آخر تحديث: السبت 09 تشرين الثاني 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
ملامح الشباب المسلم

ملامح الشباب المسلم

تاريخ الإضافة: 2005/02/25 | عدد المشاهدات: 4683

أما بعد ، أيها الأخوة المؤمنون :
تُغبَطُ مجتمعاتنا لوفرة الشباب فيها ، والغِبطة إرادة ما عليك من خير لي مع بقاء هذا الخير عليك ، لذلك قلت تغبط مجتمعاتنا لوفرة شبابها من قبل الأصدقاء ، وتُحسَدُ مجتمعاتنا لوفرة شبابنا من قبل الأعداء ، فشبابنا - والحمد لله - في العالم الإسلامي والعربي وفير ، وكما يُسمونه الرأسمال البشري ، والمجتمعات الغربية - أيها الإخوة - تشكو من قلة شبابٍ فيها وبين عدد سكانها ، لكنني وأنا أتكلم على عدد كبير في شبابنا والحمد لله أريد أن أقول لهؤلاء الشباب ، وأن أحدد لهم معالم شبابهم أريد أن أسأل لأجيب :
هل تعرف أيها الشاب ذكراً كنت أو أنثى سِمَة الشباب في الإسلام ؟ بعبارة أخرى : لو أننا تحدثنا عن الشباب مصطلحاً إسلامياً وحقيقة شرعية فما ملامح هذه الكلمة من خلال ما يمكن أن يتعرف الإنسان عليه عَبْرَ النصوص التي وردت في القرآن الكريم وفي السنة الشريفة وفي أقوال أولئك الذين ألحقهم الله بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين . بكل اختصار :
الشباب - كما أرى وحسب الدلالات الإسلامية - ستة أمور ، ستة أوصاف :
الوصف الأول : إيمان بالله راسخ : أتريد أن تتعرف على نفسك أيها الشاب فيما إذا كنت شاباً يعترف بك الإسلام أم لا ؟ إذاً : حاول أن تُعايِر نفسك على هذا الذي سنذكر ، إيمانٌ بالله راسخ ، إيمانٌ بالله قوي ، هذا الإيمان بالله يفرز عندك قناعاتٍ تَدفعك للخير ، تدفعك من أجل أن تتحقق بسائر الصفات الأخرى التي سنذكرها ، ولتعلم علم اليقين - أيها الشاب - أن نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يُفَسِّر لك هذا الإيمان بكلماتٍ من خلال حديث لَطَالما ذكرناه ، ولطالما رددناه في مواقف مختلفة ، هذا الحديث الذي غدا مشهوراً معروفاً ، جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لابن عباس وقد أردَفَه خلفه - أي جعله خلفه - : " يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تُجاهك " فكر - أيها الأخ الشاب - في هذه الكلمات ، في ذلك التفصيل الذي يأتي على تفصيل شرحِ ما أجملنا عندما قلنا الإيمان الراسخ " احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجَفَّت الصحف " وفي رواية وهكذا تعلمنا يوم أن كنا في المراحل الأولى من الدراسة في رواية أخرى : " واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً " إيمان راسخ هو الصفة الأولى للشباب وإن شئت قل عنه المَلمَح الأول للشباب .
الصفة الثانية بعد الإيمان الراسخ إخلاص يُفرزه الإيمان : إخلاص لا يعرف المُرَاءاة ولا المُصانعة :
  ﴿ وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين البينة : 5 مَن تبتغي بعملك أيها الشاب ؟ ابتغِ وجه ربك ، قل : " إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي " وارفع من داخلك كل ما سوى ومن سوى الله ، ارفع من داخلك إلا الله ، اجعل في داخلك ربك ، وقل بينك وبين نفسك : اللهم إياك أعبد وإياك أستعين ، وتذكر حديث النبي عليه وآله الصلاة والسلام إذ يقول كما جاء في سنن البيهقي : " المخلصون أولئك مصابيح الهدى ، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء " من كان مع الله كان الله معه ، ومن ابتغى بعمله ، بحركته ، غير الله لاشك في أن الله سيتخلى عنه ، نسوا الله فنسيهم ، الإخلاص صفة ثانية للشباب ، لا يعرف المصانعة ولا المراءاة : " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
