آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
توجيهات من النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلم

توجيهات من النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلم

تاريخ الإضافة: 2003/05/02 | عدد المشاهدات: 4137

أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
ها نحن ندخل من حيث الزمن رحاب شهر مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ولعلها فرصة من أجل تدعيم ارتباط بهذا النبي الكريم ، ولعلها فرصة من أجل تقوية العلاقة مع هذا السند العظيم ، ولعلها فرصة من أجل تبين موقف يجب أن يتخذ حيال الحبيب الأعظم عليه وآله الصلاة والسلام . أوليس الله عز وجل قال عن هذا النبي الكريم مخاطباً الأمة والناس جميعاً : ﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ﴾
(التوبة 128) إذا ما سئل الواحد منا هل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رؤوف بنا رحيم ما أظن أن الجواب منا سيغاير وسيجانب ما قرره الله عز وجل في القرآن الكريم ﴿ بالمؤمنين رؤوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ﴾ (التوبة 129) ورحمة النبي ورأفته بنا يتجليان في دعوته إيانا ، في أحاديثه نحونا ، في نصحه لنا ، لذلك قلت – وأنا منذ فترة غير قصيرة أقرأ كتاب الترهيب والترغيب للمنذري – وأنا أقرأ هذا الكتاب في داخلي تطلعان ، التطلع الأول أريد أن أحثَّ الناس على أن يواظبوا على قراءة حديث رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، على قراءة حديث مَن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، وقلت في نفسي : هذا الرؤوف بنا والرحيم بنا كم نحن مقصرون في التعرف على توجهاته إلينا ، كم نحن مقصرون في التعرف على أحاديثه التي قالها ، وأحاديثه التي قالها تحمل خيراً لا شك في خيريَّته ولا شك في نفعه لنا . التطلع الأول أن أحثكم ونفسي على أن نقرأ ولو في اليوم حديثاً واحداً ، لأنه حديث محبوب وحديث رؤوف بنا وحديث رحيم بنا ، ولأننا بحاجة ماسة ولا سيما في هذا الزمن الصعب إلى منارة نستنير بها ، إلى ظل نأوي إليه ، إلى مربَعٍ نرتع فيه بأمان ، إلى ملاذ نلوذ إليه ، لا سيما وأن هجير الحياة يلفحنا ، فأنا أقرأ هذا الكتاب وهنالك كتب أخرى كثيرة تضم أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في داخلي تطلعان ، الأول حثنا على أن نقرأ ، والتطلع الآخر هو أن أجمع توجيهات هذا النبي العظيم عليه وآله الصلاة والسلام وأن أتشرَّف بنقلها إليكم لا أكثر ولا أقل من دون تعليق أحياناً ، قلت في نفسي عسى أن يكون هذا النقل رسالة مُضَمَّخة بإرادة الخير ، مملوءةً بكل توجُّهات الصدق لبلدي ، لأمتي ، لحاكمي ، لموظفي ، للقاضي الذي في بلدي ، للعسكري ، للطبيب ، للطالب ، للأستاذ ، لأن نبينا عليه أفضل صلاة وأفضل سلام هو رحمة للناس كافة ، رحمة للعالمين ، رحمة لغير المؤمنين ، رحمة للحجر ، للشجر ، للمدر ، فأين توجهنا لنقف في حضرته لنقول له : يا سيد الكائنات ، نحن مستعدون لسماع خطابك ، لسماع ندائك ، لسماع حديثك ، ولا أريد أن أقارنه بغيره ، ولكنني من باب الحث وزيادة التحريض أقول : أَوَلسنا ننتظر خطاباً من رئيس إذا كان هذا الخطاب في زمنٍ صعب ، في ساعة قاسية ، في لحظة حرجة ، أَوَلسنا نتنادى لسماع هذا الخطاب من هذا المسؤول سواء أكان مسؤولاً عربياً مسلماً أم غير ذلك ، أنا لا أقول دعوا هؤلاء ولا تسمعوا لهم ، ولكن أقول : أَوَلا يجدر بنا - كما يقول الأصوليون ومن باب أولى - أن نتنادى لنسمع خطاب النبي الحاضر ، والذي لا يمكن أن يكون غائباً ، الحاضر من خلال قرآن ربه ، الحاضر من خلال كلامه ، الحاضر من خلال رسالته المستمرة ، الحاضر من خلال عطائه ، الحاضر من خلال حبه لنا ولكم . لا تصدقوا أن إنساناً يحبُّكم أكثر من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، لا تصدقوا أن آباؤكم يحبونكم أكثر من محبة رسول الله إياكم ، ولا أمهاتكم ، لذلك اسمحوا لي أن أنقل إليكم ومن دون تعليق توجيهات من هذا النبي لكل صنف من أصناف الناس أو لكل شريحة من شرائح الناس .
أتوجه أولاً إلى الحكام والعلماء باعتبارهم أصحاب السلطة السياسية والدينية ، أتوجه إليهم لأقول : قال عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في البخاري ومسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعيةً فلم يُحِطها بنصحه لم يُرِح رائحة الجنة " ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي أبو نعيم في الحلية والحديث صحيح : " صنفان من الناس " – يا حكام ، يا علماء – " صنفان من الناس إذا صلَحا صلَح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس : العلماء والأمراء " يا طلاب الدنيا باسم الدين ، اسمعوا مقولة لسيدنا الحسين سبط رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام وهذا الخطاب للعلماء والحكام الذين يطلبون الدنيا باسم الدين ، والدين عندهم وسيلة رخيصة للدنيا التي يراد منها الاستعلاء ، يقول سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه : " الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درَّت به معايشهم – الأصل هو المعيشة – فإذا ما مُحِصوا بالابتلاء قلَّ الديانون " أيها المتِّهمون بغير دليل ولا زال الخطاب للعلماء والحكام ، لأنهم هم من يتهمون وهم من يُعلمون الناس الاتهام ، ولو أن العلماء والأمراء ابتعدوا عن هذا لابتعد الناس ، لكن علماءنا للأسف الشديد علَّموا الناس الاتهام وعلموا الناس كيف يتهم بعضهم بعضاً ، والناس تبع للعلماء والحكام بهذا الميدان . قلت لكم على هذا المنبر أن العلماء يُكَفِّرون ، والسياسيين يُخوِّنون ، والاقتصاديين يفقرون ( يجعلونك فقيراً ) " من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حال عليه " رجع عليه هذا الوصف ، والحديث مروي بالبخاري .
ألتفت إلى الشهداء ، أقول لهم : أيها الشهداء ! أيها المقاتلون في سبيل الله ! يقول عليه وآله الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي صححه صاحب الجامع الصغير : " ألا أخبركم برجالكم في الجنة ؟ بلى يا رسول الله . النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والِّصِّديق في الجنة ، والمولود في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الجنة " وكلنا يريد أن يكون في الجنة إذاً فلنكن في عداد هؤلاء ، النبي والشهيد والصديق والمولود والرجل يزور أخاه في ناحية المصر ، في آخر البلد كلهم في الجنة .
أتوجه أيضاً إلى القضاة بشكل عام ، إلى المسؤولين ، إلى أصحاب الحكم ، إلى الحكام من منطلق سياسي والى الحكام من منطلق قانوني ، أقول لهؤلاء : يقول عليه وآله الصلاة والسلام : " لا قُدِّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع " لا قدست أمة لا يستطيع الضعيف أن يأخذ حقه بسهولة وسلامة . أيها القضاة ، أيها الحكام ، أيها المستشارون ، أيها المحامون . يقول أيضاً عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي ابن ماجه : " إن الله مع القاضي ما لم يَجُر " ابتعدوا عن الجور يا قضاة ، يا حكام ، يا مسؤولون ، يا محققون ، ابتعدوا عن الجور " إن الله مع القاضي ما لم يجر ، فإذا جار تخلى عنه الله ولزمه الشيطان " .
أيها الخائفون من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي أحمد والنسائي : " إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنت ظالم ، فقد تُودِّع منها " .
أيها الدعاة المُعَسِّرون : يقول عليه وآله الصلاة والسلام والحديث صحيح في سنن البيهقي : " ألا أخبركم بأقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمنازلهم من الله على منابر من نور . قالوا من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يُحَبِّبون الله إلى عباده ، وعباد الله إلى الله ، ويمشون على الأرض هوناً " .
يا أهل الانتفاضة أَخُصُّكم بحديث أيضاً أنقله عن سيد الكائنات عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في مسند الإمام أحمد : " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك . قالوا : يا رسول الله ! وأين هم ؟ قال : في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس " .
أيها الإخوة : منذ أسبوع تقريباً ألقيت محاضرة في محافظة إدلب ، وقلت للناس : إننا لا نريد إهلاك أحد ، ولا نريد أن نميت أحد ، ورسالتنا رسالة إحياء ، وليست رسالتنا رسالة إماتة ، ونحن لا نبغي لأحد قتلاً ولا لأحد إماتة ، ولكن نريد الحياة للناس . قال لي بعضهم : إذا كان الأمر كذلك فكيف تُبَرر عمل أهل الانتفاضة ؟ هم يقضون على الناس ويميتون الناس . قلت لهم : - والله أعلم - إن إخواننا في فلسطين لم يبادروا إلى قتل الناس ولا إلى إماتتهم ، ولكنهم حوصروا ليقتلوا ، حاصرهم عدو لا حق له في الأرض ، ولا حق له في الوجود على هذه البقعة ، حاصرهم بسلاح مدمر ، حاصرهم بأرقى أنواع الأسلحة تقنياً ، حوصر هذا الشاب ، حوصر بالموت من كل جانب فهبَّ ليختار طريقة للموت ترضي ربه ، وقد نقلت لكم مرة مقولة سيدنا الحسين الذي قال : " هيهات منا الذلة " وأنا قلت في حق سيدنا الحسين : الموت فنٌ كالحياة ، ومن لم يختر الشهادة النبيلة فسيختاره الموت الوضيع . هؤلاء حوصروا فاختاروا الشهادة ، اختاروا أن يموتوا على الطريقة الإسلامية ، ولو أنهم لم يحاصروا لما بادروا إلى الآخرين ليقتلوهم ، لكنهم مُهدَّدون حكماً بالقتل والإبادة إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر ، فهم إنما يعملون هذا الذي يعملون على سبيل الدفاع بشكل مشرِّف :

وإذا لم يكن من الموت بد

فمن العار أن تموت جبانا

هم لا يريدون أن يموتوا جبناء فماتوا شجعاناً واستقبلوا الموت ببسمةٍ إيمانية ، نقول : إن أهل الانتفاضة يدافعون عن أمنهم ، يدافعون عن حياتهم ، والذي يواجههم إنسان شرس ، بل تخلى عن صفة الإنسانية وأراد أن يميتهم في عقر دارهم ، لكن الإنسان بفطرته ، أما وأن الموت قادم فعليَّ أن أختار الهيئة التي تُعبِّر عن إنسانيتي ، الهيئة التي قبلها الإنسان غير المسلم ، الإنسان العربي عندما فكَّر بفطرته فقال : من العار أن تموت جبانا .
يا قدسنا ، أخاطب القدس من خلال كلام النبي عليه وآله الصلاة والسلام ومن خلال كلام صحابته ، يقول عليه وآله الصلاة والسلام عن القدس عندما سئل : وأين هم يا رسول الله ؟ قال : " في بيت القدس وأكناف بيت القدس " . " نِعمَ البيت بيت المقدس ، إيتوه فصلوا فيه ، فمن لم يستطع فليهدِ إليه زيتاً " فليسرج فيه زيتاً ، ويقول الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه : " نعم المسكن بيت المقدس ، القائم فيه كالمجاهد في سبيل الله ، وليأتين على الناس زمان بقول أحدهم : ليتني لبنة في لبنة من لبنات بيت المقدس " .
أيها التجار : يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في الترمذي : " إن التجار يُبعَثون يوم القيامة فُجَّاراً إلا من اتقى الله وبَرَّ وصدق " ويقول عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في سنن البيهقي : " إن أطيب الكسب كسب التجار " ولكن مَنْ هم هؤلاء الذين يُعَدُّ كسبهم أطيب الكسب " إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا ، وإذا اؤتمنوا لم يخونوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا اشتروا لم يذموا ، وإذا باعوا لم يمدحوا ، وإذا كان عليهم – أي دين – لم يُمطِلوا ، وإذا كان لهم دين لم يعسروا " .
أيها الآباء والأمهات أخيراً ، والأساتيذ والمدرسون ، أقول لهم ما قال النبي عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في سنن ابن ماجه : " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم " الأزمة أزمة أدب ، الأزمة أزمة أخلاق ، الأزمة أزمة أمانة ، الأزمة أزمة فضيلة ، الفضيلة بعيدة من ساحاتنا ، سيأتي الصيف ، وسنرى الفساد ، وقد رأيناه في الشتاء كما في الصيف ، الأزمة أزمة فضيلة ، أزمة أمانة ، أزمة خلق ، يا طالباتنا يا طلابنا في الجامعة ، يا طلابنا في المدارس ، يا طلابنا في المعاهد اتقوا الله واستمسكوا بحبل الله وكونوا تلاميذ صادقين في حضرة سيدنا رسول الله ، أناشدكم الله أن تتلقوا كلماتكم وتوجيهاتكم من سيدنا الذي يحبكم ، من سيدنا الذي وصفه ربنا بأنه رؤوف بنا رحيم . يا شبابنا والله لن يفيدنا في دنيانا وفي أخرانا إلا عود حميد لرحاب دين مجيد نطبقه ، لا ندعو إليه في الفراغ ، نطبقه ونحسن التعامل معه ، نجعل منه قانوناً ودستوراً ، وبذلك تتحسن أوضاعنا .
اللهم إني أسألك يا ربنا أن نكون تلاميذ أوفياء لسيد الكائنات عليه وآله الصلاة والسلام الذي طلبت منا أن نتخذه أسوة حسنة ، وإذا اتخذنا سواه أسوة فلن تكون حسنة ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾
(الأحزاب 21) وفي غير رسول الله إن كان مخالفاً لخط رسول الله فالأسوة ليست حسنة . حسبي أن أقول بيتاً طالما رددناه ونحن صغار ، ونردده ونحن كبار على المنبر وفي المسجد وفي المدرسة بيتأ أردده لا أريد أن يكون شعاراً ولكن أريد أن يكون إنتاج عاطفة وعقل ، هذا البيت :

يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي

إنا بغير محمد لا نقتدي

اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ، واجعل المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام أسوتنا وقدوتنا ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق