آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
دعاء، ونداء للشعب والدولة

دعاء، ونداء للشعب والدولة

تاريخ الإضافة: 2011/04/29 | عدد المشاهدات: 4058

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

يا أيها الإخوة المواطنون، يا أيها الإخوة السوريون الحلبيون الأعزاء:

لا يسعنا في البداية إلا أن نذكر بالرحمة والغفران شهداءنا الأبرياء الذين سُفح دمهم ظلماً على أرض هذا الوطن، ونسأل الله عز وجل أن يجعلهم جميعاً في جناته وفي فردوس الجنة الأعلى.

أول الأمر دعاءٌ للشهداء، وثاني الأمر توجه إلى الدولة، وثالث الأمر توجه إلى الشعب.

أيتها الدولة: نطالب بمتابعة إصدار القرارات التي تصبُّ في مصبِّ إصلاح البلد، وها نحن أولاء نُذكّرك بقانون الحريات والأحزاب، بإلغاء المادة الثامنة من الدستور، نذكرك بقانون الإعلام، نذكرك بقانون الإدارة المحلية والانتخابات، وأنا أعلم أنكِ في طريقك إلى إجراء هذه، لكن علينا أن نُذكِّر فإن الذكرى تنفع، كما نطالبك أيتها الدولة بالتنفيذ السريع والكلي والشامل لكل القرارات الإصلاحية التي أصدرتِ، وأنتم تعلمون، وربما كنتم على اطِّلاعٍ ربما أكثر مني بتلك القرارات الإصلاحية التي صدرت، فنحن نطالب الدولة بأمرين - ونحن دائماً نحب التحديد والتبيين - في إصدار ما لم يصدر وفي طريقه إلى الإصدار، وبمتابعة تنفيذ ما صدر تنفيذاً تاماً شاملاً، ونطالب الدولة أخيراً بأن تتحلى بالرحمة في علاقتها مع الشعب.

وأما الشعب:

أولاً: فنطالبه بمتابعة المطالبة، تابع المطالبة كما أطالب أنا هنا، ولكن عبر قنوات الوعي والحكمة، كما طالبنا الدولة بالرحمة نطالبك بالحكمة، عبر قنوات الحكمة والوعي.

ثانياً: ونطالب الشعب أيضاً أن يكون عوناً للدولة في تنفيذ القرارات التي صدرت والتي تصبُّ في مصبَّ الإصلاح، بمعنى لا نريد من بعض الشعب أن يكون حجَر عثرة في تنفيذ المراسيم التي صدرت، وأذكر هنا مثالاً واحداً لا أكثر ولا أقل، أيها الإخوة لقد صدر المرسوم الذي يُنهي حالة الطوارئ، أناشدكم الله أيها الشعب ألا تتصرّفوا تصرفاتٍ تستدعون من خلال هذه التصرفات أن تُعاد حالة الطوارئ من جديد، أناشدكم الله هذا الأمر، كونوا عوناً للدولة في تنفيذ القرارات التي صدرت.

ثالثاً: واسمح لي أن أقول هذه الكلمة، أيها الشعب الكريم هذا الأمر الذي سأقوله يتعلق في علاقتك ببعضك، أيها الشعب أنت هنا احترم الشعب الذي هناك، أيها الشعب الذي يريد أن يكون في هذا المجال من الرأي احترم الطرف الآخر من الشعب نفسه، بمعنى آخر وأعمّ وأوضح: أيها الشعب احترم نفسك وليحترم كلٌ منا الآخر، فمالي أراكم أيها الشعب يعدو بعضكم على بعضكم، ويشتم بعضكم بعضاً، ويتنكر بعضكم لبعض، ويصرخ بعضكم في وجه بعض ! وتجاوز الأمر فأصبح بعضُ الشعب يتحدث ويتنكر ويعتدي بلسانه وربما يعتدي بيده على رجال العلم الشرعي.

أيها الإخوة: أيها الشعب: أصلحوا ذات بينكم، كونوا صفاً واحداً، من خالفك أنت أيها الفرد من هذا الشعب، من خالفك احترمه، لأنه يمارس نفس الحق الذي تمارسه، احترمه، لا تعتدي عليه، لا تنكره، لا تشتمه، لا تتوجه إليه على أنه خائن وعلى أنك أمين، كل الشعب هنا ليس فيهم خائن، ليس فيهم من تريد أن تتهمه، ليس فيهم من تريد أن تسيء إليه، تحمَّل أخاك وانظر إليه بعين اللطف والعطف، أخطأ، انظر إليه على أنه أخطأ ولا تنظر إليه على أنه ارتكب إثماً كبيراً، لا نريد هنا أن تكون الحواجز الدموية بيننا فإن الشعب إن خسر نفسه خسر كل شيء.

وأما نحن الذين نمثل من يسمى برجال الدين، أو برجال العلم الشرعي، أتريدون أن تعرفوا واجبنا أيها الإخوة وبكل بساطة ؟ وانقلوا هذا لغيركم وأنا ألاحظ أن العدد في تدنّي أقلّ مما كان عليه من خمسة أسابيع، وهذا من فعل بعضنا، أعيدوا للمسجد دوره الرائع في تثبيت وترسيخ الأخلاق فيما بيننا وفيما بيننا وبين الآخر، وفيما بيننا وبين الجمادات، أصبحنا نعيش وأنتم تسمعون هذا خوف الجمعة (فوبيا الجمعة)، رِهاب الجمعة، لماذا يا إخوتي ؟ ها نحن نتكلم بيننا وبينكم بصراحة تامة، ونريد أن نبقى في حيز الكلام الجريء الصريح الواضح دون أن تمتد أيدينا إلى غدر مني إليك أو منك إلي، إن بقينا في حدود الكلام فنعمَّا نحن وإن تجاوزنا الكلام والحوار إلى الشتم والسباب فبئس القوم نحن.

أما رجال العلم فهم الجسر الأمين، وأريد أن أركز على هذه النقطة وأن يستوعب إخوتنا هذا الدور، علماء الدين هم الجسر الأمين، يخطئون كما تخطئون، ولكن خطأهم لا يجوز أن يكون سبباً من أجل أن تنظر إليهم النظرة المجافية للاحترام والتقدير والتبجيل، عاملوهم، واسمحوا لي إن قلت هذا، كما يعامل المسيحيون مطارنتهم، كل المسيحيين ينظرون إلى المطارنة نظرة تقدير، يتكلمون معهم بأدب، يحدثونهم بخلق، دور رجال الدين والمشايخ كما يقال هم الجسر الأمين بين الدولة والشعب، هذا الجسر يتحدث مع من هو أمامه عن واجبات الذي هو أمامه، مهمتي أن أحدثكم عن واجباتكم، حتى إذا كنت أمام الدولة أو ممثليها حدثت الدولة عن واجباتها، ومن يرغب منا أن أحدثكم أنتم عن واجبات الدولة وأن أحدث الدولة عن واجبات الشعب عند ذلك سأكون غير حكيم، ولن أصل إلى شيء، تصوروا رجلاً يحدث الأب عن واجبات الولد نحوه، ويحدث الولد عن واجبات الأب، وهو يهيئ هذا على هذا من غير أن يُفهِم هذا واجباته ومن غير أن يفهم ذاك واجباته.

خاطبت البارحة إخوة أعزاء جاؤوني قلت لهم: واجبكم كذا وكذا، قالوا لي: حدّث الدولة عن واجباتها. قلت لهم: عندما أكون أمام الدولة أو ممثليها يشهد الله أنني أحدثهم عن واجباتهم، وأذكر حقوقكم عليهم، لكنكم الآن تريدون مني أن أتكلم لغواً إن حدثتكم عن واجبات الدولة، فماذا أنتم فاعلون ؟ أنا أحدث التلميذ عن واجباته عندما أتحدث مع التلميذ، وأتحدث مع الأستاذ عن واجباته حينما أتحدث مع الأستاذ، أتحدث عن المرأة وواجباتها حينما أتحدث مع المرأة، وأتحدث عن الرجل والزوج والرجل وواجباته حينما أتحدث مع الرجل. أريد منا من أنفسنا جميعاً أن نفهم هذه النقطة، أتريدني أن أتحدث على هذا المنبر عن واجبات الدولة وأن أترك الحديث عن واجباتك ؟ أنا هنا أمام الشعب، وتسمعني الدولة، لذلك تحدثت عن واجبات الدولة وواجبات الشعب، لكنني عندما أخلو بك وتخلو بي في جلسة في بيتي تريد مني أنت – واسمح لي أن أقول هذا - من خلال نفسك غير الحكيمة، أن أحدثك عن واجبات الدولة وأن أقول لك عن ما تقوم به أنت رائع وعظيم، والصديق من صَدَقك لا من صَدَّقك.

أردت أن تكون هذه الخطبة دعاءً للشهداء، حديثاً عن واجبات الدولة في هذه المرحلة، حديثاً عن واجبات الشعب.

أخيراً: أريد أن أحذركم ونفسي من أمر، وأن أطالبكم بأمر، أما الأمر الذي أريد أن أحذر نفسي وإياكم منه هو الغدر، الغدر ليس من شيم العرب ولا من شيم الإسلام، الغدر، وهنا أطالب المواطنين جميعاً، الدولة والشعب والناس والصغير والكبير، يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو داود: (الإيمان قيّد الفتك، لا يفتك مؤمن) أتريد أن تمتحن ؟ انظر هذا الحديث (الإيمان قيّد الفتك، لا يفتك مؤمن) أي لا يغدر مؤمن، سئل أبو سفيان - ولم يكن آنذاك قد أسلم - من قبل هرقل عن سيدي وحبيبي وقائدي رسول الله، قال هرقل لأبي سفيان ولم يكن آنذاك مؤمناً وإنما كان يتمتع بالفطرة العربية قال له: هل يغدر محمد ؟ فقال أبو سفيان: لا. وهنا أقول بأن أبا سفيان نفسه لم يغدر في هذا الموقف، حاشا لرسول الله أن يغدر، لكنني أخذت من هذه القصة عبرة أخرى، نظرت إلى أبي سفيان وهو لم يسلم بعد أنه ما تكلم على النبي بسوء، وقال لهرقل لا يغدر.

يا ناس عاملوا بعضكم كما عامل أبو سفيان العدو اللدود لمحمد آنذاك، ما بالنا نبيع ونشتري بعضنا بدريهمات معدودة ؟ فلان أسمعه يقول لي منذ عشر سنوات أنا أحب الرجل الفلاني والشيخ الفلاني والرجل الفلاني، وأنا أتابعه، حتى إذا ما قال هذا الشيخ كلمة، وافرض أنها كلمة تحت عنوان الخطأ، لكنها نابعة من اجتهاد، وإذ بهذا الذي يتبع هذا الشيخ عشر سنوات يبيعه بدريهمات معدودة، يقول لي: "حلقت له"، يا إخوتي: الوفاء، الوفاء، من غدر بالناس غدر بالله، ومن غدر بالناس غدر بأبيه وأمه، ومن غدر بالناس غدر بالقرآن، وإذا سلكت طريق الغدر فستصل إلى أن تغدر بنفسك، وهذا أمر طبعي.

الأمر الأخير الذي أطالبكم به: هو الدعاء، قرأت اليوم فائدة أحببت أن أقولها لكم، يقول جعفر الصادق رضي الله عنه وأرضاه: "من حَزَبه أمر فقال خمس مرات: (ربَّنا) أنقذه الله مما يخاف، وأعطاه ما أراد". قالوا له: كيف ذلك ؟ قال: اقرؤوا قوله تعالى: ﴿الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار. ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيآتنا وتوفنا مع الأبرار. ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منك من ذكر أو أنثى﴾ فاستجاب لهم ربهم، قرأت هذه الفائدة صباح هذا اليوم، وأنا أكرر هذه الخماسية من الصباح إلى الآن أقول: ربنا، ربنا، ربنا، ربنا، ربنا. ربنا احفظ بلادنا، ربنا يسِّر أمرنا، ربنا عليك بالكائدين لبلادنا داخلاً وخارجاً، ربنا احفظ علينا أوطاننا، احفظ علينا إسلامنا وديننا، احفظ علينا يا ربنا بجاه حبيبك محمد ونبيك الأمجد صلى الله عليه وآله وسلم، يا رب طهِّر قلوبنا، يا رب اجعل ألسنتنا نظيفة، يا رب متِّع عقلنا بمعرفتك، وقلوبنا بمحبتك، وجوارحنا بطاعتك، وألسنتنا بذكرك، وأجسادنا وأجسامنا بعافيةٍ منك يا رب العالمين، ربنا ردَّنا إلى دينك رداً جميلاً، ردَّ شبابنا، رُدَّ أبناءنا، ردّ دولتنا، ردَّ حكامنا، ردَّ جميعنا إلى دينك رداً جميلاً، ﴿ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير﴾، ﴿ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾، ربنا اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وآمن روعاتنا واستر عوراتنا. ادع يا أخي في نهارك وليلك ربنا، فربك قريب منك، ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾.

لا أريد لشبابنا أن يرتدوا عن دينهم من خلال ردّة الفعل، فأنا رأيت أكثر من واحد يقول لي هذا الدين لم يعد يعجبني، لأنني أرى المسلمين، وتعلمنا من الإسلام أن الإسلام دين الرحمة والتراحم، فمالي أرى المسلمين لا يرحم بعضهم بعضاً ؟ أنا لا أريد أن أكون مسلماً، والله يا إخوة جاءني أكثر من واحد يقول لي هذا الكلام، اتقوا الله، وفي رقبتنا هذه المسؤولية يا ناس، أتريدون الخير ؟ أتريدون الصلاح والإصلاح ؟ من منا لا يريد الخير ؟ من منا لا يريد الإصلاح والصلاح ؟ علاقتنا مع الصفات، مع القيم، مع الأفعال، يا ناس وفي ديننا لا يجوز - هكذا علمنا أساتذتنا يوم كنا طلاباً صغار - قالوا لنا: قال الفقهاء لا يجوز لواحد منا أن يلعن كافراً بعينه. فما بالنا يلعن بعضنا بعضاً بعينه واسمه وأمامه ؟! اتقوا الله، ولنتق الله، وأنا أنادي نفسي أولاً، أقول لنفسي اتق الله أيتها النفس:

وفؤادي كلما عاتبته                 هام في اللذات يبغي تعبي

ما أبغي بعده إلا الفنا                ضيق الذنب علي مطلبي

يا نفس لا كنت ولا كان الهوى              راقبي المولى وخافي وارهبي

أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 29/4/2011

 

التعليقات

أديب

تاريخ :2011/05/03

لا نقولها إلا تعصبا للحق، وإرادة للخير لهذا الوطن... فصلاح وطننا بصلاحنا، وبمعرفة كل واحد منا لواجبه، وبقيامه بهذا الواجب، على أساس من إتقان وحب لهذا الوطن ومن فيه. رعاك الله يا سيدي وأنت تسدد مسيرة الإصلاح وتقوّمها وتشدُّ من أزرها وإنا معك ومع كل من أرداد الخير لسورية وشعبها.

شاركنا بتعليق