الصفة الثالثة : عمل دؤوب : إذا أردت أن تبرهن لنفسك على أنك شاب فانظر عملك هل أنت كسول ، وإذا كان الأمر كذلك فلستَ بشابٍ في عُرفِ إسلامنا ، الشباب عمل مستمر دؤوب لا ينقطع :
﴿ فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب الشرح : 7 - 8 لا تترك فَجَواتٍ في عملك ، بل تابع العمل وحاول أن يكون عملك مستمراً غير منقطع ، وإذا قامت القيامة عليك وبيدك فَسِيلة - زرعة أو نبته - فاغرسها ، ولا تقل جاءت القيامة فما يُجدِي العمل ، لا تقل هذا . إني لأذكر يوم وقف عُقبة ابن نافع على حافة بحر الظلمات وهو ما يسمى اليوم بالمحيط الأطلسي وقف هذا الفاتح المسلم يتابع عَمَله ويتابع جهاده فقال وهو على حافة هذا البحر الكبير : والله لو علمت أن خلفك - وهو يخاطب البحر - لو علمت بلاداً خلفك لخضك - لسرت - فيك ، اللهم يا رب محمد فاشهد على ذلك . إلى الذين لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل الآخرون نقدم كلامنا هذا كما ذكر أحد الكتّاب في عصرنا الراهن ، لا نريد لشبابنا أن لا يعملوا إنما نريد لشبابنا عملاً دؤوباً حيث هم ، إن كنت موظفاً فاعمل وأتقن العمل - وإذا أطلقنا العمل عن أن نصفه بالمتقن فلأن الأمر مفروغ منه - إذا كنت موظفاً فاعمل متقناً عملك ، وإذا كنت طالباً فاعمل متقناً دراستك ، وإذا كنت حاكماً فاعمل متقناً حكومتك ومتقناً حُكمَك ، وإذا كنت قاضياً وزيراً أو أميراً ، حيثما كنت ، واستمر ، وإياك والكسل فقد استعاذ سيدنا رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام من الكسل والعَجز والبُخل : " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكَسل ، ومن الجُبن والبُخل ، ومن غَلَبة الدَّين وقهر الرجال " هيا فاعمل .
الصفة الرابعة : الشجاعة : وهي في عملك ، الشجاعة في إيمانك ، والشجاعة في إخلاصك ، والشجاعة في علمك ، والشجاعة في أن تُظهِر الحق الذي سُكِبَ فيك ، كن شجاعاً لأن الحديث الذي ذكرناه يُفرِز شجاعة فيك : " واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك " فعلامَ الجُبن وسيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعاذَ من الجُبن ، هيا أيها الشاب فكن شجاعاً ضمن تلك الأطر التي ذكرناها .
قرأت عن قتيبة الباهلي قال له أحدهم : لقد أوغلت في بلاد الصين والحوادث بين أجنحة الدهر تُقبِل وتُدبر ، بمعنى كيف كان لك ذلك ؟ فأجابه قتيبة : " بثقتي بنصر الله توغلت ، وإذا انقضت المدة لم تنفع العدة " فقال له : اسلك سبيلك يا قتيبة فهذا عزمٌ لا يَفُلُّه إلا الله . و في حادثة أخرى لما جاء عبد الله بن الزبير ، وَلد الزبير بن العوام ، ووَلد السيدة أسماء بن أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها قالت له أمه وهو يودعها للقاء ظَلَمة : يا بني ، إياك أن تعطي خصلة من دينك مخافة أن تقتل . فقال لها عبد الله : يا أماه ، ما القتلُ أخاف ولكن أخشى الصَّلب . أَن أُصلَبَ بعد إذ أقتل . فقالت له أسماء رضي الله عنها : أي بني إن الشاة إذا ذُبِحت لا يضيرها السلخ . فمضى عبد الله وهو يقول :

أسماء إن قتلت لا تبكيني           لم يبقَ إلا جنتي وديني
وصارمٌ لانت به يميني

الصفة الخامسة : وعاير نفسك أيها الشاب وليس ثَمَّة مانع من أن يكون الشيخ شاباً ، فالشباب ليسَ مرحلة عُمرية فحسب ، وإنما هو صفات ، والصفات التي نذكرها .
إذا الصفة الخامسة علمٌ متنامٍ ولطالما أكدنا على ذلك ، هل أنت تعلمت اليومَ ما كنت تجهله بالأمس ، وهل تعلمت بالأمس ما كنت تجهله أول أمس ، وهل في نيتك أن تتعلم غداً ما تجهله اليوم ، وهكذا دواليك ، وعليك أن تزداد علماً يقربك إلى الله ، وعليك أن تكون في ظلال تلك الآية الكريمة التي يُشكل سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بَطَلَها وشَخصَها الأول :
﴿ وقل رب زدني علماً طه : 114 ألا تقول هذا يا أخي ، وإذا كنت تقول هذا فهل أنت تتحقق بزيادة العلم ، عندما تقول ﴿ وقل رب زدني علماً طه : 114 عندما تسمع هذه الآية من ابنك ، من تلميذك ، من زوجك ، من ولدك ، من أي شخص كان تُردِّدها وراءه ومعه تلقائياً لتقول كما قال : ﴿ وقل ربِّ زدني علماً طه : 114 ثم تهز رأسك لتؤكد قناعتك بذلك ، لكن هذه القناعة يجب أن تُتَرجَم إلى واقع ويجب أن تعيش وأن تزداد علماً في كل يوم ، في كل ساعة ، في كل دقيقة ، وليس هنالك أعظم من أن تلقى الله عز وجل وأنت تطلب العلم . حدثني بعض الشيوخ وبالذات أذكر الشيخ الذي حدثني هذا الذي سأحدثكم به وهو الشيخ محمد الملاح رحمه الله كنت في زيارة له وحدثني ومَنْ معي عن العلم وعن لذة طلب العلم وعن ضرورة طلب العلم في كل ميادين الحياة قال لي : يا بني سأل تلميذٌ شيخه فقال يا شيخنا هل في الجنة طلب علم ؟ فقال الشيخ نعم يا بني . فقال التلميذ والله يا شيخنا لو لم يكن في الجنة طلب علم لقلت إن نعيمها ناقص . لأن طلب العلم نعيم ، لأن طلب العلم لذة ، لأن طلب العلم شعور بإنسانيتك ، يوم تتعلم تشعر بإنسانيتك ويوم تجهل أعتقد أن الإنسانية تتسلل منك لواذاً ، فهي لا تريد أن تكون في جسد أو في جسم لا يعرف للعلم معنى ولا يتحقق بالعلم والمعرفة والفرق بيننا وبين مخلوقات أخرى نريد أن نباعد بيننا وبينها وأن نتجافى عنها . الفرق بيننا وبين هذه المخلوقات المعرفة وآليات المعرفة العلم . يا شبابنا بالهندسة ، بالطب ، بالفيزياء ، بالشريعة ، بكل شيء ، نريد لشبابنا أن يتعلموا وأن يزدادوا علماً وأن يحرصوا على أن يكونوا أصحاب معرفة وعلم في حياتهم ، وإلا كما تعلمتم وتعلمنا ولطالما كتبنا على الألواح في صفوفنا الابتدائية ذلك البيت المشهور من الشعر :

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها            والجهل يهدم بيوت العز والكرم

فكم من بيوت عز هدمناها لأننا جهلنا ولأننا ما تعلمنا !
الصفة السادسة : وعاير نفسك عليها العناية بالجسم : نريد أجساماً قوية ، نريد رعاية للجسم ، نريد طعاماً لا يؤذي جسمك بل يص

التعليقات

شاركنا بتعليق