أما بعد ، أيها الاخوة
المؤمنون :
يسعى الإنسان في حياته من أجل أن تتكامل صفات الخير فيه . فمن منا لا يرغب أن
يُذكر في حياته وبعد مماته بذكر الخير ؟ ومن منا لا يحب أن يوصف أيضاً في حياته
وبعد مماته بصفات الفضيلة والخير وسواها مما يناسبها ويوافقها ؟ وإذ أطرح
سؤالاً على نفسي وعليكم أقول فيه : ما الصفات التي تريدون أن تتصفوا بها
وتُذكروا بها ؟ ما الصفات التي تسعون لأن تتحلوا بها لتذكروا على ألسنة
المؤمنين بها في حياتكم وبعد مماتكم ؟
سأطرح احتمالات وأنتم إما أن توافقوني بعد أن أحدد هذه الصفات وإما أن لا
توافقوني .
أيها الإخوة : هل تريد أن توصف بالغنى المادي في حياتك وبعد مماتك ؟ وبعبارة
أخري هل تسعى من أجل أن توصف بالغني حينما يذكر اسمك ؟ هل هذه الصفة هي ضمن خط
السعي في خط التكامل لديك ؟ هل تريد أن يُقال عنك في حياتك : فلان غني أو بعد
وفاتك لقد كان فلان غنياً ؟ هذا احتمال . هل تريد أن توصف في حياتك بأنك صاحب
منصب كبير ؟ هل تريد أن توصف بهذا في حياتك وبعد مماتك ؟
كل هذا الذي قلت مقدمة متواضعة جداً بين يدي حديث شريف قاله النبي صلى الله
عليه وعلى آله كما يروي الإمام أحمد في مسنده ، أليس النبي هو المعلم الأول ؟
أليس النبي عليه وآله الصلاة والسلام هو الموجه الأول ؟ إذا كان الأمر كذلك
فاسمع الصفات التي يجب أن تسعى لأن تتحلى بها ولتُذكر بها في حياتك وبعد وفاتك
، يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي الإمام أحمد في مسنده أربع : " إذا
كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا " - تكفيك هذه الأربع - " حفظ أمانة وصدق
حديث وعفة في طعمة وحسن خليقة " . اللهم اجعلنا من اؤلئك الذين يتصفون بهذه
الصفات وبعد ذلك يا دنيا غري غيرنا .
وها أنا أشرح هذه الصفات الأربع :
حفظ أمانة : ولعلك إن سألتني عن أهم أمانة أقول لك : أهم أمانة هي التكليف ،
تكليف الله لك هو الأمانة ألارقى التكليف أمانة فحافظ على التكليف . حافظ على
الائتمار بأمر الله والانتهاء عن نهيه ، فهذه أعظم الأمانة أليس الله قد قال :
( انا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها
وحملها الإنسان ) ما هي الأمانة ؟ الأمانة هي التكليف . احفظ التكليف . هل تحفظ
تكليف ربك إياك ؟ هل تصلي وتصوم هل تزكي وتأتمر بشريعة الله في بيعك وشرائك ؟
في جهادك وحركتك وسكونك ومنامك وزواجك وتربيتك أولادك ؟ التكليف جاء من الله
لكل شؤون الحياة : اعمل هذا واترك ذاك . حفظ أمانة هي حفظ التكليف ( فأما من
أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) من قام بالتكليف خير قيام ( فأما من
أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى
فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى إنَّ علينا للهدى وإن لنا للآخرة
والأولى فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الاشقى ) الذي لم يحفظ الأمانة
والذي لم يحفظ التكليف ( وسيُجنَّبها الأتقى ) الذي حافظ على التكليف ( ولسوف
يرضى ) ولسوف ترضى أيها الإنسان الذي قمت بحفظ الأمانة بالتكليف . أعود فأقول
حفظ أمانة .
وصدق حديث : ألا تريد أن تتصف بصدق الحديث في حياتك وأن تُذكر بعد وفاتك بأنك
كنت صادق الحديث ؟ يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في صحيح الإمام مسلم
: " اصدقوا إذا حدثتم " إن كنت ناقلاً فالصحة تحرَّ الصدق : " ولا يزال المؤمن
يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً " اصدقوا إذا حدثتم ، أخرجوا من
أفواهكم على ألسنتكم حديثاً صادقاً : " إياكم والكذب " ( إنما يفتري الكذب على
الله الذين لا يؤمنون ) .
الصفة الثالثة حسن خليقة : أُلخِّص حسن الخلق بحديث آخر عن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لأجعله متطلعاً بالنسبة لك فاختبر حُسن أخلاقك . كيف ؟ هاهو النبي
عليه ألف صلاة وسلام يقول كما جاء في صحيح الإمام مسلم : " صِل من قطعك " أتريد
أن تنظر إلى نفسك فيما إذا كنت حسن الخلق أو لا ؟ إذا وصلت من قطعك " صِل من
قطعك ، واعف عمَّن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك " . هذه هي القمة ، هذه هي
الدرجات العلا في الأخلاق إذا وصلت إلى هذا فأنت حسن الخلق بلا شك .
الصفة الرابعة عفة في طعمة : من أين تأكل ، من أين تشرب ، من أين تلبس ؟ أَمِن
مصدر حلال ؟ إذاً طوبى لك وإذا كان من مصدر آخر فالويل لمن أخذ مالاً فأكل أو
شرب أو لبس من مصدر حرام . قلت لكم مرة ايها الإخوة : قرأت في حياة الصحابة أن
سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه جاءه غلامه وقد أُعتق هذا الغلام ، فقدَّم
هذا الغلام لأبي بكر الصديق طعاماً فأكله أبو بكر ، ثم سأله يا غلام من أين لك
هذا ؟ قال يا خليفة رسول الله إنما هو أجر كهانة تكهنت بها في الجاهلية .
والكهانة حرام وإتيان الكاهن حرام وإتيان الساحر حرام وإتيان المشعوذين هنا
وهناك حرام . تكهنت قلت لفلان من الناس كهانه فأعطاني أجراً وهذا العمل حرام .
أمِن الكهانة كان هذا الطعام ؟ قال نعم يا خليفة رسول الله . فوضع سيدنا الصديق
رضي الله عنه إصبعه في فيه وقاء وأخرج كل الطعام من معدته وقال : اللهم أني
أعوذ بك مما خالط الأمعاء وبلَّ العروق . لا تؤاخذني يا رب من هذا الذي بقي من
الطعام لأن الطعام من مصدر حرام .
يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي الطبراني : " طوبى لمن طاب كسبه " - هل
كسبك طيب - " وصلحت سريرته ، وكَرُمت علانيته ، وعزل عن الناس شره " طوبى له .
ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما في الطبراني أيضاً بسند صحيح : " طوبى لمن
عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله " كم نثرثر ؟! كم نتكلم ؟!
لا نمسك الفضل من قولنا ونمسك الفضل من أموالنا على عكس ما أمرنا به .
أيها الاخوة : عِفةٌ في طعمه خلاصتها أن عفة في طعمة هي أساس حفظ الأمانة فإذا
لم يكن الإنسان عفيفاً في طعامه ، صاحب كسب طيب فلا يمكن أن يحفظ الأمانة ولا
يمكن أن يصدق الحديث ولا يمكن أن يكون حسن الخلق ولا يمكن أن يكون رجلاً ولا
يمكن أن يُكوِّن بناءً ولا يمكن أن يكون مجاهداً . اسمحوا لي إن قلت إن الغرب
تفوق علينا ولا تستغربوا هذا ولذلك تماسكوا إن قلت لكم من أصدق حديثاً نحن أم
الغرب ؟ وإن أردتم مثالاً - ولست في هذا سياسياً - من منكم يصدّق وسيلة الإعلام
الغربية أقلَّ مما يصدق وسيلة الأعلام العربية ؟! بغض النظر كلنا نعتقد أن كل
ما نسمعه من أخبار الغرب ، من أخبار تخرج من وسائل أخبار غربية هي أصدق من
أخبار تخرج عن وسائلنا - صدق حديث ، حفظ أمانة - تكليفهم حافظوا عليه ، لا
تلمهم - بغض النظر عن مصدر الأمانة - فقد حافظوا على الأمانة . يقولون إن
ضميرهم يوجب عليهم النظافة . نقول إن ديننا يوجب علينا النظافة وإن ربنا يأمرنا
بالنظافة فلا نتنظف . يقولون إن ضميرهم يملي عليهم أن يحترم الإنسان الإنسان
إلى حدٍ ما يحترمون الإنسان . نحن نقول إن الله أمرنا أن نكون إخوة فيما بيننا
، ولكن هذه الاخوة خدشناها وخرقناها ولا حاجة لي أن أكرر ما قلت يوم قلت سل عن
الأخوة المريضة التي هي بيننا فقد كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة . أين اخوتنا أين
احترامنا بعضنا ؟ إني لأسمع سُباباً وشتماً من هذا على هذا ، ومن شيخٍ على شيخ
، ومن مسؤولٍ على مسؤول . أيجوز هذا ؟؟ إنني إذ أحدد هذه الصفات فليس من جُعبتي
وإنما هي من جعبة عظيمة يملك غيرها كثيراً حبيب الحق العظيم الرجل الأول في
الكون محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام . فإلى متى أيها الاخوة ؟ لن نستطيع
الانتصار إلا إذا واجهنا أنفسنا وانتصرنا على أنفسنا الأمارة بالسوء بعد ذلك
ننتصر . أيها الاخوة لا تؤاخذوني فلست أريد أن أحبط أو أن أثبِّط ، ولكنني أريد
أن أواجه نفسي ، وأن أواجه إخواني . من لم يواجهك بحقيقتك جعل من حقيقتك عدواً
لك . هذا هو واقع نعيشه فيا اخوتي اذكروا ما بدأت به .
" أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة ، وصدق حديث ، وحسن
خليقة ، وعفة في طعمة " نفذوا هذا في حياتكم صباح مساء ، والضامن هو الله .
أقول عند ذلك سوف ننتصر وعند ذلك ترتفع أسهمنا في الدنيا وفي الآخرة لأننا لا
نطلب دنيا فقط ، وانما نطلب دنيا ناجحة وأخرى فالحة . فيا أمتي إلى هذه الصفات
فلنضعها أمام أعيننا . أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير ، وأن يعصمنا من
كل شر .
نِعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول واستغفر الله .
التعليقات