آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سبل القضاء على الاضطراب والقلق

سبل القضاء على الاضطراب والقلق

تاريخ الإضافة: 2008/08/15 | عدد المشاهدات: 4196

أما بعد فيا أيها الأخوة المؤمنون:

لعل الواحد منا إذا سُئل عن سِمة هذا العصر سلباً فإنه يقول: سمة العصر، ولا سيما في مجتمعاتنا هي التوتر والاضطراب والخلل.

تلقَ الإنسان فإذا به متوتر، قلق، مضطرب. تسأله عن سبب اضطرابه وعن سبب قلقه وعن سبب توتره، وإذ بالسبب لا يكاد يَبين، وإذ بالسبب يكون أقل من أن يكون سبباً لتوتر إنسان أو اضطراب إنسان، وإذ بالسبب هو الوهم، أنت لا تعمل، لا تشتغل، ليس لك علاقة بالسياسة لكن السياسة توترك، لا علاقة لك بالعملة لكن شأن العملة والدراهم والأموال يوترك، لا علاقة لك بوزارةٍ في لبنان أو في الأردن لكن القضية تجعلك مضطرباً وتوترك، عندما تكون في بيتك تتوتر وتضطرب بسبب أشياء لا علاقة لها بأسرتك، ويذهب الاضطراب باهتمامك الذي يجب أن يكون ملء إهابك لأسرتك، توترك يقضي على ما يجب أن تقوم به فعلاً، لماذا ؟ لماذا أنت على هذه الحال الذي ذكرنا ؟ لماذا تقلق نفسك ؟ لماذا تجعل من ذاتك ذات مضطربةً متوترة، حدثني بربك عما يشغلك، حدثني بربك عما يسكن عقلك وقلبك إن كنت مضطرباً، لأنك مهتم بشؤون المسلمين، بشؤون أولادك، فهذا شيء جميل شريطة أن يكون الاضطراب دافعاً لك للعمل، لكنك عندما تضطرب فمن أجل أمور لا تمتُّ إليك بصلة، أأنت خلقت لهذا ؟ أقول وباعتبارنا نعيش شهر شعبان، وشهر شعبان شهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه قال: (شعبان شهري).

يا أيها الشاب يا أيها المهتم يا أيها المضطرب يا أيها المتوتر يا أيها الخائف:

اعلم علم اليقين أن الاضطراب لا ينشئ الحضارة بل يقضي على الحضارة، وأن التوتر لا ينشئ أمة قابلة للحياة، بل يقضي على الأمة، واعلم أن الاضطراب والخوف لا يمكن أن يكون سبباً دافعاً للرقي والارتقاء في سلم الإيجابيات، بل هو الذي سيجعلك تنحدر بالدَّرك الأسفل من التأخر والتخلف، أنت صاحب أسرة، أنت صاحب مسؤولية، أنت رئيس، أنت وزير، أنت ضابط، أنت طبيب، أنت أب، أنت إمام، أنت شيخ، أنت خطيب، مهما تكن فما عليك إلا أن تتوجه إلى ربك من أجل أن تسأله التوفيق، ثم بعد ذلك عليك أن تعمل ضمن هذا الذي يُسِّرت له ويُسّر لك، (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) لكنني اليوم أحببت أن أضع لا سيما بين أيدي الشباب بعض الأمور التي تساعدهم في القضاء على التوتر والاضطراب والخوف والقلق، لأن الاضطراب والقلق كما قلت لكم لا يمكن لها أن تبني أمة، لا يمكن لها أن تبني إنساناً. أتريد أن تقضي على الاضطراب والقلق ؟ هيا معي أعرض عليك بعض الأمور التي تساعدك على هذا:

