آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
كيف يُعزل الإسلام عن الحياة وهو دينها وراسم ملامحها ؟! / جريدة الراية القطرية

كيف يُعزل الإسلام عن الحياة وهو دينها وراسم ملامحها ؟! / جريدة الراية القطرية

تاريخ الإضافة: 2008/01/23 | عدد المشاهدات: 3685

نشرت جريدة "الراية" الصادرة في الدوحة/ قطر بتاريخ: 23/1/2008 لقاءً مع الدكتور الشيخ محمود عكام، سألته فيه عن: العلمانية والإسلام، ومفاهيم الغرب وتصوراته، والشباب ومسؤولياته، ومواضيع أخرى...

وفيما يلي نص اللقاء

كيف يُعزل الإسلام عن الحياة وهو دينها وراسم ملامحها ؟!

المفكر الإسلامي الدكتور محمود عكام لـ الراية الأسبوعية:

الإسلام دين الإنسان أنَّى كان هذا الإنسان

الشيخ والمفكر الإسلامي الدكتور محمود عكام هو أحد رجال الدين المتنورين والمعروفين، في سوريا والعالم الإسلامي، بالتزامهم مذهب الوسطية والاعتدال في أفكارهم وسلوكهم الحياتي والمعرفي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهو تاريخ تخرجه من جامعة السوربون التي قضي فيها سنوات أربعاً أطلَّ من خلالها -كما يقول- علي منهج التفكير لدي عالم متطور في تقنيته يحاول المناظرة بينها وبين فكره الإنساني ليظهر متفوقاً فيهما معاً. وفي السوربون نال شهادة الماجستير عام 1981 عن رسالتيه: "دراسة في رسائل عمر بن عبد العزيز إلى ولاته وعماله"، و "نظرية الإمامة عند الشيعة المعاصرين"، بإشراف المؤرخ الفرنسي "دومينيك سورديل". ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الفكر الإسلامي السياسي من السوربون أيضاً عام 1983 بإشراف المفكر الجزائري المعروف الدكتور محمد أركون، وكان عنوان الأطروحة: "الحاكمية والسلطة في الفكر الإسلامي السياسي في القرن الخامس الهجري دراسة مقارنة بين السنة والشيعة". ثم عمل أستاذاً في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة السوربون خلال سنتين كاملتين 1981 و 1982 وأستاذاً محاضراً في كلية الشريعة بجامعة دمشق 1986 و 1987.

وللدكتور عكام أكثر من ثلاثين كتاباً مطبوعاً في الفكر الإسلامي والدعوة والتجديد منها: "من مقولات الفكر الإسلامي: رؤية جادة لموضوعات هامة، الإسلام والإنسان: دراسة عن الإنسان في القرآن والسنة وصفاً ومراداً وتكليفاً، سبيل المعروف: دراسة علمية وعملية يحتاجها كل مسلم"... وغيرها.

كما يشرف الدكتور عكام علي سلسلة "غرب وشرق"، وهي سلسلة فكرية تُعني بالدراسات الغربية المتعلقة بقضايا الشرق والإسلام صدر منها: "الإسلام والديمقراطية: جون أسبوزيتو وجون فول". و "الإسلام والعدالة: مناقشة مستقبل حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: مجموعة مؤلفين". إضافة إلى "النظام الدولي الجديد = القديم: نعوم تشومسكي".

الراية: التقت الشيخ الدكتور محمود عكام في مدينته حلب، وكان الحوار التالي:

الراية: هل لنا بدايةً أن نتعرف علي المراحل المبكرة واللاحقة من التكوين الفكري والمعرفي لديك؟

د. عكام: لقد درست في الثانوية الشرعية في حلب، بدءاً من الصف الأول الإعدادي وانتهاءً بالصف الثالث الثانوي، وكانت مناهجها تضم معالم جيدة، وملامح أفقية شاملة للعلوم الإسلامية المختلفة، من فقه وحديث وتفسير ولغة عربية وسواها.. رافق ذلك قراءات مختلفة خصوصاً، ودروساً كنت أحضرها لعدد من الأساتذة الأفاضل. والتحقتُ بكلية الشريعة بدمشق، فأفدتُ كثيراً منها، لأنني داومت بشكل منتظم وجادٍّ، وكنت حينها منكبَّاً علي تحصيل علوم الآلة، من نحو وصرف ومنطق.. اعتقاداً مني بأنها تشكِّل أساساً مهمَّاً للتكوين المعرفي العلمي، وتُقوِّي المحاكمةَ الصالحة لإنشاء الأحكام الصحيحة لدي الإنسان.

الراية: اختياركَ السوربون للدراسات الإسلامية من أي منطلق جاء، وما الذي أضافه هذا الاختيار إلي تجربتك المعرفية والعلمية؟

الدكتور عكام: كانت جامعة السوربون، التي قضيتُ في رحابها سنواتٍ أربعاً، نافذةً أطللت منها علي منهج التفكير لدى عالم متطور في تقنيته، يحاول المناظرة بينها وبين الفكر الإنساني، ليظهر متفوقاً فيهما معاً، وأكثر ما شدَّ انتباهي هناك الاهتمام الكبير بالأنثروبولوجيا، أو علم الإناسة، كما يترجمها البعض، وقد جهدت في التعرف علي مقومات هذا المنهج، وانطلقت منه في كتابة رسالتي لنيل الدكتوراه: "الحاكمية والسلطة في الفكر الإسلامي السياسي.

وإني علي ثقة بأن الدارسين الأوائل في تاريخنا الإسلامي كانوا روَّاداً، من أئمة الصحابة، إلى أئمة الحديث، وأئمة الفقه حتى أواخر القرن الخامس الهجري، فقد وقفوا أمام الإنسان كما علمهم القرآن الكريم، وخاطبوه معرَّي عن كل صفة، لينطلقوا من خلال نظراته الأساسية، إلى نفسه وإلى ما حوله، لتكوين أساسيات تفكيره. ولابد هنا من أن أسجل كلمة شكر للأستاذ والمفكر الدكتور "محمد أركون" الذي ساهم في إغناء تطلعاتي لهذا المنهج.

ساء ما يحكمون

الراية: يواجه الإسلام تحديات شرسةً لتشويه صورته النقية، والإساءة إليه بشتي السبل، وحجبِ صوره دون الوصول إلى عوالم الشرق والغرب، وفي حمأة هذه الهجمة يُروِّج البعض مقولة أن الإسلام يُلزِم أتباعه بنسق فكري وسلوكي، "مناقض تماماً لكل عناصر الميراث المشترك لسائر الأمم والشعوب" وهو نسق في زعمهم يناقض العلم ويحارب العقل ويروج للغيبية الفكرية والسلوكية. فما هي الحجج اليقينية التي يمكن سوقها للرَّد على هؤلاء؟

الدكتور عكام: الإسلام دين الإنسان أنَّى كان هذا الإنسان، يُحدِّد له المنطلق، ويرسم له الطريق والمنهج، ويبين له الغاية، ويلفّه بما يناسب إنسانيته ويُرقِّيها. أما المنطلق فهو إرادة الخير للناس كلهم، تجلى ذلك من خلال الإيمان بالله المطلق الخالق العليم الرحيم، عبر رسله ورسالاته للناس كافة، وإقامة الحجة عليهم من أنفسهم.

وأما الطريق والمنهج: فإسلامٌ كامل تام للجسم والروح والعقل، فرداً وجماعةً، يغني التصور بالعقيدة السديدة، الواصلة إلينا بخبر يقيني عن الله عز وجل شأنه، أو عن مبلغه الصدوق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويُغني المواقف بتشريعاته المجيدة، فما من علاقة يُصدرها الإنسان إلى جهةٍ من الجهات، إلا والإسلام يغطِّيها التغطية المناسبة لإنسانية الإنسان، فإن كانت مع الناس فبالتشريعات والأخلاق التي تأخذ اسمها من طبيعة هذه العلاقات، فهناك أحكام وتشريعات تنصبُّ علي قضايا المال تسمي بالمعاملات، وأخرى تغلف قضايا الأسرة تسمى بالأحوال الشخصية، ورابعة تهتم بالجريمة يُطلق عليها اسم الحدود، وما يرتبط بالسياسة والدولة يسمي: "السياسة الشرعية".. وغيرها.

وميزة العبادة في الإسلام أنها تحفز كل دواخل الإنسان من أجل أن يتهيأ لفعل الخير، وحينما نتحدث عن الأخلاق في الإسلام فما من فضيلة إلا ودعا إليها الإسلام وحثّ عليها، وما من رذيلة إلا ونهي عنها وحذر منها.

وأما غاية الإنسان في الإسلام فإنه يرتقي به ليجعل منه خليفةً عبداً صالحاً أميناً. فالخليفة يعني: أنه خُلق على الكوكب الأرضي ليقوده تكليفاً في مسار الخير، ومن خلاله يؤدي ويحقق الأمانة التي نادت بحملها السماوات والجبال، والعبد يعني: الارتباط الأقوى بالإله المطلق عبر طريقي الخضوع والحب، والصالح هو ذاك الذي يمتلك المؤهلات اللازمة من معرفة كونية وتاريخية تستندان إلي معرفة نصيّة.. فما أروع إنسان الإسلام بمنطلقه وطريقه وغايته، وأين هو من افتراء يُفتري عليه مفاده أنه ذو نسق خاص ضيق لا يصلح به لتشكيل إنسان كوني عام، ألا ساء ما يحكمون.

العلمانية والإسلام

الراية: ما واجب العلماء والمفكرين الإسلاميين تجاه الأزمات والنكبات التي حلت بالعالم الإسلامي وفككت كيانه ؟

الدكتور عكام: واجب العلماء في كل آنٍ ومكان هو ذاته لا تبديل فيه ولا تغيير، وملخصه التبيان، والجهر بالحق، وتقديم المسار الأقوم للمجتمع بلغة المجتمعات كافةً، ببيان مأخوذ من التنزيل الإلهي والشرح النبوي له، ذلك أن الله تعالى قال: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الإسراء: 9. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " بُعثت بالحنفية السمحة" كما ورد في مسند الإمام أحمد. ويتصف البيان بالوضوح والاستيعاب ومواكبة الزمان والمتغيرات والشمول والتمام حتي لا ينفصم الإنسان موضوع البيان ومحل تطبيقه. وأعتقد بأن علماءنا سابقاً ساهموا مساهمةً فعالة حين دوّنوا آلاف الكتب التي تتخذ من الإنسان موضوعاً في كل متعلقاته ومجالاته، وما المدارس الفقهية والعقيدية قديماً وحديثاً إلا دليلاً على ذلك.

الراية: برز في العقود الأخيرة مفهوم "العلمانية" وهو مذهب يدعو إلى عزل الدين عن الدنيا، وفكّ الارتباط بين الأديان والسياسة والاقتصاد والسلوك.. فما هو موقف الإسلام من هذه الدعاوي؟

الدكتور عكام: إذا كانت "العلمانية" مشتقة من العلم فنحن علمانيون، وإذا كانت تعني الصراع بين العلم والدين فنحن مجانبون، ذلك أن الإسلام دين يدعو إلى العلم، بل إن التزامه جاء نتيجة التعلم والمثاقفة والتعليم. كيف يُعزل الإسلام عن الحياة وهو دينها وراسم ملامحها؟! ولئن كانت هنالك صراعات بين دين سواه وبين العلم في فترة ما فإن هذا لم يكن ليحدث بين الإسلام والعلم وبين الإسلام والحياة الواعية المتطورة.

وهَبْ أننا عزلنا فما هي حدود الحياة ؟ وما هي حدود الإسلام ؟ وما نفعل بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تتعلق بالحياة اقتصاداً وسياسةً واجتماعاً وأسرةً وما أكثرها ؟! والمهم في النهاية أن نقرر أن الإسلام دين ودنيا وسع الحياة الدنيا والآخرة، أغنى التصور بالعقيدة، وغطى المواقف بأنسب الأحكام مع الإنسان، فكان بذلك اللبوس الصالح للإنسان في كل زمان وأينما حلَّ في المكان.

مفاهيم الغرب وتصوراته

الراية: في وقتنا الراهن نجد صداماً بين الديني والسياسي فيما يخص شؤون الحكم والدولة، إذ إنّ السياسي غالباً ما يتهم الديني بعدم امتلاكه مقومات الدولة نظرية وواقعاً، فما مدى صحة هذا الكلام في رأيك ؟

د. عكام: الصدام بين الديني والسياسي مُفتَعل من قبل الثاني، ذلك أنه وضع في تصوره قبلاً، أنّ الدين لا يمتلك مؤهلات الحكم، فما بال المتدين يُطالب به وهو غير قادرٍ عليه؟ ولو أنّ السياسي اطّلع على ما لدى الديني، وأعني هنا المسلم، لوجد خلاف ما تصور وظن ووهِم. والمشكلة في هذه القضية، مشكلة استيرادٍ كامل لمفاهيم الغرب وتصوراته وتاريخه، وإلا فما هي أسس الدولة الحديثة التي لا نراها في الإسلام ؟! وهل تجانب ما اعتمده الإسلام في هذا الميدان من شورى وعدالة ورعاية الحقوق العامة والخاصة ؟ وما كُتب في الفكر الإسلامي، حول مقومات الدولة الإسلامية، لا يُغاير تلك التي تقوم عليها الدولة الحديثة، بل يزيد عليها عنصر الإيمان بالله الذي يمنحها المؤيّد الداخلي وقوة المراقبة من المرؤوس على رئيسه، ومن الرئيس على مرؤوسه. وما في الدولة الحديثة من حسنات، لا يعدو أن يكون ظلالاً لمقومات دولة الإسلام، ودونكم الخلافة الراشدة، فادرسوها بعناصرها ومقوماتها.


الشباب مسؤولية

الراية: شغلت قضية الشباب في كل زمان ومكان أذهان المفكرين وعلماء النفس والاجتماع والفلاسفة فكيف تجلّى المنهج الإسلامي في علاج مشكلات الشباب برأيك ؟

د. عكام: أما الشباب فالإسلام دينهم، وما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا شباباً. استخرجَ طاقاتهم ووجهها في مسار التكوين السليم الخاضع للعقل الفاهم الواعي، فلا طيش ولا فوضى ولا عدوان ولا إفساد. وما الشباب إلا مجموعة صفات هي الشجاعة والنشاط والعاطفة القوية والمسؤولية الوقادة.

أما الشجاعة فالإسلام يطلبها للذود عن الحياض عقيدة وعرضاً وأرضاً، وللجهاد حيث الدعوة والقتال لنشر دين الله الحق، وإبعاد المستكبرين الذين يعيقون المسير بقوتهم وعدتهم الباغية الطاغية، والذين يسعون لاستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير فيما يخص الإنسان منطلقاً وطريقاً وغايةً وهدفاً. والنشاط والإعداد: ما أكثر الآيات والأحاديث الداعية إليه، وما أظن كتاباً حوى على مصطلحات مثل العمل والجهاد والدعوة، وهذه من مفرزات النشاط وكذلك التفكير وهو أعلى درجات النشاط الذهني في القرآن الكريم، بل إنه نادى أتباعه بالحركة السريعة ليستفرغ طاقة أهل الطاقة: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم) آل عمران: 133. و: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) الحديد: 21، (وعجلت إليك ربِّ لترضى) طه: 84.

وأما العاطفة التي تشكل حجر الأساس في عالم الشباب فقد غذّاها الإسلام عبر الإيمان بالله المطلق الكبير الرحيم، وزرع في أرضها الحب الكبير الذي يستنفذها جيدةً جادَّةً، فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي سبيل المثال: "أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله إياي، وأحبوا آل بيتي لحبي" رواه الترمذي.

إن الشباب مسؤولية نماها الإسلام في تربة الشباب وأنبتها نباتاً حسناً، فما من عمل تقوم به ابتداءً من سن دخولك عالم الشباب إلا والمسؤولية تطوق رقبتك وحدك دون سواك، ولتعلم أن أمامك موعداً ستلقى الله فيه ليسألك عن ساعاتك ودقائقك وثوانيك: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتي يُسأل عن أربع" ومن جملتها "عن عمره فيما أفناه.." كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك.

أجرى اللقاء: خالد الأحمد

لقراءة الحوار من المصدر، لطفاً اضغط هنا

التعليقات

مصطفى علي

تاريخ :2008/02/12

ما أجمل هذه العبارات التي طالما نسمعها من أستاذنا الكبير الدكتور محمود ، بارك الله بك يا سيدي ونفعنا بعلمك

شاركنا بتعليق