أما بعد ، فيا أيها الإخوة المؤمنون
المسلمون :
لعلنا إذ نذكر مجتمعنا هذا الذي نعيش فيه ، أو المجتمع المسلم بشكل عام نتفاخر
بأن مجتمعنا حميمي وإنساني ويحوي الرفق والحب والتضامن والتعاون والبر وكل
هاتيك الصفات الجميلة المعنوية الإنسانية . لكنني وأنا أسمع من بعضنا هذا
التفاخر والوصف ، ألتفت إلى نفسي لأقول : هل ما نقوله عن مجتمعنا من امتداحات
صحيح ؟ إذا كان صحيحاً فلِمَ يأتيني الرجل الفلاني يشكو عقوق ولده ، ولم تخبرني
المرأة الفلانية تشكو عقوق ابنتها ، ولم نسمع في كل يوم هنا وهناك صياحاً
وشكاوى تعبر عن ضجر وقلق من الأب تجاه ولده ومن الأم تجاه ابنتها ، بعبارة أخرى
: ألا تلاحظون معي أن عقوق الوالدين قد فشا في مجتمعنا وكاد يصبح عنواناً ،
فالأسر في هذا البلد تشكو هذه الرذيلة وأنها استفحلت في كل مكان ، ترى الولد
يخاطب أباه بلهجةٍ لا تعبر عن بِر ، ولا تعبر عن ولاء ولا حب ، وترى البنت
تخاطب أباها وأمها بمقولات لا تعبر عن التزام بمقولات ديننا التي تحضّ على البر
والالتزام والولاء . لقد استفحل وفشا عقوق الوالدين في بلادنا ، وأنا أحيلكم
إلى بيوتاتكم ، مَنْ كان منكم أباً فليَرَ أولاده ، ولينظر فيما إذا كان أولاده
بارين به ، ,أحيلكم إلى أنفسكم إذا كنتم أبناء ترى هل تقومون ببر الوالدين أم
أن العقوق غدا عنوانكم ؟!
حينما نقرأ قوله تعالى :
﴿
ولا تقل لهما أف
﴾
الإسراء : 23
ونقول متباهين بأن الله عز وجل نهى الولد أن يقول لوالديه أف ، ولو كانت هنالك
كلمة أقل من أفّ في التعبير عن التمرد السلبي لقالها الله عز وجل :
﴿
ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً
﴾
الإسراء : 23
كم حُدِّثنا عن ولد ينادي أباه بغلظة ، وكم تكلمنا عن ولد لا ينتبه ولا يأبه
لحديث والده معه ، كم حُدثنا عن ولد ينظر إلى أبيه نظرة استحقار في مجتمعنا هذا
الذي يصلي فيه مَنْ يصلي ويصوم فيه من يصوم ، كم تحدثنا عن ولد إذا نصحه أبوه
للمرة الثانية تضجر منه وخاطبه بكلمات ما أعتقد أنها تصلح لمخاطبة مجرم ، كم
تحدثنا ، ولكننا نبقى ونرى أن العقوق لا يزال مستفحشاً ومستفحلاً في مجتمعنا
هذا الذي نعيشه ، لذلك قلت في نفسي فلأكرر الحديث عن تحريم العقوق . لا أريد أن
أتحدث عن بر الوالدين فتلك قضية عالية المستوى ، لكنني الآن أريد أن أنبه
الأبناء إلى قضية خطيرة جداً ، هي عقوق الوالدين .
أيها الأبناء والبنات : ألا تعلمون أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ، ألم
تسمعوا نبيكم ، وإن شئتم لن أقول نبيكم وإنما سأقول ، ألم تسمعوا ذلك العليم
الكبير المعلم ، إن كنتم لا تريدون أن تنتسبوا إلى هذا العظيم الكبير على أنه
نبي ، باعتباركم تمردتم على والديكم وبدأ ينتقل التمرد إلى قلوبكم لتتمردوا على
نبيكم باعتباره نبياً ، وباعتباره أباً لكم ، لأن النبي محمد صلى الله عليه
وآله وسلم هو أب لنا من حيث التقدير والإكبار : وإذا رحمت فأنت أم أو أب . وقد
جاءت قراءة للقرآن الكريم ، وهي بمثابة الحديث الصحيح : لما تحدث القرآن الكريم
عن أمهات المؤمنين :
﴿
وأزواجه أمهاتهم
﴾
الأحزاب : 6
وفي قراءة ليست من القراءات المعتبرة ، ولكنها بمثابة الحديث الشريف : " وهو أب
لهم " .
