لا زالت قضية الرسوم المسيئة التي نشرتها بعض الصحف الأوربية تتفاعل على المستويات كافة، رسمية وشعبية وإعلامية وثقافية.
وفي إطار توصيف هذا الحدث توصيفاً صادقاً أميناً وتوظيفه التوظيف المناسب يلقي الدكتور الشيخ محمود عكام سلسلة من المحاضرات والخطب، وقد التقى أهالي مدينة سراقب في محافظة إدلب مع الدكتور الشيخ محمود عكام في قاعة المركز الثقافي في المدينة، مستمعين إلى تعليقاته على الموضوع، متعرفين إلى رؤيته له.
في بداية اللقاء توجه الدكتور محمود عكام إلى الله تعالى بالدعاء أن يحفظ أمتنا وأن يجنب أوطاننا الفتن والفوضى والشغب والأذى، وأن يصرف عن بلادنا السوء وأهله والشر ودعاته.
وأضاف، معلقاً على الحوادث المؤسفة التي تجري في العراق وما حدث من إساءة لمقام الإمامين علي الهادي وولده الحسن العسكري رضي الله عنهما، والاعتداءات التي تمت على عدد من المساجد أيضاً:
إن الأمة الإسلامية أمة ابتلاء، وإذا كان الابتلاء على هذه الحال والكيفية التي نراها اليوم، وجب علينا مواجهته أولاً بأمرين اثنين:
1- الصبر: والصبر ليس حالة هامدة أو حالة سكون وإذعان، بل هو ثبات ومتابعة عملٍ وعدم توقف، مع سؤال الله تعالى التوفيق.
2- العلم: فبالمعرفة والعلم نواجه الابتلاء، وكل ما حلً بنا ونزل بساحتنا.
كمثل الطبيب الذي ينبغي عليه أن يتوجه – حيال أية حالة مرضية تواجهه – بالمعرفة والتعرف والمتابعة.
ثم تحدث الدكتور الشيخ محمود عكام عن موضوع الرسوم المسيئة، محدداً رؤيته لها في أنها جريمة، توافرت فيها كل العناصر التي تجعل من مرتكبها مجرماً يستحق المحاكمة والعقاب. وعناصر هذه الجريمة هي:
1- الاعتداء على الحرية من خلال التعسف في استعمالها، ونحن إذ ندعو إلى تحديد الحرية فهذا لا يعني تقييداً لها كما يدعي بعضهم في الغرب والشرق، بل هو برمجة تحقق لها معناها الحقيقي إذ تجعلها حرية مسؤولة.
2- مخالفة الشفافية واللطف واحترام الآخر، التي يدعو الغرب نفسه إليها، ويجعل من نفسه حارساً لهذه القيم المرغوبة إنسانياً.
3- الكذب: فالشخصية التي رُسمت لا تمثل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشبهه من حيث الشكل، كما إن الوصف الذي ألحقه الرسام بالرسم ليس وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
4- الإساءة إلى الإنسانية كافة من خلال الإساءة إلى أحد أكبر رموزها، وأكثرهم عطاء نافعاً للإنسانية.
وقد استعرض الدكتور في هذا المجال شهادات أناس اعترف الغرب كله بعقلهم وعلمهم ومكانتهم، وقد اتفقوا جميعاً على المكانة الكبرى التي يحظى بها الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كل الميادين الخيّرة النافعة المعطاءة، قولاً وعملاً. وعلى أثره العظيم في توجيه مسار الإنسانية نحو الأرقى والأفضل.
في نهاية المحاضرة دار حوار طويل بين الدكتور محمود وجمهور المستمعين، الذين اتفق بعضهم مع المحاضرة – كُلاً أو جزءاً – كما استشكل بعضهم الآخر واستفهم وناقش في فكرة أو رأي تضمنته المحاضرة.
وكان من أهم نقاط الاختلاف، بين الجمهور نفسه، مسألة النظر إلى الغرب، بين فريق يراه شراً كله، ويشكك في كل ما يصدر عنه، حتى في تلك العبارات المادحة والمواقف المنصفة التي صدرت من بعض علمائه ومفكريه تجاه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وبين فريق آخر، لا يؤمن بنظرية المؤامرة – كما قال بعضهم – لكنه يشكك في هذه الثورة التي حدثت حيال هذه الرسوم، معتبراً أن للولايات المتحدة خاصة دوراً في إثارة العالم الإسلامي ضد هذه الدول الاسكندينافية، التي كانت لها مواقف جيدة حيال القضية الفلسطينية، بغية إحداث جفوة وقطيعة بينها وبين العالم الإسلامي.
وقد رأى الدكتور الشيخ محمود عكام، تعليقاً على الفريقين معاً: أن القضية تحتاج منا فعلاً إلى التعرف الصادق والعلم، ويؤسفني أني لا أملك إلى الآن معطيات موثوقة حول أصل الأزمة ومن الذي حركها بهذه الصورة. وأنا أتابع عملية التعرف والدراسة لتكوين صورة صادقة عن الموضوع. لكن هذا لا يمنع من تصدير موقف موضوعي حيال المسألة، يعترف لكل إنسان ولكل دولة بما لها من مواقف جيدة نشكرها عليها، وأخرى غير جيدة نطالبها أن تتراجع عنها أو أن تصححها.
ولذلك اعترفنا للغرب بما يمتاز به من تقدم في ميدان رعاية الإنسان واحترام حريته وكرامته، وأقول بهذه المناسبة لمن يعتبر الغرب كله شيئاً واحداً:
في أي ميزان وأي قانون استوى عندك هذان، هذا الذي يثني على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن لم يكن مؤمناً بنبوته، وذاك الذي رسم تلك الرسوم أو نشرها ؟
أنت – يا أخي – تخالف القرآن نفسه في موقفك هذا، فكيف تجعلهم سواء والله تعالى يقول عن أهل الكتاب: ﴿ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً﴾.
ويقول أيضاً: ﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ... وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه﴾.أقول: ما أسهل العقوق وأصعب البر، وما أهون أن ننعتق من أن ننسب لأهل الفضل فضلهم، وما أصعب الاعتراف بالفضل !
ولو لم تكن قضية الاعتراف للآخرين بما لهم من فضل لما أفردها الله تعالى بالذكر في آية خاصة فقال: ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم﴾، وقال أيضاً: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.
ينبغي علينا أن نعترف بما للآخرين من فضل، وذلك ما علمنا إياه ديننا، وألا نتعالى أونتكبر، وإلا فلن نتعلم، ولن نستفيد شيئاً.
وعندما نقول للغرب: أنت علمتنا – في هذا العصر – الحرية والشفافية واحترام الآخرين، فإننا ندينه بذلك من خلال كلامه نفسه، وندعوه إلى متابعة خط الحرية والاحترام والشفافية برفض هذه الإساءات ومعاقبة مرتكبيها.
التعليقات