أولاً: أخي أيها المضطرب، أخي أيها القلق، أخي أيها المتوتر، حدثني بربك عن نومك، هل تستيقظ بالليل فتصلي ركعتين ؟ وأنا أعتقد جازماً والقضية إخبارية وتجريبية، أعتقد أن هاتان الركعتان ستساعدانك من أجل أن يذهب قلقك واضطرابك وأن يزول قلقك وأن ينقضي خوفك، هل تصلي ركعتين قبل الفجر في يوم من الأيام أو مرة في الأسبوع أو مرة في الشهر ؟ أنا أريد منك أن تستيقظ مرة كل يوم لكنك لن تستيقظ، لذلك أطالبك بأن تستيقظ مرة في الأسبوع، صلاة الليل تذهب اضطرابك وقلقك وتوترك وخوفك هذا الذي يجعل منك إنساناً متردداً إنساناً لا يعرف كيف يمشي، إنساناً يقوم بعملية خراب وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، سئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الإمام مسلم (أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الصلاة في جوف الليل) عندما نمتدح الصحابة الكرام رضي الله عنهم نذكر وصفهم الذي جاء آيات في القرآن الكريم ﴿كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون﴾ كانوا يعانون في الحياة أشد مما نعاني لكنهم كانوا يواجهون مشكلات الحياة باطمئنان، باستقرار، بقوة نفسية، بطمأنينة، بصرامة لا تعرف التردد ولا تعرف الوهن ولا تعرف التراجع، لأنهم كانوا رهباناً في الليل فكانوا بجدارة فرساناً في النهار، لا يمكن لفرسنة النهار أن تكون لولا رهبنة الليل، أتريد أن تكون فارساً في النهار مغواراً بطلاً عاملاً منتجاً فاعلاً حضارياً، فما عليك إلا أن تكون راهباً في الليل، أن تصلي ركعتين في الليل صلاة الليل تقضي على اضطرابك فهل أنت تصلي أم أنك تنتظر رمضان من أجل أن تصلي صلاةً كرنفالية تسمى صلاة التراويح، تصليها ثم بعد ذلك تعود إلى لهوك من دون تفكير فيما يجب أن تفعله وأن تعمله في عملك هذا الذي أوكل إليك سواءً أكنت محامياً أو ... الكل مضطربون الكل قلقون لأنهم قطعوا الصلة بينهم وبين ربهم، وهل يأتي الاطمئنان إلا من ربك ؟ عندما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الغار: (لا تحزن إن الله معنا)، اطمئن يا أبا بكر.

إذاً الأمر الأول الذي يمكن أن تقضي به على القلق  والاضطراب من وجهة نظر عبادية: صلاة الليل.

الأمر الثاني: قراءة القرآن الكريم، مرات ومرات نقول لأنفسنا ونقول لكم هذا القرآن يناديكم، هذا القرآن يقول صباح مساء من أنصاري إلى الله ؟ ونصير القرآن هو ذاك الإنسان الذي يتولى القرآن، هو ذاك الإنسان الذي لا يمرر يوماً من غير أن يودع شيئاً من القرآن في هذا اليوم، لأن اليوم الذي يمر لن يكرر بالنسبة لك، قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح ابن حبان أتريد أن تطمئن فاقرأ هذا الحديث: (إن هذا القرآن سبب) وكلمة سبب يعني حبلاً (إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا) أتريد أن تطمئن إذا فعليك بالحبل الذي طرفه بيد الله فامسكه بالطرف الآخر لأنك إن وصلت ربك ووصلت نفسك بربك بحبل القرآن فستطمئن، يا أيها الشباب وللمرات الكثيرة المتعددة من منا يواظب على قراءة القرآن الكريم بتدبر وتفهم، ولا أريد أن يحتج واحد منكم أنه لا وقت لديه، فهذا الكلام بهتان وهذا الكلام مرفوض وهذا الكلام لا أصل له من الصحة.

يا شبابنا أتريدون أن تطمئنوا ؟ هيا إلى التمسك بالسبب الذي هو القرآن، قال عليه الصلاة والسلام كما يروي الترمذي: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) والبيت الخرب مضطرب، والبيت الخرب فوضوي، والبيت الخرب خرق، والبيت الخرب خائف، والبيت الخرب يتردد لأدنى شيء، والبيت الخرب لا يمكن أن يواجه، ولا يمكن أن يجاهد، ولا يمكن أن يناصر، ولا يمكن أن يقف وقفة قوية حتى أمام الصغائر. إذاً اقرأوا القرآن الكريم اقرؤوه من أجل أن نطمئن هو دواء، نحن نطرح دواء ولا نطرح الأمر عبادة صرفة، وإن كان هذا الأمر عبادة لكننا نتكلم عنه من حيث أنه دواء، هيا إلى الدواء إلى مداواة الاضطراب الذي ينتابنا ويسكننا يسكن عيوننا وأنوفنا وقلوبنا، انظر عيون أبناء مجتمعنا فعيونهم صادقة في التعبير عن قلق يسكن إهابهم يسكن دواخلهم يسكن خلاياهم. الصغير مضطرب والكبير مضطرب والفقير مضطرب والغني مضطرب، المسؤول مضطرب والوزير مضطرب والمدير مضطرب، الضابط مضطرب والسجين مضطرب والجندي مضطرب، الكل يعيش اضطراباً ويقف على أرض مهتزة لأنه لم يمسك بالحبل الذي يمسك بالطرف الآخر منه ربنا عز وجل.

الأمر الثالث الذي به تقضي على الاضطراب هو: الذكر، أن تذكر ربك اذكر ربك يا أخي يا أيها الشاب هل تذكر ربك ؟ جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت) إن كنت حياً حياةً صحيحة فأنت قوي وأنت مواجه لكنك إن كنت ميتاً فأصغر الأمور تعبث بك وصغائر الأمور تعبث بك، قال الله كما في الحديث القدسي الذي يرويه ابن ماجه: (أنا مع عبدي) إن كان الله معك فلن تكون مضطرباً ولن تكون قلقاً (أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه) الله معك إن ذكرته فهل تذكره من أجل أن تطمئن ؟ من أجل أن تستقر من أجل أن تقوى ؟

يا هؤلاء ليكن لكم ورد، كم من مرة قلنا هذا ؟ ليكن لكم ورد في صباحك أنت أيها الشاب توسل إلى ربك وقل على سبيل المثال: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ستشعر بالاطمئنان يتسرب بقوة في داخلك، استغفر ربك اذكر ربك سبح ربك استعذ بالله من الشيطان الرجيم أكثر من قولك: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال). أكثر من دعائك ربك إذا تقول: اللهم إني عبدك وابن عبدك، تذكر أنك عبد لربك ولست عبداً لرئيس أو وزير أو مدير أو مسؤول، (اللهم إني عبدك وابن عبدك وأمتك، ناصيتي بيدك - وليست بيد أحد سواك - ماضٍ فيّ حكمك، عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي وغمي).

هكذا كان يقول سيد المطمئنين محمد صلى الله عليه وسلم، أتريد أن تطمأن من غير أن تسلك مسلك الاطمئنان ؟!

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها             إن السفينة لا تمشي على اليَبسِ

الأمر الرابع والأخير: الذي به تقضي على القلق والاضطراب هو تفعيل الإيمان بالقدر، ضع أمام عينيك قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك) ضع أمام عينيك قول الله عز وجل: ﴿وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير﴾ ضع أمام عينيك: (ما قدر لماضغيك أن يمضغاه لا بد وأن يمضغاه، ويحك كله بعز ولا تأكله بذل)، ضع أمام عينيك أنك تريد أن ترضي ربك، فإذا ما أرضيت ربك فإن ربك سيجعل الناس راضية عنك، (من طلب رضاء الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضا عنه الناس)، والعكس هو الصحيح، (ومن طلب رضاء الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، معادلة إيمانية جاءتنا واستُلَّت من إيماننا بالقدر، فعِّل إيماننا بالقدر.

عليك أن تعمل بأمانة وإخلاص، عليك أن ترضي ربك، عليك أن تتبتل أمام ربك، عليك أن تسعى من أجل أن تقول لربك: اللهم أنت ربي، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.

القلق يسكننا والاضطراب يكاد ينهي علينا، والخوف وما أظن أن أحداً بمعزل من آثاره القاتلة كل هذا نعيشه فلم لا نحاول ؟ أتنتظرون رمضان من أجل شكلية تقومون بها ؟ إنها ورب الكعبة أعني الشكلية لا يمكن أن تقضي على القلق بل العكس، سأراكم وستروني في رمضان أكثر قلقاً لأن الواحد منا سيفكر في رمضان، وهذا ما عهدناه من أنفسنا في رمضانات سابقة، سيفكر في طعامه وشرابه أكثر من تفكيره في قبول صيامه وأكثر من تفكيره في قبول قيامه، وأكثر من تفكيره في فهم قرآنه، في فهم كتاب ربه، سيفكر بطعامه وشرابه وعزائمه وموائده وذهابه ومجيئه وسهراته ولهوه، سيفكر هذا في رمضان وبالتالي سيكون رمضانه مقلقاً له وسيجعله رمضانه مضطرباً، أكرر وألخص أتريدون أن تقضوا على القلق والاضطراب والخوف، إذا عليكم بصلاة الليل، عليكم بقراءة القرآن، عليكم بذكر الله، عليكم بتفعيل الإيمان بالقدر، والله وحده هو الفاعل المطلق، واعلموا علم اليقين أنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ولا يفرق ولا يجمع ولا يقبض ولا يرفع إلا الله، فإليك وحدك يا رب نتوجه، إليك نأتمر بأمرك وننتهي عما نهيتنا عنه، اللهم خلصنا من سواك إليك، واجعلنا من المعتمدين المتوكلين عليك يا ارحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، يا رب شعبان، يا رب رمضان، يا رب الأشهر الحرم، يا رب أشهر الحج، نسألك أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 15/8/2008

التعليقات

محمود

تاريخ :2008/08/16

والله لقد اصبت ما في القلوب واننا لانعلم الى متى نحن سوف نبقى هكذا واني والله اعيش هذا الاضطراب اكثر من عشر سنوات احسست بالموت والملل لك الشكر ولله الحمد وا اعز الناس

ابو عبيد

تاريخ :2008/08/20

الخطبة جميلة جدان والشيخ الخطب الف

شاركنا بتعليق