آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


كتب و مؤلفات

   
عصارات: كلمات في المنهج والنقد والحب

عصارات: كلمات في المنهج والنقد والحب

تاريخ الإضافة: | عدد المشاهدات: 4963

" تلك كلمات مستخلصة من تجارب وعبارات صاغتها معاناة ، عشت بعضها بنفسي ، وتلقيت بعضها الآخر عن تجارب غيري ، وأنا في كلا الحالين راصد ، أبتغي في النهاية خدمة ، وخدمة الإنسان دأبي ، وأجمل الخدمة اختصار مسافات الحياة بمستوياتها في ثوب كلمة ناصحة منصوحة ، لقد كتبت عقب كل حوار كلمة ، وسجلت بعد كل درس عبارة ، ووضعت في صفحتي الخاصة بعد كل معاناة خلاصة ، ولطالما عدتُ من سفر طويل فيه ضنى ببعض حروف ملونة بألوان حكمة ، أودعتها هذه الأوراق " . 
هذه الكلمات بعض ما جاء في مقدمة المؤلف الدكتور الشيخ محمود عكام . وقد جاءت هذه العصارات عبر كلمات أرسلها دون مراعاة لتبويب أو تسلسل في موضوع ، بل كانت متداخلة فيما بينها تداخل مواضع الحياة ، ممتزجة تمازج ساحاتها . وهي تظهر لنا المؤلف كل مرة في صورة مختلفة - دون تناقض فيما بينها - فمرة نراه فقيهاً وتارة أديباً وأخرى صاحب ذوق وعرفان ورابعة سياسي وخامسة فيلسوف ، لكنها في جميعها لا تخرج عن إطار المصلح . فالإصلاح هو الصفة الضابطة الجامعة التي تسير معك في الكتاب من ألفه إلى يائه . 
وهو يقول عن ذلك : " نحن مصلحون ، نسعى لرسم المحيط الأوسع لدائرة الإسلام ، وتثبيت مقوماته ، من خلال لغة التخاطب الإسلامية وتبيانها ، وتوضيح صيغة التعايش فيما بين مَن هم ضمن الدائرة ، ورسم ملامح صيغة التعايش فيما بين من في الدائرة ومن هم خارجها " . 
ومسيرة الإصلاح هذه تتجه إلى : 

أولاً : محو الفضول عن الإسلام : ونفض التراكمات والطبقات الكثيفة التي ألصقت به وهي ليست منه ، والعودة إلى بساطته وإطلاق الاجتهاد المنزه عن قيود التقاليد أو عن رد الفعل والتبرير . 
- نسف العقلية الخوارقية التي هي علة التخلف وبذرة الانحطاط وبها يتعطل العلم والعمل والجهاد ، فهي دعوة إلى التقاعس عن طلب العلم وانتظار الفتح الإلهي " نحن شعب ينتظر الخوارق ولا يسعى لفهم الحقائق " . 
- إعطاء العادات والتقاليد مكانتها الطبيعية : فلا يمكن لها أن تأخذ مكان غيرها : " حلت العادة محل الفكر في اختراق النص ، فأُجبرنا على قبول اختراقاتها ولم نعش اختيار اختراق الفكر فصرنا مبررين لاهثين ، واكن علينا أن نكون مفكرين منظرين " ولولا سيطرة روح التقاليد لما كان لهذه العادات من حاكمية وسلطان ، ولما قام لها بناء وأركان ، من أجل ذلك رأينا مؤلفنا ينادي في عصاراته : " إننا اليوم بحاجة إلى صياغة إسلامية جديدة ، ننسجها بمغازل عقولنا لا بمغازل عقول الآخرين ، أم إنه لا يحق لنا أن نقوم بما قام به أصحاب القرون الأولى ، أم إن ما قالوه ثابت لا يجوز تعديه " . 
- أما التبرير الذي ننتهجه بدل التفكير : فقد حدَّ الدكتور محمود عكام له حدوده : " التبرير فكر ردة الفعل، والتفكير فكر الفعل ، الأول جامد والثاني متطور متجدد بحسب الفعل ، الأول سلبي منفعل والثاني إيجابي فاعل ، الأول شتم ، والثاني نقد ، وتتبع السقطات فقط تبرير ، ومثله إظهار الحسنات دون غيرها " فالتبرير عملية تجميل واهية لوجه الواقع المشوَّه ، من خلال تجنيد النص ووقائع التاريخ لإسدال الشرعية على الفكر أو الشخص أو العمل . ودوافع التبرير : إما الرغبة سعياً وراء الجاه والمال ، أو الرهبة خوفاً من سخط الرقيب الديني والاجتماعي والسياسي . 

