آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
المحبة من ثمرات الصيام

المحبة من ثمرات الصيام

تاريخ الإضافة: 2007/10/12 | عدد المشاهدات: 3967

أما بعد، فيا أيها الإخوة الصائمون المسلمون القائمون:

ها نحن في اليوم الأخير من رمضان، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عتقائه من النار، وأن يجعلنا من عتقاء شهر رمضان، وأن يدخلنا الجنة من باب الريان بسلام، اللهم تمم فضلك علينا يوم نلقاك يا رب العالمين.

سيكون لنا وقفة مع أنفسنا في هذا اليوم أو بعد أيام، من أجل أن نتبين نتائج رمضان وآثاره فينا، هل أثمر رمضان ؟ هل تحققت الغايات التي من أجلها شُرع الصيام في رمضان ؟ هل نحن على تقوى أرادها رمضان منا أن تكون صفة لنا في سائر السنة ؟ هل نحن على قدرٍ أكبر من الالتزام مما كنا عليه في العام الماضي، أعني الالتزام بديننا وشرعنا وآدابنا وأخلاقنا ؟ هل نحن بعد رمضان فعلاً أفضل مما كنا عليه قبل رمضان ؟ أتوجه إلى نفسي وإياكم من أجل وقفة تقييمية أو تقويمية، نقيم ونقوم رمضاننا وصيامنا وقيامنا، هل تحسنتَ ؟ هل تحسنت علاقتك بربك ؟ هل تحسنت علاقتك بجارك ؟ هل تحسنت علاقتك بأخيك، بأمك، بزوجك، بزوجتك، بصديقك، بزبونك ؟ هل تحسنت علاقتك بأرضك، بوطنك، بقرآنك ؟ هل تحسنت علاقتك بنفسك ؟ أريدك أن تكون فعلاً في الأيام الأولى من شوال صاحب تقييم لما فعلته في رمضان، وبعدها إن وجدت خيراً فاحمد الله عز وجل، وإن وجدت غير ذلك فلا تلومنَّ إلا نفسك، وحاول التدارك، واسمحوا لي إن قلت بين قوسين: للأسف الشديد سوف نرى بعد رمضان أنفسنا لم تتحسن التحسن المطلوب، بل لم تتحسن التحسن المقبول حتى، اسمحوا لي إن قلت هذا بدافعٍ من رؤية نراها جميعاً، نرى شوارعنا وبلادنا وأهلينا وجيراننا وكأن لسان الحال فيهم ومنهم يقول: رمضان كغيره من الشهور، ما أثرُ شعبان إيجاباً حتى يؤثر رمضان، وما أثر رمضان وما يؤثر لأننا أمة اعتدنا التخلف والتأخر والتقهقر، أرجو أن يكون ظني غير صحيح، وأرجو أن أكون في ظني هذا خائباً، ولكن أتريدون ألا نتكلم بصراحة، أتريدون أن نجامل على حساب الدين ؟ أتريدون أن نقول نحن في تحسن والحمد لله والحال غير ذلك ؟ أتريدون أن يكذب بعضنا على بعض ؟ ما هكذا علمنا قرآننا ولا هكذا علمنا نبينا، الحال جد مؤسفة ولكن سنبقى نكرر لأنفسنا ولإخوتنا الدعوة والنصح والدعاء والسؤال والمناشدة.

رمضان شهر المواساة، شهر المحبة، هكذا نقول عنه، وأريد أن أتوجه إليكم من أجل أن تقيموا مجتمعكم من حيث المحبة والتآخي ؟ هل ستغدون بعد رمضان أكثر تآخياً فيما بينكم ؟ هل ستغدون بعد رمضان أكثر حباً لبعضكم ؟ هل ستغدون بعد رمضان أكثر تماسكاً فيما بينكم ؟ أتريدون أن أضع بين أيديكم أو أمام أعينكم الصورة التي يريدها منا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الميدان ؟ رسول الله يريدنا أن نكون فيما يخص المحبة والتآخي كما يلي، واسمعوا فيما إذا كنا سنكون كذلك أو لا:

رسول الله يريدنا أن نكون كما قال، وحسب الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) هكذا يريدنا النبي أن نكون وكذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري ومسلم: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) فهل نحن كذلك، أو هل نحن على طريق تحقيق هذا الأمر سائرون ؟

رسول الله يريدنا أن نكون كما قال، حسبما جاء في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله) فهل نحن كذلك ؟ هذه الصورة التي أراد النبي أن نكون محققين لها أو سائرين في طريق تحقيقها، هل نحن كذلك ؟ أسأل الله أن نكون كذلك وإن كنت أتحدث، وكما يقال واضعاً يدي على قلبي، لأنني خائف من ألا يتحقق مثل هذا الأمر ولا أن يتحقق معشار هذا الأمر.

تسألونني كيف نحقق هذه الصورة ؟ أقول هنالك عوامل وأسباب وقواعد وأسس إذا ما التزمناها تحققت هذه الصورة العظيمة التي أرادها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنا انعكاساً عن واقع نعيشه، الأسباب بكل بساطة:

أولاً: استشعر الإيمان بالله وأنه يجب أن يكون عاملاً مساعداً على أن تحب هذا الذي يؤمن وهو مثلُك، ما الذي يملأ قلبك ؟ الذي يملأ قلبك الإيمان، وهذا الذي بجانبك يملأ قلبه إيمان أيضاً، إذا اشتركتما في إيمان موحَّد يملأ قلبيكما أفلا يكون ذلك دافعاً من أجل أن تتحابا ؟ استشعر الإيمان وهو مشترك أعظم من أجل المحبة والتآخي.

ثانياً: استشعر العبادة بين هذا الذي تريد أن تحبه وأن يحبك، أنت تصوم وهو يصوم، أنت تصلي وهو يصلي، مشترك أكبر، أنت صمت ثلاثين يوماً وهو صام ثلاثين يوماً، صلى وصليت، قمت رمضان وقام رمضان، امتنعت عن الطعام والشراب وامتنع عن الطعام والشراب، والقاعدة النفسية الاجتماعية تقول: المشتركات تحبب، تقرب القلوب، تجعل المحبة أقوى بين الواقعين تحت قنطرة هذه المشتركات.

ثالثاً: افشِ السلام بينك وبين إخوانك، أتريد أن تكون في مجتمع يتسم بالمجتمع المتحابّ والمتآخي ؟ إذاً افشِ السلام بينك وبين إخوانك، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) ولقد كررت مراراً وتكراراً بأن إفشاء السلام لا يعني أن تقول السلام عليكم لهذا ولهذا، وإن كان هذا ضرورياً ولكن إفشاء السلام أن أستشعر السلامة منك وأنا معك، وأن تستشعر السلامة مني وأنت معي، أن تشعر بأمان وسلام ونحن نلتقي، ولكن الحالة التي نعيشها اليوم تختلف، فأنا لا أشعر بسلام وأنت معي، وأنت لا تشعر بسلام وأنا معك، لأنني أخاف من غيبة ستكون على لسانك عندما نفترق وأخاف من اتهام بلسانك وإشاراتك، لذلك لست سالماً ولست مسلَّماً وأنا معك: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم).

رابعاً: التزاور الذي أصبح اليوم شيئاً نادراً، من منا يزور أهله وأقرباءه ؟ من منا يضع في برنامجه زيارة أصدقائه لله لا لشيء آخر ؟ لا يريد من زيارته إلا أن يُدخل السرور على قلب المزور، وإلا أن يرضى ربه عنه، أصبحنا اليوم في تزاورٍ لأمكنة فضائية لا تمتُّ إلينا بصلة، لكننا نزور الفضاءات ولا نزور الأقرباء والأصدقاء الذين نحرص أن نكون متحابين معهم، وعلى أن يكونوا متحابين معنا.

خامساً: ما يدفعنا من أجل أن نعيش المحبة التهادي: (تهادوا تحابوا) هكذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي يرويه صاحب الجامع الصغير صحيح، من منكم يقدِّم هدية لجيرانه، لأصدقائه، لأقربائه، سيما في مثل هذه الأيام المباركة، الهدية إن لم تكن مُلزِمة أو زكاة، ويا ليت أن الزكاة تُخرَج كما أمرنا الله ورسوله، الهدية أصبحت أمراً رمزياً بعيد المنال عن أن تكون سلوكاً بيننا، أو عن أن تكون علاقة قائمة مستمرة بيننا، الهدية أصبحت من أجل منفعة، يُقدم الواحد منا هدية لمسؤول حتى يتقرب منه، فإذا ما تقرب منه نادى مَن حوله أني أعرف المسؤول الفلاني، وبالتالي يكون هذا طريقاً من أجل إظهار السيطرة والقسوة والسلطة المتغطرسة على الناس، إنه قدَّم الهدية الفلانية والهدية الثمينة للمسؤول الفلاني، لا نقول هذا الكلام من باب النقد المطلق، ولكننا نتحدث من باب النقد الذي نريد من ورائه إصلاحاً. كلنا يعلم هذا الأمر وما أحد يستطيع أن ينكر هذه القضية التي نعيشها.

أين التهادي لوجه الله عز وجل ؟ أين هديتك لهذا الذي تراه أمامك وهو مثقل بالفقر والحاجة والضرورة ؟ أين الهدية ؟ وأنا لا أتحدث عن الزكاة، وإن كنت بحاجة إلى أن أتحدث عن الزكاة، لأن أغنيائنا قصَّروا بالزكاة وقصروا بالصدقة وقصروا بحقٍ هو سوى الزكاة، فإن تكلمت عن الهدية فأنا أتكلم عن شيء بعيد المنال في مجال التصور فضلاً عن مجال السلوك، حصرنا الهدية في منفعة نبتغيها، والمنفعة ليست خيرة بل هي تدفعنا لغطرسة، لسوء علاقة لسوء تصرف.

هذه الأمور التي أسميتها دوافع وعوامل المحبة علينا أن ننظر إليها باستمرار.

تسألني بعد ذلك: ما المؤشر على أننا أصبحنا متحابين متآخين في هذا الوطن الذي نريد أن نحرص عليه حرصنا على أنفسنا، حرصنا على أموالنا، لأن الوطن أمانة، ولأن أبناء الوطن إن لم يكونوا على مستوى التآخي والتحابّ فلن يدفعوا شراً يُراد لهذا الوطن عن الوطن، ولن يدفعوا سوءاً يراد لهذا الوطن عن هذا الوطن. مؤشر المحبة تعاون، إذا وجدت أفراد الوطن متعاونين متناصرين للحق وبالحق، متباذلين، فاعلم بأن هذا المجتمع مجتمع متحاب ومتآخٍ، وإلا أتريدون أن نسمي المجتمع المتآخي لمجرد أن يقول عن نفسه أو لمجرد أن يخطب خطباؤه أو يتحدث متحدثوه بالتلفاز وبالإذاعة وعبر المنابر وعبر الدروس بأنهم متحابون ؟ ما هكذا يا سعد تورد الإبل. لا، مؤشر المحبة، ودليل المحبة، وبرهان المحبة: تعاون وتآخ وتباذل وتناصر.

أخيراً: أتريدون أن أحدثكم عن أجر المحبة والتآخي وتعميق ذلك كله ؟ اسمعوا حديثاً من أحاديث كثيرة. الله عز وجل يقول في الحديث القدسي الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم: (وجبت محبتي للمتحابين فيَّ)، (أين المتحابون فيَّ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) وقرأنا كثيراً حديث النبي الصحيح المروي في البخاري: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ومن جملتهم: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) فلتكن لنا جلسة تقويمية بعد رمضان هل تحسن حالنا ؟ هل أصبحنا من أولئك الذين تحققوا برمضان المواساة فواسى بعضنا بعضاً بناءً على محبة ارتكزت في دواخلنا؟ أسأل الله أن نكون كذلك ، لذلك أريدكم وأنت تبتهلون إلى ربكم أن تتصوروا المطلوب منكم، لا أريدكم أن تدعوا ربكم وأنتم في غفلة عن أمر تريدون تحقيقه، لا أريدكم أن تدعوا ربكم لمجرد الدعاء من دون أن تتعرفوا على حقيقة ما تريدون من ربكم أن تدعوه، لذلك أقول لربي عز وجل وأدعوه: اللهم اجعلنا من المتحابين فيك. فكروا في هذه الكلمة وأنتم تدعونها حينما تتوجهون إلى ربكم، اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، اللهم اجعلنا من المتناصرين فيك، من المتباذلين فيك يا رب العالمين، اللهم ردّنا إلى دينك رداً جميلاً، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 12/10/2007

التعليقات

بنت في الاسلام

تاريخ :2008/10/28

ممكن اعرف كيف اطبع الخطبة بليززززززززززززعاشان انابدي اياها

شاركنا بتعليق