آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
من أسباب تخلف المسلمين

من أسباب تخلف المسلمين

تاريخ الإضافة: 2007/06/22 | عدد المشاهدات: 4077

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون:

في الجمعة الماضية كلمني شاب صغير صلى في هذا المسجد، فقال لي: لماذا نرى البلاد الإسلامية متخلفة ؟ ولماذا نرى البلاد العربية والإسلامية متأخرة متقاتلة ؟ وكل ما نسمعه عن الإسلام فيما يتعلق بالأخلاق والتطور والعلم لا نرى لها رصيداً في الواقع، فلماذا نذكر أفغانستان على سبيل المثال، ونذكر بذكرها التخلف، ولماذا نذكر البلاد العربية ولا نذكر حين نذكرها التقدم والتطور في ميدان الصناعة والزراعة والطب والهندسة ؟

ومنذ الجمعة الفائتة والسؤال يغدو ويروح على بالي، وقلت في نفسي قبل يومين لأحدثن الناس عما جاش في صدري حول هذا السؤال.

أيها الإخوة: الذي بدا لي أننا أمة توهمت أو تعمدت، لكنني سأحسن الظن فأقول توهمت أن مجرد قولها بأنها تحب النظافة أو تحب الأمان أو تحب العلم والمعرفة، أقول توهمت بأنها صارت عالمة متطورة فتوهمنا بأن مجرد الادعاء وامتلاكنا للحديث عن تلك الفضائل والقيم هذا يعني بأننا غدونا متحققين بها، وبعبارة أخرى، توهمنا أن القول يكفي وأن الادعاء يعطينا شهادة على السلوك.

الله عز وجل في القرآن الكريم قال وأرجو أن نمعن النظر في هذه الآية: ﴿لمَ تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾ نحن حسبنا وظننا بأن القول يغني، وبالتالي لا نحتاج كثير فعل ما دمنا نمتلك كتباً كثيرة وأشرطة كثيرة ومكتبات كثيرة وكل ما فيها يتحدث عن النظافة والتطور والعلم والمعرفة والأمانة والزراعة، وأن الله يحب من يتقن عمله ....الخ.

ولعلي قلت مرة على هذا المنبر: هل يسلم أحدنا عينه المريضة أو يده السقيمة إلى إنسان عنده مكتبة تحوي كل ما يتعلق بطب العين أو اليد ؟ أو يقول كان أبي أفضل طبيب في جراحة العين أو اليد ؟ وهل تسلِّم رجلك المريضة إلى رجل يقول لك بأنه قرأ ما كتبه أبو قراط، وأنه يحفظ ما يقوله الأطباء عن هذه الرجل ومرض الرجل هذا ؟ فأنت لا تسلم بذلك، لأنك لا تعتبر القول كافياً من أجل أن تعتبره وهو يقول مثل هذا القول متحققاً بهذا القول، وأنا هنا لا أتكلم عن كل الأمة، ولا عن كل أفرادها لكننا بشكل عام أصبحنا أمة واهمة، تعتمد على القول دون الفعل وترى بأنها بذلك قد سعت وحققت ما تريد أن تحققه وعلى الآخرين أن يعترفوا بها وبأفرادها نظيفين متعلمين متكلمين متطورين صناعيين وزراعيين، وذلك بمجرد أننا نقول لهم أو نذكر لهم آيات تتحدث عن النظافة، وأشعاراً وأمثالاً تتحدث عن الأمانة والعلم و.... و... وهكذا.

 وقد قال لنا القرآن صريحاً واضحاً لكننا لم ننتبه لذلك، فإذا ما خاطبنا إنسان بهذه الآية التي ذكرتها قلنا له بدلاً من أن نتبع القول بالفعل، هل تريد منا أن نترك القول أيضاً ؟ وبدلاً من أن نقول نحن مقصرون، نقول قولاً كهذا، وهذا ما يطلق عليه في عرفنا الشعبي: عذر أقبح من ذنب، هذا أمر أول.                 