سأحدثكم عن فظاعة العقوق من خلال نقل بعض الأحاديث عن نبينا وعن المعلم الكبير
، وعن السيد السند العظيم محمد عليه وآله الصلاة والسلام يوم قال وهو مع أصحابه
رضي الله عنهم كما جاء في البخاري ومسلم ، كان متكئاً بين ثلة من أصحابه ، فقال
: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " قلنا بلى يا رسول الله . قال : " الإشراك
بالله وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس وقال : - ألا وقول الزور ألا وقول
الزور " كررها ثلاث مرات .
أيها الأبناء ، أيتها البنات : عقوق الوالدين أكبر الكبائر ، وهل تعلمون ماذا
تعني عبارة ( أكبر الكبائر ؟ ) تعني ما فصَّله النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في حديث آخر يرويه النسائي بسند جيد ، والإمام أحمد في مسنده أيضاً ، يقول عليه
وآله الصلاة والسلام : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم : العاقّ لوالديه ، ومدمن
الخمر والمنان عطاءَه " الذي يعطي ويمن . ولذلك نقول يا رب يا حنان يا منان :
لا تجعلنا محتاجين لسواك ، لأن سواك يعطي ويمن . " ثلاثة لا ينظر الله إليهم :
العاقّ لوالديه ، ومدمن الخمر والمنان عطاءَه " . أتعلمون ماذا يعني مصطلح أكبر
الكبائر ؟ إليكم التفسير من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن
النسائي بسند حسن ، وكما رواه أيضاً الإمام أحمد : " ثلاثة لا يدخلون الجنة :
العاق لوالديه ، والديوث الذي يرى الزنا والفاحشة في أهله ويسكت - ولا تنبس
شفته بكلمة ، ولا يقول كلمة – والرجلة " الرجلة هي تلك المرأة التي تريد أن
تكون كالرجل تتشبه بالرجال ، وقد خلقها الله أنثى لكنها تريد أن تكون كالرجل
على خلاف ما أرادها الله أن تكون .
هذا ما تعنيه كلمة أكبر الكبائر ، تعني أن الله لا ينظر إلى العاق لوالديه ،
وأن العاق لوالديه لا يدخل الجنة ، وبالإضافة إلى ذلك فإن رسولنا صلى الله عليه
وآله وسلم قال يوضح ماذا تعني كلمة أكبر الكبائر كما جاء في مستدرك الحاكم على
شرط الشيخين بسند قال الحاكم إنه صحيح ، وليسمع العاقون لآبائهم وأمهاتهم ،
يقول عليه وآله الصلاة والسلام : " إن الله لعن من فوق سبع سموات سبع مرات فقال
: ملعون من عق والديه " ( سبع مرات ) .
إني لأرى هذه الرذيلة ، وقد خصصت الخطبة للحديث عن فظاعة العقوق للوالدين ،
لأنني أعلم أن الحديث عن بر الوالدين قد لا يلامس الناس باعتبار أن الناس قد
غطسوا وانغمسوا ووقعوا في أوحال عقوق الوالدين ، فيا أيها الأبناء : ما الخير
الذي يُرجى منكم مَن كنتم إن كنتم عاقين لوالديكم ؟ أيتها البنات : ما الخير
الذي يرجى منكن إن كنتن في حالة عقوق للوالدين ؟ لقد جاء في صحيح البخاري أن
نبينا صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، وحرم
عليكم القيل والقال ، وحرم عليكم كثرة السؤال " يا أيها الأبناء : لا أريد أن
أطيل لكنني أريد أن أؤكد على هذا الأمر الذي ذكرت . لا خير فيكم إن كنتم عاقين
لآبائكم وأمهاتكم ، لا خير في مجتمعكم ، لا خير في كل هذا الذي تعملون إن كنتم
عَقَقة لآبائكم وأمهاتكم ، واعلموا أن الغرب الذي لا يؤمن بدينكم هو أكثر رعاية
لآبائه وأمهاته ، صدقوا ذلك أو لا تصدقوا . إن بر الوالدين إن نظرت إليه في
الغرب وجدته في مساحات واسعة ، أو في مساحات أوسع من التي يمكن أن نراها هنا ،
فما بالكم تسألون عن حال وصلتم إليها فيها كل صفات الذل والهوان ، وما بحثتم عن
السبب ، والسبب أنكم عققتم ربكم – وهذا أمر مفروغ منه – وعققتم آباءكم وأمهاتكم
، وعققتم الفضائل ، وعققتم الأمانات ، وعققتم كل الصفات الحميدة ، وتوجهتم إلى
الدنيا تريدون أن تأخذوها عبر مال حرام ، عبر منصب تذبحون عليه كل دينكم وقيمكم
، عبر لقاء مع مسؤول ولو كان ذاك اللقاء على حساب دينكم وضياع دينكم ، لقد
أصبحت الدنيا السخيفة الحقيرة متطلعنا وأصبحنا نضحي من أجلها وهي حقيرة سخيفة ،
أصبحنا نضحي من أجلها بآدابنا وفضائلنا وكل ما تحتويه الصدور التي تضم الفطرة
السليمة . ما هكذا تورد يا سعد الإبل
يا أبناءنا ، يا بناتنا ، يا طلابنا ، يا أيها المثقفون ، يا طلابنا في الجامعة
والمدارس : البارحة ، ولست من أولئك الذين يريدون أن يلتقطوا صوراً كثيرة من
المجتمع ، ساءني أن بنات من طلابنا وأبنائنا وهم يخرجون من المدارس الثانوية ،
وعلامات وعناوين الفوضى مرسومة عليهم ، هذا ولد لك عق والديه ولكنه يريد أن
يقوم بالحرام المحرم من خلال مناغشته وملاحقته لتلك البنت التي بدا عليها
علامات التفلت أيضاً ، انظروا مدارسنا والطلاب والطالبات يخرجون من هذه المدارس
في هذه الأيام ، أيام المعسكرات في المدارس الثانوية ، انظروا فإن كنتم راضين
فالمصيبة عظيمة وعظيمة وعظيمة جداً ، وإن كنتم غير راضين فما بالكم تقفون
هامدين ، وما بالكم لا تتحركون حيال تربية الأبناء والبنات ، ما بالكم تفكرون
فقط في أمور لا تعود علينا في أحسن أحوالها ، لا تعود علينا حينما تكون حلالاً
إلا بشيء من المتع التي تمر مر سحاب الصيف ، انظروا أبناءنا وبناتنا ، هم
مستقبلنا ، فهل أنتم تريدون المستقبل الخير المعطاء النشيط الذي يعمل صالحاً
والذي ينتج صالحاً فلننتبه لأبنائنا وبناتنا وطلابنا وتلاميذنا وإلا فالمستقبل
لن يكون لنا بهذا الذي نؤمل ، نحن قوم نؤمل من غير عمل ، وما كان الأمل في يوم
من الأيام أملاً إلا إذا بُني على عمل وأسس وأقيم على عمل , فيا رب الأمل
والعمل أتوجه إليك بسر العمل والأمل الصالحين أن توفق أبناءنا وبناتنا من أجل
أن يكون بارين بآبائهم وأمهاتهم ، من أجل أن يكونوا بارين بدينهم وبوطنهم
وبقيمهم وبأرضهم وبعروبتهم الصافية النبيلة ، وبإسلامهم العظيم ، وبقرآنهم
الثابت ، وبنبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أسألك يا رب أن تردنا إلى
دينك رداً جميلاً ، أن تردنا حكاماً ومحكومين ، رؤساء ومرؤوسين أن توفقنا لأن
نكون من المقاطعين لكل الرذائل ، ومن المنفتحين على كل الفضائل ، نعم من يسأل
أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات