مساهمة مجملة
في دولة ذات سيادة جادَّة وسياسة واعية
السلطات الثلاث :
1- إذا كانت الدولة تقوم على سلطات ثلاث : تشريعية ، وتنفيذية ، وقضائية ، فإن
الواجب الأول أن تستقل هذه السلطات عن بعضها استقلالاً قائماً على أسسٍ دستورية
، بحيث تتكامل كل سلطة في ذاتها ، والتكامل يعني التَّمأسُس ، أي أن تكـون لها
مؤسساتها الخاصة بها ترعى قيمها وتحوّلها إلى واقع ، وتصب جميعها في غاية وطن
عزيز كريم متطور ، ومواطنين محترمين آمنين .
فالسلطة التشريعية : تتجلّى في مؤسسة مجلس الشعب " البرلمان " وعليه أن يَنعتق
من سيطرة وإلزامية الحزب الحاكم ، ويترك المجال فيه للتنافس بحرية رشيدة
ومَرعية ، ولكلٍّ من الأحزاب والأفراد حقه في كل البرلمان ، وهذا يعود لنشاطه
الاجتماعي والسياسي المفتوح والواضح .
كما ينبغي أن تكون اللجان المتفرعة عن المجلس ( اقتصادية ، دستورية ، خارجية ،
شرعية ، ثقافية ) لجاناً جادّة متخصصة لها علاقاتها المبرمجة القانونية مع
الوزارات ( السلطة التنفيذية ) ذات الاختصاص المشترك .
كما تتجلى السلطة التشريعية في " مجلسٍ شوري " أو " مجلس أعيان " أو " مجلس حلّ
وعقد " يُعيّن أعضاؤه بمرسوم ، ويراعى في التعيين التخصصات العلمية ، والتوزّع
الجغرافي والاعتبارات الدينية والمذهبية والعرقية ، ومهمة هذا المجلس تصديق ما
يصدر عن مجلس الشعب أي دراسة المشاريع القانونية ومشاريع المراسيم دراسة علمية
وعملية وواقعية ، كما يقوم مجلس الشيوخ بتقديم الاقتراحات النافعة للسيد رئيس
الجمهورية ولمجلس الشعب ، ويراقب بدراسة تطبيقات القوانين الصادرة .
- وأما السلطة التنفيذية : فتعني رئاسة مجلس الوزراء والوزارات ، ولتكن التسمية
في هذه السلطة على أساس من حيازة أكثرية في مجلس النواب بالنسبة إلى رئيس مجلس
الوزراء ، وأما تسمية الوزراء فتكون على ضوء الكتل النيابية والتمثيل الشعبي
لكل أفراد الوطن ، بعد اعتبار الكفاءات العلمية والمهنية .
- وأما السلطة القضائية : فيرأسها مسؤول يعيّنه رئيس الجمهورية ، ويجب أن يكون
مستقلا لا ينتمي لحزب ، وتتولى هذه السلطة كل ما يتعلق بالدستور ومحاكمه ،
وبالقضاء ومحاكمة على اختلاف موضوعاته ، بما فيه القضاء الشرعي ، وهذه السلطة
يشرف عليها ويعمل بها مختصون أكفاء ، ولا يقتصر التعيين فيها على حملة الإجازة
في الحقوق ، بل يُعيّن فيها حملة الإجازات في الشريعة الإسلامية ، ولا سيما أن
دستورنا اعتبر الفقه الإسلامي مصدراً أساساً في التشريع .
الأطر العامة للدولة :
وبعد هذا أعود إلى الأطر العامة للدولة لأتحدث عن ضرورة التخلي عن فكرة الحزب
الحاكم المطلق ، وفكرة الإيديولوجي العقائدي ، إلى فكرة الحزب الإصلاحي
الاجتماعي ، والفرق بين الإيديولوجي والإصلاحي أن الأول لا يقبل معه غيره في
تحديد ثوابت الدولة وسياستها العامة ، بل تكون ثوابته ثوابتها ، وسياسته
سياستها ، في حين أن الثاني لا يتفرّد في ذلك ، بل يتعاون مع الأحزاب الأخرى
تعاوناً عاماً كلياً في تحديد سياسة الدولة الداخلية والخارجية ، ورسم غاياتها
، وسبل تحقيق هذه الغايات .
بمعنى آخر:
فلتكن الجبهة الوطنية جامعة للأحزاب الإصلاحية , مهمتها الحوار والتبادل الفكري
بين الأحزاب , وتتكون الجبهة من مكاتب لمختلف شؤون الحياة من اقتصاد واجتماع
وتربية وثقافة وفن وسواها , ويتولى رئاسة المكتب الحزب الأكثر عدداًَ , ونيابة
المكتب الحزب الأقل عدداً , وبقية الأعضاء من سائر الأحزاب .
ويبقى الباب مفتوحاً من أجل أحزاب جديدة تريد التشكل والتشكيل , وذلك وفق
معايير وقوانين الدولة الحديثة بشكل عام .
رئيس الجمهورية :
وبناء على ما تم بيانه أيضاً:
فإن رئيس الدولة يجب أن يتخلّى عن الصفة الحزبية بمجرّد تسلمه مهام رئاسة
الدولة , ليبقى على مسافة واحدة مع كل المواطنين تحت عنوان خدمة المواطن وتطوير
الوطن .
انتخابات البرلمان :
وأما انتخابات البرلمان فتتم بفرص متساوية لكل الأحزاب والمستقلين , ويكون رئيس
الوزراء من الفئة التي تشكل الأكثرية في البرلمان , أي من الحزب أو الجماعة
أومن المستقلين المؤتلفين الذين حازوا أكثرية المقاعد .
أخيراً :
نسعى لدولة ذات سيادة قانون , لا امتيازات خاصة فيها لأحد , عنوانها الحرية
التي لا تستغل ضد القيم الإنسانية , ولا في مواجهة الدولة وأمنها وثوابتها
العامة التي أقرها الشعب عبر مؤسساتها المختلفة .
أملي مساهمة في رفعة بلدي وعزّه , بعد إرضاء ربي , وهذا رأيي سعيت لاستمداده من
قيم إسلامي , وواقع عالمي المعاصر الذي أعيش فيه وأنتمي إليه .
ملحق
1- مطالبنا من الدولة :
- المطلب الأول : العمل على توحيد الكلمة ومقاومة مفرقيها , ولتكن الكلمة التي
نتوحد عليها الإيمان بالله وتعميقه , وتكريم الإنسان وتحريره , وخدمة الوطن
وتطويره .
- المطلب الثاني : القضاء على النعرة الطائفية وتمتين الوحدة الوطنية , وتأصيل
الحوار بين كل أطياف مجتمعنا للوصول إلى صيغة تعايش آمنة مؤمّنة .
- المطلب الثالث : السعي لاستلهام القوانين كافة من الشريعة الإسلامية , وذلك
بتشكيل لجان مختصة في هذا الميدان , والعمل على سيادة أسلمة الدستور ما أمكن .
- المطلب الرابع : القضاء على البطالة الصريحة , والبطالة المقنّعة , وتأمين
العمل لكل فرد , ورفع الأجور والرواتب إلى حد القدرة على تأمين الضروريات
والحاجيات .
المطلب الخامس: تعميم الثقافة العربية الإسلامية على المؤسسات التربوية
والتعليمية والثقافية في مختلف المراحل والمستويات .
المطلب السادس : تنشيط السياحة وتهيئتها , وخدمة الأماكن السياحية وتهيئتها
تهيئة حضارية وفق منهج رفيع وحشمة فطرية وأدب أنساني .
- المطلب السابع : العناية بالإعلام بكل تجلياته ومحدداته ليكون سبيلاً واضحاً
وصادقاً لتبليغ رسالة وطننا السامية , والتي تتلخص – أي رسالتنا – في إرضاء
الدَّيَان , وبناء الإنسان , وخدمة الأوطان , والعمل على إزالة ما علق بالإعلام
من مجون وخلاعة , وإشاعة الفن الراقي والكلمة النافعة والعلم الناجع .
- المطلب الثامن : مكافحة الفساد على اختلاف أشكاله , من رشوة وقمار ومخدرات
وخمور واستهتار بالقيم والإنسان , مكافحة جادة ً حازمةً وحكيمة .
- المطلب التاسع : تبييض السجون من سجناء الرأي , وذلك بمحاكمتهم محاكمة عادلة
, وإطلاق سراح المعتقلين الذين قضوا فترات أحكامهم .
- المطلب العاشر : السَّماح للمبعدين بالعودة إلى الوطن , ضمن خطة تحفظ حقوق
الأفراد والدولة وتحترم القانون , وترعى حرمة البلاد .
المطلب الحادي عشر : إطلاق حرية الأفراد وإتاحة الفرصة أمامهم جميعاً لممارسة
النشاطات السياسة والاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية على أساس من
رعاية استقرار الدولة وأمنها واحترام تعاليم الأديان وقيمها .
- المطلب الثاني عشر : المواطنة حصانة , والعروبة النظيفة حصانة , والإسلام
الأوسع حصانة , ولا فرق بين مواطن وآخر , مهما كان دينه أو عرقه أو طائفته أو
مركزه في الحقوق والواجبات .
2- مطالبنا من أنفسنا نحن الذين ننتمي لسورية وطناً غالياً على قلوبنا :
تعالوا أتلُ عليكم أسس مجتمع منشود مطلوب في بلدنا الغالي وقطرنا المحبوب :
- المطلب الأول : تأمين أفراد المجتمع بعضهم بعضاً على أموالهم وأعراضهم
ودمائهم , فالدماء والأعراض والأموال علينا حرام , والمسلم من سلم المسلمون
والناس من لسانه ويده , والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم , فلا
إرهاب منّا علينا , ولا تخويف , بل كلنا آمن ٌ من كلنا , وذمتنا جميعاً واحدة
يجير علينا أدنانا .
- المطلب الثاني : صيانة اللسان عن كل ما يؤذي الآخرين من طعن ولعن وفحش وبذاءة
, وغيبة ونميمة وتنابذ بالألقاب وسبّ الذين يدعون من دون الله , فالمؤمن
والعاقل لا يطعن ولا يلعن , ولا يفحش ولا يغتاب ولا يَنم ولا يسب ولا يشتم .
- المطلب الثالث : نشر وتعميم العفة والفضيلة والحشمة في مرافق مجتمعنا , لنضمن
أجيالاً بنّاءة واعية صادقة ومستقبلاً مشرقأًً إنسانياً جادأً .
- المطلب الرابع : ممارسة النصيحة فيما بيننا , وتقديمها أنيقة خالصة , منبثقة
عن إرادة خير منا كلنا نحن الذين نكوّن هذا المجتمع , بغضّ النظر عن العرق
والدين والمذهب والحزب , ومجانبة التشهير والتهويل المنبثق عن حقد وغل , والذي
لا يؤدي إلا إلى التفكك والتشرذم والضياع . فالنصيحة من مشتقات الرحمة والتشهير
وإشاعة الفاحشة والفساد والكذب من مكوِّنات العذاب والبأس فيما بيننا .
- المطلب الخامس : إتقان كلّ منا عمله حيث كان , وأياً كانت وظيفته أو منصبه
بدءاً من رأس الدولة , ومروراً بكل الأطياف والشرائح والتخصصات , وانتهاءً
بأدنى من يعمل نوعاً أو كماً , فيا عمّال ويا موظفون ويا جنود ويا ضبّاط ويا
زرّاع ويا ذوي المهن الحرة من صنّاع وتجار وأطباء وصيادلة ومحامين : أتقنوا
عملكم وراقبوا ربكم , فستنالون أملكم .
- المطلب السادس : محاربة الفساد والمفسدين والسوء والسيئين , والشر والأشرار ,
والظلم والظالمين أياً كانوا , بنصحهم وإنذارهم ومعاقبتهم وعزلهم وحبسهم ,
وإسقاط كل اعتبار آخر يؤدي إلى مراعاتهم , : " فو اللّه لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطعت يدها " وتكريم الصلاح والمصلحين والصادقين والجادين والجيدين ,
ومنحهم كل استحقاقاتهم المادية والمعنوية , وتقديرهم وإكبارهم .
- المطلب السابع : تحديد عدونا الذي نجاهده ونقابله , والذي هو : الصهيونية
الآثمة المعتدية , والمسيحيون اليمينيون الصهيونيون المعتدون , وكل مَنْ يعتدي
جهاراً عياناً بواحاً علينا , ويبغي إذلالنا وقهرنا ودحرنا وتشريدنا , مهما
كانت هويته أو انتماؤه أو وجهته , وكذلك الخائنون الغادرون للّه وللقيم وللوطن
.
المطلب الثامن : نشر ثقافة الحوار وتعميمها فيما بيننا , لتكون عنوان مجتمعنا
عامة , وكل دوائرنا الاجتماعية ضمن المجتمع خاصة , والحوار جسر يمدّه كل منا مع
أبناء وطنه كلهم ، وهو منهج إنساني رفيع يقوم على الاحترام والتعارف والإنصاف
والعدل والصدق في إرادة الوصول إلى الحق .
المطلب التاسع : العمل المشترك الموحد بين أبناء الوطن على حماية الوطن من كل
مكروه وفساد وعدوان ، وتخلّف وتأخر ، وكذلك على رعايته بالتطور والتحسين
والتحديث لكل مرافقه من زراعة وصناعة وعلوم ومهن وتجارة وسواها ، واعتبار ذلك
مسؤولية المسؤوليات ، وهمّ الهموم ، ورأس التوجهات .
المطلب العاشر : التعاون البنّاء بين أبناء الوطن على تنقية أجوائه من الغل
والحقد والحسد والبغضاء والشحناء والرذيلة والاعتداء والعهر والمعاصي والأذى
والضلال ، وفي المقابل التوجه لإشاعة الأمان والعدل والفضيلة والسلام والخير ،
ونبذ المستهترين والمقصرين والعابثين ، ومن هم لا يرعون لقيمنا إلا ولا ذمة .
المطلب الحادي عشر : الحض على التراحم فيما بين أبناء الوطن ، بإكرام الكبار
والعطف على الصغار وتقدير العلماء ، ومواساة الفقراء ، وإغاثة الملهوفين ،
ومعالجة المرضى ، وكفاية المحتاجين ، وإيواء المشرّدين ، ولجم المسرفين
والمبذّرين ، وتفقد الأرامل والمقطوعين ، ونأمل من الدولة أن تكون في هذا الشأن
أول المبادرين .
المطلب الثاني عشر : دهم الكفاءات العلمية وتفعيلها وتهيئة المناخات الصالحة
لتنشيطها ، فأملنا كبير أن نأكل مما نزرع وأن نلبس مما نصنع ، وأن ندافع عن
أنفسنا بما نخترع وننتج ، وأن نُكفى المستغلين والطامعين من الدول والأفراد
خارج بلادنا .
المطلب الثالث عشر : الإفادة من كل هاتيك المجتمعات التي تطورت وتحسّنت ضمن خطّ
العلم والخلق والمعرفة والقيم ، ولا سيما تلك الدول التي تعد في نظر الغرب
جزءاً من العالم الثالث ، فاستطاعت التحرر والتطور والتعايش وبرمجت الحياة على
كل معطيات خيري الدنيا والآخرة ، ولعلي هنا أخص بالذكر ( ماليزيا ) ، ويمكنكم
القياس عليها ما يماثلها ويقاربها .
المطلب الرابع عشر : ها نحن أولاء أخيراً نرجو من الدولة الكريمة ناصحين أن
ترعى أبناءها رعاية رحمة وعطف وحسن ظن واحتضان ، وعفو ومسامحة ومراعاة ، لا
تفرق بين أولئك الذين هم في داخل القطر أو الذي حكمت عليهم الأقدار فكانوا
خارجه ، فسورية بخيراتها لكل أبنائها البررة بها ، لا نفرق بين أحد منهم ، وهم
لها جميعهم يخدمونها ويرعونها ويبرونها .
أخيراً : اللهم تقبلنا عندك عباداً أوفياء لك ، صادقين في إرضائك ، وخدمة القيم
الإنسانية والإنسان .
الدكتور
محمود عكام
17 أيار
2005
التعليقات