آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
الإصلاح مهمتي

الإصلاح مهمتي

تاريخ الإضافة: 2005/03/25 | عدد المشاهدات: 4385

أما بعد ، أيها الأخوة المؤمنون :
شأني شأن أغلبكم أو شأن جميعكم ، أسمع الأخبار وتسمعون الأخبار ، أرى على شاشات التلفاز الأحداث وترون الأحداث ، هذا هو شأننا الظاهر ، ولكننا بطبيعتنا نختلف في تعليقاتنا على ما نسمع وعلى ما نشاهد ، قد نتفق أو يتفق بعضنا في التعليق على ما يرى ويشاهد وعلى ما يسمع ولكن سبحان من فرق العقول بصنعه وأعجز الفحول ، لكلٍ تعليقه ولكلٍ توجهه الذي لا يختلف عن توجه مسلم آخر اختلافاً كلياً لكنه يختلف أحياناً في نوعيةٍ بسيطةٍ أو صغيرة في التعليق ، المهم : وأنا أسمع منذ سنوات وإلى أيامنا هذه إصلاحاتٍ يُراد تحقيقها من قبل دولةٍ عظيمة هي أمريكا ، أسمع هذه الإصلاحات ونرى ادِّعاءات تلك الدولة حول هذه القضية ، تريد الإصلاح وتسعى إليه ، وحسناً ما تُنادي به ، ومَنْ منا لا يريد الإصلاح ! لكننا ونحن نرى هذه المناداة من قبل تلك الدولة يُعلِّق الواحد منا وأنا أعلق بالذات ، وما أدري إن كنتم توافقونني أم لا .
منذ يومين وأنا أرى الأخبار المتعلقة بالدولة العظمى وهي تتحدث عن إصلاحٍ في لبنان وآخر في السودان وقبلَ ذلك في العراق وفي سورية وفي مصر وفي البلاد العربية وفي الشرق الأوسط لتحوِّله إلى شرق أوسط كبير وهكذا .. خطر على بالي قوله تعالى :
﴿ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون البقرة : 11 هكذا خطر ببالي فقلت في نفسي وأنا أقسم بيني وبين نفسي بأن تلك الإدارة تنطبق عليها هذه الآية ، وهو اجتهادٌ فإن كنت مصيباٌ فمن الله ، وإن كنت مخطئاً فمني ومن الشيطان ، قلت في نفسي إن هذه الآية تنطبق على تلك الدولة ، على هذه الإدارة التي تُعلن إرادتها الإصلاح لكنها في حقيقتها مفسدة : ﴿ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون البقرة : 11 وأعتقد أنهم لا يشعرون - هكذا يَتبدى لنا بالنسبة لأؤلئك الذين تحدثت عنهم الآية ، أما بالنسبة للإدارة الأمريكية فإنهم يشعرون ، فهم مُمْعِنون وسادرون في الفساد والإفساد ، وإلا انظروا ومن باب التأكيد على أنهم مفسدون - ونحن نتكلم بهدوءٍ وموضوعية ولا نريد أن نكون شتَّامين ولا سَبَّابين ولا طعَّانين ولا لعَّانين . انظروا ما فعلته في العراق بغضِّ النظر عما يفعله بعضٌ منا وذلك من باب ردّة الفعل لا أكثر ولا أقل ، وانظروا ما نريد أن تفعله اليوم في لبنان ، وانظروا ما فعلته في السودان في فيما يخص دارفور ، وانظروا ما فعلته في أوربا الشرقية ، وانظروا في أمكنةٍ كثيرة يقولون بأنهم مصلحون لكنهم في حقيقتهم مفسدون .
أقول هذا مستدلاً بدليل واحد من حيث الواقع ومن ثم سأُعرِّج على الإصلاح الذي نبتغيه ، وعلى ذكر الفرق بين إصلاحنا وإصلاحهم ، إصلاحنا أعني ذاك الإصلاح الذي نبتغيه ونريده .
البرهان الذي يجعل القضية واضحة تَحيُّزُ هذه الدولة إلى دولة ظالمة واضحة في ظلمها ، جَليَّة في تعسفها وهي إسرائيل ، فأمريكا والإدارة الأمريكية بالنسبة لتصرفات إسرائيل الكيان الغاصب لا تقيم أي حركة إيجابية نحو هذا الكيان المغتصب الغاصب الآثم ، القرارات التي تتعلق بإسرائيل وانسحابها ، وأنا لا أريد أن أحدثكم بالسياسة كما قلت ولكن من باب الإجمال في الأمر ، لأننا لا نستطيع التفصيل إذ لا نملك أدوات التفصيل .
إسرائيل صَدَرت بحقها قراراتٍ كثيرة ولكن أين التنفيذ ؟ وأين متابعة التنفيذ لهذه القرارات من قِبَل أمريكا ؟! بلغة بسيطة نحن نتحدث لا أكثر ولا أقل ، هنالك قرارات تتعلق بهذا الكيان الغاصب من أجل أن يقدم ما عليه تجاه الفلسطينيين ، تجاه لبنان ، تجاه سوريا ... إلخ .
إلا أن هذا الكيان لا ينفذ ولا يقدم ولا يرعوي ، يقوم ببناء المستوطنات ، يقوم ببناء الجدار العازل ، كم من محكمةٍ دولية وإقليمية قالت بأن هذا الجدار غير شرعي ، فماذا فعلت أمريكا ؟ وماذا قالت أمريكا ؟ تكلَّمت أحياناً بلهجة مُستنكرة هذه الفعلة من إسرائيل إلا أن هذه اللهجة لا تكفي ، وإنما هي من باب الاختلاس أو كما يقال الاختلاس الفكري ، ومن باب تغطية الأمر على الناس ، وتظن أمريكا أو الإدارة الأمريكية حصراً بأن الأمر ينطلي على الناس ، ولكن الحقيقة لا تنطلي ولا يمكن تغطية الحقيقة . هذا الذي أردت أن أقوله في مستهل حديثي عن الإصلاح . فلنكن جميعاً متفقين على إرادة الإصلاح . مَن قال لنا بأنه يريد الإصلاح فنحن معه ونحن نريد الإصلاح ، نحن نريد الإصلاح في بلادنا ، نريد من حكوماتنا أن ترفع شِعار الإصلاح ، ونريد من أفرادنا أن يرفعوا شعار الإصلاح ، ونريد من الأمم المتحدة أن ترفع شعار الإصلاح ، ونريد من إخواننا في لبنان أن يرفعوا شعار الإصلاح لا الإفساد ، ونريد من دوائرنا ومؤسساتنا أن يرفعوا شعار الإصلاح ، ولكن ومن منطلق القرآن الكريم نريد أن نتوجه إلى المسلمين أولاً ، إذا كنتم مسلمين فمن أين ستستمدون قواعد الإصلاح ومن أين ستأخذون مناهج الإصلاح المجملة ؟ وهل من غير القرآن يؤخذ منهج الإصلاح ؟! يُؤخَذ منهج الإصلاح من القرآن الكريم لأنني أخاطب المسلمين كما قلت ، وحسبَ قاعدة : ( من فمك أُدينك ) أتوجه إلى المسلمين في أي موقع كانوا ، إلى المسؤولين ، إلى الرئيس ، إلى الحكومة ، إلى الوزراء ، إلى جامعة الدول العربية ، إلى مؤتمر القمة ، يا أيها الناس ، يا أيها المسلمون لا تعدِلوا عن القرآن ، لا تلتفوا عن القرآن ، لا تهجروا القرآن الكريم ، القرآن الكريم كتابٌ من أجل أن يكون خِطَّة إصلاحية مجملة تفصلونها وتفسرونها وتوضحونها بعقلٍ قرآني يدور في فلك القرآن ، ويدور حول شخصية إصلاحية عظيمة أَقَر بذلك العقلاء في كل الدنيا ، هذه الشخصية هي سيدنا وحبيبنا وقرة عيوننا وقائدنا وأسوتنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
لماذا تعدل القِمم العربية والإسلامية عن القرآن ؟ لماذا يعدل الرؤساء المتكلمون في القِمم العربية عن القرآن الكريم ؟ لماذا نعدل نحن في مديرياتنا في وزاراتنا في مؤسساتنا عن القرآن الكريم ؟ أنا لا أريد أيها الأحبة أن نتلوا القرآن الكريم في مديرياتنا ، لا ، لا أقول هذا ولكن أقول ينبغي أن نعلن ما أعلَنه دستورنا ، الدستور السوري يقول في مادةٍ متقدمة منه : ( بأن الفقه الإسلامي مرجعٌ لقوانيننا ) طبعاً الفقه الإسلامي يعود للقرآن – بأن الفقه الإسلامي مرجع أساس من مراجع قوانيننا وأن قوانيننا يجب أن تعود للقرآن الكريم ومن القرآن الكريم وأؤكد على أننا نتحدث عن القرآن دستوراً مُجمَلاً ، ولا أريد أن نأخذ التفاصيل منه ، فالقرآن الكريم ليس كتاب قانون وإنما هو دستور نأخذ منه الثوابت ثم نُفَصِّل على ضوء هذه الثوابت ما يلزمنا في حياتنا حتى لا نخرج عن كتاب ربنا ، فإذا خرجنا عن كتاب ربنا كنا هاجرين لهذا القرآن ، وإذا هجرنا هذا القرآن فسنكون من أولئك الذين قال عنهم ربي جلت قدرته :
﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً طه : 124 وها نحن نعيش عَيْشَ الضَّنك حتى وإن أكلنا الطعام الغربي وأكلنا الدسم وأكلنا اللحم والفواكه ، لكننا نعيش ضنكاً في حياتنا وذلك من خلال دواخلنا التي أضحت مهداً للاضطراب ومهداً للقلق وسَلُوا الصغير والكبير والغني والفقير والمسؤول والضعيف والقوي فالجواب عند الجميع يكاد يكون واحداً ، نحن في قلق ، نحن في أزمة ، نحن في اضطراب ، نحن في وضعٍ لا نُحسَد عليه ، هكذا يقول صغيرنا وكبيرنا ، ولدنا وأبانا وأمنا ، والمسّن فينا والشيخ ... إلخ ، كل أفراد المجتمع يقولون هذا . نقول للإدارة الأمريكية ، ونقول لكل الحكام ، ونقول لكل الجمعيات ولكل المؤسسات ولكل الأحزاب رأينا في الإصلاح يجب أن يخرج من كتاب الله عزوجل لأن شعارنا هو قوله تعالى : ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هود : 88 هذا هو المراد ، ولكن بمن ستستعين فيما يخص الإصلاح ؟ ربي عز وجل قال : ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله هود : 88 أيتها الحكومة ، أيتها الإدارة ، أيتها الشعوب ، أيتها الأحزاب وما توفيقي إلا بالله ، قولوها ليس بألسنتكم فحسب ولكن بواقعكم ، بقلوبكم ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت ، أسمعونا يا قادة ، أسمعونا يا مسؤولون ، أسمعونا يا تجار ، أسمعونا هذه الكلمة منبعثةً من قلوبكم ، فإن كانت كذلك فلن يتخلى عنكم ربكم ، ذلك الرب العظيم الذي لم يتخلَّ عن آدم ولا عن إبراهيم ولا عن موسى ولا عن عيسى ولا عن محمد عليهم صلوات الله وسلاماته أجمعين . قولوا ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هود : 88 قولوا لغيركم مهما كان ومَنْ كان ذاك الغير قولوا له نحن نقول وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، نقول ذلك أيضاً لإخواننا في لبنان ، لإخواننا في سوريا ، لإخواننا في السودان ، لإخواننا في العراق ، لكل هؤلاء نقول هذه الكلمة : وما توفيقي إلا بالله فسنتّحد جميعاً تحت هذا الشعار وتحت هذه الآية : ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هود : 88 وننادي الآخرين ناصحين كما قال ربي عز وجل : ﴿ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها الأعراف : 85 أصلَحها الله وجعلها صالحة من أجل أن نكون عليها متعاونين ندخل في السّلم والأمان ، فالله يقول وينبغي أن نقول : ﴿ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين الأعراف : 85 هذا ما نقوله بعد أن نرفع شعار الإصلاح ، نرفع قوله تعالى :     ﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هود : 88 ونقول للآخرين ولأنفسنا : ﴿ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين الأعراف : 86 .