ثانياً : رد الاعتبار للإنسان : قيمة ومعنى ووجوداً وحرية ، ففجر الحضارة لا يبدأ إلا ببزوغ شمس الإنسان ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) وإنها - أعني الحضارة - لقريبة جداً من الأفول والزوال يوم يضيع فيها معنى الإنسان أو يفقد من قداسته وبهائه ، وهذا ما أصاب الحضارة الإسلامية ، فقد انتهت منذ الحين الذي فقدت في أساسها قيمة الإنسان ومعناه . وإن العالم شرقه وغربه يضج من المآل المظلم الذي ينتظر الإنسان ومن النهاية المرعبة التي تترقبه ، وربما كان همُّ رد الاعتبار إلى الإنسان هو أكبر الهم في عصارات ، ويلاحظ المؤلف أن هذا الضياع يبتدأ في بلادنا منذ الطفولة فنحن : " نستكثر على أطفالنا اهتماماً جاداً ، ونستكثر أن نفرِّغ لتعليمهم وتربيتهم حامل إجازة أو ماجيستير أو دكتوراه ، فالطفل عندنا لم يزل دمية ، وليس إنساناً تتكون منه المجتمعات " . 
ولا يكتفي بالإشارة إلى المأساة التي تلف إنساننا فحسب ، بل يحاول أن يؤصل لنظرة جديدة من خلال : 
- تعريف الإنسان ، فليس الإنسان حيواناً ناطقاً أو متمرداً أو عاشقاً فحسب ، وليس كذلك ذا إرادة أو اختيار أو وعي فقط ، لكنه فوق ذلك كله مخلوق ذو أمانة وتكليف وتشريف . فالإنسان : كائن حي موجود بالاضطرار متميز عن بقية الكائنات الحية بآلية المعرفة وقدرة الاختيار ، أُهِّل بهذا للتكليف فكان الأول في النوع خلقاً ومكانة من حيث التصنيف . 
- وظيفة الإنسان : " يريد الإسلام من الإنسان أن يكون : إنساناً تأهيلاً ووصفاً ليعكس مسؤولية ، فلا مسؤولية دون إنسان . وعبداً : تحققاً ووصولاً ينعكس عن معرفة ودراية. وخليفة : وظيفة وسعياً وقياماً ينتج عن إعلان الحاكمية لله والولاء له . فماذا يريد غير الإسلام من الإنسان ؟؟ 
- إعادة تأسيس المعاني التي يحيا بها الإنسان : " الإنسان مجموع قضايا يعيشها ، ومن لا قضية له يعيشها فهو والميت سواء ، فاشرح لي قضيتك حتى أعرف من أنت " . 
ومن المفاهيم والمعاني التي نفض عنها الغبار : الروحانية ، الحاكمية ، الصبر ، الدين ، الإبداع ، الثقافة ن التربية، التوازن ، الحرية ، الوعي ، السعادة ، التمسك والتماسك ، التقوى ، الصوفية .... الخ . 

وما أجمل هذا الدعاء الذي ختم به : 
اللهم متع لساني بذكرك ، ومتع عقلي بمعرفتك ، ومتع قلبي بمحبتك ، ومتع جوارحي بطاعتك ، جسمي بعافيتك .

التعليقات

شاركنا بتعليق