آخر تحديث: الجمعة 26 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من تطبيقات الجهاد

من تطبيقات الجهاد

تاريخ الإضافة: 2006/10/06 | عدد المشاهدات: 4067

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون الصائمون:

لا شك في أن ديننا كتاب ورسول، الكتاب لطرح الأحكام والرسول لتجسيد هذه الأحكام، لا شك في أن إسلامنا كما قال ربي جلت قدرته: ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام﴾ والنور هو الأنموذج والأسوة الذي حوَّل الكتاب إلى سلوك، وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أسمعتم حديثَ عائشة الذي يدعم هذا الذي قلنا عندما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن" فالقرآن والرسول، القرآن كتاب والرسول مُجَسِّد لهذا الكتاب، ومن هنا جاءت الصلاة على سبيل المثال فريضة في كتاب الله عز وجل وطبقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجسدها وقال لمن معه ولمن بعده ولكل المسلمين: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وكذلك الحج حيث جاءت أحكام الحج في القرآن الكريم، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جَسَّد هذه الأحكام وقال: (خذوا عني مناسككم)، أقول هذا مقدمة لفريضة الجهاد التي تاهَ في مسالكها ومساربها كثيرون، أقول لهؤلاء: إن فريضة الجهاد رصفت أحكامها في كتاب الله كما الصيام كما الحج، كما الأخلاق، لكننا لا نستطيع أن نُحوِّل أحكام الجهاد من القرآن إلى سلوك من دون أن نمر من خلال شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكأني بالنبي بحاله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: جاهدوا كما كنت أجاهد.

فيا أيها الإخوة المسلمون: لا تأخذوا أحكامَ الجهاد من غير أن تنظروا إلى تطبيقاتها عَبْرَ شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلا فأنتم ظالمون لأنفسكم.

بعد أيام ستحل علينا ذكرى غزوة بدر، وغزوة بدر غزوةٌ جليلة عظيمة وهي التطبيق الأمثل لما جاء في القرآن الكريم من آيات تتحدث عن الجهاد، فيا أيها المتحدثون عن الجهاد في الإسلام: تحدثوا عن أحكام الجهاد في القرآن الكريم ولا تنسوا أن تمروا بتطبيقات الجهاد التي جسدها وقام بها وحققها وتحقق بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وإني لأعجب أشد العجب من إنسان يتحدث عن الجهاد، لكنه غافل عن لملمة ذهنية فكرية استيعابية لما وقع في يوم بدر، من أجل هذا -وبدر وقعت في شهر رمضان- أحببت أن أتلو على مسامعكم خلاصة هذه الغزوة آملاً ممن يتحدث عن الجهاد أن يقف عند غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألا يتحدث عن الجهاد من خلال الأحكام الكامنة في القرآن الكريم فقط أو التي جاءت في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنني أريده أن يمر على تطبيقات هذه الأحكام التي قام بها وحققها محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأننا من خلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم نفهم القرآن، ومن خلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم نفهم الإسلام، ومن خلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم نفهم هذا الدين، وإلا: فأي امرئٍ أتاه من غيرك لا يدخل، ورحم الله من قال:

فأنت باب الله وأي امرئ                    أتاه من غيرك لا يدخل

باب الدخول إلى الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن سوى ذلك لا يمكن الالتفات إليه كالالتفات الواجب علينا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

غزوة بدر باختصار سميت غزوة بدر نسبة إلى بئرٍ احتفرها رجل يسمى بدراً، وسميت هذه الغزوة بغزوة بدر، وسميت بغزوة النصر، والبطشة الكبرى، ويوم الفرقان.

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع بأبي سفيان مقبلاً من الشام في عيرٍ عظيمة لقريش تحمل لهم تجارة عريضة وأموالاً فندب رسول المسلمين فقال: (هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها) وكان في القافلة بضاعة قدرت بخمسين ألف دينار وقتئذ، وقريش كلها مساهمة في تمويلها فخرج المسلمون وهم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً وجاء على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان فيهم مئتان وأربعون رجلاً من الأنصار وما بقي فمن المهاجرين، ومعهم سبعون بعيراً تحمل الزاد والماء، وأربعة أفراس. وخلّف رسول الله في المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخفت قريش بصناديدها وتخلف أبو لهب لكنه أرسل مكانه العاص بن هاشم، وهمَّ أمية بن خلف أن يقعد لولا أن عقبة بن أبي معيط تلوّمه. أتقعد هيا إلى مواجهة محمد. بعد أن سمعوا أن محمداً همَّ من أجل أن يأخذ هذه العير التي يقودها أبو سفيان، وخرجت قريش في تسعمئة وخمسين رجلاً ومعهم مئة فرس وسبعمئة بعير وأمامهم الجواري يغنين بهجاء المسلمين، وقد صوّر القرآن الكريم ذلك بقوله: ﴿وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم﴾ وحذر القرآن الكريم المسلمين ونبههم من أن يكونوا كذلك: ﴿ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط﴾ وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنين من جنده يتحسسان له خبر العدو فوافياه بأن عير قريش وافدة غداً أو بعد غد، وبأن قريش سارت لمنع العير. وهنا جَدَّ الجد، وانقلب الأمر فقد كان الخروج للقافلة واحتياز مغانمها فماذا يكون المصير إذا فوجئوا بالقتال. رسول الله قال لأصحابه: قوموا إلى عير قريش لعل الله ينفلكموها، وتحول الأمر الآن وأصبحت القضية مواجهة حربية، وذهبت الظنون ببعض المسلمين إلى أنهم يقادون إلى فادحة تغير الأمر والهدف والغاية، وفي هذا يقول الله جلت قدرته: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتَوَدُّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ ولكن الله يريد أمراً من وراء ذلك ﴿ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. ليحقَّ الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون﴾ تغير الأمر من ذهابٍ لاغتنام عير قريش إلى مواجهة ثلاثمئة رجل في مواجهة تسعمئة، والعدة قليلة في مواجهة عدة كثيرة، الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، وليسمع الذين يُعَدُّون مسؤلين عن أمم وجيوش وشعوب وجماعات وحركات هذا الذي فعله النبي تطبيقاً لأحكام الجهاد وليسمع هؤلاء جميعاً، تغيَّر الأمر، جمع رسول الله كبراء الصحابة وقال: (أشيروا عليَّ أيها الناس) أنا قلت لكم اخرجوا من أجل العير الآن تغير الأمر وصارت القضية مواجهة ماذا تشيرون عليّ ؟ لم يتفرد رسول الله برأيه ولم يكن ليفرض رأيه على الناس –وحاشاه– أخرجهم من أجل أمر، تغير الأمر، أشيروا عليّ. فتكلم الصديق رضي الله عنه فأحسن، وتلاه الفاروق فأحسن، ثم تلاهما المقداد بن عمرو فقال: "يا رسول الله امضِ لما أمرك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والله يا رسول الله لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغَمَاد لَجَالدنا معك حتى تبلغه" فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخير لكنه عاد وقال: - وأنا أريد أن أعلق بشكل مختص لو أن مسؤولاً عن جيش أو عن حركة إسلامية جهادية سمع نصف هذا الكلام لاعتبر نفسه قائداً عظيماً، وبالتالي لقال لهم: أرأيتكم ها أنتم تقرُّونني على ما أنا عليه، هذا إذا كان قد سألهم ولم يفرض عليهم الأمر ابتداءً- فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخير لكنه عاد وقال: (أشيروا عليّ أيها الناس) فقام إليه سعد بن معاذ سيد الأوس من الأنصار وقال: "يا رسول الله كأنك تريدنا" تكلم المهاجرون ولم نتكلم ولا زلت تقول: أشيروا عليّ أيها الناس، لكأنك تريدنا، فأشار رسول الله قائلاً، (أجل، أجل) نعم أريدكم لأنكم نصرتموني وها أنذا أخرج بكم لمواجهة عدو، وقد قلت لكم قبل الخروج بأن تخرجوا من أجل العير وتغير الأمر، أجل أريدكم. فقال سعد: "يا رسول الله قد آمنا بك وصَدّقناك، وشهدنا بأن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا والسمع والطاعة -قائد ملتزم متقيد بأحكام ربه متفاعل مع الذين أمامه لا شك بأنه سيلقى هذا الكلام بصدق– يا رسول الله أعطيناك عهودنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً وإنا لصُبُر في الحرب، صدق عند اللقاء". ما أجمل هذا الكلام !

فَسُرَّ رسول الله، واستبشر وقال: (سيروا وأبشروا، إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، واللهِ لكأنّي أنظر الآن إلى مصارع القوم) جاءت هذه البشارة من خلال هذا التلاحم الإيماني بين قائدٍ يريد الخير لأمته وبين أمة آمنت بهذا القائد إيماناً بأنه رسول الله، بأنه الأسوة والقدوة، بأنه الرجل الذي لا يَفرض رأيه على الناس بل يشاورهم، وإن فَرَضَ رأيه ففي صالحهم لأنه رسول الله ولأنه مُلهَم ومُسَدَّد.

ولما علم أبو سفيان بخروج المسلمين إلى قافلته كسر طريقه ونحّى بها جهة الساحل وأرسل إلى قريش إنكم قد خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم فقد نجت فارجعوا. لكن أبا جهل قال وقد أخذته العزة بالإثم: "والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدراً فنقيم عليها ثلاثاً، فننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القينات، وتسمع العرب بمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها" ستكون بالنسبة لنا فاصلة.

وانطلقوا إلى بدر فنزلوا بأرض لينة سبخة في عدوة الوادي وشاطئة من جهة المدينة وجاء علي والزبير بشابين اصطحباهما وتوقعا أن يخبراهما عن عير أبي سفيان، لكنهما قالا إنهما من سقاة قريش، وكان رسول الله يصلي فلما أتم صلاته سأل الساقيين عن قريش فقالا: هما وراء هذا الكثيب فسألهما عمن فيهم من أشراف قريش فذكرا له عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبا جهل وأمية بن خلف ونوفل بن خويلد وزمعة بن الأسود، فقال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: (هذه مكة قد ألقت إليكم بأفلاذ كبدها) وسار المسلمون حتى وصلوا العَدوة الدنيا للوادي من المدينة بعيدين عن الماء في أرض سبخة جدبة فلما نفد ماؤهم وأحرقهم العطش تغمدهم الله برحمته وأنزل المطر فسقى القوم وملؤوا أوعيتهم ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام﴾ بينما كان هذا المطر وبالاً على المشركين فوحل أرضهم وغاصت فيها أقدام المشاة وكان هذا يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، وقام الحُباب بن المنذر في تلك الساعة –للإنسان حرية الرأي والتعبير– وقال: "يا رسول الله أرأيت إلى هذا المنزل، أَمنزِلٌ أنزَلَك الله إياه ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟" -افسحوا المجال لآراء الآخرين يا شيوخ، يا أساتذة، يا طلاب، يا مسؤلون، يا حكام– فقال رسول الله: (بل هو الرأي والمكيدة والحرب)، فقال الحباب: "يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فنغور ما وراءه من القُلُب –جمع قليب الآبار– ثم نبني حوضاً وبعد ذلك نملؤه ماءً، ثم بعد ذلك نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون" فقال الرسول عليه وآله الصلاة والسلام: (أشرت بالرأي). فنهض ومن معه من الناس وسار إلى أدنى ماء من القوم ثم أمر بالقُلُب فغورت، وبنى حوضاً على القليب فملأ ماء ثم قذفوا فيه الآنية ثم قام سعد بن معاذ فقال: "يا رسول الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم تلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا فذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلستَ على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، وقد تخلف عنا أقوام ما نحن بأشد حباً منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم، يناصحونك، ويجاهدون معك" فأثنى رسول الله خيراً على كلام سعد ودعا له بخير، وبني العريش ثم اتجه رسول الله إلى الصفوف –أريد من خبراء الحرب أن يدرسوا هذه القضية، وقد درسها كثيرون من خبراء الحرب فيما يتعلق بالتمركز عند العدوة الدنيا بتغوير القلب وهذا كلام لعلنا نقرؤه نحن بسرعة وربما نمل بقراءته، لكن الخبراء إذ يقرؤونه يستمتعون لأن في الأمر تكتيكات حربية كما يسمى اليوم يستفاد منها في علوم الحرب- ثم اتجه رسول الله إلى الصفوف يُعدلها بسهم كانت في يمينه، فلما أتم تعديل الصفوف رجع إلى عريشه ومعه الصديق ووقف رسول الله، ولعلنا نقف عند هذه النقطة وقفة متأمل ووقفة مُتَّعظ، وقف رسول الله وجعل يناشد ربه ويقول: (اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تُحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، به اللهم إن تُهلِك هذه العصابة اليوم لا تعبد) لأن هذه العصابة عليها المعتمد في عالم الأسباب في نشر الإيمان، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يكرر هذا الدعاء والصديق يقول: "يا نبي الله بعض مناشدتك، خفف عليك فإن الله منجزٌ لك ما وعدك" ونزل في الاستجابة قوله تعالى: ﴿إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين. وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم﴾.

يا أيها الناس، يا أيها الدول يا أيها الحكام: اعملوا ما عليكم وبعد ذلك لا تقولوا بأننا لا نمتلك مقومات النصر هذا إذا عملتم لأن النصر ليس من خلال القوة وليس من خلال الإعداد، وإن كانت القوة والإعداد ضروريين لكن النصر من عند الله، أخاطب بهذا كل أولئك المتخاذلين الذين يقولون: لا يمكننا اليوم أن نقارع أو نواجه إسرائيل لأن إسرائيل أقوى منا. أقول لهم: عليكم أن تستعدوا، أرأيتم إلى المسلمين في غزوة بدر، اتخذوا الأسباب كافة، والله عز وجل أعانهم بعد إذ استنفذوا كل ما لديهم من إمكانيات فربهم قال لهم: ﴿فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين. وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله﴾ النصر من عند الله وليس من عندنا. وأخَذَت رسولَ الله سِنَة ثم انتبه وقال: (أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذٌ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع) وخرج رسول الله يُحرِّض الناس على القتال ويشجعهم ويذكرهم بالجنة، وينبئهم بنزول الملائكة تقاتل معهم ويتلو عليهم: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ ويقول: (والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة) سمع هذا الكلام رجل من الصحابة يسمى عُمير بن الحمام وفي يده تمرات يأكلهن فقال: "بَخٍ، بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء" ثم قذف التمرات وأخذ سيفه فقاتل القوم.

وأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حفنةً من الحَصباء وقذف بها قريشاً وقال: (شاهت الوجوه، شاهت الوجوه) وقال لأصحابه: (شُدُّوا، شدوا). وانقضَّ المسلمون على أعدائهم كالنسور، والتحتم الصفان، وقاتلت الملائكة مع المؤمنين وهم يَضعون العمائم البيض ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بَنان﴾ وانكشفت المعركة عن نصر عظيم، فقتل من المشركين سبعون منهم عتبة بن الوليد، والوليد، وشيبة، وأمية بن خلف، وأبو جهل، وتفقد رسول الله جثث القتلى بعد انتهاء المعركة وقد اسودَّت وأَربَدَت تحت أشعة الشمس، فأمر أن تُطرَحَ في قَليبٍ في بدر، فطُرِحُوا، وأطل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على البئر وقال: (يا أهل القليب، يا عتبة، يا شيبة، يا أبا جهل، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً ؟) فقال المسلمون: "يا رسول الله، أتنادي قوماً قد جيفوا" فقال رسول الله: (ما أنتم بأسمَعَ لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني) وأما المسلمون فقد استشهد منهم أربعة عشر صحابياً، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، وقفل الجيش عائداً إلى المدينة المنورة ومعهم سبعون أسيراً من المشركين، ولقي أُسَيْد بن الحُضَير رسولَ الله  صلى الله عليه وآله وسلم حين أقبل من بدر فقال: "الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك" ونحن نريد أن نحمد الله على كل أمر نشعر فيه بالنصر إن كان هذا النصر في حالة السلم أو في حالة الحرب، يا أمة الإسلام قولوا الحمد لله، يا أيها المسؤلون، يا أيها الحكام: أسمعونا كلمة الحمد والشكر أثناء كلامكم وإبان كلامكم، نريد أن نسمع من ضباطنا، من جيوشنا، من جنودنا، من مسؤلينا، من القائمين على أمورنا كلماتِ الحمد والشكر، فإن هذا يجعل منا أناساً يستعدون لمواجهة الحياة والانتصار عليها وعلى صعوباتها في وقت الحرب وفي وقت السلم.

ويتابع أسيد بن الحضير: "والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكن ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت" فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (صدقت).

أيها الإخوة لا أريد أن أعلق بعد تلاوة وسرد أحداث هذه الغزوة أو هذه المعركة أو كما سماها القرآن الكريم بيوم الفرقان سوى أن أتوجه إلى ربي لأقول:

اللهم اجعلنا على مستوى -وإن كان هذا يقلقني ويؤرقني، لكنني أدعو رباً كريماً جَوَاداً بِسِرِّ من قُبِل صيامه منذ أن فرض الصيام على المسلمين وإلى أيامنا هذه- اللهم اجعلنا على مستوى غزوة بدر، واجعلنا ممن ينتسب للمسلمين الذين خاضوا معركة بدر، اللهم اجعلنا أحفاداً صادقين لأولئك الذين خاضوا هذه المعركة، اللهم اجعلنا خَلَفاً لخير سَلَف، ولا تجعلنا خَلْفاً لخير سلف، لأن الخَلْف هو الذي لا يتخلق بأخلاق من سَلَف من الصالحين والأتقياء، أما الخَلَف فهو الذي يسير على مَسارِ السَّلَف الصالح الطيب ﴿فخلف من بعدهم خَلْفٌ أضاعوا الصلاة﴾، لكننا نسأل ربنا أن يجعلنا خَلَفا لهؤلاء السلف الطاهر الزكي، اللهم آمين، اللهم انصرنا على عدونا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 6/10/2006

التعليقات

شاركنا بتعليق