أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :
منذ زمن غير قليل وفي خلدي موضوع أريد أن أحدثكم عنه ، وأريده أن يكون محل خطبة
وموضوعها.
ما أكثر ما أستفتى بالطلاق وإن قلت لكم لا يمر يوم إلا ويسألني أكثر من ثلاثة
أشخاص عن الطلاق ، وأنهم طلقوا زوجاتهم ، إذا قلت لكم هذا فلست مبالغاً ، بل
على العكس يدفعني الواقع لأن أختزل بدلاً من أن أزيد ، كثرة الطلاق ولا سيما
بين الأزواج حديثي العهد بالزواج ، من مضى عليه شهر ، شهران ، ثلاثة ، سنة ،
دائماً أرى بين هؤلاء الأزواج الحديثي العهد بالزواج كثرة الطلاق فيما بينهم ،
وأكدت هذه المعلومة إذ سألت أكثر من قاضٍ في المحاكم الشرعية فقال لي : فعلاً
أنت تتعرض لأسئلة عن الطلاق ، ونحن نتعرض لدعاوى تتعلق بالطلاق ، ولا يكاد يخلو
يوم من أكثر من عشر حالات طلاق .
لا أريد أن أتحدث عن الأسباب لكنني أنبه إلى قضية أساسية في البداية ، وهي أننا
حين نتحدث عن المجتمع المتماسك نقول المجتمع المتماسك بالأسرة ، والأسرة بالفرد
، إذا صلح الفرد صلحت الأسرة ، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع ، كيف يمكن للأسرة
أن تكون صالحة ؟ كيف يمكن للأسرة أن تصلح وأن تكون على أهبة الاستعداد للصلاح ؟
بكل بساطة : على الزوج أن يعرف واجباته ، وعلى الزوجة أن تعرف واجباتها ، على
الزوج أن يعرف واجباته تجاه زوجته ، وعلى الزوجة أن تعرف واجباتها تجاه زوجها ،
وإذا عرف الإنسان واجباته ـ هذا أولاً ـ لا يكفي لأن تكون هناك أسرة صالحة ولكن
بعد المعرفة على الإنسان من زوج وزوجة أن يراقبا ربهما عز وجل ، وأن يعتقدا أن
الله عز وجل تعبدهما بهذه الواجبات ، فليس الإسلام صلاة وزكاة فحسب ، وإنما
الإسلام مشروع اجتماعي وسياسي واقتصادي ، فأنت أيها الزوج ، وأنت أيتها الزوجة
، لا تظني ، ولا تظن انك إذ تصلي فأنت تؤدي ما عليك من فرائض إسلامية ، وأنت
أيتها الزوجة لا تظني أنك حينما تصلين بأنك أديت كل فرائضك الإسلامية ، وإنما
الأمر متكامل فالصلاة تستلزم معرفة حقوق الآخرين ، كما تحدثنا في الأسبوع
الماضي ، الصلاة تستلزم أن تعرف حق الآخرين ، وهذا يعني أن تعرف واجبك نحو
الآخرين وكذلك بالنسبة للزوج والزوجة .
معرفة الواجبات أمر أول ، مراقبة الله عز وجل ، على أن القيام بهذه الواجبات هو
من العبادة بمكان وهو أمر من الله عز وجل ثانياً ، ثالثاً : على الإنسان أن
يبتدئ ولو بشكل ضعيف أن يبتدئ الممارسة ، ربما إن حدَّثتُ كثيراً من الأزواج
والزوجات عن واجبات كل منهما تجاه الآخر عرف ذلك وتكلم بذلك ، ولكن المعرفة كما
قلت لا تكفي بل عليك أن تتبع المعرفة خوفاً من الله عز وجل ، وسعياً من أجل أن
تجعل الله راضياً عنك وعليك ، أن تتبع هذا كله بممارسه عملية لهذه الواجبات
التي عرفتها ولو بشكل بسيط ، ولكن عليك أن تراقب نفسك ، هل قيامك بواجباتك تجاه
زوجتك ، وهل قيام زوجتك بواجباتها تجاهك يزداد شيئاً فشيئاً في كل يوم ، فإذا
لم تزدد في هذا اليوم في قيامك بواجباتك عن اليوم السابق فأنت مغبون ، وأنت في
تراجع ، وكذلك بالنسبة للمرأة إذا لم تزدد قيامها بواجباتها تجاه زوجها في كل
يوم ، إن لم تتطور تحسناً نحو الممارسة فهي في تراجع ، ولا أريد أن أعدد
الواجبات وأن أكثرها لكنني أقول : ما الواجبات عليك أيها الزوج ؟ وما الواجبات
عليك أيتها الزوجة ؟ هي واجبات ثلاثة أيها الزوج : الأول حسن الخلق ، والثاني
العشرة بالمعروف ، الواجب الثالث الإنفاق بالمعروف ، حسن الخلق ، العشرة
بالمعروف ، الإنفاق بالمعروف ، والله عز وجل قال
: ﴿
وعاشروهن بمعروف ﴾
النساء : 19
والنبي عليه وآله الصلاة والسلام قال كما روى ابن ماجه : " خيركم خيركم لأهله ،
وأنا خيركم لأهلي " ويروى عن النبي عليه وآله الصلاة وقد توجه إلى الرجال فقال
كما جاء في السنن فقال : " ما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم "
فاختر إما أن تكون مع الكرماء وإما أن تكون مع اللؤماء ، ويقول عليه وآله
الصلاة والسلام كما جاء في سنن أبي داوود : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول
" وفي رواية : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " ولئن سألت حياة النبي عليه
وآله الصلاة والسلام أخبرتك على سبيل المثال السيدة عائشة كما جاء في طبقات ابن
سعد " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألين الناس بساماً ضحاكاً مع
زوجته " مع زوجاته ، في بيته ، وروت السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم " كان في بيته يرقع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويكون في خدمة أهله ، ويعمل ما
يعمل الرجال في بيوتهم " ويروي سيدنا أنس كما في صحيح الإمام مسلم : " ما رأيت
أحداً – وأنس خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنوات قال : " ما رأيت أحد
أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أنا لا أريد أن أكثر عليكم من النصوص لكنني أريد أن تتذكروا مواد الواجبات ،
تذكر أيها الزوج أن عليك واجباً تجاه زوجتك ، هذا الواجب هو حسن الخلق ، وإن لم
تكن حسن الخلق فجاهد نفسك واصبر نفسك مع الذين يتمتعون بحسن الخلق ، كلمة طيبة
، بسمة ، عبارة نافعة لينة هينة ، تعامل في البيت رقيق ، إظهار عناية ، التفات
إلى البيت ، التفات إلى الزوجة ، كلمة حب ، عبارة وفاء ، قلها ولو من لسانك ،
فسيساعدك ذلك على أن تخرج الكلمة من قلبك . هذا ما يمكن أن يقال باختصار فيما
يخص واجبات الزوج تجاه زوجته ، ونؤكد حسن الخلق ، العشرة بالمعروف ، الإنفاق
بالمعروف .
وأما واجبات الزوجة تجاه زوجها فهي أيضاً باختصار : طاعة بالمعروف يروي
الطبراني أن امرأة أتت النبي عليه وآله الصلاة والسلام فقالت : يا رسول الله :
الرجال يجاهدون معك ولا جهاد لنا ! فقال – وقد قالت هذه المرأة : أنا وافدة
النساء إليك – الرجال يجاهدون معك ولا جهاد لنا ! فقال : " أبلغي من لقيت من
النساء أن طاعة إحداكن لزوجها يعدل الجهاد في سبيل الله " وأنا لا أريد أن تفهم
الطاعة من قبل الرجل على أنها ديكتاتورية يتمتع بها الرجل ، أو على أنها سلطة
أعطيها الرجل ، هذه السلطة غاشمة غادرة ، فكفانا في بلادنا العربية كفانا أن
الواحد منا أضحى إذا ما ذكرت كلمة سلطة ترتعد فرائصه خوفاً ، كفاك تسلطاً على
زوجتك ، ولا تأخذ الواجب ولا تحوله إلى حق مطلق لك ، لا تقل لزوجتك أطيعيني
بهذه الصيغة وبهذا الشكل ، لا ، إن سوء الفهم لواجبات الآخر ينفر الآخر من
القيام بواجباته ، إن كلمة الطاعة أضحت كلمة يتملَّح بها الرجال مع نسائهم ،
أطيعيني لو كان أحد أُمر أن يسجد لأحد هكذا يقول الرجل المتملح الذي لا يقيم
واجباته يقول لزوجته يتملح بكلام لا يعود إلا بالضرر على بيته ، لو كان أحد أمر
أن يسجد لأحد لأُمرت أن تسجدي لي ، يتكلم عن واجبات غيره وينسى واجباته ، نقول
للمرأة واجباتك أولاً طاعة بالمعروف ، وما أدري من أين أتانا أن المرأة مثلاً
إذا ما طلب منها أمر يتعلق بوالديها عليها أن تطيع زوجها ! ينبغي أن نتحقق في
مثل هذه الأمور وأن نحقق فيها ، لأن الرجل كما قلت لكم يستغل الطاعة هذه سيفاً
مصلتاً على رقبة زوجته ، لا أيها الأخوة ، الطاعة التي وصفناها بالمعروف ، طاعة
بالمعروف الواجب الأول .
الواجب الثاني : الدعم الإيماني من الزوجة لزوجها ، لأن للمرأة تأثير في
الميدان المعنوي ، ولطالما ذكرنا دعم السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها
لسيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حينما عاد وقد نزل عليه الوحي فقال : "
دثروني ، زملوني " قالت له السيدة خديجة – وهذا ما أعنيه بالدعم الإيماني – كلا
والله ، ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَل ، وتعين على نوائب
الحق " ، نريد امرأة مؤمنة تدعم إيمان زوجها ، تصابره على الحياة ، تقول له
اعمل فإني أحبك عاملاً ، اشتغل فإني أحبك نشيطاً ، اعمل وقل الحق ولا تخشَ في
الله لومة لائم ، كن مؤمناَ ، إياك والنفاق ، التعبئة الإيمانية واجب على
المرأة تجاه زوجها ، لأن المرأة - كما قلت لكم - تؤثر في المعنى في زوجها فإذا
ما خرج الرجل من بيته وقد عبأته زوجته إيماناً انطلق لا يلتفت إلى معصية ، يبحث
عن طاعة ، فزوجته قالت له أحبك عبداً لله صادقاً في عبوديتك ، أحبك مؤمناً ،
أحبك بطلاً ، أحبك مجاهداً ، أحبك مقاوماً ، أحبك صالحاً . على النساء – وإن
كنا نعتب اليوم على نسائنا- أن قضية التعبئة الإيمانية أضحت اليوم في خبر كان ،
وأصبحت هذه المرأة لا تلتفت إلى هذه المهمة ، ولا إلى هذا الواجب ، وأين تلك
المرأة التي تشبع زوجها إذ يخرج من البيت كلمات ملؤها الإيمان ، ملؤها المصابرة
، ملؤها الدعوة من أجل أن يكون الرجل مندفعاً في سبيل الله لا يخاف في الله
لومة لائم ، تعلمه بكلماتها القضاء والقدر اللتين يدعوان الإنسان للأيمان ، لقد
قال علماؤنا : إن الإيمان بالقدر يعلم المسلمين الشجاعة ، لكن الإيمان بالقدر
الآن أضحى يعلم المسلمين الخنوع ، وليس العيب بالإيمان بالقدر ، وحاشا ، وإنما
العيب في طريقة تلقينا لهذا الركن الإيماني ، الإيمان بالقدر يعلم الإنسان
الشجاعة " واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك " كن
قويا فالمقدر آت ، وآل بيت رسول الله علمونا ، والصحابة الكرام علمونا أيضاً أن
الإنسان حين يؤمن بالقدر يندفع شجاعاً ، قال الإمام علي كرم الله وجهه :
أي يومين من الموت أفر يوم
لا يقدر أو يوم قدر
يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر
الإيمان بالقدر أضفى عليهم صفة
الشجاعة في سبيل الله ، في سبيل رفعة هذا الدين الحنيف .
الواجب الثالث : الصبر على العيش الضنك ، أو بما يمكن أن نسميه الآن ، أيتها
المرأة رشِّدي المصروف ، ترشيد الاقتصاد ، نريد للمرأة أن تكون مُدَبِّرة ،
لعلكم ترون أن المرأة تحولت من مدبرة إلى مبذرة ، أن المرأة تحولت من امرأة
تقول لزوجها ، أو يجب أن تقول لزوجها : اتق الله وتحرَّ الحلال ، فإنا نصبر على
الجوع في الدنيا ولا نصبر على عذاب الله في الآخرة ، تحولت من امرأة تقول هذا
إلى امرأة تقول : هات من حلال أو من حرام ، أريد أن أكون بطرة ، أريد أن أعيش
كما يعيش الآخرون الأغنياء ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا عن أن
ينظر الرجل إلى من هو أعلى منه فيما يخص الدنيا ، وعلينا أن ننظر إلى من هو
أعلى منا فيما يخص الدين والآخرة ، ترشيد المصروف ، مساعدة الزوج ، اتق الله
هكذا فلتقل المرأة لزوجها ، فإنا صابرون على المصروف مهما كان ، وإياك
والاقتراب من الحرام ، انشط في الحلال ، اشتغل في الحلال .
سألت أكثر من رجل من الذي يدفعك إلى خوض الحرام قال : طلبات زوجتي أو بالعامية
( نَقُّ ) زوجتي وكثرة طلباتها هي التي تدفعني إلى أن أخوض الحرام ، هي التي
تطلب مني أن آتيها بألوان الطعام ، بألوان اللباس ، من أجل أن تحضر الحفلة
الفلانية والحفلة الفلانية ، لقد تفشت - واعذروني إن أشرت إلى أمر محدد متفشٍ
في مجتمعنا - تَفَشَّت قضية الخادمات ، وأصبحت هنالك مكاتب لاستخدام الخادمات ،
وهن وإن سمين خادمات لكنهن كما نرى أضحين رقيقات بكل معنى الكلمة ، رقيقات ،
عاد نظام الرق إلى بلادنا ، كنا نشكو من ذلك في بلاد الخليج ، لكننا تأثرنا
بالإسراف والكلام الفارغ ، هنالك مكاتب لاستخدام الخادمات ، أنا أقول لأخواتي
النساء : أين تعاونكن ؟! لم الخادمة ؟! لأن المرأة لا تريد أن تنام باكراً ،
ولا تريد أن تعمل وهي ممتلئة صحة ، لكنها تريد أن تأكل كثيراً ، وتذهب إلى طبيب
الصحة البدنية ليقدم لها دواءً من أجل التنحيف ، أضحت المرأة تأكل وتسمن وتدفع
ثمن دواء للتنحيف وهكذا ، فهي رهينة جسمها ، وهي رهينة بضعة كيلو غرامات من
اللحم لا أكثر ولا أقل ، تنظر إلى البرامج التي تقدم لها فوائد في شكلها ، في
وجهها ، في كيفية التعامل مع بشرتها ، وبعد ذلك فليكن الطوفان ، أن تنظر إلى
بيتها ، أن تُرَشِّد مصروف زوجها ، أن تلتفت إلى أولادها ، لي صديق قام بدراسة
ميدانية لنسائنا هنا في حلب ، فسأل مائة امرأة من مختلف القطاعات والشرائح ،
سأل مائة امرأة السؤال التالي : هل تراقبين وتشهدين خروج أولادك من البيت إلى
المدرسة في كل يوم ؟ كان الجواب : أن أكثر من ثمانين بالمئة قلن : لا . لأنهن
يرقدن في نوم عميق ، لا يلتفتن إلى الأولاد ، لا ينظرن إلى الأولاد ، لا يبحثن
عن تربية للأولاد ، حتى إن لم يكن لهن أولاد فالعلاقة بين الزوجة والزوج علاقة
شركة باهتة سخيفة ، هو يسعى من أجل أن تكون له شُلَل يسهر معها ، وهي تسعى من
أجل أن تكون لها شلل تسهر معهن وتكون سعيدة معهن ، أما أن يسعد الزوج مع الزوجة
، أو أن تسعد الزوجة مع الزوج ، فذلك أضحى أمراً بعيد المنال . أرأيتم إلى
أسباب الطلاق بشكل غير مباشر ؟! إن أسباب الطلاق هو أن الرجل قصَّر بالقيام
بواجباته ، وأن المرأة كذلك قصرت بواجباتها ، نريد أن نتحدث عن الأسرة وتماسكها
بدءاً من الآن وفي خطب لاحقة ، وأسأل الله عز وجل أن يوفق أسرنا ، زوجاتنا ،
أزواجنا ، للقيام بالواجبات ، ولاتقاء الله عز وجل ، اتقوا الله ، اتقين الله
أيتها الزوجات ، واتقوا الله أيها الأزواج ، أقول هذا القول واستغفر الله .
التعليقات