آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
استشعار المسؤولية تجاه الأطفال

استشعار المسؤولية تجاه الأطفال

تاريخ الإضافة: 2004/12/10 | عدد المشاهدات: 4789

أما بعد ، أيها الأخوة المسلمون المؤمنون :
منذ أيام سمعت عبر القنوات والإذاعات أخباراً غير سارة عن الأطفال في العالم ، ولعلكم سمعتم ما سمعت ، فهنالك كذا مليون طفل يموتون جوعاً كل عام ، وهنالك كذا مائة مليون من الأطفال مهددون بالجوع ، ويعيشون تحت خط الفقر ، وهناك كذا مائة مليون طفل في العالم لا مأوى لهم ، يعيشون مشردين ، وهنالك وهنالك ... ، وهكذا تحدث أولئك الذين يهتمون بشؤون أحوال الأطفال في العالم .
وأنا أستمع لهذه الأرقام وتلك الإحصائيات ، قلت : أليس من مسؤوليةٍ علينا نحن الكبار ؟! ألسنا مسؤولين عن ذلك نحن الذين أسلمنا وقلنا عن أنفسنا بأننا مسلمون ، وبأننا أتباع ذلك النبي الطاهر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين ، فهل نحن رحمة للعالمين ، وبالتالي من باب أولى بالأطفال ؟!
حدثت نفسي ملياً ، وقلت سأجعل من هذا موضوعاً لخطبة الجمعة ، لكنني قبل أن أتحدث عن واجبٍ علينا نحو هؤلاء الأطفال : ألم يؤثر فيكم منظر طفلٍ جائع انحطّ! جسمه لأنه لم يأكل ! ألم يؤثر فيكم منظر طفل يمشي هكذا في المكان البارد من دون مأوى ! أريد أن اقول لكم أمراً آخر : لعلكم رأيتم ذلك في القنوات والتلفار ، ولكنني أزيدكم فأقول : إن هنالك أطفالاً كهؤلاء الأطفال الذين يجوعون ، والذين يشردون ولا مأوى لهم ولا طعام لهم في بلادنا أيضاً ، بل في بلدتنا ، في أحياء فقيرة هنالك أطفال كهؤلاء الذين ترونهم في التلفاز . ألم تسألوا أنفسكم عن واجبكم نحوهم ؟ ألم تستشعروا إسلامَكم وبما يأمركم به دينكم لتقوموا بشيء من الواجب نحوهم .
أخاف من أن يكون حِسُّ المسؤولية قد مات عندنا ، وفرَّغنا كل مسؤولياتنا لجدالاتٍ فيما بيننا ، أو لنقاش فارغ يفضي إلى نزاع ، أخاف أن نتحول عن مَواطن المسؤولية الحقيقية التي وكلت الينا إلى مسؤوليات تافهة لا تقدم بل تؤخر ، وتقضي على ما يجب أن نعمله لنتفرغ إلى ما هو قاسٍ وشديد وصعب علينا .
قلت في نفسي ما الواجب علينا نحو الأطفال ، وضعت ذلك في فقرات ثلاث :
الواجب الأول : استشعار المسؤولية عن هؤلاء الأطفال بالنسبة لنا نحن الكبار ، أيها الكبير أنت مسؤول عن الأطفال في كل العالم ، ولا سيما بأنك تقول بأنك صاحب رسالة سماوية ، رحموية للعالمين ، أنت تابع لسيدٍ هو رحمة للعالمين . استشعر مسؤوليتك أيها الكبير نحو الطفل بشكل عام في كل أصقاع الدنيا ، وبشكل خاص الطفل الذي يعيش في بلدك ، تفقد هذا الطفل ، ابحث عنه ، انظر ماذا يعمل ، انظر أين يسكن ، وماذا يأكل ، لأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال كما يروي ابن حبان : " إن الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع " من المسؤول منا ، من المسؤول بين الصغير والكبير عن الآخر ، هل الصغير مسؤول عن الكبير ، أم أن الكبير هو المسؤول عن الآخر ؟ من الراعي للآخر ؟ هل الصغير هو الراعي للكبير ، أم الكبير هو الراعي للصغير ؟ سيسألك ربك يوم القيامة عما استرعاك ، وأنت أيها الكبير قد استرعيت الطفل والصغير ، فهل أنت مسؤول تقوم بمسؤوليتك عن رعيتك ، والطفل من رعاياك يا أيها الكبير ؟
يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن أبي داوود : " كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّع من يقوت " وفي رواية أخرى : " من يعول " أيها الكبير : تعول الصغير حتى ولو لم يكن ولدك أو ابنك المباشر ، أوليس النبي عليه وآله الصلاة والسلام قال كما يروي البزار بسند حسن : " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " والعلماء قالوا : بأن العدل في الأولاد لا يطال العدل في الأولاد الصلبيين فحسب ، بل يطال أولاد المسلمين وأولاد غير المسلمين ، لأنني قلت مرةً على هذا المنبر : إن كل طفل في العالم مسلم ، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يُهوِّدانه او يُنصرانه او يُمجسانه " ، " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " . ولد جارك ولدك ، وولد جار جارك ولدك ، والولد والطفل السوري ، والطفل الحلبي ولدك ، والطفل الإنساني ولدك " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " أين أعطياتك ، أين بحثك ، أين مسؤوليتك عن ولد جارك الفقير ، عن ولد ابن بلدك الفقير ، أين مسؤوليتك عن أولادٍ وأطفال مشردين في أحياء تعرفها وأضحينا نعرفها كلها ، ومن منا لا يعرف حياً يدعى في بلدنا بـ ( حي الشَّحَّادين ) ، ومن الذي لا يعرف حياً في بلدنا يدعى بـ    ( كرم الطحان ) ، و( كرم الصباغ ) ، والمنطقة الفلانية ، التي يقطنها فقراء يعيش الأب والأم وثمانية من الأولاد أو سبعة في غرفة يهددها البرد والحر والجوع والخوف والانهيار ، ونحن هنا نقول : لقد رعى الإسلام الطفل ، ونقول لهؤلاء الذين يحصون الأطفال الذين يموتون جوعاً وتحت تأثير أمراض خفيفة لكنهم لا يجدون من يعالجهم ويقدم الدواء لهم . أتدرون أن نسبة من هؤلاء الأطفال المَحصيين الذين يموتون جوعاً ويشردون هم من أطفالنا ، من أبناء بلدنا ، لأن هؤلاء الأطفال الذين يُحصون يدخل فيهم من هم أطفالنا من أبناء بلدنا ، من أبناء قطرنا ، من أبناء عالمنا العربي ، من أبناء عالمنا الإسلامي ، وهم لا يدخلون بنسبة بسيطة ، لعلهم يشكلون النسبة الكبرى في تلك الأعداد التي تذكر ، وأنا على شبه يقين أن هذه الملايين من الأطفال المشردين يشكل أطفال العالم الإسلامي منهم نسبة   80 % إن لم تكن أكثر . فماذا أنتم فاعلون ؟ أتريدون أن تشتغلوا وأن تبقوا في كلام فارغ في الفضاء لا قيمة له ولا تجسيد له ، أتريدون أن نبقى تحت وطأة جدال لا ينفع بل يضر ، تحت وطأة جدال : أأنت سلفي أم صوفي وأطفالنا يموتون جوعاً ! تحت وطأة كلمة تؤثر علينا وعلى علاقتنا وعلى أُخوتنا من أجل أن تحسموا الأمر ولن يحسم ، وأطفالنا يموتون جوعاً ، ونحن بعد هذا وقبل هذا نقول : إن الإسلام يرعى الطفولة . انظروا : إن الذين يشتغلون في إغاثة الطفولة في العالم يكاد يكون أكثرهم غير مسلم ، أما المسلمون فمشتغلون بتأجيج نار العداوة فيما بينهم ، بدعواتٍ فارغة فيما بينهم ، بطعام وشراب ، بحوار لا يقدم بل يؤخر ، بنزاعات ، بثأر ، ألم نسمع بمقتل هذا أو ذاك ثأراً من القبيلة الفلانية أو القبيلة العلانية ، والأطفال في بلادنا يمرضون ولا مُسعِفَ لهم ، يجوعون ولا مُطعم لهم ، يُشرَّدون ولا مُؤوِي لهم . واجبنا استشعار مسؤوليةٍ عن هؤلاء الأطفال .
ثانياً : كفالة هؤلاء الأطفال : تكفل طفلاً أنت الذي رزقه الله ثلاثة أولاد ؟ تكفل طفلاً واعتبر وقدر أن الله رزقك أربعة أولاد ، وسَوِّي بين أولادك المباشرين وأولادك الذين تكفلتهم بالعطية . لم لا تتكفل طفلاً فقيراً في حي فقير ؟ لم لا تفكر في أن تخصص لطفل فقير يدرس في مدرسة من مدارس بلدنا ؟ لم لا تفكر وأنت الذي تقول : الإحساس بالمسؤولية ركن من أركان ديننا ، و : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " أوليس النبي عليه وآله الصلاة والسلام قال كما جاء في صحيح الإمام مسلم :  " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين في الجنة " وأشار بأصبعيه الشريفتين . من عال جاريتين ، بنتين ، حتى ولو لم تكونا بنتيك الصلبيتين . ألم يقل النبي عليه وآله الصلاة والسلام : " والله ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم " ولا تقولن لي بأنك لا تعلم ، لأن المقصود بالعلم : العلم بالقوة . فأنت تعلم حتى ولو تجاهلت ، حتى ولو تعاميت ، إنك تعلم حينما تريد أن تعلم بأمر يصدر في الخفاء والسر حتى إذا ما أتيت إلى واجبٍ عليك تجاهلت وقلت لا أعلم ، ولربما تجاوزت التجاهل إلى السذاجة لتقول لي : وهل ثمة أطفال في بلادنا يموتون جوعاً ، يموتون مرضاً أقول لك : لن أجيبك وإنما أكل جوابك إلى ضميرك ، إلى داخلك . نعم . هنالك أطفال مشردون ، يموتون بتأثير البرد والحر ، لا يجدون ما يأكلون ، وإن وجدوا فإنهم يأكلون ما تستقذره وترفضه أنت . ألم تشاهدوا أناساً ينزلون إلى الحاوية ليستخرجوا بعض الأطعمة ، او بعض الفتاتات ، ألم تشاهدوا ذلك ؟! قولوا لي بربكم أين مسؤوليتكم عنهم ؟
روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " من أنفق في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف " وما أظن أن هنالك إنفاقاً في سبيل الله يفوق ثواب وأجر الإنفاق على الأطفال المعوزين المحتاجين . ما أظن أن إنفاقاً يفوق في الثواب على هذا الإنفاق الذي ذكرت . فأين نحن ؟
الواجب الثالث : إن لم تكن تملك كفالة طفل مادية فلا أقل من أن ترسل لأطفال العالم كلمة طيبة ، لأطفال بلدك كلمة حلوة ، من أن تزور الأطفال الذين تضمهم أمكنة إيواء الأطفال المشردين لتقول لهم كلمة طيبة ، لا أقل من تلاطفهم ، ولا أقل من أن تقول كلمة حلوة لهم . يقول سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي ابن ماجه : " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم " وقلت لكم : لا تقتصر دلالة الأولاد على أولادك المباشرين بل تتجاوز الدلالة إلى أولادٍ هم أولاد جارك ، وأولاد ابن بلدك ، وأولاد الإنسان حيثما كانوا وأينما وجدوا " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم " يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة " أين الكلمة الطيبة للأطفال ؟
أخيراً : ما أروعك يا سيدي يا رسول الله وأنت تعلم الناس استشعار مسؤوليتهم نحو الأطفال وكفالة الأطفال وملاطفة الأطفال ، والحنو على الأطفال ، ومواساة ومداعبة الأطفال ، وإكرام الأطفال ! كلما ذكرت وتذكرت تلك القصة انتابني خشوع عنوانه التقدير والإكبار لذلك العظيم محمد عليه وآله الصلاة والسلام عندما كان في طريقه في هجرته إلى المدينة المنورة فمرَّ ببني النجار وخرج أطفال بني النجار يستقبلون حبيبهم ورسولهم محمد عليه وآله الصلاة والسلام وكانوا يرددون أهزوجة ونشيدة ، يقولون:

