آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سُبُل القضاء على الغلاء

سُبُل القضاء على الغلاء

تاريخ الإضافة: 2008/04/11 | عدد المشاهدات: 3637

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

في البلد حديث عن غلاء، وفي البلد شكاية وشكوى من ارتفاع أسعار، الفقير لم يعد يتحمل فالأمر غدا شاقاً، والغني يتابع مسيرة الإغلاء لأنه يرى نفسه في كسب يزداد جرّاء هذا الغلاء، الموظف أضحى متعباً، المواد الأساسية في ارتفاع، الراتب قليل بالنسبة للأسعار الحياة غالية.

كأن حالنا مُلخَّصٌ بقولِ من قال:

جهد البلا حلَّ بنا              ضاق الفَلا من كربنا

  وكلّ ذا من ذنبنا             فهو الذي طمس الفؤاد

لا أتحدث عن فئةٍ معنية بضرورة البحث عن كيفية الخلاص من الغلاء، وإن كانت الحكومة معنية أكثر من الشعب، لكنني أحب أن أضع المسؤولية على جميعنا، فكلنا مُطالَب في البحث عن طريق مخلِّصة من هذا الذي نعيشه، لذلك قررت في هذا اليوم أن أشارككم الحديث عن هذه المشكلة، وأن أتحدث حسب دراستي للأمر عن مقوماتٍ أو أسبابٍ أو طرق إذا ما سلكناها فإن الغلاء ربما انحسر وسينحسر تدريجياً. كلنا معنيٌ بهذه المشكلة من حيث الحل ومن حيث البحث عن حل ومن حيث الدراسة ومن حيث التوجه إلى الله عز وجل في أن يكشف عنا الغلاء والبلاء، وإذا كانت الشكوى تنبعث من واحدٍ منا إلى الآخر فهذا شيء جميل أن تبث شكواك لصديقك أو زوجك أو أخيك، ولكن الأجمل أن تبث شكواك إلى الذي لا ينقطع الرجاء منه، إلى ربنا جلت قدرته، لكن الأجمل أن ترفع يديك إلى رب العزة قائلاً: اللهم إني أسألك وأستعيذ بك من الهم والحَزَن، ومن الجُبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال، اللهم إني أسألك لبلدنا الحماية، لمواطنينا أن ترفع عنهم الغلاء والبلاء أن تشفي مرضى المسلمين وأن تعافيهم.

ما أراه من سبل للقضاء على الغلاء هو ما يلي:

أولاً: نتمنى على الحكومة، على المسؤولين، أن يتابعوا هذه المشكلة وأن يعتبروها المشكلة الأهم: ونتمنى على المسؤولين حسن القيام بمسؤولياتهم تجاه شعبهم تجاه الموظفين تجاه الفقراء، ونقول لهم ما قاله سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسبما جاء في سنن أبي داود: (كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّع من يقوت) وفي رواية: (من يعول) ونقول أيضاً كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسبما جاء في صحيح الإمام مسلم: (اللهم من وَلِيَ شيئاً من أمر أمتي فرفق بهم فارفق به، ومن ولي شيئاً من أمر أمتي فشَقَّ عليهم فاشقق عليه) نأمل من المسؤولين في الدولة في كل الوزارات والمديريات أن يكونوا على متابعةٍ يقظة جادة واعية من أجل هذه المشكلة لأن الغلاء إن استفحل فسيؤدّي إلى ما لا يحمد عقباه من غيابٍ للقيم ومن استباحة للمحارم ومن تفشٍ للفجور والفساد، فاللهم بحق نبيك وآل بيته نسألك أن تحفظ بلادنا من كل مكروه.

ثانياً: أتوجه إلى كل أفراد بلدنا، مسؤولين وشعباً، أناديهم وأناشدهم في أن يكون كسبهم حلالاً: فالكسب الحلال يرفع الغلاء ويبيد كل ما يمكن أن يؤذينا في معيشتنا، هيا إلى كسب حلال: ﴿قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث﴾ أناشدكم والله وأناشد نفسي أن نسعى لكسبٍ حلال في معيشتنا، لأنه كما ورد عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الترمذي: (إنه لا يربو لحمٌ نبت من سُحت إلا كانت النار أولى به). وأنا لا أفهم النار هنا على أنها نار الآخرة فقط، ولكنها نار الغلاء أيضاً، هي نار في الدنيا تتجلى في غلاء تتجلى في بلاء تتجلى في أعداء، فهيا إلى كسبٍ حلال، أيها التاجر أتريد أن يُرفع الغلاء عن أمتك ؟ هيا إلى كسب حلال، لا أريد أن أعدد أفراد المجتمع بحسب الأعمال ولكن أتوجه إلى الجميع: الكسبَ الحلال، الكسبَ الحلالَ من أجل أن يُرفَع الغلاء عنا، عن أمتنا.

ثالثاً: عدم الاحتكار: (المحتكر خاطئ) هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمحتكر ملعون، والاحتكار طريق إلى الغلاء، فمن احتكر فإنه سيساهم في رفع الأسعار. لماذا تحتكر أيها الإنسان، أمِن أجل أن تربح قروشاً ؟!. وبالتالي يموت بجانب هذه القروش أناس كثيرون، أفترضى أن يموت جارك ليحيا قرشك ؟! أفترضى أن يموت قريبك من أجل أن تكثر أموالك في خزائنك ؟! الاحتكار سبيل إلى الغلاء ومن احتكر ملعون، أوَ تعلمون أن الملعون هو الذي يطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة ؟ يا أيها المحتكرون: توبوا إلى الله عز وجل، ولا سيما يا من يحتكر مواداً أساسية يحتاجها الصغير والكبير، يحتاجها الفقير والغني، يحتاجها كل أفراد الناس، الاحتكار سبيل إلى الغلاء فإياكم والاحتكار.

رابعاً: إياكم والإسراف: أتريدون أن يُرفع الغلاء ؟ اقتصدوا في عيشكم في إنفاقكم، إياكم والإسراف، الإسراف طريق الغلاء، (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري، ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾، لقد أضحى الإسراف اليوم عنواناً كبيراً من عناوين مجتمعنا المتهالك، أخبروني بربكم عن مزرعةٍ تعدل كذا، وعن سيارة تعدل كذا، وعن طعام يُؤتى به يعدل كذا وكذا، وعن لباسٍ، وعن استيرادٍ لما يمكن أن نأكل ولما يمكن أن نشرب، وعن احتفالاتٍ يُصرف فيها ما يصرف، وكل هذا مساهمة مباشرة وغير مباشرة في زيادة الأسعار، لأن الإقبال على البضائع يعني أنك تساهم في أن تكون أسعارها مرتفعة، القضية قضية عرض وطلب، لماذا تسرفون ؟ قرأت هذا الصباح عبارةً مروية عن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقول: "إني لأُبغض أهل بيتٍ ينفقون رزق أيام في يوم واحد".

أنا أعلم، إلى حدٍ ما ما يجري في الغَرب، والله إننا لأكثر إسرافاً منهم على الرغم من أننا أفقر منهم، أنا أعلم ما يجري هنا وهناك، والله ما ينفق على حفلاتٍ لا ضرورة لها ولا حاجة إليها يمكن أن تُغطي هذه النفقات مصروف سنة كاملة لفقراء حلب، بل لمتوسطي الحال في حلب، ولا يحصد صاحب هذه الحفلة من وراء هذه الحفلة إلا السمعة والرياء والشهرة التي لا تمتُّ إلى الإنسانية بصلة، ولا إلى الدين بصلة، ولا إلى الواقع بصلة، ولا إلى كل خيرٍ بصلة، فلماذا أنت تفعل ؟ أنا لا أريد أن أحدثكم عن تفاصيل لأنكم أدري مني بها وكلكم يعلم ما يجري هنا وهناك من استهلاك ومن ذبح للتدبير والاقتصاد، أعني التوسط في الإنفاق، نحن أمة غدت اليوم مُستهلِكة وانفتحت شهيتها على الاستهلاك فلا هي بصابرة ولا هي بمحترمة إنسانيتها، بل هي مُمعِنة في متابعة الإنفاق والإسراف والتبذير ومتابعة في كل ما يعود عليها بالإيذاء والضرر.

خامساً: نقضي على الغلاء بالإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم: وقد كنت قبل لحظات في الغرفة هنا أحدث بعض الإخوة الذين طلبوا مني أن أقول لكم أن تقدموا لهم الدواء الزائد عندكم والذي لم تعودوا تستخدمونه. قلت لهم: سبحان الله لقد غابت تلك الآية التي نحبها ونعتبرها مَزية من مزايانا: ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾ أتدعون الناس من أجل أن ينفقوا الزائد من الدواء عندهم والبالي والعتيق من اللباس، ثم بعد ذلك يظن من يظن هذا الذي يقدم الزائد من الدواء والطعام واللباس أنه يُحسِن ؟ لا، أنت بهذا العمل لا تحسن، وإن كنت تأخذ بعض الأجر لكنك لا تسمى محسناً، المحسن هو الذي ينفق من أحسن ما لديه، المنفق هو الذي يتابع إحسانه بإحسان، والإحسان هو الإتقان، هو أرقى ما يمكن أن تتم عليه أي عملية إنفاقية أو تصدقية، هذا هو الإحسان، ولذلك (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار) كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما جاء في البخاري. من الذي يسعى على أرملة أو مسكينة ؟ في أحسن أحوالنا نقدم لهم الطعام الزائد الذي يتركه الأغنياء المبذرون، في أحسن أحوالنا نوزع عليهم ألبستنا التي لم تعد على الموضة والتي أصبحت في طي النسيان فيما يخص عالم التقدم والموضة، من أين جاءتنا هذه الأفكار ؟ أنا لا أقول لكم لا تقدموا الدواء الزائد عندكم ولا أقول لكم لا تقدموا اللباس الزائد عندكم، ولكن أقول لكم ما هكذا تورد يا سعد الإبل، وما هذا الذي يفعل هذه الفعلة بمحسن، الإحسان أن تنفق أفضل ما تملك ﴿حتى تنفقوا مما تحبون﴾ هذا هو الإحسان، أن تكون ساعياً على الأرملة والمسكين، لا أن تكون الأرملة والمسكين واليتيم هم الذين يأتونك، لا تنتظر تلك الأرملة، عندها لن تكون ساعياً، ستأخذ أجراً، لكن لن تكون كالمجاهد في سبيل الله ولن تكون كالذي يصوم النهار ويقوم الليل، لا، لن تكون كذلك.

المشكلة مستفحلة، وكما قلت لكم الغلاء يؤدي إلى فجور وإلى فضح أعراض  ويؤدي إلى انتهاك أعراض ويؤدي إلى سرقة ويؤدي إلى فحش ويؤدي إلى نزاع ويؤدي إلى طلاق ويؤدي إلى خراب بيوت ويؤدي إلى التفات عن قيم ويؤدي ويؤدي... ونحن لا ننتبه إلى كل ذلك، بل إننا نساهم في إيجاد ازدياد للغلاء من خلال عدم قيامنا بهذه الأمور التي ذكرتها.

سادساً: الصبر: أنت أيها الفقير أناشدك الله أن تكون صابراً، إياك وعدم الصبر، إياك وكثرة الشكوى، ربي قال لك: ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ استعن بالصبر على الغلاء، الغلاء وحش والغلاء ابتلاء وقسوة، وبالصبر نقضي على هذا الوحش وهذه القسوة وهذا الابتلاء، الله عز وجل ابتلانا وسيبتلينا، فبماذا تقابل الابتلاء يا من غَلَت عليك كل الأسعار ؟ عليك بالصبر، فالصابرون يدخلون الجنة بغير حساب، الصابرون يحبهم الله: ﴿والله يحب الصابرين﴾ الصابرون هم الفائزون الذين يصمدون أمام كل المشاكل وهم الذين ستكون لهم النهاية الحسنى.

أرأيتم إلى الغلاء، أرأيتم إلى ما يمكن أن نقضي به على الغلاء، أعيد ملخصاً:

أيتها الدولة، أيها المسؤولون نطالبكم مطالبة الأخ لأخيه، مطالبة المسؤول عنه للمسؤول فلتكونوا في مسؤولياتكم مراقبين لربكم، ولتحسنوا القيام بمسؤوليتكم لأن الله سيسألكم، ولأن شعوبكم ستسألكم، ولأن الأجيال القادمة ستسألكم، وبعد ذلك أتوجه إلى كل الفئات من مسؤولين وغيرهم لأقول لهم هيا إلى الكسب الحلال، هيا إلى عدم الاحتكار، هيا إلى الاقتصاد في الإنفاق، هيا إلى الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، هيا إلى الصبر. وأعتقد أننا بهذه الأمور يمكن أن نقضي على غلاءٍ يقف أمامنا ليشكل وحشاً يأكلنا ويفترسنا، واسمعوا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخيراً كما جاء في مسلم وما أروعه عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له)، فاللهم اجعلنا من الصابرين على الضراء، ومن الشاكرين على النعماء، نِعمَ من يُسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 11/4/2008

التعليقات

ziad

تاريخ :2008/04/12

Assalam alykom jazak allah khir

محمد ابن المدينة المنورةوابن حلب الشهباء

تاريخ :2008/11/01

جزاك الله كل خيردكتور محمود

شاركنا بتعليق