ثانياً: نحن أمة يبغي بعضنا على بعض وإذا ما دخل البغي أمة ما أفشلها، ومنع تطورها، وجعلها تلتهي وتشتغل ببأسها فيما بينها، وهذا هو حالنا، يبغي بعضنا على بعض، ولا أريد أن أضرب لكم الأمثلة، والجو الذي يحيط بنا مليء بالأمثلة، في فلسطين، في العراق، في لبنان، في سوريا، في السودان، في أفغانستان، في باكستان وفي كل مكان يبغي بعضنا على بعض، إن بالسلاح أو باللسان أو بالمهاترة أو بالغيبة أو بالنميمة أو... إلى آخر الأمور التي ترونها بأعينكم وتسمعونها بآذانكم وربما تمارسونها بجوارحكم، أمة بغى بعضها على بعض، فمن أين لها التقدم ؟ ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ وها نحن والحمد لله الذي لا يُحمَد على مكروه سواه، ذهبت ريحنا وما عاد أحد يهابنا وكنا أيتاماً على مآدب اللئام، فأصبحنا أيتاماً ولا مأدبة أمامنا، فلا نستطيع أن نأكل حتى الفتات الذي يتركه غيرنا، أصبحنا ولا طعام أمامنا حتى الفتات.

قرأت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه كما في الترمذي: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي) ونحن أمة يبغي بعضنا على بعض، وهذا ما ترونه، ولا أريد أن أذكر المآسي التي أصبحت أعيننا تعتادها في كل صباح وفي كل مساء، هنا يُقتل فلسطيني بيد فلسطيني، وهنا يُقتل سوري بيد سوري، وهنا يُقتل مسلم بيد مسلم، وهناك يُقتل لبناني بيد لبناني، وهناك... هذا يتهم ذاك وذاك يتهم هذا والقضية تتابع كنظام قُطع سلكه فتتابع، وأصبحنا في وضع صاحب أدنى مسكة من عقل يحسدنا على الوضع الذي نحن فيه، ونحن من باب أولى لا يمكن لأحد أن يغبطنا على هذا.

البغي سبب من أسباب التخلف الذي ضرب أطنابه فينا، والذي حطَّ برحاله في ساحاتنا، البغي، فأنت تبغي على جارك، تزعج جارك، وإزعاج الجار بغي، وأنت تبغي على عاملك، تظلمه تسيء إليه تتعبه لا تعطيه أجره، وهذا أيضاً بغي، وأنت أيها العامل كذلك تجاه رب العمل، البغي أضحى سِمة من سماتنا الكبيرة، والبغي أصبح عنواناً من عناويننا، إذا سمع الواحد منا أخاه يتكلم يتمنى لو أنه يبغى عليه، إن رأى الواحد منا أخاه المسلم أخاه العربي أخاه السوري أخاه اللبناني، كلمة الأخوة ضاع معناها وأصبحت كلمة جوفاء، ولا تمت إلى حقيقة يمكن أن تظهر على سطح الأرض بصلة، فإلى متى ؟

سبب ثالث من أسباب تخلفنا، ترك الجهاد، والآن ربما قال البعض هذه هي النقطة الأهم، أنا لا أتحدث عن الجهاد بالسّنان ولا أتحدث عن الجهاد بالنفس فالحمد لله ملئ عالمنا بالجهاد بالسنان والسيف والدبابة التي لا نصنعها نحن، أنا لا أتحدث عن هذا الجهاد، لأن الجهاد الذي أتحدث عنه جهاد مؤسس للجهاد الذي ذكرته، الجهاد الذي أتحدث عنه هو الجهاد بالعلم، نحن أمة اليوم رمت وسيلة العلم وأخذت الوسيلة الأسهل، أخذت الدبابة التي لا تصنعها وأخذت المسدس الذي لا تصنعه ووجهته نحو بعضها، وأعلنت وهي توجه هذا السلاح أنها تجاهد في سبيل الله وما أظن الأمر كذلك، أنا أتحدث عن جهاد باللسان عن جهاد العلم، عن جهاد المعرفة الذي فقدناه منذ أمد طويل ربما تجاوزت المدة خمسة قرون، أو ستة أو سبعة قرون...

أوَ سمعتم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال كما في سنن أبي داود: (جاهدوا المشركين) لم يقل بأنفسكم فقط (بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) وإن لم يكن الجهاد باللسان والمال مؤسساً للجهاد بالنفس فسيكون الجهاد بالنفس تضييعاً لأنفس المسلمين، وهذا ما نراه.

فهل هذا الذي يحدث في فلسطين جهاد فيما بين المسلمين ؟!. هل هذا الذي يحصل في العراق بين المسلمين جهاد ؟... هل تدمير ذاك المبنى أو تلك المديرية أو تلك الوزارة جهاد في سبيل الله ؟ تركنا الجهاد باللسان أعني تركنا جهاد العلم، فالجهل مستشرٍ في بلادنا، وابحثوا عن القراء في أمتنا وقد قلت هذا أكثر من مرة القراء قليلون والباحثون قليلون، والذين يبحثون من أجل إغناء عقولهم قليلون قليلون وأصبحوا نادرين، والذين يريدون أن يصلوا إلى مرحلة علمية يتمكنون من خلالها من البحث والمعرفة حق التمكن لا يمكنني أن أصفهم بالقليل لكنهم نادرون، ونادرون جداً.

شبابنا يصلون إلى سن معينة يتركون المدرسة وهمُّ الشاب أن يبحث عن تجارة، ومن وراء التجارة يريد سيارة، ومع السيارة يريد امرأة جميلة، ويريد منزلاً في حي يتباهى أهله بجاره وبشكله وبدواخل بيته، ومن وراء هذا تريدون أن نكون متقدمين !!. أتريدون وقد تركنا جهاد العلم والتعلم والمعرفة ورسول الله يقول: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) من الذي يجاهد اليوم بعلمه ؟ نحن نجاهد بعضنا بعضاً، السني يتصدى للشيعي ليردَّ على كفر الشيعي، والشيعي يتصدى للسني ليرد على كفر السني، والصوفي يتصدى للسلفي ليرد على كفر السلفي، والسلفي يتصدى للصوفي ليرد على كفر الصوفي، والسوري يتصدى للبناني ليبين عدم صلاح سياسة اللبناني، واللبناني يتصدى للسوري ليبين فساد سياسة السوري، والمصري يرد على الإيراني، والإيراني يرد على المصري وهكذا... وما هذا هو الجهاد الذي نعنيه ونريده.

تركنا الجهاد باللسان، تركنا جهاد العلم، تركنا جهاد المعرفة، من منا يفكر في أن يختص بعلم ما ليكون في هذا العلم رائداً ؟ أنا أعرف بأنك ستقول لي بأن الدولة لا تساعد على أن يكون الإنسان باحثاً وعالماً فالظروف المعيشية صعبة جداً، أقول لك وأخاطب الدولة، أخاطبكما معاً، وأخاطب نفسي وكل المعنيين، فنحن جميعاً معنيون  بالخطأ والخطيئة في هذا الميدان، لكنني أهمس في أذنك: هل ثمة من يمنعك من أجل أن تكون مبرزاً في ميدان معرفي تتوجه إليه بصدق وأمانة ؟ ما أعتقد ذلك. لكنك تريد وأنت تتوجه للعلم والمعرفة أن تكون مذكوراً وأن تكون ظاهراً وأن تكون مديراً وتريد أن تكون وزيراً وتريد أن تكون محمولاً على سيارة لا يركبها إلا من هو أعلى منك منصباً في الدولة، رحم الله المنفلوطي حينما قال: "لا يزور العلم قلباً مشغولاً بصقل الغرة ولبس الطرة"، وشبابنا اليوم وها هم انتهوا من امتحاناتهم فالسبيل لأن يخرجوا ويمتعوا أنفسهم هنا وهناك يريدون السمر، يريدون السفر، يريدون أن يحدثوا أنفسهم أحاديث فارغة لا طائل تحتها، يريدون أن يعيشوا وكأنهم كانوا في جهاد عظيم قدموا فيه الغالي والنفيس، لا يا إخوتي، لا يا شباب، لتسألنَّ عن أعماركم، لتسألنَّ عن ثوانيكم ودقائقكم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع أو عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) هذا إن كان قد علم، أما إذا لم يكن قد علم فيسأل لمَ لمْ يغذي عقله وفكره بالعلم، لمَ لم يعط عقله حقه، لمَ لم يعط فكره ما يريده ويبغيه منه، أصبحت عقولنا مرهونة بعمل بسيط جداً نريد من ورائه مالاً وجاهاً ولو كان هذا المال قليلاً، المهم أننا نريد بهذا المال أن نتباهى على إخوتنا وأقربائنا وإخوتنا وجيراننا، وأننا نريد بهذا الجاه أن نُرى متفردين، أن نُرى ظاهرين، أن نُرى ونحن نمشي كما وصف القرآن الكريم أن نتبختر بالمشي ﴿ولا تمش في الأرض مرحاً﴾ نريد أن نمشي مرحاً، لأننا أصبحنا أصحاب مناصب وبالتالي هذا يقتضي أن نمشي مرحاً وأن نكون فخورين وأن نكون مصعري الخدود للناس، والله نهانا عن ذلك.

حديث آخر وأختم به الخطبة يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا تبايعتم بالعيّنة) ولا أريد أن أفسر التفسير الفقهي للعينة لكنها أنموذج للاستغلال والغش في البيع  وهذا خطاب للتجار إذا حلَّ الظلم منكم من خلال بيع العينة كنموذج للبيوع التي لا يرضى عنها ربنا ولا يرضى عنها ديننا ولا ترضى عنها فطرتنا (وأخذتم أذناب البقر) أيها الحكام أي إذا ظلمتم، اتخذتم السياط مع شعوبكم، أيها المسؤولين وحينما أتكلم عن المسؤولين أخص الأب أيضاً لأنه مسؤول فلا أريد أن يعفي أحد منا نفسه فكلنا مسؤول ولكن تختلف مساحات المسؤولية صغراً وسعة (ورضيتم بالزرع) عدلتم عن الصناعة وما طورتم أنفسكم، وهذا توجه ونداء للمجتمع كله (وتركتم الجهاد) أي الآن جهاد العلم جهاد المعرفة جهاد الثقافة (سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أحمد وأبو داود (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) وهنا نحن نعيش الذل وما أظن أن في العالم أذلاء مثلنا، أذلة فيما بيننا وأذلة أمام عدونا ومع أولادنا ومع طلابنا وحكوماتنا ومع شعوبنا، والذل أضحى عنواننا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم، أريد أن نزيل الوهم الذي ذكرته سبباً أولاً، وأن نتعلم وأن نتثقف، وأن نمارس الجهاد التعليمي والتعلمي والعلمي، الجهاد الذي يجعلنا نذكر في مصافِّ الأمم المتعلمة.

قرأت منذ يومين في جريدة تشرين عن إحصائيات تبين أفضل خمسمائة جامعة في العالم يقول الكاتب ليس في هذه الجامعات جامعة عربية، ولا جامعة إسلامية، ولا في رقم خمسمائة.

وبعد هذا ما الذي يشغلنا، يشغلنا وهمٌ، يشغلنا بغيٌ، نريد أن يبغ بعضنا على بعض، يشغلنا بأس فيما بيننا، اليوم قالوا انتهى القتال بين مسلحين في نهر البارد وبين الجيش اللبناني وحمدنا الله، وصرنا نحمد الله ونشكره – ونحن نحمد الله دائماً- على فتنة تدخل بيننا ثم تخرج حتى لو أدت إلى خسائر كثيرة، المهم أن الخسائر كانت خمسة عشر رجلاً ولم تكن عشرين رجلاً !!. أصبحنا نكتفي بهذا ونقول الحمد لله أن المخيم هُدم ولم تُهدم بيروت، الحمد لله أن بيروت هدمت ولم تهدم معها المدن التي تتبعها وهذا إنجاز!. الحمد لله أن اليوم قتل في العراق خمسة عشر شخصاً ولم يقتل كما البارحة ثمانون شخصاً، هكذا أصبحنا ننظر ونحن نأكل ونشرب ولا يهمنا شيء.

اللهم إني أسالك بحق القلوب التي تفطرت وهي ترى المسلمين يتناحرون ويقتل بعضهم بعضاً، اللهم إني أسألك بحق القلوب والعيون التي دمعت وهي ترى المسلمين اليوم يتأخرون يوماً بعد يوم، أسألك بحق القرآن والقلوب المتفطرة والتي تبغي رضاك، وبحق العيون الدامعة التي ترتجي عفوك ومغفرتك وعونك، أسألك بحق هؤلاء أن توفقنا من أجل أن نكون كما ترضى يا رب العالمين، أن نكون أمة تستحق بجدارة أن تنسب إلى الإسلام لأن الإسلام عظيم لكننا لسنا عظماء وبالتالي هنالك تنافر بين الأمة والإسلام، فعودوا إلى الإسلام تنتصروا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 22/6/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق