آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
معالم الحرب الباردة في مواجهة الشر وأهله

معالم الحرب الباردة في مواجهة الشر وأهله

تاريخ الإضافة: 2003/08/08 | عدد المشاهدات: 3680

أما بعد ، فيا أيها الإخوة المؤمنون :
إن من ينظر منا إلى عالم اليوم يرى أن الشر يتنامى ، وأن آثاره تنتشر بنسبة أو بأخرى ، لكنه يتنامى ، وإن من ينظر إلى الخير في هذا العالم يلاحظ ويلحظ أن الخير لا أقول يتصاغر أو يَقلّ ، ولكن يرى أن الشر يزحف على أمكنة الخير، وبالتالي هنالك تقلص في مساحات الخير بنسبة أو بأخرى .
إن من ينظر أيضاً إلى عولمة الظلم سيجد أن هذه العولمة تتسع دوائرها ، ومن ينظر إلى عولمة العدالة سيجد أن دوائرها تضعف بنسبة أو بأخرى أيضاً . قلت في نفسي وأنا ألاحظ هذا الذي أقدمه أمامكم أو على مسامعكم ، قلت في نفسي أفلا يجدر بأولئك الذين يتنادون إلى الخير وينادون به أفلا يجدر بأولئك أن يتفقوا معاً على اختلاف توجهاتهم العقدية ، وعلى اختلاف توجهاتهم المبدئية ، أفلا يجدر بهؤلاء أن يتفقوا على موقف ما ، هذا الموقف هو أو قوامه مناوأة الشر ، ومجاهدة الشر ، ولكن - وآمل أن أكون مفهوماً - وأنا أنادي أولئك الذين يرفضون امتداد الشر واتساعه أطالبهم أن يجتمعوا وأن يتفقوا معاً لمناوأته وليسموا أنفسهم بالهادين حتى ولو لم يكونوا من دين واحد ، حتى ولو لم يكونوا من مبدأ واحد ، هنالك كثيرون - على سبيل المثال - في عالمنا هذا الذي نعيشه يناوئون سياسة أمريكا التوسعية الشريرة ، هنالك كثيرون قد لا يتفقون على دين ، قد لا يكونون مسلمين ، قد لا يكونون مسيحيين بجمعهم ، ولكن فيهم المسلم ، وفيهم المسيحي ، وفيهم البوذي ، وفيهم الملحد ، إلا أن اتفاقهم مؤكد على مواجهة أمريكا ، أو على مواجهة مسيرة أمريكا الشريرة ومن سار على دربها ، ومن سار على طريقها ، أقول لهؤلاء : من الواجب عليكم جميعاً أن تتفقوا ، أن تتحدوا تحت عنوان : المناوأة للشر ، المواجهة للشر ، الذي تمثل أمريكا اليوم في سياستها ، وأعني بأمريكا الحكومة والإدارة السياسية ، التي تمثل هذا التوجه الشرير . أقول لهؤلاء الذين لا يرضون عن السياسة الأمريكية الراهنة : اجتمعوا ، تآلفوا ، تحت عنوان مواجهة الشر ، تحت عنوان إنماء الخير ، تحت عنوان مساعدة الفضيلة ، تحت عنوان توسيع دائرة العدالة ، سمُّوا العنوان ما تريدون . بعد هذا الاجتماع ما الذي سنفعله ؟ أنا لا أقول لهؤلاء الذين سيجتمعون تحت عنوان مواجهة أمريكا لا أقول لهم قاتلوا ، لأنني أعلم أن مستوى القتال ، أو مستوى الاستعداد القتالي لا يمكن أن يكون كمستوى أمريكا وحلفائها ، ولا أقول لهم حاربوا ، لأنني أعلم أن مستوى أمريكا ذات التوجه الشرير مع حلفائها أقوى من هؤلاء ، ولكن أقول لهم : لنبدأ المواجهة بما كان يسمى في العقود الماضية بالحرب الباردة . وأولى خطوات الحرب الباردة أن نكوِّن الإنسان المواجه . وهذا الإنسان المواجه يتصف بثلاث صفات ، نسعى إلى تكوين وتربية الإنسان المواجه كخطوة أولى في حرب باردة بين أهل الخير وبين أهل الشر . أولى هذه الخطوات تكوين الإنسان المواجه على ثلاث خصال ، على ثلاث صفات .
- الصفة الأولى العلم بالشر وتفاصيله : علينا أن نربي الإنسان على العلم بالشر وتفصيلات الشر . وقد قرأت عبارة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتاب مناهل العرفان للزرقاني ينقلها بسند صحيح - هكذا يقول - يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " فَكَّ عرى الإسلام عُروة عروة من لم يعرف الجاهلية عُروة عروة " نريد أن نربي الإنسان ولنسمِّه المواجه ، ولنسمه الراشد ، ولنسمه الداعية على العلم بالشر وتفصيلاته امتثالاً أو اتباعاً لهذا الرجل الخبير بشؤون السياسة والإنسان لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه . أن نربيه على الشر وتفصيلاته وتحديداته وتجلياته وإنتاجاته وما يمكن أن ينتج ، وأن نربيه على العلم أيضاً بالخير الذي نريد لهذا الذي يعدل عن الشر أن يأتي إليه ، وباعتبارنا مسلمين أتوجه إلى الفئة المسلمة من الجمع المواجه لأقول : ربُّوا الإنسان المواجه على معرفة الشر وتفصيلاته ومعرفة الإسلام ودوائره ومجالاته ، وهنا أتوجه إلى الدوائر المعنية بالتربية الإسلامية لأقول : ربوا هذا الإنسان المسلم من ضمن الجمع المواجه على معرفة الإسلام ، على معرفة إسلام الحضارة ، على معرفة إسلام الإنسان ، على معرفة إسلام الأخلاق ، على معرفة إسلام الإنسان ، على معرفة إسلام السَّعة ، ولا أريد - وهذا رأيي - لا أريد أن نربي أو أن نكوِّن المسلم من الجمع المواجه على الإسلام ، أو على إسلام العنف أو إسلام التفجير أو إسلام التزمت ، أو إسلام التعصب ، وأنا أقول لإخواننا المسلمين في إندونيسيا أقول لهم : لا . لا تسلكوا طريق العنف ، لا تسلكوا طريق التزمّت ، لا تسلكوا طريق التعصب ، أناديكم من أجل أن تسلكوا طريق معرفة إسلام الحضارة ، إسلام الأمان ، إسلام العدالة ، إسلام الإنسان الذي يتعرف على إنسانيته ليكون إنساناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، متحققاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى . الصفة الأولى التي يجب أن نربي عليها الإنسان المواجه العلم بالشر وتفصيلاته ، وبالخير ومساحاته .
- الصفة الثانية : ربوا هذا الإنسان على صفة الخلق والسَّعة والرحمة والتحمل ، لأن هذه الصفات هي صفات المنتصر ، إذا نظرت المنتصرين عبر التاريخ من لدن آدم إلى يومنا هذا فلن تجد منتصراً غير صابر ، ولن تجد منتصراً غير متحمل ، ولن تجد منتصراً غير رحيم ، ولن تجد منتصراً الانتصار المطلوب غير أخلاقي ، ولذلك قال ربنا عز وجل ( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك )
لقمان : 17 وقال تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) آل عمران : 159 وروى البخاري أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام حكى نبياً من بني إسرائيل ضربه قومه فأدموه فجعل يمسح الدم من جبينه ، من جبهته ويقول : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " نريد أن نتخلق بما دعانا إليه النبي عليه وآله الصلاة والسلام يوم قال : " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، " لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم حسن خلق وبسط وجه " .
أيها الجمع المواجه على اختلاف التوجهات العقدية : أريد أن نربي إنسان هذا الجمع على العلم بالشر وتفصيلاته ، وبالخير ومساحاته ، وعلى الأخلاق والتحمل ، والصبر والرحمة ، ولا زلنا نردد حديث النبي عليه وآله الصلاة والسلام القائل : " ارحموا من في الأرض " مَنْ لفظٌ من ألفاظ العموم " ارحموا من في الأرض يرحمُكم من في السماء " نحن الذين نقابل السيئة بالحسنة ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )
فصلت : 34 أيها الجمع المواجه : هذه بدايات الحرب الباردة ، بل هذه الخطوة الأساس في حرب باردة ، نريد بعدها أن نعلن الانتصار الإنساني المنشود على قوى الشر ، قوى الشر اليوم لا يمكن أن تذل بتفرق هؤلاء الذين يواجهون الشر ، أو بمن نسميهم بتفرق الجمع المواجه ، لا ينتصر الشر اليوم علينا بقوته ، فالشر لا قوة له ، وهكذا قال أكثر علماء المجتمع والنفس : الشر لا قوة له وإنما ينتصر الشر على الخير بضعف الخير ، بتقهقر الخير ، بتفرق أهل الخير ، انتصر من انتصر في غزوة أحد على المسلمين ليس بقوةٍ غالبةٍ على قوة المسلمين ولكن بمخالفة المسلمين أمر قائدهم عليه وآله الصلاة والسلام . ندعو الجمع المواجه من أجل أن يربي إنسانه على العلم ، على الخلق .
أما الصفة الثالثة : على الصدق والإخلاص . ثلاث صفات أدعو العالم الذي يسمي نفسه مواجهاً للشر . الصدق والإخلاص ، والله عز وجل مدح الصادقين وأثنى عليهم وقال : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه )
الأحزاب : 23 اصدق ودليل صدقك أن تطبق هذا الذي تدعو إليه . قيل لحكيم : كيف نستدل على الصدق ؟ والصدق شيء بالنفس ( بالجوَّاني ) في الداخل قال : بالتطبيق نستدل على صدق القول . ولذلك قال الله عز وجل : ( لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف : 3 كبر مقتاً أنكم كاذبون ، ولو كنتم صادقين لَأَتبعتم القول الفعل ، ولجعلتم من القول والفعل عملاً ، فالعمل قول وفعل منسجمان يقابل القول الفعل ، ولكننا نضع الفعل مع القول فيشكلان العمل ، العمل قول وفعل منسجمان .
أيها الإخوة : تعلمنا أول ما تعلمنا من أحاديث النبي عليه وآله الصلاة والسلام تعلمنا حديث النية الذي هو شطر الدين ، يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي البخاري ومسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " وهذا دليل أو مستند الإخلاص ، الصدق والإخلاص الصفة الثالثة " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ويروي البيهقي أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام قال : " المخلصون ، أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء " ثلاث صفات : الخطوة الأولى في حرب باردة مع الشر ومجالاته ، مع الشر وتصنيفاته ، مع الشر وتجلياته . لعل قائلاً في النهاية يقول : إذا كنت تقول هذا الذي تقول : فما رأيك بإخواننا في فلسطين ، هل نقول لهم : كفوا عن التفجير ؟ هل نقول لهم كفوا عن عمليات استشهادية ؟! أقول لهؤلاء : أولاً : أطالب إخواننا في فلسطين أن يتفقوا ، أن يتحدوا ، أطالب إحواننا هناك أن يتآلفوا ، وأن يجعلوا من تآلفهم قوة تقف أمام الشر الصهيوني الغاشم الآثم ، أطالبهم أن يتفقوا ، ويرحم الله ابن مسعود رضي الله عنه يوم قال لمن حوله : " ما أكرهه في الجماعة أحب إلي مما أحبه في الفرقة " أقول لإخواننا ، للفصائل كلها : اتحدوا ، وأما العمليات التي تنتج عن اتفاق واتحاد فليست ضد ذاك الذي ذكرته في خطبتي هذه ، وإنما العمليات الاستشهادية لا زالت - استثناء - صحيحة ونحن معها ، لماذا ؟ وأنا الذي أدعو إلى العلم بالشر ، إلى الخلق الحسن ، إلى الصدق والإخلاص ، لماذا ؟ أقول بصحة العمليات الاستشهادية إذا صدرت عن اتفاق إخواننا الفلسطينيين ، أقول : إن العمليات الاستشهادية اختيار لا يوجد سواه ، ليس ثمة سواه ، اختيار هو في حقيقته اضطرار ، لأن إخواننا في فلسطين يهاجمون في عقر دارهم ، ويُبادون ، ويُقتحم عليهم ، ويراد قتلهم وهم على فرشهم ، وقد سمعنا أكثر من مرة أن العدوان الصهيوني وأن الكيان الغاشم دخل على بيوتات إخواننا فقتل من إخواننا الفلسطينيين من كانوا في فرشهم ، قتل نساء ، قتل أطفالاً ، قتل شيوخاً ، قتل وقتل حتى الشجر لم يسلم من شره ، نقول : إخواننا يُقتحم عليهم وليس أمامهم وهم سيموتون إلا أن يختاروا الميتة الشريفة ، الشهادة ، سيموتون سَيموتون ، فهل يتركون أنفسهم يموتون هكذا ميتة ذل ، أم أنهم يختارون الطريقة التي تشعرنا والتي توقع في دواخلنا اعتداداً ورفعة ، هؤلاء اختاروا الميتة الشريفة ، وقد قلت لكم هذا وأكدت عليه ، ولكنني اليوم أؤكد عليه خشية من سوء فهم لما قلته في خطبتي ، قلت لكم ، قلت عن الإمام الحسين عليه السلام ، قلت عنه يوم خرج من أجل الإصلاح ، قلت عنه : " من لم يختر الشهادة النبيلة فسيختاره الموت الوضيع " وإخواننا في فلسطين أسأل الله أن يجعلهم حسينيين في هذه القضية ، وما بعد ذلك أتوجه إلى الجمع المواجه للشر لأقول لهم : نحن في حرب باردة لا نملك أسلحة كتلك التي يمتلكها أهل الشر ، ولا نملك عتاداً كذاك الذي يمتلكه أهل الشر ، إذاً : فلنبدأ الحرب الباردة بخطوة أساس ، هذه الخطوة هي أن نربي إنسان الجمع المواجه على العلم بالشر وتفصيلاته ، على المعرفة بالخير ، وباعتباري واحداً من هذا الجمع فأنا أُجَسِّد الخير بالإسلام ، فأُرَبِّي المسلمين وأربي نفسي على معرفة دقيقة بالخير ومساحاته ، الصفة الثانية يجب أن نربي الإنسان في الحرب الباردة على التحمل ، على الصبر ، على الرحمة ، على الخلق الأوسع . الأمر الثالث : على الصدق والإخلاص ، وأغتنمها فرصة أيضاً لأنادي الحكومات العربية والإسلامية : ساعدوا شعوبكم أيتها الحكومات : ساعدي شعوبك بكل الوسائل التي تمتلكينها من أجل إنتاج إنسان عالم ، من أجل إنتاج إنسان رحيم واسع ، ولا تلجئي الشعوب إلى أن تتصرف تصرف إنسان مقهور ، لا تقهري الشعوب ، وإذا ما قهر الإنسان فلا تعتب على تصرفاته . نريد من حكومات العرب أن تساعد الشعوب على تكوين هذا بكل وسائلها التربوية والإعلامية ، بكل وسائلها وإمكاناتها الاقتصادية والصناعية ، ولئن قلت هذا اليوم فذلك تتمة وحلقة في سلسلة بدأتها منذ أسبوعين ، تحدثت في الأسبوع ما قبل الماضي وفي الأسبوع الماضي ، وها أنا أتحدث في هذا الأسبوع عن تكاتف مطلوب بين الحكومة والشعب لمعرفة الغاية ، لمعرفة الهدف ، وأنا أرى أن هنالك تقصيراً من الحكومات والشعوب ، لكن سأتوجه إلى الحكومات لأنها أقدر على تلافي التقصير من الشعوب ، ولأنها أقدر على تنفيذ القرارات من الشعوب ، الشعوب مقصرة لكن الأقدر بين الحكومات والشعوب على تلافي التقصير هي الحكومات ، وأقول وأكرر : لست في هذا الكلام معارضاً ، ولا أريد في كل عالمنا العربي أو الإسلامي لا أريد فجوات بين الحكومات والشعوب ، ولا أريد أن تكون هنالك معارضة ، وإنما أدعو الجميع من شعوب وحكومات إلى تكوين كتلة وطنية همها خدمة الوطن ، وهمها أن ترضي ربها ، والحكومة تحاسب الشعب ، والشعب يحاسب الحكومة ، وليقل الشعب ما دام صادقاً مخلصاً عالماً بالشر وتفصيلاته فليقل كلمته بكل وضوح ، وليعلن لحكوماته بأنه معها وبأنه لا يريد أن يشكل جبهة في الداخل ، لا أيها الإخوة ، جبهتنا مع الشر وأهله ، جبهتنا مع قيادات الشر ، وهذه الجبهة نبتدئ الصراع معها بحرب باردة ذكرت معالمها ، فيا ربنا يا إلهنا ، يا رجانا : وفقنا من أجل أن نكون في خدمة الإنسان ، وفقنا من أجل أن نرضي الديان ، أن نرضيك يا رب ، وأن نكون في بناء الأوطان ساعين جادين ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت
، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق