نشرت صحيفة تشرين الصادرة في دمشق ضمن زاوية مدارات بتاريخ : الاحد 25 تموز 2004 ما يلي :
قواعد إسلامية عامة في تربية الأطفال
تمهيد عام عن الطفل والطفولة وضرورة
العناية به:
حين نبحث في اللغة عما تعنيه حروف " الطفل " بشكل عام نجد ان المعنى هو النعومة
والبهاء ، والشروق والدنو ، وعلى هذا فالطفل هو ذاك الناعم البهي المشرق ، الآتي
بالفرح والحبور ، القريب من العواطف السامية النظيفة العالية ، فما أجمل هذا وما
أروعه !
وقد وردت كلمة الطفل في القرآن الكريم أربع مرات :
قال الله تعالى :
( ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ) الحج :5 .
( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم
) غافر: 67 .
( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) النور:31 .
( وإذا بلغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ) النور:
59 .
ويظهر ان الطفولة - بحسب الآيات تلك
- تمتد إلى سن البلوغ ، وهي مرحلة عمرية ناعمة لطيفة تلقائية ، مؤسسة لما
بعدها ، لأن البدايات إذا أشرقت فقد أشرقت النهايات ، ولا شك في أن القلوب مجمعة
على محبة الطفل ، أيا كان ، لا فرق فيه بين لون ولون ، أو بين دين ودين ، أو بين
مكان ومكان . والطفل - في النهاية
- بهجة ومتعة لكل الإنسان ، عينه ، وذوقه ، ولمسه ، وشمه ، وحركته ودعابته .
غير أن الطفولة اليوم ، وللأسف- وفي أصقاع الأرض كافة- تعيش مرحلة الضياع والاعتداء
عليها ، وما الضياع إلا مفرز ، ونتيجة لطغيان المادة والاستهلاك ، وأما الاعتداء
فيتجلى في القصف والتدمير والإفقار المادي والإهمال التربوي .
وحين نُجّد السير للبحث عن ملامح رعاية الإسلام للطفل فمن أجل انتشاله من ذاك
الضياع ، وإيقاف الاعتداء عليه ومباشرة رسم أُطُر العناية والتربية نظرياً أول
الأمر ، وبعدها تأتي مرحلة التنفيذ مسؤولية على عاتق من بيده الفعل في مختلف
المستويات والصعد والحلقات الاجتماعية .
والإسلام الذي ننهل منه ليس فكرة بشرية ولا حزباً أرضياً ، بل هو تعاليم الخالق
العليم بخلقه ، جاءت آيات موثوقة النسبة محققة التناسب مع الإنسان ، فاجتمعت لتكون
القرآن الكريم فهو الدستور الأمثل للإنسان ، تفصّل مجملاته القوانين ، وتستنبط من
محكماته أسس العلاقة المتنوعة على ضوء زمن من يفصّل ومكانه ، ومراعاة لزمن المستنبط
وأحواله .
وقد كانت لهذا الإسلام تجربة واقعية ناجحة تستحق الذكر ، وبدافع من نجاح هذه
التجربة -التي افترشت العهد النبوي وما بعده لسنين عديدة- يصرّ من يصر من علماء
الشريعة على ضرورة اعتماد مصدري الإسلام - المؤسِّس والمبِّين - مرجعاً لا بد منه
لاستلهام القواعد العامة للتربية بشكل عام ، ولتربية الطفل خاصة .
القواعد الأساسية العامة الإسلامية في تربية الطفل :
1- أن تكون التربية عملية واقعية تفاعلية :
يجب أن تكون تربية الطفل تربية عملية واقعية تفاعلية ، تحمل إجابات حقيقية على كل
تساؤلات الطفل المرتسمة على الحال قبل اللسان . كيف خُلق ؟ ومن الذي خَلقه ؟ ومن
الذي سوَّاه فعدله ؟
وما الموقف الواجب تبنّيه مع الخالق وتجاهه ؟ ومايجب عليه اتخاذه حيال الأبوين ؟
وكذلك من هو ؟ ولماذا كان ؟ وما الغاية من وجوده ؟ ومن المسؤول عنه ؟ وما الكون
الذي يلفه ؟ وكيف يتم التعامل معه؟
وحسبي من أجل الإشارة إلى الإجابات على تلك الأسئلة أن أعرض -وبالتسلسل المقارن
والموازي لما سبق طرحه من أسئلة - ما جاء في القرآن الكريم .
فقد قال الله تعالى : ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم . الذي خلقك فسواك
فعدلك ) الانفطار : 6-7.