نحن جوارٍ من بني النجار         يا حبذا محمد من جار

فحنا عليهن وقال لهن : أتحببني ؟ قلن نعم . قال : " الله يشهد إن قلبي يحبكن " . كلمة طيبة ، بل كلمة هي الأطيب . أولسنا أتباعاً لهذا النبي ؟ أين اتباعنا لنبينا عليه وآله الصلاة والسلام في شؤون حياتنا ، في مجتمعنا ، في قضايانا الاجتماعية .
أملي وأمنيتي ورجائي وطلبي أن نسعى للقيام بمسؤولياتنا عن أطفالنا ، عن أطفال بلدنا وقطرنا ، وعن أطفال عالمنا ، وعن أطفال فلسطين ، وعن أطفال العراق ، وعن أطفال سورية ، وعن أطفال مصر والسودان والصومال وتشاد ونيجيريا ، وعن أطفال أوروبا ، لأنني أؤكد على أن أطفال العالم كلهم مسلمون ، ونحن مسؤولون عنهم ، ولكن لا أريد أن أعرض الواجب وأن أجعله واسعاً أبتدئ بأطفال بلدي لأوجه عنايتكم إلى أطفال بلدكم ، إلى أطفال حيكم ، إلى أطفال هم أقرباء لكم أنتم ولنا نحن . أريد أن نقوم بهذه المسؤولية وإلا فكلامنا عن ديننا لن يؤثر إيجاباً في الآخرين بل سيؤثر سلباً ، والعاقل من طبق ما يقول لتكتمل دعوته تأثيراً إيجابياً في الآخرين . اللهم اجعلنا ممن يقومون بمسؤولياتهم كلها خير قيام ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول واستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق