هذا الكتاب هو
أول جزء من أجزاء سلسلة " سبل النهوض " ، وهو نواة دراسة " إناسية - أنتربولوجية "
تفوق الدراسات الأخرى ، إذ تتجاوز الإنسان إلى علاقاته الأساسية بالله الخالق
المكون، ولا تقتصر على دراسته في بعده الشهودي الواحد ، كما تفعل الدراسات "
الإناسية - الأنتربولوجية " الأخرى ، فليس الإنسان هو الأصل ، وإن كان المرئي ،
وإنما هو التابع للتجليات الذاتية للوجود المطلق الفعال لما يريد ، ولا يخفى علينا
أن موضوع الإنسان إنما هو قضية مهمة جداً ، فالمدنية الحديثة إنما أقامت بناءها
الفكري على نظرية أصالة الإنسان ، أي نظرية تقديس الإنسان التي ظهرت كرد فعل لعلائق
في عصر سابق ، إذ أن المشكلة كانت تكمن في المذاهب القديمة والأديان حطمت شخصية
الإنسان ، وحملته على أن يقدم نفسه قرباناً للآلهة ، كانت تُغري الإنسان بأن يتخلى
عن إرادته في مقابل إرادة الإله ، والظهور بمظهر العاجز ، كانت تدفع الإنسان أن
يتطلع عن طريق الدعاء والتوسل والتضرع لتحقيق ما يصبو إليه من الآلهة .
وجاءت المقدمة لتبين تعريفاً للمتعاطفين : الإسلام والإنسان تميز بالرصانة والمتانة
.
فالإسلام : دين سماوي يمثله القرآن الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم
، وأحاديث هذا النبي العظيم ، وهما معاً يشكلان نصه الأصلي ، هذا النص غطّى كل
الإنسان فكان كاملاً ، وكل الناس فكان تاماً ، فما في الإنسان جانب إلا وله نصيب في
هذا النص من خلال فهوم كامنة فيه واستنباطات محتملة الانبثاق عنه ، يطالها أربابها
وينالها طلابها .
وإن أردنا المقارنة بين هذا التعريف وغيره من التعريفات للإسلام التي في مجملها
تقول : الإسلام هو الدين المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، الشامل
لك جوانب الحياة الذي كتابه القرآن الكريم . ونجد أن التعريفات الأخرى قد أخطأت من
ناحيتين :
أ- الإسلام هو الدين السماوي القديم منذ عهد آدم عليه السلام ، وهو الدين المنزل
على كل الأنبياء والمرسلين ، لكنه اكتمل وانتصر على يد نبينا محمد صلى الله عليه
وآله وسلم : ( وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا
مسلمون ) وسليمان قال : ( وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ) .
ب - قصروا نص الدين الإسلامي على القرآن تعريفاً ، وإن كانوا معترفين بشمولية النص
للقرآن الكريم والحديث الشريف في شروحهم بعد ذلك إقراراً ، فضعفت بسبب هذا ا÷مية
التعريف وفاعليته ، وهذا ما تلافاه مؤلفنا بقوله : " هو دين سماوي يمثله القرآن
الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهما معاً يشكلان نصه الأصلي " ،
ثم أضاف موضوع التمام والكمال في هذا التعريف .
أما تعريف الإنسان فهو : كائن حي موجود بالاضطرار ، متميز عن بقية الكائنات الحية
بآلية المعرفة وقدرة الاختيار ، أُهّل بهذا للتكليف ، فكان الأول في النوع خلقاً
ومكانة من حيث التصنيف . وقد شمل هذا التعريف وجمع بين ماهية الإنسان ومكانته
والغرض من وجوده ، وبين مناط التكليف بقوله : " متميز عن بقية الكائنات الحية بآلية
المعرفة وقدرة الاختيار ، أُهّل بهذا للتكليف " .
ثم تعريف الدين الذي هو عند الدكتور محمود عكام : وفاء إرادي رمزي لدَيْن ثبت في
ذمة المخلوق تجاه الخالق نتيجة الخلق والإيجاد ، وإسباغ ما تميز به على بقية
المخلوقات من صفات .
أما موضوع الكتاب فتتقاسمه ثلاثة بحوث :
الأول : الإنسان كما يصفه الإسلام : فالإنسان يبحث عما يجد فيه وصفه حقيقة ،
والقرآن هو الذي قدّم لك أيها الإنسان وصفك ووظيفتك . فاحديث عن الإنسان جاء : أ -
خَلقاً : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) ، ب- وصفات : وخلق الإنسان ضعيفاً
، ( خلق الإنسان من عجل ) ، وغير ذلك من الصفات : اليأس والغرور والكفر وقدرة
والعلم والمعرفة . ج- ومآلاً : فهو مبعوث مسؤول محاسب : ( أيحسب ألن نجمع عظامه ) ،
( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) ، ثم يستقرئ ذكر الإنسان في الحديث الشريف
فيجده لا يعدو كونه ابن آدم أصلاً ، أودع الفطرة ، وأُهّل للتكليف ، فوصف
بالإنسانية .
الثاني : الإنسان كما يريده الإسلام : فهو يريده إنساناً ، تأهيلاً ، ووصفاً ،
وعبداً تحققاً ووصولاً ، وخليفة وظيفة وسعياً وقياماً ينتج عن إعلان الحاكمية لله
والولاء له .
الثالث : التكليف طريقاً لتحقيق المطلوب : يرسم المؤلف الهدف المنشود بدقة ومتانة
فيبين : أشكال التكليف من أمر ونهي ، حيث النهي لحماية الإنسان من كل ما يعيقه عن
تحقيق هدفه المرتضى ، والأمر رعاية له لتحقيق هدفه ومطلبه المحمود ، فالتكليف بين
حماية ورعاية ينير للإنسان الطريق ، ويأخذ بيده إلى مرفأ الأمان . ويبين محل
التكليف : حيث يحيط التكليف بتصور المكلف وسلوكه ، فمفردات الأمر والنهي التي تتعلق
بالسلوك إنما تُكوِّن الإسلام بالنعنى الأخص أو الشريعة .
خاتمة وثمرات :
- نداء لحماية إنسان الإسلام من شرور نفسه ، ومكائد شيطان الإنس والجن .
- دعوة لنا لنكون واقعيين في دعوتنا إلى إنسان الإسلام ، بعيداً عن مثالية جوفاء
وخزعبلات خرقاء .
التعليقات