بعد ذلك يقف المصلح ليعرض منهاج إصلاحه ، وأول صفة لهذا المنهاج الوضوح :
﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة يوسف : 108 نحن ندعو على بصيرة ، أول صفة للمنهاج الإصلاحي المطروح الوضوح : ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني يوسف : 108 هذه أول صفة .
وأما الصفة الثانية الكتب التي نرجع إليها كما قلت لكم أو من أهم الكتب أو أهم كتاب نرجع إليه هو ما كان من عند الله عز وجل ، فربنا قال :
﴿ ألم . الله لا إله إلا هو الحي القيوم . نزَّّل عليك الكتاب بالحق مصدّقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان . إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام آل عمران : 1- 4 المرجع الأهم بالنسبة لخطتنا الإصلاحية ما كان من عند الله ( التوراة والإنجيل والقرآن ) ولئن قال لي مواطن مسيحي وآخر يهودي – وهذا رأيي ولا يُلامُ الإنسان على رأيه وقولوا رأيكم - ولئن قال لي مواطن مسيحي وآخر يهودي : أما أنا فسأرجِعُ إلى الإنجيل والتوراة ولن أرجع إلى القرآن ، أقول له إن منهاجك الإصلاحي غير مقبول لأن الله يريدنا أن نرجع إلى الكتب كلها ، إلى القرآن الذي ثبتت صحة نسبته لله عز وجل ، فإذا لم ترجع إلى القرآن الكريم وقد جَمَع القرآن الكريم – وهذا رأينا – جمع القرآن الكريم كل ما جاء في التوراة والإنجيل اللذين نزلا على موسى وعيسى ، أما الآن فليس التوراة والإنجيل بذينك الكتابين اللذين يصح الاعتماد عليهما على أنهما كتابين أنزلا من عند الله ، لقد خُتِم الأمر بالقرآن الكريم . لذلك يا أيها المسيحيون المواطنون ، ويا أيها اليهود المواطنون إن كان ثَمَّة كذلك ندعوكم إلى خطة إصلاحية مجملها – لا أقول تفاصيلها – مجملها كتاب الله عز وجل الذي هو القرآن ، والقرآن فيه ما كان في التوراة والإنجيل ، على أننا نحاوركم في هذا الكلام ولا نُلزِمكم ، لأننا لا نملك مؤيِّد الإلزام ، هذه محاورة القرآن من عند الله ، وفي القرآن تسجيل لما كان في التوراة والإنجيل بكلماتٍ مختصرة . منهاج الإصلاح ما كان من عند الله عز وجل التوراة والإنجيل والقرآن لا شك في ذلك ولا ريب ، لكن القرآن جمعها كلَّها ، وبالتالي علينا أن نعود للقرآن الكريم ، ولا نريد أن تكون هنالك خلافات تؤثر في النهاية على وحدتنا ولقائنا لأنه بالأمس جاءني شاب - وليس من عادتي أن أحكي ما يحدث ، لكنني أحياناً أستلهم من بعض ما يحدث ما يؤيد فكرتي - جاءني شاب البارحة وبرسالة وضعها في بيتي ومعها كتب وقال لي : سماحة الشيخ الغيور على دين الله هنالك من يُوزع هذه الكتب على باب السينما الفلانية وهي تعرض فيلم آلام المسيح وهذه الكتب قرأت فيها أو قرأتُ بعضها ، أو قرأت بعضاً منها من هذه الكتب فوجدت فيها فعلاً دعوةً صريحة للتبشير بالنصرانية ، قلت هذا من رأيهم ومن حقهم فليدعوا إلى ذلك ، ولكن أيضاً من حقي أنا أن أبيِّن الذي أعتقد فلماذا ، يا أخوة ، لماذا يخجل الواحد منا – لا أقول يستحي – لأن الحياء خيرٌ ، وأما الخجل مذموم ، لماذا يخجل الواحد منا من أن يقدم ما يعتقده في هذه القضية ولا سيما على منبرٍ في جامع كهذا الجامع أو في جامع آخر يشابه الجوامع الأخرى لم أيها الأخوة ؟ نحن نقول الذي نعتقد فهل تريدون منا أن نُخفي في دواخلنا أمراً نعتقده وأن نُظهر على ألسنتنا ما لا نعتقد ، ثم أقول بعد ذلك الوطن يتسع لحوارنا ، يتسع لنداءاتنا بوضوح ، لأنني قلت في البداية : ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني يوسف : 108 هذا الوطن يتسع لحوارٍ واضح ويتسع لدعوات واضحة ولا نريد أن نمرّر دعواتنا خِلسة ، ولا نريد أن نمرّر نداءاتنا خلسة ، نريد أن نكون واضحين ، وأعتقد أن الواضحين وإن كانوا مختلفين فسيلتقوا لقاء أكثر من غير الواضحين وأقوى من غير الواضحين إذا كانوا متفقين ، الوضوح ربح ، والواضح رابح ، وهذا ما نريد أن نقوله .
الصفة الأولى للمنهاج الوضوح ، والمنهاج مَحلَّه كتب ربنا وقد جمعها القرآن الكريم لا شك في ذلك بالنسبة لنا ولا ريب ، لأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الرسل وقد بشرت به الرسل ، بشرّ به موسى وعيسى ، وبشر به إبراهيم وبشّرت به الأنبياء كلها ، والقرآن الكريم خاتم الكتب ، وكما حوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوات كل الأنبياء حوى القرآن الكريم أيضاً دعوات كل الكتب ، واستقرت الإنسانية بفضلِ ربها في النهاية على كتاب واحد هو القرآن ، ونبي واحد هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم الدين
﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء آل عمران : 64 هذا ما قاله القرآن الكريم وهذا ما سَجَّله هذا الكتاب العظيم وهذا ما دعى إليه النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
نحن في دعوتنا للإصلاح – بلا شك – للخطة الإصلاحية نضع أمامنا نماذج ، والنماذج الأهم هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فنحن نقول كما قلت منذ خمسة عشرة عاماً على هذا المنبر ، قلت لإخواننا ، قلت للمواطنين: أيها المواطنون الأعزاء : التاريخ للاختيار ، الرجالات القدوة والأسوة هم الأنبياء لأن ربنا عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم
﴿ واذكر في الكتاب إبراهيم مريم : 41 ﴿ واذكر في الكتاب إسماعيل مريم : 54 ﴿ واذكر في الكتاب موسى مريم : 51 ... الخ فنبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان يتخذ الأنبياء قبله قدوة ، وبالتالي نحن نتخذه وإخوانه الأنبياء قدوة لنا أيضاً فهم عناوين الإصلاح من الرجال من المصلحين ، من بني الإنسان ، هم عناوين الإصلاح . وأعتقد أن أمريكا اليوم أو الإدارة الأمريكية في مناداتها للإصلاح لم تتخذ الأنبياء قدوة لها بل اتخذت – واعذروني إن قلت هذا – ولقد ذكرت هذا منذ سنتين عندما احتلت العراق قلت : لا شك في أن أمريكا تسلك طريق فرعون ولم تسلك طريق موسى ، ولكنني أسائل نفسي فيما إذا كنا نسلك طريق موسى عليه الصلاة والسلام . لا شك إن الإدارة الأمريكية وهي تنادي بالإصلاح لم تتخذ الأنبياء لها قدوة بل واقعها يدلل على أنها اتخذت فرعون والنمرود وأبا جهل وجميع هؤلاء الطغاة اتخذتهم قدوة ، وذلك من خلال ميلها لتكون مع الظالم داعمة ولتكون للمظلوم ظالمة ، وذلك من خلال الواقع نقول لهؤلاء لستم على شيء من اتباع النماذج البشرية الخيّرة الذين هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
محل الإصلاح ومن أجل أن يكون الإصلاح كاملاً ، محل الإصلاح ثلاثة مواطن : الدين ، الدنيا ، الآخرة . وقد جاء في صحيح الإمام مسلم ، وادعوا بهذا أنتم أيها الأخوة ، قولوا في صلواتكم ، لماذا لا نقول ذلك في صلواتنا : " اللهم أصلح لي ديني - هكذا كان يقول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم - كان يقول : " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري " ومن غير دين لن تكون لك عصمة أمر وستكون مفككاً في دواخلك وظاهرك " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي هي معادي " فهل تقول مثل هذا أمريكا حتى نقول بأنها مُصلحة ؟ لا يا إخوتي لا تقول هذا ، هل سمعتم من الإدارة الأمريكية من يقول : اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وهل سمعتم ممن يدور في فَلَكِ هذه الإدارة مثل هذا الكلام ؟! لم نسمع مثل هذا الكلام . مواطن الإصلاح ثلاثة : الدين ، والدنيا ، والآخرة . وهب أنك أصلحت دنياك ودينك على فرض وليس من باب الواقع لأن الواقع لا يمكن أن يكون كذلك – هب أنك أصلحت دينك ودنياك ولم تصلح أخراك وآخرتك ولم تفكر بآخرتك فما الذي سيجدي ذلك بالنسبة لك من الذي ينفعك من إصلاح دينك ودنياك ، فما بالك يا أخي في أمة تتوجه إلى إصلاح الدنيا فقط ولا تهتم بالدين ولا بالآخرة ، إصلاحها هذا إفساد وإن سَمَّته إصلاحاً لأن الدنيا ليست كل شيء وإنما الدين والدنيا والآخرة هي المواطن التي يجب أن تكون محل اهتماماتنا وموطن رعايتنا وعنايتنا وتوجهنا ، وأن تكون هاجسنا ومرجعنا من أجل أن نفكر في ذلك .
في النتيجة إذا أصلحنا وِفْقَ هذا الذي ذكرته إجمالاً فالله عز وجل لن يُهلكنا . نحن نخاف من أن نهلك ، أن يهلكنا غيرنا ، لكننا إن كنا مصلحين فلن نهلك لأن ربنا قال :
﴿ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون هود : 117 سنة الله في خلقه ولن تجد لسنته تبديلاً ، ولن تجد لسنته تحويلاً ، إذا كنا مصلحين فلن يصيبنا الهلاك ، وإذا كنا مصلحين فإننا عند الله سننال الأجر العظيم ، واقرؤوا الآيات المتعلقة بالإصلاح والمصلحين فسترون أن ربنا سيكرم المصلحين في الآخرة أجراً عظيماً ، سيكرمهم أيّما إكرام .
نحن لا نبتغي إلا الإصلاح ، ولقد كررت في أكثر من مناسبة على مستوىً ضيق وعلى مستوىً واسع : إن أريد إلا الإصلاح ، ومهمتي الإصلاح :
﴿ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هود : 88 أدعو إلى هذه الساحة كلَّ رواد الإصلاح ، كلَّ طلاب الإصلاح ، وأنا معهم من أجل فُهومٍ يستبطونها من الكتاب المنهاج وهو القرآن الكريم ، ولن ألزمهم ولن يلزموني بفهم أستنبطه من هذا الكتاب بل سنتعاون على أن نكثر الفُهوم من هذا الكتاب حتى تلبي وحتى تغطي هذه الفهوم كل تطلعاتنا وكل حاجاتنا ، فنحن بحاجةٍ من خلال كثرة وقائع حياتنا إلى كثرة استنباطات ، والقرآن الكريم قادر على أن يمدنا باستنباطات كثيرة لأنه حَمَّالُ أوجه ، ولأنه نبّاع ، ولأنه يحوي في ثناياه وفي سطوره وحروفه وعباراته ما تحتاجه الإنسانية إلى يوم القيامة من أحكام تغطي بها مواقفها وحياتها وكل شؤونها .
اللهَ أسأل أن يثبتنا عنده من المصلحين ، وأن يجعلنا عنده من أولئك الذين إذا لم يصلحوا أن يكونوا من الذين نووا الإصلاح ، ومن الذين أرادوا الإصلاح ، ونية المرء خيرٌ من عمله ، وهي أسبق في إعطاء الأجر من العمل ، اللهم إنا نسألك كذلك ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول واستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق