آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
معالم الكلمة المنشودة

معالم الكلمة المنشودة

تاريخ الإضافة: 2009/12/11 | عدد المشاهدات: 3959

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

`

أظن، إن لم أقل أعتقد، أن جمعنا يستاء عندما يسمع تفجيراتٍ هناك وتفجيرات هنا تستهدف مدنيين وتستهدف أبرياء وتستهدف أطفالاً، نستاء من هذا الذي يحدث، وأنا واحدٌ ممن يفكر بعد كل عملٍ مرفوضٍ كهذا، يفكر في حال المسلمين، قلت في نفسي صباح هذا اليوم: ألسنا - كما نقول - أمة الكلمة ؟ ألسنا أمة اقرأ ؟ ألسنا أمة الدعوة إلى الله على بصيرة ؟ ألسنا أمة مَن أُنزل عليه: ﴿ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين﴾ فلماذا استبدلنا بالكلمة النار، ولماذا استبدلنا بالكلمة التفجير، ولماذا استبدلنا بالكلمة الشتم واللعن، لماذا يا أيها الإخوة ؟! كلنا يفخر بأنه من أمة اقرأ، أي من أمة الكلمة ولكن ما قيمة الكلمة عندنا، ما موقع الكلمة بيننا، ما أثر الكلمة في حياتنا ؟! أعتقد إن على مستوى التفجير أو على مستوى التعايش هنا فيما بيننا لم نعد والحال هذه لم نعد أمة الكلمة، وإنما غدونا أمة الرصاصة وأمة الشتيمة وأمة السب وأمة المواجهة المسلحة فيما بيننا وأمة القتل والضرب والهرج وهذا ما يجعلنا نستاء ونستاء، وهذا ما يجعلنا نبكي ونتألم ونتحسر ونتأسف.

يا إخوتي: أتريدون للكلمة أن تعود لتكون الجسر الواصل بيننا وبيننا، ولتكون الجسر الواصل بيننا وبين الآخرين ؟ إذن ما علينا إلا أن نتحدث عن هذه الكلمة، عن عنوانها، عن مضمونها، عن أسلوبها، عن غايتها، فإذا ما احتضن فكرنا هذه الكلمة، أظن أننا سنتابع التفكير في استخدامها واستعمالها لأن معاني الكلمة غائبة عن أذهاننا، ولقد استحضرنا عبر كل وسائل إعلامنا، وهذا شيء مؤسف استحضرنا بديل الكلمة السلبي استحضرنا النار والرصاص والتفجير والسب والشتم واللعن.

عنوان الكلمة التي نريدها جسراً بيننا وبيننا، وبيننا وبين الآخرين: الإصلاح والنصح، فنحن أمة النصح هكذا نقول وهكذا يجب أن نكون، نحن أمة النصح وأمة الإصلاح أوليس الله قد قال: ﴿إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾، أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما جاء في صحيح الإمام مسلم: (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). عنوان الكلمة المنشودة التي نريدها جسراً الإصلاح والنصح.

أما مضمون هذه الكلمة: مضمونها يشترط فيه أن يكون سديداً: ﴿اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم﴾ والسَّداد في الكلمة يعني أن تكون الكلمة محققة وموثقة، يتكلم كثيرون منا لكن كلماتهم ليست محققة وليست موثقة ولطالما أشرنا هنا في هذا المكان وفي محاضراتٍ أخرى إلى ضرورة أن تتوثق وأنت تتكلم، إلى ضرورة أن تتحقق وأنت تتكلم، انظر كلامك الذي تقوله من الصباح إلى المساء كم تكلمت موثِّقاً وكم تكلمت محققاً ؟ انظر كلامك وحاسب نفسك منذ أن تستيقظ إلى أن تنام فما أظن أن الكلمة التي تصدر عنا مسددة، وكلمة مسددة تعني أن تكون الكلمة محققة وموثقة، بات الكلام الذي لا تحقيق فيه ولا توثيق فيه هو كلامنا، هو الكلام الذي نتكلمه في صباحنا ومسائنا في مساجدنا ومدارسنا، يحدثني من يحدثني ويقول لي في المكان الفلاني، والبارحة كنت مع طلاب للدراسات العليا فقال لي أحدهم: سمعت أن في أمريكا كذا وكذا، وسمعت أن في اليابان كذا وكذا. فقلت له: وما مصدر كلامك ؟ قال لي: ما أذكر، لقد سمعت مرة. قلت له: يا هذا وأنت طالبٌ في الدراسات العليا ينبغي أن توثق كلامك، وينبغي أن تتحقق من كلامك وأن تحقق كلامك، وإلا فما قيمتك وأنت إنسان عندما يكون كلامك غير موثق ولا محقق.

الإنسان بكلمته، والكلمة هي الإنسان، والإنسان إن لم يكن محققاً وموثقاً فلا قيمة له. هذا شرط مضمون الكلمة، أن يكون مسدداً موثقاً ومحققاً.

أما أسلوب الكلمة فيجب أن تكون الكلمة إحسانية الأسلوب، وكلمة إحسانية أن تكون رفيقة رقيقة، ينبغي أن تكون الكلمة هادئة متَّزنة، ينبغي أن تكون الكلمة تتمتع بالمناسبة: (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم) هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسلم، ويقول سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه حسبما جاء في البخاري: (حدِّثوا الناس بما يعرفون) ينبغي أن تكون الكلمة رفيقة رقيقة هادئة متزنة لطيفة: ﴿وهُدُوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد﴾، و: (إن الرفق) كما قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرفق ما وُضع في شيءٍ إلا زانه، وما رفع من شيء إلا شانه)، عليك أن تحدّث الناس بكلمة إحسانية الأسلوب، فهل أنت كذلك ؟ انظر كلامك مع أولادك، مع أستاذك، مع زوجتك، مع طلابك، مع المسؤول عنهم، مع جنودك، مع ضباطك، مع العاملين عندك، مع محدثيك، مع مرؤوسيك، مع رؤسائك، مع شعبك، مع كل هؤلاء الذين تتوجه إليهم بالكلمة، مع الآخرين، مع غير المسلمين، على الكلمة أن تكون إحسانية الأسلوب.

