آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
قراءة في كتاب: لطائف قرآنية/ جريدة الجماهير

قراءة في كتاب: لطائف قرآنية/ جريدة الجماهير

تاريخ الإضافة: 2009/02/19 | عدد المشاهدات: 4690

نشرت جريدة "الجماهير" الصادرة في حلب بتاريخ 19/2/2009 وفي صفحة "مجتمع" دراسة عن كتاب "لطائف قرآنية" للدكتور الشيخ محمود عكام، فيما يلي نصها:

لطائف قرآنية... معايشات فكرية ولغوية ووجدانية لآيات وكلمات من القرآن الكريم

صدر عن داري: (عالم القرآن الكريم، وفصلت) كتاب بعنوان: (لطائف قرآنية) للباحث الدكتور محمود عكام مفتي حلب، وأعدَّ الكتاب وعلَّق عليه السيد محمد أديب ياسرجي، وقد ضم بين دفتيه /240/ صفحة توزعت عليها العديد من الأبحاث المستمدة من آيات القرآن الكريم.

وقد وشيت أسطر الكتاب باللون الأزرق، والآيات القرآنية باللون الأحمر، وأسماء الأعلام والأماكن والعناوين، مما أعطى الكتاب جمالية وحافزاً بصرياً ودافعاً إيمانياً لقراءته.‏

ونستعرض ماجاء به محمد أديب ياسرجي في مقدمة الكتاب:

ما يزال القرآن الكريم مذ نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم بكلماته الأولى إلى يومنا هذا آخذاً بألباب العارفين به مدهشاً لهم.

كما ما يزال مثيراً لحيرة المناوئين، يتخبطون في آرائهم عنه وأقوالهم فيها خبط الملأ من قريش الذين أتى القرآن على الغاية في وصفهم وتصوير ترددهم وحيرتهم أمامه كما في قوله تعالى:‏ (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتره بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) الأنبياء:5.

ويقابل هذا الموقف المضطرب مواقف أخرى أثبتها القرآن الكريم، ومنها موقف الجن الذي حكاه فأولاه سورةً كاملة سميت باسمهم وقال فيها:‏ (قل أوحي إليّّ أنه استمع نفر من الجن قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً. يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) الجن: 1-2.

لقد وصفت الجن القرآن الكريم بصفتين اثنتين تصلحان عنواناً لمحورين هامين من محاور دراسته، فالقرآن عجب من جهة وهو يهدي إلى الرشد من جهة أخرى.

ويذهب ظني إلى أن محل العجب في القرآن ذاته ومحل الهدى أثره:‏ القرآن في ذاته عجبٌ للناظرين: عجبٌ في بنيته وتركيبه وانتظامه، وفي توافق وحداته ومفاهيمه وأساليبه وانسجامها، وحريٌّ بمناهج البحث وعلوم دراسة النصوص التي لا تنفك تتطور كل يوم أن تكون نتائجها مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن: "ولاتنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد", بل يتجدد بتجدد أسئلة الباحثين فيه.

والقرآن في رسالته وأثره رشد للمهتدين: أي للإنسان الباحث عن صلاح في نفسه وإصلاح في عمله، وبعبارة أخرى: للإنسان الساعي إلى فهم السنن، ونحن نقول عن شخص ما: هذا إنسان راشد إذا فهم السنن والعلاقات الاجتماعية والكونية فهما متوازنا صحيحاً.

ولا شك في أن استخراج مواطن العجب وسبل الهدى في القرآن يستلزم منا عودة إلى القرآن لنعيد اكتشافه عبر تواصل مباشر ومعايشة حميمة بيننا وبينه، وذلك بتلاوته وقراءته وتدبره وهي المصطلحات التي أجمل فيها أستاذنا الدكتور محمود عكام واجباتنا حيال القرآن الكريم.‏

1- أمَّا التلاوة: فتنصرف إلى العناية بضبط اللسان أولاً عند النطق بالقرآن، وما يتصل بذلك من علوم كالتجويد والقراءات، ثم هي تشمل كلَّ الأمور الخارجية المتصلة بالظاهرة القرآنية، كنقل القرآن وتدوينه، وما ولَّده حوله من آثار وأعمال.

2- وأمَّا القراءة: فتُعنى بفهمه ودراسة مفاهيمه وأساليبه، وتشريعاته وأخباره، ولغته وبيانه، وكلِّ ما يتعلق ببُنيته الداخلية.

3- وأمَّا التدبُّر: فهو يعني التثقُّف بالقرآن، بناء على أن الثقافة كما يعرِّفها أستاذنا المؤلف هي: تحويل المعطيات المعرفية إلى سلوك يصبُّ في هدف واضح بما يعزز إنسانيَّتي.

وما هذه اللطائف القرآنية التي نشرُف بتقديمها اليوم إلا واحدةٌ من القراءات المحتملة للقرآن، وهي حافلة بالكثير من العجب الذي يكتنف عليه القرآن الكريم، إلا أنَّها تسعى في غايتها إلى تدبُّر أمثل لهذا الكتاب المجيد، نستشفي به من أدوائنا التي اعترتنا بكلِّ سوء.

"فهذا القرآن شفاءٌ للناس من الأمراض التي تعتري قلوبهم وعقولهم ...، كالشكِّ أو الرَّيب أو التِّيه أو الضَّياع ...، وكالقلق والاضطراب والحُزن والكآبة.

فالقرآن يشفيك: ويجعلك في حالة استعدادية فائقة. والقرآن يرحمك أيضاً: أي يُبيِّن لك قواعد العطاء النافع من أجل أن تتبنَّاها وأن تقوم بها؛ فالقرآن الكريم لم يأت من أجل أن يجعلك إنساناً سليماً فقط، ولكن جاء من أجل أن يجعلك سليماً في ذاتك، وأيضاً من أجل أن يجعلك نافعاً لغيرك خيِّراً".

لقد اختار أستاذنا المؤلف لهذه اللطائف أن يدعوها "مُعايشات" وفي هذا الاختيار رسالةٌ مفادها:

1- إنَّ هذا القرآن أرضٌ طيبة معطاء، وهي تعطي من خيرها كلَّ من يمرُّ عليها، إلا أنَّ عطاءها بمقدار ما يمنحها الإنسان من نفسه وعقله وفكره، فليس من مرَّ بالقرآن عابراً كمن صادقه، وليس من صادقه كمن عايشه، وليس من عايشه كمن عاش به حتى كان خلقه القرآن.

2- نحن مدعوُّون من أجل أن نحفظ لمن بعدنا إنتاجاً يتمحور حول القرآن، تتجلَّى في هذا الإنتاج شخصيتنا، ويرى فيه الآخرون عصرَنا، لا عصر من سلفنا، والعصر كما يعرِّفه أستاذنا المؤلف هو: "الزمن الذي يَكنُفُك أنت أيها الإنسان بإنتاجك دون غيرك، ويحيط بك ويحوطك، وتُنسب إليه ويُنسب إليك... لقد أقسم الله عزَّ وجلَّ بالعصر، واختاره من بين الزمن والوقت والعمر لأنه يريد من الإنسان أن ينتج، ... فإذا أنتج وفعل أشياء جيدةً ونافعة له ولغيره فهو عصره، وإذا أفدنا الإنسانية في دنياها وأخراها فهذا عصرنا.

ولذلك أقول: انتبه أيها الإنسان إلى إنتاجك في زمنك، لأن الله عزَّ وجلَّ يقسم بزمنك، وهو لا يقسم إلا بعظيم، فأنتجْ فيه وإلا فلن يستحق زمنك أن يُقسَم به، وعِشْ عصرك؛ وإذا لم تعشْه وأخذ الزمانَ غيرُك فالعصر عصرُه، أما أنت فخارج القسَم وخارج التعظيم وخارج العصر".

أخيراً: هذه اللطائف بعضٌ من تفكيرٍ ووجدان وذوق وعرفان، أثمرتها معايشةٌ حميمة للقرآن الكريم، وترحالٌ دائم في أنحائه الرحبة، وحرْثٌ دائب في أرضه المعطاء الخيِّرة، وثَّق فيها أستاذنا المؤلف ما لاح له من معان وهو يقرأ آيةً أو يسمعها من فم قارئ، جاهداً في أن لا يخرجَ عن المعتمد في اللغة والمنطق والدلالات وسائر فنون علوم الآلة، ننشرها اليوم في كتاب ابتغاءَ أجر وفائدة ونُصح، بعد أن استمع إليها روَّاد جامع التوحيد الكبير بحلب عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع.

وقد فرض تحويل المسموع إلى مقروء أن يقوم معدُّ الكتاب باختصار بعض الأمثلة والتوضيحات التي يقتضيها الكلام الشفهي ويستغني عنها المكتوب.

كما اجتهد المعدُّ في أن يعلِّق على بعض الأفكار بما يعززها أو يتمِّمها، فنقل عن علماء اللغة والتفسير وغيرهم بعضاً من آرائهم ونظراتهم؛ وقد جاءت هذه المنقولات غفلاً من الإحالة إلى الجزء والصفحة، لأنَّ كثيراً منها أُخذ عن نسخ الكترونية للكتب، فأرجو القارئ الفاهم الكريم أن يتَّسع صدرُه لهذا.

ختاماً: رحمة الله وبركاته على عليٍّ كرَّم الله وجهه وهو القائل: "واعلموا أنَّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشُّ والهادي الذي لا يضلُّ، والمحدِّثُ الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآنَ أحدٌ إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادةٍ في هدى، أو نُقصان في عمى. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن مِنْ فاقة، ولا لأحد قبل القرآن مِن غنىً، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوه على لأوائكم، فإنَّ فيه شفاءً من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغَيُّ والضلال.... ألا إن كلَّ حارث مبتلىً في حرْثه وعاقبة عمله غيرَ حَرَثة القرآن، فكونوا منْ حرثته وأتباعه، واستدلُّوه على ربِّكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آرائكم، واستغشُّوا فيه أهواءَكم".

ثمَّ الصَّلاة والسَّلام على الهادي بأمر الله، إمام الخير ورسول الرَّحمة، من بلَّغ القرآن بصدق، وبيَّنه بأمانة، واجتهد ناصحاً في هداية الأمَّة، وهو الذي يقول: (إنَّ هذا القرآن مَأدُبة الله فاقبلوا منْ مأدبته ما استطعتم، إنَّ هذا القرآن حبلُ الله، والنورُ المبين، والشفاءُ النافع، عصمةٌ لمن تمسَّك به، ونجاةٌ لمن تبعه، لا يزيغ فيُستعتَب، ولا يعوجُّ فيقوَّم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلَقُ من كثرة الردِّ).

فإليه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم منَّا أصدق الولاءِ بعد أعظمِ الثناءِ، والحمد لله ربِّ العالمين.

وقد استهله سماحة الدكتور محمود عكام بقوله:

حمداً لله وصلاة وسلاماً على رسول الله ورضى عن الآل والأصحاب ومن والى واتبع بإحسان.‏

وبعد: فهذه معايشات وجدانية مع آيات قرآنية أضعها اليوم بين يدي قراء أعزاء بعد أن صغتها نسائم وترانيم في آذان سامعين أحباء في جامع التوحيد حولت المسموع المسجل إلى مكتوب مقروء رجاء تعميم فائدة , وأملاً في نشر خير.‏

فخذ هذا يا قارئي وعش معي لحظات تفكير ووجدان وذوق وعرفان، وما أجمل ذلك كله إذا كان المحور القرآن فهو حقاً - بل: وأيم والله - الكتاب الذي لا تنتهي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تشبع منه العلماء، وتستقيم به الألسن، وتسعد بالإمعان والإنعام فيه العيون والقلوب.

فاللهم اجعله زادنا المعرفي ودليلنا المنهجي في الدنيا وسائقنا الصدوق إلى الجنة في الآخرة.

وسترى أيها القارئ العزيز أن الآيات القرآنية ليست من سورة واحدة أو من جزء واحد, أو من القسم المكي فقط أو المدني فحسب، بل هي مختارات تجلت لطائفها أمام عيني وفكري وأنا أقرؤها في المصحف أو أنظر إليها في لوحة أو أسمعها من فم إمام أو قارئ أو خطيب أو... أو... وثقت ما قد لاح لي من معان وجهدت في ألا أخرج عن المعتمد في اللغة والمنطق والدلالات وسائر فنون علوم الآلة.

والمهم في الأمر أنها بعض من تفكيري ووجداني وذوقي وعرفاني فإن أحسنت - وهذا مقصدي- فالله هو المنعم المتفضل، وإن لم أكن كذلك فالله المأمول والمُرجَّى في التجاوز عن السيئات والهنات، وهو حسبي ووكيلي ومعتمدي وملاذي، وإليه مفزعي ومآلي وموئلي ومرجعي, فنعم الوكيل هو ونعم النصير جنابه العظيم جل شأنه, (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير) الممتحنة: 5.

عمر مهملات

لقراءة النص من المصدر، لطفاً اضغط هنا

التعليقات

شاركنا بتعليق