آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


لطيفة قرآنيــــة

   
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً

هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً

تاريخ الإضافة: 2007/08/03 | عدد المشاهدات: 9470

بدأنا في الأسبوع قبل الفائت بسورة هل أتى، أو سورة الدهر أوسورة الإنسان أوسورة هل أتى أوسورة الأمشاج.

﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾؟ في هذه الآية هنالك ستة مصطلحات، فماذا تعني هذه الآية من خلال التعرف على المصطلحات الواردة فيها ؟

أولاً: كلمة ﴿هل﴾ هنا ليست على ظاهرها، فليس المراد منها الاستفهام، والله عز وجل هو لا يستفهم من الناس ويسألهم: هل أتى على الإنسان حين من الدهر، لا. وإنما كلمة ﴿هل﴾ لها معانٍ ثلاثة في اللغة العربية:

1- الاستفهام. كقولنا: هل جاء أخوك ؟ تجيبني: بنعم أو لا.

2- التحقيق. كقوله تعالى: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ فكلمة: (هل) هنا بمعنى: ( قد)، أي قد أتى على الإنسان فعلاً حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً.

مثال آخر: إذا سألنا شاباً عمره فقال: خمس وعشرون سنة. فنقول له: هل بلغت ؟ إذاً عليك أن تكون قوياً. يعني كأني أقول له: قد بلغت سن البلوغ والرشد، فعليك أن تكون قوياً. فليس المقصود هنا الاستفهام وإنما المقصود التحقيق.

3- الجحود والإنكار: كقولنا لشخص بلغ مئة سنة: هل تقدر أن ترفع هذه الثقل الذي رفعه بطل العالم ؟ إذاً ابحث عن أمر آخر. أي كأني أقول له: لا تستطيع أن ترفع هذا. فهذه للجحد والإنكار.

وفي الآية ﴿هل أتى على الإنسان﴾ (هل) هي بمعنى (قد) أي قد أتى على الإنسان.

ثانياً: ﴿الإنسان﴾: ما المراد بالإنسان هنا ؟

إما أن يكون الإنسان الأول: وهو آدم عليه السلام، وإما أن يكون جنس الإنسان، فيكون المعنى: قد أتى على الإنسان الأول وهو آدم، أو على جنس الإنسان بشكل عام.

ثالثاً: ﴿حين من الدهر﴾ ما الفرق بين كلمتي: حين والدهر ؟

تحدثنا في لطيفة سابقة عن الفرق بين الزمن والوقت، وأن الزمن هو المادة الأساسية لكل الناس، أما الوقت هو ما يفعله المرء في هذا الزمن. وسأضرب مثالاً للتوضيح: الزمن هو القماش، بينما الوقت هو الطقم أو البدلة التي ألبسها.

فالزمن هو القماش الذي يستطيع أي إنسان أن يأخذ منه، لكن عندما آخذ أنا هذه القماشة وأفصّلها لألبسها فتصبح وقتي، أي عندما أضع في هذا الزمن صلاةً وصياماً وعملاً فإنه يصبح وقتي، وقد صار وقتي عندما وضعت فيه الأمور التي تهمّني والتي تصدر عني.

وكلمة ﴿حين﴾ تتضح أكثر عندما نوضح كلمة ﴿الدهر﴾.

رابعاً: ما هو الدهر ؟

الزمن عندما صار لي أصبح وقتاً، ولكن بالنسبة لله، فإن الله عز وجل ليس عنده زمن، ولكن من باب المشاكلة: عندما ننسب الزمن لله عز وجل، فإن الزمن يصبح دهراً، لذلك لما نُسب الزمن لله ـ إن صح هذا التعبير، ومن باب المشاكلة ـ فإنه يصبح دهراً، ولا يمكن للزمن عندما أشتغل فيه أن يصبح بالنسبة لي دهراً، لأن الدهر لله، لذلك: ﴿وما يهلكنا إلا الدهر﴾ أي الزمن الكبير جداً جداً، أما الزمن الذي ليس بكبير جداً فإنه يمكن أن يتحول إلى أوقات، فيصبح وقتي ووقتك ووقت الآخرين. أما عند الله عز وجل فيذوب الزمن في الدهر، والدهر -كما يقال-: يأكل الأول والأخير. لذلك ورد في الأثر ـ وإن كان ضعيفاً، ولكن من باب التوضيح والشرح ـ : (لا تسبوا الدهر، فإن الدهر هو الله).

﴿وما يهلكنا إلا الدهر﴾ يعني الزمن الأكبر، والزمن الأعظم، والزمن الذي لا نستطيع أن نستوعبه.

وباعتبار أن الأمر تابع لله، فإن الله عز وجل يقول:﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ كلمة (حين) هي فترة من الدهر، وهذه الفترة مبهمة لا نعرفها نحن، فالفترة المبهمة من الدهر حين، ونحن لا يجوز أن نقول: أتى على وقتي حين كنت فيه كذا.  فـ(الحين) هي الفترة المبهمة مثل الدهر، الدهر غير محدود، وأيضاً الحين غير محدودة لا قلة ولا كثرة، لا حداً أدنى ولا حداً أعلى.

﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ أي قد أتى على جنس الإنسان أو آدم فترة من الدهر (الزمن الأكبر الملتقم لكل الأزمنة، والذي يستوعب كل الأزمنة، والتي تذوب فيه الأزمنة) لم يكن شيئاً مذكوراً.

﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ نعم. لأن الإنسان هو صاحب وقت في هذا الزمن، والزمن يذوب في الدهر، لأن الدهر هو زمن الله عز وجل من باب التقريب. وقد أتى عليك أيها الإنسان بالنسبة للدهر فترة لم تكن شيئاً مذكوراً. وهذا أمر مؤكد وطبيعي جداً كما ورد في الحديث: (كان الله ولا شيء معه).

خامساً: ﴿شيئاً مذكوراً﴾ ما معنى كلمة شيء ؟

حينما نقول: أنت شيء، وهذا شيء، فهل تستطيع أن تقول عن الله عز وجل بأنه شيء ؟ لا. ولكن تقول عن نفسك بأنك: شيء، وعن الشيء المعنوي: شيء، وعن كل مخلوق: شيء، فالحجر شيء، والزجاج شيء، والغيوم شيء، والقمر شيء، وتفكيري شيء. فما معنى كلمة شيء ؟

نحن نقول: إن الله عز وجل له مشيئة، ونقول: ما شاء الله. فالله له مشيئة، الله شاءك فكنت شيئاً، ما يشاؤه الله هو الشيء، موضوع متعلق مشيئة الله عز وجل: هو الشيء، شاءك الله فكنت شيئاً على هذه الحال التي أنت عليه، شاء الله هذا فكان هذا شيئاً، شاء الله عز وجل الجبال فكانت شيئاً على هذه الحال، فالذي يجمع هذه المخلوقات: الشيئية، وأنها محل المشيئة. ولكن مشيئة مَن ؟ ليست مشيئتي أنا، فأنت شيء ليس بالنسبة لي وإنما بالنسبة لله عز وجل. فكلنا أشياء بالنسبة لله عز وجل، يعني كلّنا محل المشيئة، وموضوع المشيئة، ونتيجة المشيئة، وثمرة المشيئة. شاءك فكنتَ شيئاً، ولو ما شاءك ما كنت شيئاً. قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً، لأن الله عز وجل لم يشأه حتى يكون شيئاً، أتى عليك حين من الدهر(من وقت الله من أجل التوضيح) ما كنت شيئاً، لأن الله لم يشأك عندما لم يشأك، فلما شاءك كنت شيئاً.

وقد يتساءل أحد فيقول: كيف لم يشأني الله عز وجل ؟! والجواب: المشيئة إما أن تكون مشيئة العلم، أو مشيئة القدرة. أنا لم أكن شيئاً بالنسبة للقدرة، أما بالنسبة للعلم فكنت شيئاً. لذلك: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ أي لم يكن الله عز وجل قد شاءه قدرةً، ولكنه قد شاءه علماً. فأنت في علم الله شيء، ولم يأتِ حين من الدهر لم تكن شيئاً من حيث العلم، وحيث المشيئة المتعلقة بالعلم، أما المشيئة المتعلقة بالقدرة، فقد مرّ عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً.

سادساً: ما معنى كلمة ﴿مذكوراً﴾ ؟

لما شاء الله عز وجل الحيوانَ خلقه فصار شيئاً، لكن الحيوان لا يخاطب ويقال له: هل أتى على الحيوان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، بل يمكن أن أقول: هل أتى على الحيوان حين من الدهر لم يكن شيئاً. ولا تقال عن الحيوان كلمة مذكوراً، وإنما تقال للإنسان، لأن الإنسان يختلف عن الحيوان في الشيئية، فالحيوان هو شيئية مطلقة عن القيد بشرف، أما الإنسان فإن الله عز وجل لما شاءه شاءه بشرف وبتكريم وبتقدير﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾.

فكلمة ﴿مذكوراًَ ﴾ تعني أنه مُشرّفاً مُقدّراً كما في الآية ﴿وإنه لذكر لك ولقومك﴾ أي وإنه لشرف. وهذا كمثل قولي لك: فلان ذكرك. وأنا لا أقول هذا إلا إن كان ذكر فلان لك هو شيء عظيم جداً بالنسبة لك، وهل هنالك أعظم من أن يذكرك الله عز وجل ؟! فذكر الله لك فيه خصوصية ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾.

أعيد فأقول:

﴿هل أتى﴾ أي قد أتى.

﴿على الإنسان﴾ جنس الإنسان أو آدم.

﴿حين﴾ فترة مبهمة.

﴿من الدهر﴾ الدهر هو الذي ينسب إلى الله عز وجل، والذي تذوب فيه كل الأزمنة.  

﴿لم يكن شيئاً﴾ نعم أتى على الإنسان فترة لم يكن شيئاً، لأن الله عز وجل لم يشأه، فالشيء هو ما شاءه الله.

﴿مذكوراً﴾ اتفقتَ في الشيئية مع الحجر والشجر والمدر والحيوان، ولكنك اختلفت عنهم بأنك كنت شيئاً مذكوراً، وكلمة مذكور تعني أنه مشرف، ﴿وإنه لذكر لك ولقومك﴾ أي إنه لشرف لك ولقومك.

هذا بإجمال معاني قوله تعالى ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾.

ألقيت بتاريخ: 3/ 8/ 2007

التعليقات

حمدي سلمان أحمد

تاريخ :2011/09/29

إن كثير من الناس ليقرأ القرآن وتستوقفه كلمات كثيرة تحتاج إلي الشرح ، فيتحين الفرص ليسأل أو يبحث في الكتب أو كل السبل المتاحة لذلك كالنت . وقد يجد ما يبحث عنه في بعض الأحيان . وأنا ولله شهيداً على ذلك كنت أجد في شروحات الشيخ الشعراوي راحة للعقل والقلب ونفحة تملاء الإنسان بالإيمان ، وكم منا محتاج لذلك ، وشيخنا الدكتور عبد الله الطيب ، طيب الله ثراه ، كانت الإذاعة تبث له شرح في حلقات للقرآن الكريم ، فسر القرآن بحسب كلام العرب واستشهد بذلك من أشعارهم ، مع ما جاء في كتب التفسير . ولله الحمد . قد وجدت يادكتور في شرحك للآيات الكريمة تلك الإريحية التي كنت أحس بها في شرح هؤلاء العلامات آنفي الذكر . جعلك الله ذخراً ونفع بك أمة الإسلام . أبنكم حمدي

ابو محمد

تاريخ :2013/11/10

استاذي الفاضل جزاكم الله بالف الف الف خير على هذا الايضاح --- يوم كنت القي محاضرة حول ( تدبر القران المجيد ) طرح علي احدهم ( تدبرا ) لهذه الاية الكريمة --- وقال --- ان فلان يقول كذا --- وروي كذا --- في هذه الاية --- فقلت له --- فقلت له : ان ما قاله فلان وفلان لا يلزمني --- وان هذه الاية من المتشابهات بالنسبة لي --- ولربما من يأتي بعدنا --- مستندا الى القرأن المجيد او الى تدبر لغوي فيوضح لنا ما لم نفهمه نحن --- عندئذ --- تكون من المحكمات --- القرأن يكمل بعضه بعضا --- ثم إن علينا بيانه --- او --- استاذ في اللغة --- يبين لنا ما اشكل في فهمنا نتيجة لقصورنا في فهم الاية الكريمة . استاذي الكريم افدت وأجدت وجزاكم الله خير الجزاء وانا اضم صوتي الى صوت الاخ حمدي سلمان وجزاه الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

غالب الحمزاوي

تاريخ :2013/11/14

بارك الله فيك على الموضوع الراقي جدآ

شاركنا بتعليق