أما من حيث الغاية: فينبغي أن تكون الكلمة خيّرة الغاية، ولئن سألتني عن معنى أن تكون خيرة الغاية فإنني أقول لك أن تكون نافعة للناس، هذه هي الخيرية التي يجب أن تتمتع بها غاية الكلمة التي تريد أن تقولها، لذلك قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي البخاري ومسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) إن لم يكن كلامك ينفع الناس فاسكت فهذا أولى بك، رحم الله امرءاً قال خيراً فغنم، أو سكت عن شرٍ فسلم، انظر غاية كلامك، هل غاية كلامك أن تنفع الناس ؟ هل غاية كلامك خير ؟ وهل أنت ممن ينظر إلى الكلمة بشرط أن تكون خيرة الغاية ؟

أيها الإخوة: من ضَبَط لسانه حسَّن إنسانه، لسانك ميزانك، وإنما المعتبر فيك لسانك، والمعتبر عند الله بعد لسانك قلبك، أنت في الدنيا تؤاخذ على لسانك، كفَّ عليك هذا يا معاذ،  هكذا قال سيدي رسول الله لمعاذ بن جبل، قال يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناس في النار يوم القيامة على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) حصائد الألسنة هي التي تكب وجوه الناس في النار يوم القيامة، فانتبه يا أخي لهذا الذي تقول واجعل غاية كلامك خيرة، والخير نفع الناس، أن تنفع الناس من دون حدود لا أن تنفع أقربائك فحسب بحيث تضر الآخرين، الكلمة يجب أن تنفع الناس جميعاً ولذلك إن لم تستطع أن تقول كلمة تنفع الناس فما عليك إلا أن تصمت، يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري ومسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين منها) ما يتأكد منها ولا يوثق ولا يحقق ولا ينظر الغاية ولا يحسّن الأسلوب (يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) اسمعها أيها الأخ المسلم هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لك انتبه إلى كلمتك التي تقولها تأكد منها: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين منها) ما يتأكد من عنوانها، وعنوانُها الإصلاح والنصح، ما يتأكد من مضمونها، ومضمونُها التوثيق والتحقيق والسداد، ما يتأكد من أسلوبها، وأسلوبُها الإحسان، ما يتأكد من غايتها، وغايتُها الخير، النتيجة إن لم يتبين منها يزل في النار أو إلى النار (يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) هذا بكلمة، فانظروا كلماتكم وكلامكم، انظروا ما أكثر ما نتكلم من غير أن نتبين ولا نتأكد ؟ الكلمة مسؤولية، من أراد منكم أن يحمل الأمانة التي لم تستطع السموات والأرض والجبال حملها وأشفقن منها، من أراد منكم أن يحمل الأمانة بوفاء وصدق فلينتبه إلى الكلمة، وإلا فهو خائنٌ للأمانة، والأمانة كلمة أولاً وآخراً، نحن أمة الكلمة ولسنا أمة النار بل نحن أمة تطفئ النار هكذا قال ربنا العزيز الجبار القهار: ﴿كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله﴾ نحن أمة الكلمة ولسنا أمة النار فتأكدوا من أنفسكم أيها الحكام أيتها الشعوب أيتها الحركات أيتها الطوائف أيتها المذاهب يا أيها المسلمون في باكستان وفي العراق وفي السودان وفي فلسطين وفي لبنان وفي أفغانستان وفي كل مكان تأكدوا من هذا، نحن أمة الكلمة هكذا ندَّعي وهكذا كنا وهكذا نريد أن نكون، ولسنا أمة غير الكلمة بغض النظر عن هذا الذي نسميه غيراً، نحن أمة كلمة، هذه الكلمة عنوانها الإصلاح والنصح، مضمونها التوثيق والتحقيق والسَّداد، أسلوبها إحساني، غايتها خير، هذه هي معالم كلمتنا، مَن أراد منا أن يعيش عبداً صادقاً لربه فليلازم تلك الكلمة ومن لا فلا قيمة لإنسانٍ لا يتصف كلامه بهذا الذي ذكرنا.

يا ربنا، يا رب الكلمة الطيبة التي هي شجرة طيبة كما مثلتها يا رب العالمين، أسألك أن ترد ألسنتنا وقلوبنا إلى الكلمة التي ترضى عنها وأنت رب العالمين بسر محمد وآل بيت محمد وأصحاب محمد وأزواج محمد وذرية محمد، نعم ما يقول ربنا، ونعم الرب ربنا، ونعم الرسول رسولنا، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 11/12/2009

التعليقات

نعمان سخيطة

تاريخ :2009/12/14

خطاباتك ساحرة يا سيدي لكن ينقصها التعميم والشهرة لتصل لكل من يتقن اللغة العربية نحن بأمس الحاجة للكلمة الطيبة الأمة الأسلامية وصلت الى قمة التخلف والبعد عن الدينيا دكتور محمود

خليل شاوي

تاريخ :2009/12/15

عيسى كلمة الله وانت كلمة رسول الله ولانك كذلك فرقت وبدقة بين كلمة تفجر الخير وكلمة تفجر الشر فشكرا لكم وادام الله بريق فهمك لكتابه وشمس حبك لنبيه ووطنيتك المخلصة

شاركنا بتعليق