيين ،
وأن يُمسوا في العالم كله يحملون الفتح المبين الذي هو رحمة وعدالة
واطمئنان ، هذه عناوين فتح يحملها المسلمون وهكذا نريد ، عدلٌ ورحمة
واطمئنان ، اللهم اجعلنا من جند الإسلام الصادقين ، نعم من يسأل أنت ونعم
النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات