آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سبيل المعروف

سبيل المعروف

تاريخ الإضافة: 2012/05/18 | عدد المشاهدات: 4994

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءَنا وحمى أوطاننا من كل مكروه.

أيها الإخوة:

لو سألتُ واحداً منكم عن فرائض الإسلام، وثمة فرقٌ بين الفريضة والركن، أنا أعلم أنني لو سألت هذا المسؤول نفسَه عن أركان الإسلام لقالها وبشكل سريع ما أركان الإسلام ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً.  لكنني أسأله عن فرائض الإسلام، ما فرائض الإسلام ؟ أعتقد أنه سيجيب وسيذكر بعض هذه الفرائض لكنني شبه متأكد أنه سينسى فريضة أريد الحديث عنها هو يسمع بها لكنني ما أظن أنه يعتبرها فريضة وإنما يحسبها وظيفة لبعض الناس.

أيها الإخوة: هذه الفريضة هي بكل بساطة ولن تفاجأوا إذ أذكرها بل تعلمونها جميعاً هي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لو سألتني عن حكم هذه القضية لقلت إنها فريضة، والله عز وجل ذكر ذلك في القرآن الكريم وسيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ذكر ذلك في أحاديثه الشريفة الكثيرة الصحيحة الوفيرة، ألم يقل الله عز وجل: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ الله عز وجل قال على لسان لقمان وهو يوجه ولده: ﴿يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك﴾ إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة فهل نحن نقوم بهذه الفريضة أم أن هذه الفريضة مهملة، وتسألني: ما سبب إهمالها ؟ ولماذا لم يقُمْ بها ربُّ الأسرة في أسرته ؟ ولماذا لم يقُمْ بها ربُّ العمل في معمله ؟ ولماذا لم يقم بها ذاك الإنسان في المؤسسة ؟ لماذا لم يقم بها الموظف في وظيفته ؟ ولماذا لم تقم بها المرأة في بيتها أو في عملها ؟ ولماذا لم يقم بها المدرِّس في مدرسته وفي جامعته ؟ والضابط في ثكنته لماذا ؟ عزوتُ الإهمال إلى سببين:

السبب الأول: أن بعض الناس يظنون هذه الفريضة مقصورة على فئة دون فئة، هذه الفريضة مقصورة على أولئك الذين يقفون على المنابر فقط، أو الذين يتصدَّرون للدروس في المساجد، أما هم ففي حالة إعفاء من هذه الفريضة، "يا أخي لستُ شيخاً حتى آمر بالمعروف"، لكنك أنت، وأنت مسؤول، لكنك مدير وأنت مسؤول، لكنك أستاذ وأنت مسؤول، لكنك وزير وأنت مسؤول، لكنك رئيس وأنت مسؤول، لكنك ضابط وأنت مسؤول، لماذا لم تقم بتحمُّل مسؤوليتك ؟ ظنها كثيرٌ من الناس بأنها مقصورة على فئة دون فئة وإن كانت هذه الفريضة في حق هذه الفئة آكد لأن الله قال: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ الدُّعاة إلى الخير فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقهم آكد، لكنها من سوى هذه الفئة لا تعفي غيرهم من أن يكونوا معفيين بها من أن تكون مفروضة عليهم.

السبب الثاني لإهمال هذه الفريضة والله أعلم: الخوف من آثارها، إن أمرتُ بالمعروف ونهيتُ عن المنكر في بيتي فسأخسر أولادي، وسأخسر زوجتي وسأخسر مَن حولي وسأخسر كل هؤلاء الذين أجتمع معهم ويجتمعون معي، وبالتالي لا أريد أن أُضحِّي بصداقاتٍ تقوم على الباطل من أجل القيام بفريضة: ﴿بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾، ﴿يا بني أقم الصلاة وأمُر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك﴾ ستتحمل ضريبة هذه الفريضة، ألم تتحمل ضريبة فريضة الصلاة بالاستيقاظ فجراً، بالوضوء، بالسعي بترك عملك الذي أنت فيه لتؤدي صلاة الظهر ؟ ألم تتحمل الضريبة في أدائك فريضة الحج بالذهاب والمال والعنت ؟ في فريضة الصوم ؟ وكذلك هنا ضريبة، ومن قال لك بأن الفريضة لا ضريبة فيها ؟ ومن قال لك إن عمل الخير لا ضريبة فيه: ﴿أحسب الناس أن يُترَكوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين﴾، ﴿قالا ربنا إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى. قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى﴾، ﴿فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى﴾ ثمة ضريبة، السبب الثاني يخاف ويتوهَّم الناس من الآثار السلبية لضريبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تفقدهم هذه الآثار حسب زعمهم المنافع والمصالح وتفقدهم الزبائن، لكنني أقول لهم: إن لم تقوموا بهذه الفريضة فستفقدون ربكم، وماذا وجد من فقدك وماذا فقد من وجدك ؟ يا أيها الناس: يقول صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي وأبي داود: (لتأمرنُّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر ولتأخذنَّ على يد الظالم ولتأطرنّه على الحق أطراً أو ليضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعنَّنكم كما لعنهم) وانا أعلم إذ أقول هذا ربما توجَّهت الأذهان إلى ظالمٍ واحد، لا يا إخوتي إلى الكل، إلى أخيك حين يظلم، إلى ولدك، إلى زوجتك، إلى زوجك: (أو لتأطرنه على الحق أطراً) أي لتردنه إلى الحق رداً، ولـتأخذن على يد الظالم أينما كان هذا الظالم حتى الشيخ الذي يقف على المنبر ربما ظَلَم عليكم أن تروده عن ظلمه بالنصح والحجة: ﴿فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى﴾.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون بالمعروف وليس بالمنكر، وربما كان من أسباب تركنا هذه الفريضة أننا ظننا - وهذا سببٌ ثالث - أن الأمر بالمعروف ينبغي أن يكون بالعنف ونحن لا نريد العنف فتركناه، لا يا أخي مَن قال لك بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعنف ؟ وإنما هو بالمعروف، يا هؤلاء: (ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض) وانظروا على قلوبنا كيف ضُرِبَت ببعضها، فقلبك وإن كنت تصلي بجانب أخيك لكن قلبه ليس على قلبك، والذي يقول غير هذا فليأتني، قلب هذا الذي يصلي بجانبك ليس على قلبه فقلبك ضرب قلبه وقلبه ضرب قلبك، وأصبحنا جميعاً بعيدين عن رحمة الله عز وجل لأننا تركنا هذه الفريضة ولم نتراحم، انظروا إلى المصلين يقفون بجانب بعضهم لكن بالله عليكم هل القلوب بجانب بعضها كما الأجسام أم أن الواحد منا يقف بجانب أخيه في الصلاة الجسم بجانب الجسم لكن القلب ينفر من القلب وعنده استعداد أن يدعو على هذا الذي يصلي بجانبه ليبيده أو ليمحوه، لماذا ؟ لأنه يخالفه برأي بسيط، لأنه لم يوافقه على رأيٍ سمعه من الآلة المفسدة التي تسمى التلفاز.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة، ومستندها أحاديث وآيات كثيرة، ذكرنا بعضاً من أسباب الإهمال، لكنني من أجل أن أكون علمياً وموضوعياً أريد ان أقدم لكم هذا اليوم لكل أب لكل مسؤول لكل أم، إن سألني هذا المسؤول أو هذه الأم وقالت لي: ما المعروف الذي آمر به أسرتي وأولادي ؟ لو قال لي الأب: ما المعروف الذي أريد أن آمر به أولادي والمنكر الذي أريد أن أنهى عنه أولادي ؟

أقول له: لقد جمعت ذلك في كتابٍ، لن أحيلكم على الكتاب كي لا يكون الأمر دعاية، لكنني لخَّصت المعروف الذي يجب أن يأمر به الأب من خلال عمله ولسانه وليس من خلال لسانه فحسب، والمنكر الذي يجب أن تنهى عنه الأم بإحدى عشر مادة، وسأقرؤها عليكم، وهذه البنود لخّصتها من كل ما جاء من الإسلام فيما يتعلق بالأسرة وتربية الأولاد، أقول لكم ثمة إحدى عشر مادة أو أحد عشر بنداً:

الأمر الأول: نثبت فيهم العقيدة الصحيحة السليمة - فهل أنتم تستشعرون مسؤوليتكم عن أولادكم فيما يخص عقيدتهم - ونعلمهم الإسلام حقوقاً وواجبات وحلالاً وحراماً. فهل تفعل هذا ؟ ولا أريد أن أعلق بعد كل أمر حسبي أن أقول فهل تفعل هذا ؟

ثانياً: نعلمهم التوبة من كل مخالفة والاستغفار من كل ذنب.

ثالثاً: نجنبهم اللقاءات الفاسدة - قولاً وعملاً - والماجنة التي تضر بأخلاقهم ودينهم وعملهم ودراستهم.

رابعاً: نرعى الأطفال ونتحبب إليهم ونكرمهم بكل وسيلة. الطفل هو المستقبل والأمل. ولن أنسى تلك القصة يا سيد الكائنات يا رسول الله يوم هاجرت ووصلت مشارف المدينة في منطقة تسمى بمرابع بني النجار وخرج الجواري - البنات الصغيرات - يستقبلنك وهن يغنين:

نحن جوارٍ من بني النجار             يا حبذا محمدٌ مِنْ جار

فحنوت عليهن واقتربت منهن وقلت لهن: أتحببنني ؟ فقلن: نعم. فقلت لهن: الله يشهد أن قلبي يحبُّكن. فهل تقول هذه الكلمة لطفلك، لطفل أخيك، لطفل جارك، لطفل سائقك، لطفل عاملك، لطفل هذا الوطن ؟ أم أنك في غياب في لمصالحك عن الأطفال. التفت لهذا.

خامساً: نوجه إلى عدم الإسراف في الطعام والشراب واللباس فالإسراف في الحلال يؤدِّي إلى الحرام. ولئن سألتني عن وضعنا الآن أقول لك كلنا مُسرفون، وأنا أتحدى ألا يكون كل واحد - إلا من رحم الله - لا يكون مسرفاً، انظر طعامك فأنت تسرف في طعامك وشرابك ومؤونتك وتخزينك وتريد أن تملأ ما لديك من فوارغ بالطعام والشراب واللباس، وأصبح الولد الصغير المُربَّى على الإسراف لا على مجانبة الإسراف يستهتر بالقليل من الطعام والشراب واللباس، يرفض أن يلبس هذا أو ذاك وأنت من علمته لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحال والقال.

سادساً: نطعمهم الحلال الخالص. انتبهوا يا هؤلاء. نطعمهم ونوجِّههم إلى أكل الحلال.

سابعاً: نؤكِّد لهم ضرورة أن يكون لهم أسوة وقدوة. اسأل ولدك: من أسوتك وقدوتك يا ولدي ؟ - ومن فمك أدينك - سيقول لك من دون تفكير رسول الله. إذن ما دام قال لك بأن أسوته رسول الله فأدنه من حيث اعترافه وقل له: إذا كان رسول الله أسوتك وقد فعلت البارحة فعلة فهل هذه الفعلة تصبُّ في ذلك يا بني ؟ قل له هذا، بيِّن له أن الوطن أمانة، فالتربية الوطنية ضعيفة، بين لهم أن الاستهتار بالوطن استهتار بالإنسان بالقيم بالأخلاق، الاستهتار بالوطن جريمة، رمي الأوساخ في الطريق ينقص الإيمان، ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري: (الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) ؟ بيِّن لهم أن الوطن أمانة وأن حمايته من كل مفسد وظالم وطاغٍ وباغٍ واجب، وأن رعايته ليكون وطناً حضارياً مطوراً متطوراً واجب، نريد لوطننا كما قلت لكم منذ أسابيع مضت إن سألني إنسان عن أثري وأثر ديني فسأقدم له الوطن، وهل يصلح الوطن اليوم من أجل أن يقدَّم على أنه يمثّل الإسلام والشهامة والنظافة والعفة والكرامة والحب وإرادة الخير والتعاون على البر والتقوى ؟ لا، ورب الكعبة، حتى مساجد الوطن.

تاسعاً: نمارس أمامهم الآداب والأذكار المسلمة. علِّم ولدك من خلال ممارسة الأذكار والآداب، إن عطس ولدك فشمِّته، قل له يرحمك الله، ولا تستصغر هذه المفردة الأخلاقية لأن هذه تجرُّ ما بعدها وإن تركها يجرُّ ما بعدها، إن شرب ولدك فقل له هنيئاً، إن مرض ولدك فقل له: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك. إن خرجت مع ولدك من البيت فقل بصوتٍ مرتفع حتى يسمع: اللهم إني أعوذ بك أن أَذلّ أو أُذل، او أَضلّ أو أُضل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يُجهل علي.

عاشراً: شجِّعه على العلم والمعرفة النافعة، واغرس فيه إرادة الخير للآخرين. نحن أمة وصف الله رسولنا الذي نتبعه وأسوتنا، بماذا وصفه ربه ؟ ألم يقل ربه عنه: وما أرسلناك إلا عذاباً للعالمين ! أهكذا قال الله وما أرسلناك إلا عنتاً للعالمين ؟! وما أرسلناك إلا مشقَّة للعالمين - حاشاك سيدي رسول الله - قال عنه ربه: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، (إنما أنا رحمة مهداة) هكذا قال سيدي رسول الله، فهل أنت تابعٌ للرحمة للعالمين، أين الرحمة في داخلك ؟

أخيراً: بر الوالدين من المعروفات الأعظم، وعقوق الوالدين من المنكرات الأفظع، برُّ الوالدين أسُّ الفضائل وعقوق الوالدين أسُّ الضلال، من لم يكن باراً بوالديه فلا خير فيه وإن صام وإن صلَّى، من لم يكن باراً بوالديه لن يكون باراً بالوطن، من كان عاقاً لوالديه فسيكون عاقاً لربه وعاقاً لوطنه وعاقاً لأخلاقه.

هذه هي البنود، بنَّدتها وحدَّدتُها لأن المبند والمحدد هو الذي يقبل التطبيق، احفظوها إن كنتم قد حفظتموها وإلا فستسمعونها من خلال شريط أو من خلال الموقع، وآمل أن يكون المنبر هذا مكان تواصٍ على الصبر والطاعة والبر والتقوى والحق والعدل والوفاء لا أن يكون مكاناً من أجل الاستغلال لمطامع أو لمنافع أو لمصالح.

يا رب أسألك بحق أسمائك الحسنى أن تجعلنا على مستوى هذه المنابر منابر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم منابر الصدِّيقين، منابر الصحابة الكرام الأجلاء، منابر أولئك الذين كانوا يسعون لإرضاء الدَّيَّان وبناء الإنسان وخدمة الأوطان، استجب لنا يا ربنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 18/5/2012

التعليقات

شاركنا بتعليق