الإسلام بين التطرف والاعتدال في المركز الثقافي بجوبر
الإسلام بين التطرف والاعتدال في المركز الثقافي بجوبر
تاريخ الإضافة: 2005/01/25 | عدد المشاهدات: 4816
بدعوة من المركز الثقافي بمدينة جوبر في دمشق شارك الدكتور الشيخ محمود عكام في ندوة بعنوان: (الإسلام بين التطرف والاعتدال) وذلك يوم الأربعاء 25/ 1/2005 الساعة السادسة مساء، وقد ضمت إلى جانبه الدكتور الشيخ محمد حبش.
في بداية اللقاء رحّب الأستاذ فائز الخطيب مدير المركز بالدكتور الشيخ محمود عكام معرّفاً ببعض أعماله ومؤلفاته، ثم دعاه إلى إلقاء المحاضرة.
نص المحاضرة:
الإسلام بين التطرف والاعتدال
ويبقى الإسلام دين الاعتدال وضد التطرف بجهتيه اليمنى واليسرى، أو بمعنى آخر: سيظل الإسلام دين العدل هدفاً يسعى إلى تحقيقه في كل شيء، والاعتدال سبيلاً إلى تحقيق العدل: ﴿وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان﴾ الرحمن: 9. والاعتدال افتعال، والافتعال مجاهدة وعمل متواصل دؤوب للوصول إلى العدل، والاعتدال انطلاق من الوسط والمركز نحو المحيط لتشكيله مداراً يمتد على مسافة واحدة - في كل مساره - من المركز، ولا يسمح الإسلام لمدار المحيط أن يكون في بعض نقاطه أقرب إلى المركز، وإلا فالدائرة فوضى والتعرج والتعسر حاكمان.
- الدائرة الأولى الأوسع مداراً: الإنسانية.
وما المحيط إلا الناس كافة، وما المركز إلا الإسلام في تجلياته النصية القطعية يمثله بشراً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والدعوة منه متوجهة للإنسانية على قدر موحد من دون تمييز: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً﴾ سبأ: 28. ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ البقرة: 21.
الدائرة الثانية الأوسط موضعاً: المؤمنون.
ويستجيب من يستجيب فيشكل المستجيبون دائرة ضمن الدائرة هي أقرب إلى المركز: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ آل عمران: 133.
بيد أن هذه الدائرة الجديدة ذات محيط مستدير لا تعرج فيه أيضاً، وكل نقاطه ذات بعد واحد ومتماثل عن المركز: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ الحجرات: 10. و "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله"، و "المسلمون ذمة واحدة"، و "ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وهكذا...
لكن النقاط المشكلة للمحيط تختلف في جوهرها وتكوينها استعداداً وسرعة اكتساب، فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة، والذهب والفضة المكونة للمحيط لا تتعالى ولا تتكبر على النقاط الأخرى التي يبتعد تكوينها عن الذهب والفضة: "إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد".
الدائرة الثالثة: المبرزون والمجتهدون.
وبعد هاتيك الدائرة تبرز دائرة المبرزين والمتميزين من رجالات الأمة ونسائها لتكون على بعد متساوٍ في محيطها بالنسبة إلى مركز الدائرة، من حيث اعتبار أقوالهم وقبول اجتهادهم ما داموا قد قدروا على أن يكونوا كذلك بجدهم وعملهم وسعيهم، لا فرق بين واحد وآخر في الاعتبار وإعطائهم أجراً إن أخطؤوا، وأجرين إذا أصابوا: "إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر".
وكما فرقنا بين النقاط ذاتها في الدائرة السابقة وقلنا إنها معادن كمعادن الذهب والفضة، كذلك نفعل هنا، فالنقاط المكونة للدائرة الثالثة تختلف فيما بينها من حيث قوتها الدراسية والاجتهادية وسعة مجال دورانها وانفتاحها على ميادين الحياة من اقتصاد واجتماع وعبادة وسواها.
وعلى كلٍّ فهي أقوال اجتهادية لا تتعاير على بعضها، وليس ثمة رأي صادر عن هذا أو ذاك يمكن أن يكون له شميمٌ من الحاكمية على الآراء الأخرى.
مأخذ التطرف في الدائرة الأولى:
وتأتي المشكلة في الدوائر كلها حين نميز في الخطاب بين فئة وفئة بالنسبة للدائرة الأولى، ونحكم على من لم يبلغه الإسلام – بنفس القوة التي بلغها فئة أخرى – بالمروق والكفر والختم النهائي بأنه من أهل النار، وربما أذقناه لهيبها في الدنيا قبل الآخرة.
وفي الدائرة الثانية:
وفيما يخص الدائرة الثانية فإن التطرف فيها يأتي حينما تمتط فئات لتدعي قرباً أكثر نحو المركز، لأنها تتسمى بالإضافة إلى الإسلام – الذي هو اسمها الأساس – بكذا أو كذا، من صوفية وسلفية وشيعية وسنية، وما أكثر هذه الصفات وأغزرها، وها نحن أولاء الآن نبغي الازدياد لنوصلها إلى أكثر من سبعين فرقة فترتاح قلوبنا القلقة لشهودها افتراق الأمة إلى بضع وسبعين فرقة، فيا ويحنا !.
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
كان ينبغي أن تكون الدائرة الثانية سلسة جميلة واضحة محكومة بأربع كلمات هي: "من قال آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبمحمد نبياً ورسولاً فقد استكمل الإيمان"، ولكنها غدت محكومة بآلاف الفئات من الكلمات والعبارات، فلكلٍ دينه وفقهه ورجالاته وتاريخه وسبحان الله؟!.
ومشكلة الدائرة الثالثة:
أما مشكلة الدائرة الثالثة فقد قلصنا محيطها إلى بعضه، ورفضنا جله ولم نفهم حتى هذا الذي اعتمدناه منه. نفينا منه أناساً لا ذنب لهم سوى أنهم مجتهدون بجدارة، وكان دافع نفيهم لدينا أنهم ليسوا مَن تعودنا الأخذ عنهم، أو أن الحكام السياسين في لحظة من لحظات التاريخ أوعزوا إلى شيوخ السلطة بعدم الأخذ عنهم وتحذير الناس من أن يأخذوا عنهم.
وأضحت الدائرة الثالثة في بلادنا ( أبا حنيفة ) فحسب، ثم أضيف إليها الشافعي وبعد جهد جهيد، واتسعنا لنضيف إليها أحياناً مالكاً وابن حنبل، مَن عدا ذلك لا وألف لا... وفي بلاد أخرى وقف ابن تيمية مسيطراً على هذه الدائرة، ولدى آخرين تسلم جعفر الصادق زمامها، وهكذا..
والأدهى من ذلك كله أن هذه الدائرة وضع المتطرفون عليها لافتة طويلة عريضة مكتوباً عليها ممنوع على المعاصرين المساهمة فيها، وإلا رميناهم بالمروق والكفر، وربما أتبعنا ذلك عقاباً بالتشريد والتقتيل.
يا أمة الإسلام: التطرف في كل الدوائر مرفوض، وهو تشويه للدوائر التي أرادها الله منتظمة جيدة.
الموقف حيال أفراد الدائرة الأولى:
فالناس فيما يتعلق بالدائرة الأولى نظراء لك في الخلق أيها المسلم، وهم مكرمون محترمون بشكل عام، وعليك تحمّل إساءاتهم لتعلّمهم بحالك قبل قالك كيف يتعامل الإنسان مع الإنسان، مستمداً ذلك من المركز الإشعاعي العظيم الممثل بكتاب الله نظراً وسيرة وشخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عملاً وتطبيقاً.
وتجاه أفراد الدائرة الثانية:
وأما الدائرة الثانية فالناس المكونون لها إخوة برسم القرآن الذي سماهم كذلك ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾ الحجرات: 10، والمسلم أخو المسلم له تجاهه حقوق وعليه حياله واجبات وقد تكفل القرآن الكريم وحفل بتفصيلها وكذلك محمد رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما أفراد الدائرة الثالثة:
وحين نأتي أخيراً إلى الدائرة الثالثة، فكل أناسها والممثلين لها مقدرة أقوالهم واجتهاداتهم ومعتبرة فتواهم غير أنك لا تُلزم بواحد منهم، إنما اختيارك هو السبيل إلى أخذ ما اطمأننت عليه والعدول عما لم تطمئن إليه من غير لمز وهمز، لهذا الذي تركت وعنه عدلت، بل لقد استقر في داخلك اعتبارهم وتقديرهم "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه".
أسئلة الحضور وتعليقاتهم:
في نهاية المحاضرة استمع الدكتور الشيخ محمود عكام إلى أسئلة المستمعين ومداخلاتهم، فشكرهم على ما أبدوه من ترحيب كبير بزيارته إلى جوبر، وعلى ما أثنوا به على المحاضرة، كما على تعليقاتهم ومداخلاتهم المفيدة.
أسئلة الحضور وتعليقاتهم:
ثم علّق الدكتور الشيخ محمود عكام على بعض المداخلات:
- بالنسبة إلى موضوع التقريب بين المذاهب والتيارات الإسلامية:
ينبغي أن يكون التقريب هاجساً لكل واحد منّا، ولا أريد أن ننتظر مؤتمرات تُعقد لهذه الغاية، بل إنني أقف ضد (ترسيم) هذه القضايا، أعني تحويلها إلى الإطار الرسمي الذي لا يفرز إلا مجاملات عابرة ومؤتمرات وندوات لا تتجاوز توصياتها الإطار الضيق لها.
وهو موقف ينسحب عندي على ما يدعى (الحوار بين الأديان) ومؤتمراته.
- وحول الفتوى القائلة بجواز قتل المسلمين إذا (تترّس) بهم أعداؤهم قال:
إلقاء الأحكام مسؤولية، والتفريط بها أمر مشهود في ساحات الفتوى، لذا أدعو فيما يخص الأفكار والأحكام والفتاوى التي تتعلق بالدماء إلى الحذر الشديد وإلى التمحيص والتدقيق.
ولقد وعى سلفنا الصالح خطورة الدماء، وأذكر في هذا المجال كلمة لعمر بن عبد العزيز رحمه الله يوم كتب إليه بعض عماله يستأذنه في قتل بعض من يشك في خيانتهم فكتب إليه عمر: "والله لئن يلقوا الله بخياناتهم أحب إليّ من أن ألقاه بدمائهم". فالدم المسفوح نجس، وسفكه ينقض طهارة الأمة كلها.
التعليقات