آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
حوار جريدة الجماهير الصادرة في مدينة حلب

حوار جريدة الجماهير الصادرة في مدينة حلب

تاريخ الإضافة: 1991/07/13 | عدد المشاهدات: 6122

13/7/1991 العدد 7711

الجماهير : قال الله تعالى في محكم تنزيله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) البقرة/183. لقد منّ الله على المؤمنين إذ جعل لهم مواسم للمغفرة والرحمة، يُقبلون فيها بقلوب صافية، ونفوس راضية، إلى ربهم سبحانه وتعالى. ومن هذه المواسم العظيمة، شهر رمضان المبارك، الذي حل ضيفاً عزيزاً علينا، شهر العلم والمعرفة، شهر القرآن العظيم، شهر النصر والخير، شهر بدر والفتح وتشرين، شهر الطاعة. وعلى هامش هذه الذكرى الكريمة، وحلول هذا الشهر المبارك، التقينا فضيلة الدكتور محمود عكام، خطيب جامع التوحيد الكبير بحلب، والمحاضر في جامعة حلب. فكان لنا معه الحوار التالي :
ماذا تحدثنا فضيلة الدكتور عن حلول شهر رمضان المبارك ؟
د.عكام : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله أجمعين:
الحديث في رمضان له خاصيته ورونقه، إذ يشعر المتحدِّث أنّ ما لديه من عوائق كثيفة مادية ذهبت، وما يمكن أن يكون مانعاً من تجليات الروح الصافية ولَّى، ولهذا إنْ تكلمت عن رمضان، فإنما يكون ذلك بفضل رمضان ومنه وإليه، ولقد صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حين وصف دخول رمضان بقوله، كما جاء في سنن الترمذي : " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبوب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار كل ليلة " .
الجماهير : هل لنا أن نتساءل عن منهج الجوع في شهر رمضان ؟ ما هي محددات هذا المنهج ؟ وما هي مقوماته في الإسلام ؟
د.عكام : إذا كانت المناهج، بشكل عام، تتحدد بوجود مقوماتها، وهي : النية، والسلوك، والهدف، والعلم المكتنِف ويُسمى فلسفةً أو تأطيراً نظرياً، لكنها تتفاضل بتفاضل هذه المقومات نوعاً وجودة، وتقاس الجودة بقدر اقتراب المقومات من الإنسان، وملامستها لحقيقة وجوده الشكلي : الجسدي والمادي، والارتباطي الانتمائي، إيجاباً، أو انتفائها سلباً. ذلك أن الإنسان هو محور الوجود المشهود، ومنطلق التكليف المعهود. وحين نتحدّث عن الصيام، نتحدّث عن منهج للجوع الذي شاع لدى الناس؛ في عالمنا اليوم، وأصبح على كل لسان، ومنْ منا لا يسمع بنظام الغذاء (الريجيم) ولاسيما في أوساط المترفين ؟! إلا أن هذا المنهج لدى الآخرين، حين ننزِّله وفق المقومات المذكورة، فلا تعدو النية فيه أن تكون أمراً نابعاً من دافع حب البقاء، والسلوك لا يتجاوز الحرمان الجسدي، أما الهدف المنشود؛ فما هو إلا التخلي عن بضعة أكيال من الوزن، إذ كانت عبئاً على الحركة التي قد تكون أسوأ من عدمها، لما تنتج من ضرر للإنسانية والإنسان.
أما الجوع في الإسلام عبر الصيام فمنهج يلامس الإنسان، ويرعى وجوده المادي والروحي والانتمائي. فالنية فيه : امتثال أمر الخالق المنعم، فلقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال، كما روى البخاري في صحيحه : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُـفر له ما تقدم من ذنبه " والسلوك : اجتناب لكل مفطر حساً ومعنى؛ من طعام وشراب وغيبة ونميمة وحقد وغل وحسد وقول زور وخيانة وشح وجهل، وهاهي ذي أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تبين ذلك إذ يـقول واحـد مـنها، كما ورد في البخاري: " منْ لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أنْ يدع طعامه وشرابه " . وأما الهدف: فالتقوى، وما أورعها من هدف ! وما أعظم آثارها ! وأَكرِمْ بنتائجها ! إذ تضع الشجاعة والثبات والمراقبة والمحاسبة في مساراتها الصحيحة، لتفرز في الواقع صفحات مجد، وسطور عز، وهل " بدر" و " الفتح "، وهـما من أعظم غزوات الإسـلام، إلا من بركات رمضان، ومنهج الصيام ؟ ويا لروعة ما تنتجه في الآخرة وحسبنا في ذلك ما قـاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مخبراً عن ذلك، كما روى البخاري : " إنّ في الجنة باباً يُـقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل أحد غيرهم" . وحين نتحدث أخيراً عن العلم المكتنف، أو التأطير النظري، والفلسفة المعرفية: فما أحرانا أن نشير إلى كتاب الله، والآيات التي تتحدث عن الصيام، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي حكت عنه مفصلا ً، وما كتبه العلماء المهتمون في ذلك استنباطا ً وفقها ً، لنرى ذلك كبيراً وعظيماً في كمه وحجمه ونوعه !.
فإلى الـجوع وفـق تعـاليم الإسلام، لنحوله إلى صيام، فتتحقق التقوى، وتثمر بدراً وفتحاً من جديد، وإنّـا ليوم الوعي الكامل من أمتنا كلها لمناهج حياتنا الشاملة لمنتظرون.

التعليقات

شاركنا بتعليق