آخر تحديث: السبت 02 تشرين الثاني 2024      
تابعنا على :  

نشاطات عامــة

   
الفكر الإسلامي والنهضة

الفكر الإسلامي والنهضة

تاريخ الإضافة: 2001/04/01 | عدد المشاهدات: 4017

1- مصطلحات : التحديد والمفهوم : 

أ- الفكر الإسلامي : 
هو النتاج الذي أفرزته العقول في علاقاتها مع النص الإسلامي، القرآن الكريم ( المصدر التأسيسي ) والحديث الشريف ( المصدر البياني ) ويتسم هذا النتاج بالشمول والإحاطة لصعد الحياة كافة، أعني جوانبها المختلفة من اقتصاد واجتماع وسياسة وعلاقات إنسانية أخرى، فما من مجال من هذه المجالات ولا ميدان من تلك الميادين إلا وللفكر الإسلامي حضور فاعل فيه، بغض النظر عن إيجابية هذه الفاعلية أو سلبيتها . 

ب- النهضة : 
ونعني بها عموماً يقظة بعد ركود وقياماً عقب قعود ، لكننا من حيث الخصوص نقصد بها فترة زمنية تبدأ في أواخر القرن الثامن عشر ومطالع القرن التاسع عشر الميلاديين . حيث غطت سحابة هذا المصطلح سماء هاتيك المرحلة، ولعل سبب الوجود رؤية التقدم الذي أحرزه الغرب في نفس الفترة، وألحَّ سؤال على المفكرين المسلمين يومها مفاده: 
هل يمتلك ديننا الحنيف مقومات النهوض بعد القعود أم لا ؟ 
والذي أثار الشك هذا واقع متخلف يرتدي رداء الدين ويدَّعي بعض رجاله أن الدين لا يمكن أن يكون إلا كذلك، فهو في - رأيهم - حكم فقهي ثابت بثبات النص المصدر، وزهد لا يمت صاحبه بصلة الدنيا الغرورة ... و ... الخ ، إلا أن طرفاً آخر وجهة ثانية نشطت في رفع الظلم عن الدين ( الإسلام ) ونادت بالإصلاح والتجديد، وأعلنت بجرأة استحالة أن يكون الدين على الصورة التي ذكرناها، كما أعلنت صلاحية الدين للنهضة فهو الذي نهض بالأمة قبلاً، فلم لا يكون قادراً على النهوض بها بعداً ؟ وقد استخدمت من أجل هذه النهضة آلية مصطلحين اثنين هما : الإصلاح والتجديد، وها نحن آتون عليهما بالشرح . 

ج - الإصلاح والتجديد :
الإصلاح هو طريق التجديد، إذ الأول ينصب على الوسائل والثاني يعني إعادة التواصل مع النص الأساس والنص الشارح. 
وعلى هذا فالإصلاح: إعادة النظر في آلية الاستنباط، فما صلح للبقاء أبقيناه، وما كان ظرفياً لزمن أو مكان محددين خاصين تركناه لزمانه ومكانه، ثم زدنا في مفردات الآلية ما استجد، والهدف من هذا كله استخراج أحكام مواكبة للعصر، وأخرى دافعة للعمل والتقدم، وثالثة قادرة على تأكيد عالمية الإسلام ، كل ذلك في ظل سعي جاد لتحقق أمثل بغايات الإسلام من الإنسان وهي العبودية، والصلاحية للإعمار، والخلافة العادلة، ومن أجل ذلك فنحن نسعى لنكون مصلحين من حيث الطريقة، كما نسعى لنكون مجددين من حيث طبيعة الارتباط بالنص، وهو ارتباط مباشر متفاعل إيجاباً ضمن مسار وصول الإنسان الخليفة العبد الصالح بدلالات صادقة وماهيات حقيقية1. 

2- مؤثرات في التوجه للنهضة الحديثة : 

أ- الحملة الفرنسية بقيادة نابليون: 
فقد انبثق عنها ما يسمى بضرورة التمدين والترقي، وعلاقة ذلك كله بالدين والثورة، وكانت الشرارة الأولى للتفكير بإعادة النظر بسبل النهوض، فقام على إثرها مفكرون يقرؤونها ويتدبرونها، ويقرؤون إسلامهم ويتدبرونه في ضوئها. 

ب- حركة الإصلاح الديني البروتستانتي : 
التي قادها لوثر في وقت مبكر، واطلع عليها جلّ من المصلحين منا2. 

ج - اتفقت المؤثرات الداخلية والخارجية لتطرح على رواد الإصلاح في العصر الحديث إشكاليتين متداخلتين معاً منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى الوقت الراهن: 
الأولى : إشكالية التخلف والتقدم، وكيف للأمة أن تتقدم وتخرج من حالة تخلفها؟ 
الثانية : إشكالية الأصالة والمعاصرة، وكيف للأمة أن تحافظ على هويتها وحضارتها، وتتفاعل مع حضارة غيرها في آن معاً ؟ 

د- بروز شعور لدى الواعين أن ثَمَّة بوناً شاسعاً بين الإسلام والمسلمين، فالإسلام عظيم جذاب، والمسلمون غير ذلك، ولذلك قال الأفغاني : " إن القرآن يدعو الأوربيين إلى الإسلام، وينهاهم المسلمون عنه، فالواجب علينا أن نثبت لهم أننا غير مسلمين حتى يمكن أن نجتذبهم إلى الإسلام ونحسّن اعتقادهم فيه "3 . 

2- مفرزات " منظومة النهضة والإصلاح والتجديد " واقع ومرادات أخرى : 

أ- الدين : 
فهو ليس عبادة صرفة فحسب، وإنما هو نظام شامل رباني المصدر إنساني الموضوع، لا بد منه، لأنه وفاء لدَين ثبت في ذمة المخلوق تجاه الخالق نتيجة الخلق والإيجاد وإسباغ وإتمام بقية الصفات، وعلى هذا فهو يهتم بالقيم الحياتية الإنسانية كلها، ما كان منها مرتبطاً بالفرد والذات. 
وقد جُندت آليات وفاعليات من أجل تثبيت هذا التصور عن الدين الإسلامي، وأهم هذه الآليات: اللغة والسياقات والمباشرة مع النصوص الأصلية، وأسفر هذا عن كشف الدخائل الغريبة على الدين وتبيان قوي أنها ليست من الدين، فترك العمل ليس توكلاً، والتسليم بالخرافات ليس إصلاحاً، والتقليد الأعمى ليس علماً ويقيناً4 .

ب- الوحدة: 
ويجب ألا تعني وحدة أهل مذهب أو وأولي فقه، وإنما الوحدة مفرزاً لهذه المنظومة هي ضرورة لقاء كل المسلمين واجتماعهم وانصهارهم في بوتقة الأصول والمصادر من قرآن كريم وسنة شريفة جامعة. نعم الوحدة مطلب نهضوي وإصلاحي تجديدي، لا سيما وأن الآخرين من غير العرب يفتشون عن قواسم مشتركة ولو كانت واهية ليجعلوا منها صلات جامعة وعلاقات رابطة. 

ج- النص : 
لكل حضارة أسّ، وأسّ حضارتنا النص، ونصنا هو القرآن الكريم، وهو المقولة الأساس والوسيلة الفضلى لترتيب البيت الإسلامي داخلاً وخارجاً، والاجتهاد وسيلة مستمرة للتعامل مع هذا النص، ومن سدّه فقد سد نبع العطاء الفرات، وهاهو الأفغاني يقول: " ما معنى أن باب الاجتهاد مسدود؟ وبأي نصٍ سُد؟ وأي إمام قال لا يصح لبعدي أن يجتهد ، إن الأئمة اجتهدوا، واجتهادهم فيما حواه القرآن ليس إلا قطرة من بحر" 5 . 


د- العقل : 
ليس هو ذاك الذي يمكن أن نطلق عليه العقل الجَمْعي أو عقل الذاكرة، وإنما العقل هو القدرة على المحاكمة وتنمية هذه القدرة، هو المصدر الوسيط الذي يشكل قسيماً ونصيفاً أساساً للمصدر الكلي، و الذي حُدد على لسان كل علماء الأمة بالعقل و النقل ، أو بالنقل و العقل . 

هـ - العلم : 
لا تعني كلمة العلم في الإسلام اطلاعاً أو كشفاً لجانب من جوانب الحياة ، و إنما العلم اطلاع وكشف لكل أسرار الإنسان والكون والطبيعة والنفس ، وهذا الاطلاع والكشف مأمور به في شرعنا المجيد حين حض ودعا وفرض العلم عبر الآيات الكثيرة والأحاديث الوفيرة ، وقد اتهم (( رينان)) و ((هانوتو)) الإسلام بأنه لا يشجع على العلم والبحث الحر اعتماداً على حالات كسولة لا يقرها الإسلام فانبرى للأول الأفغاني وللثاني محمد عبده وردا عليهما رداً واعياً مفحماً .

و - العمل :
وهو شامل شمول العلم ، ولابد من تحويل العلم إلى عمل وإلا فالعلم جدل ، وما أوتي أحد الجدل ومنع من العمل إلا فشل ، ومن هنا يقول رشيد رضا : " ليس العلم إلا ما أثبته العمل أو بني عليه العمل ، الأعمال تنمي العلوم ، و العلوم تمد الأعمال " 6 . 

ز - الحرية : 
وهي أساس لا بد منه للصلاح والإصلاح والتجديد والنهضة ، والحرية تنبع من مبدأ التوحيد الذي يطهر عقل المؤمن من الوهم، ويطلق إرادته من القيد ، ويحرر ذاته من عبودية كل موجود .
الحرية مقصد أساس من مقاصد الشريعة ، ولئن لم يذكرها الأصوليون من جملة الضرورات الخمس لكنها - في رأيي- عنوان كل ضرورة من هذه الضرورات فلا دين من غير حرية، ولا نفس من غير حرية ، ولا عقل من غير حرية، ولا عرض من غير حرية، ولا مال من غير حرية.

ح- التوازن : 
الذي يعني إعطاء كل شئ حقه بعد معرفته ومعرفة حقه، فلا طغيان لجسد على روح، ولا لجماعة على فرد، ولا لروح على جسد، ولا لفرد على جماعة ( لتكونوا شهداء على الناس ) وكيف تكون الشهادة إن لم تستند إلى معرفة ومعرفة معمقة، ودراية محققة للمشهود عليه كله ؟!
وقد أشاعت ونشرت آيات القرآن الكريم هذا التوازن في جنبات الفكر المتلقي الفاهم الواعي، وفي أبعاد الزمان والمكان المحتضنين لهذا الفكر7. 

3- نتائج في صيغة قواعد : 

أ - العلاقة بين الإسلام و النهضة علاقة بين طريق ونتيجة ، و بين سبب و حصيلة ، ولا غنى للنهضة عن الدين ، والدين هو ذاك الذي بيناه في الفقرة السالفة، وقد شكلت أفكار الإصلاحيين نظرية متلاحمة من أجل النهضة .

ب - النظرية المطروحة تنطلق من تصحيح الاعتقاد والفكر والأمة ، ولن يكون ذلك إلا بالرجوع إلى أصل الدين قبل أن تشوهه اختلافات التاريخ والمصالح، وإلى نصِّه القرآني تحديداً ليُقرأ مبيِّناً حاجاته معبراً عن طموحاته.

ج - إن إصلاح حال المسلمين وواقعهم المتردي بالرجوع دينهم أو تراثهم أكثر يسراً وصلاحاً وحكمة ونجاعة من إصلاحهم عن طريق البديل المفترض أو المقترح ، طريق التقليد الأوربي المعتمد على التجربة و الخطأ و قياس المنفعة 8.

د - الأمة و الفرد في المنظور النهضوي كلاهما وجود تاريخي وصلاحهما لا يتم إلا من الداخل ، من أجل تحقيق الفرد والأمة هويتهما وخصوصيتهما وحضورهما . 

هـ - من سوء حظ هذا الاتجاه الإصلاحي، وربما من سوء حظ هذه النهضة العربية الإسلامية عامة أن فكرها ما زال يراوح مكانه إن لم يكن قد بتر أو قطع، لسبب بسيط أنه هو أنه لم يعرف - رغم تأثيراته- تراكماً أو إضافة أو تطويراً فظل بعيداً عن الساحة الفعلية أو ظل معلَّقاً.

و - نحن مطالبون اليوم بوصل ما انقطع، مطالبون بإحياء النهضة وبعث الحوار مع الإصلاح الديني من جديد، ولن تضيرنا تسميات أو اختلاف مصطلحات ما دمنا متفقين على المضامين و المحتويات المعنويات 

ز - ينبغي أن نشير أخيراً إلى ضرورة تزاوج العروبة والإسلام لتجاوز الخلاف والاختلاف فالعروبة شخصية الإسلام ، والإسلام هوية العروبة، وكلاهما مساهمته عظيمة في الحضارة الإنسانية بشكل عام.



قدم هذا البحث للمؤتمر الدولي السادس للفلسفة الإسلامية بعنوان الإسلام ومشروعات  النهضة الحديثة المنعقد  في كلية دار العلوم - جامعة القاهرة1-2 نيسان ( أبريل ) ‏2001‏‏

التعليقات

شاركنا بتعليق