آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


تعـــليقـــــات

   
الشعب الفرنسي: السَّلامُ على مَنْ عَقَلَ ووعى

الشعب الفرنسي: السَّلامُ على مَنْ عَقَلَ ووعى

تاريخ الإضافة: 2020/11/12 | عدد المشاهدات: 938

 

تعالوا اليوم إلى حِوارٍ موضوعُه الإسلام وحقيقته، وما أظنُّكم تجهلونَه، ولكنْ – ومن باب فإنَّ الذكرى تنفع – أُذكِّركم بملامح عامَّة لهذا الدين الحنيف:

وأول مَلمَحٍ فيه: أنَّ رسوله (محمَّداً صلى الله عليه وسلم) ما أُرسل إلا رَحمةً للعالمين: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) كما جاء في القرآن الكريم، وهو نفسه مَن قال عن نفسه: "إنما أنا رحمة مهداة".

والملمَح الثاني: أنَّ سُورَ القرآن الكريم، والتي تُعَدُّ (114) أربعَ عشرة ومئة سورةً تبتدئ كل واحدةٍ فيها بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم) وزيادةً على ذلك فإنَّ هذه الآية (البسملة) دُعينا إلى ذكرها وتلاوتها في مُستهلِّ كلِّ عملٍ وقول ليكون هذا مُصطبغاً بالرَّحمة منَّا لكلِّ ما حولنا ولكلِّ مَنْ حولنا.

والملمَح الثالث: ما رُفِضَ العنف والقسوة والشدَّة والعسر في دينٍ أو مبدأ كما رُفض في هذا الدين الحنيف، والأمثلة على ذلك في القرآن الكريم والحديث الشريف تُعجِز العدَّ والحصر، ومنها: قوله تعالى في القرآن الكريم: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وقوله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين)،  وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الرِّفق خيرٌ كله" وقوله: "ما كان الرفقُ في شيءٍ إلا زانه وما رُفع من شيء إلا شانه"، وقوله: "الرَّاحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء"... وهكذا.

والملمح الرابع: يا أيها الشَّعبُ السَّاعي إلى المعرفة الصَّادقة الصَّحيحة الواعية: تكريمُ الدِّين الحنيف للإنسان بل وتقديسه وحُرمة دمه وتعظيم عرضه: "فالمسلم مَن سَلِمَ النَّاسُ من لسانه ويده" كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وثمَّة أحاديث في هذا الشَّأن تفوقُ من حيث الكمِّ ووضوح المضمون ما ورد في مختلف كتب التربية والتوجيه في سائر اللغات والمذاهب والأديان.

أيها الشعب الفرنسي المنتمي إلى ثورةٍ فرنسيةٍ قامت على الدَّعوة إلى الحريَّة والعدالة والمؤاخاة، والمتعايش مع ملايين المسلمين الفرنسيين من أصولٍ فرنسية وغير فرنسية وجُلُّ هؤلاء صوفيُّون شفَّافون أهل لطفٍ ورحمةٍ وذوق وعرفان، وكلِّي اعتقاد أنكم أو بعضكم عرَفَهُم عن كثَبٍ وصاحبَهم وساكنهم، فما حكمكم عليهم ؟! وإنهم – والله – لآلفون مألفون.

أيها الشعب الفرنسي الباحث عن الحقائق: إن حكوماتكم وأحزابكم الحاكمة السياسية الحالية والسابقة القريبة هي التي بادرت بالاعتداءِ والعنف وتصدير الإرهاب إلينا – ولا سيما سورية العروبة والإسلام – فما الذي عملناه وارتكبناه حتى يقومَ سفيرُكم لدينا بدعم الإرهاب والقَتَلة ويذهب من بلدٍ إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة وهو يحرِّض أهلَ العنف ليزدادوا عنفاً، وما أظنُّ ذلك خافياً على مَن ابتغى الاطلاع بصدقٍ وإخلاص، ومع سفيركم اشتغلَ السَّفير البريطاني والسَّفير الأمريكي وسائر السُّفراء الذين يدورون في فلك (الثَّور الأمريكي) الهائج، أعني (الحكومات). أرأيتُم يا هؤلاء إلى هذا الذي طُعِنَ وقُتِلَ في دياركم كيفَ أقلقكم وأقلقَ فرنسا العظيمة بأسرِها، فما ظنُّكم وقد أرسلتم وأعدَدتم وأَعَنتُم آلافاً مثل هذا ليطعنوا الأبرياء في بلدنا ويهدموا ويُخرِّبوا، فلم يُبقوا مسجداً ولا آبدةً ولا كنيسة إلا كادوا لها كيداً فظيعاً. أيها الشعب الفرنسي: نحن معكم من أجل تعميق الإنسانية لدى الإنسان في هذه الكُرة التي تضمُّنا جميعاً، والإنسانية عندنا احترامُ آخرٍ وتقديره وصيانة دمه وعرضه، وتكريمه بل – وكما قلنا – وتقديسه.

أخيراً: هيَّا إلى وسائل إعلامكم المأجورة، وادعوها إلى الأمانة والصدق والوفاء، وإلى حكومتكم واطلبوا منها الرويَّة وتحقيقِ العدالة والإقلاع عن إعانة أهل العنف والإرهاب سواء أكانوا دولاً أو منظمات أو مجموعات أو أحزاباً أو أفراداً. وإلى فنَّانيكم وأهل اليمين المتطرِّف لديكم: طالبوهم بتجلية وإظهار المحبة التي وُسمَت بها المسيحية، ودعم الحرية النظيفة التي عُرِفَت بها ثورتكم ورؤساؤكم الأسبقون. واعلموا علم اليقين أنكم لدينا محتَرمون، وأن من أساء منكم إلينا حُكمُه لدينا: (ولا تزرُ وازرة وزر أخرى) كما قال القرآن الكريم، وإلى الله العلي العظيم نَكِلُ أمره، وإنْ كنا نأملُ له الرشد والهداية قبلاً وبعداً، واللهمَّ أنت السَّلام ومنك السَّلام تباركتَ وتعاليتَ لك الحمد يا ذا الجلال والإكرام.

حلب

12/11/2020

الدكتور الشيخ محمود عكام

                                                                                                                                                مفتي حلب

التعليقات

شاركنا بتعليق