وقال الله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) الإسراء :
23 .
وقال الله تعالى : ( اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما
رجالاً كثيراً ونساء ) النساء : 1 .
وقال الله تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات : 56 .
وقال الله تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً ) المؤمنون : 115 .
وقال الله تعالى : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي
الألباب . الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات
والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) آل عمران : 190 - -191 .
وقال الله تعالى: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي
الصالحون ) الأنبياء : 105 .
2- التهذيب والتأديب :
تقوم التربية الإسلامية للطفل على ركنين هما : التهذيب والتأديب . ونعني بالتهذيب
العناية بالجسم ، وأما المراد بالتأديب فهو الاهتمام بالمعنى الإنساني وماعدا الجسم
، وربما توزع هذا المعنى على شعبتين هما: العقل الذي يفرز التفكير والعلم ، والقلب
الذي ينتج الحب والعاطفة والوجدان . وبالجمع بين معطيات ومفردات التهذيب والتأديب
نخرج بقول هو : العناية بالطفل في الإسلام وتربيته ، تعني العناية بعمله وتفكيره
وعلمه وحبه ووجدانه ، وهذه في الحقيقة مكوناته ، فلتُؤسس هذه المكونات بقوة ،
وحسبنا أن نشير بإجمال إلى ما جاء في القرآن الكريم عن هذا الذي ذكرنا ، وفق قاعدة
اللف والنشر المرتب :
فقد قال الله تعالى : ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) القصص : 26 .
وقال الله تعالى : ( سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) الأنبياء : 60 .
وقال الله تعالى : ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) الكهف : 13 .
وقال الله تعالى : ( إن الذين آمنواو وعملوا الصالحات ) البقرة : 277 .
وقال الله تعالى : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في
السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) لقمان : 16 .
وقال الله تعالى: ( ولا تصعّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل
مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير) لقمان : 18
- -19 .
وقال الله تعالى : ( وقل رب زدني علماً ) طه : 114 .
وقال تعالى : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على
الكافرين ) المائدة :54
وقال الله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) الحجرات : 10 .
وقال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً
منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا
بالألقاب ) الحجرات : 11 .
3- البناء المتكامل للطفل الإنسان :
التكاليف الإسلامية المتعلقة ببناء الطفل وتربيته وتكوينه جاءت آيات محكمة ،
وبيّنتها وشرحتها أحاديث شريفة ، وطبقها ونفذها مكلفون طائعون واعون . . . ، وأمام
هذا كله يتحدد موقفنا : ليكون مع القرآن اعتماداً مرجعياً لا نستبدل به سواه ، ومع
الحديث الشريف اعتماداً إيضاحياً ، ومع التطبيقات والتنفيذات اعتماداً لتدعيم خبرة
استنباطية .
وفي ميدان التطبيق والتنفيذ نحث الخطا لنكون في سجلاته صفحات تالية لصفحات سالفة ،
ونأبى أن نكون صفحاتٍ مكررة للسالفة السابقة . وبعبارة أخرى : لا نبغي تقليداً
حرفياً ، ولا طاعة ذات عيون عمياء ، وإنما الموقف جد واضح ، تعامل يباشر النص
مستعيناً بما استمطره السابقون منه ، لنستخرج الكامن فهو خير كثير ووفير ، ولا
تنتهي عجائبه .
وخلاصة التكليفات في هذا الشأن بناء متكامل للطفل الإنسان ، والمراد بالبناء ،
تأهيل شامل كامل لكل النواحي والمناحي ، وهاكم تسميات معالم البناء ، مع ما يتيسر
ذكره من نص مرجعي وإيضاحي وتطبيقي :
1- البناء العلمي الفكري : فقد قال الله تعالى: ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا
تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) النحل : 78 . وقد
ورد عن سيدنا الإمام عليه السلام أنه قال : " مروا أولادكم بطلب العلم " . وورد عن
سفيان بن عيينة أنه كان مع طلاب له في مجلس فدخل طفل فتهاون مَن في المجلس به لصغر
سنه فقال سفيان: ( كذلك كنتم من قبل فمّن الله عليكم ) النساء : 94 ، ثم قال : "
يا نصر ، لو رأيتني ولي عشر سنين ، طولي خمسة أشبار ، ووجهي كالدينار ، وأنا كشلعة
نار ، ثيابي صغار ، وأكمامي قصار ، وذيلي بمقدار ، ونعلي كآذان الفار ، اختلفت إلى
علماء الأمصار ، مثل الزهري وعمرو بن دينار ، أجلس بينهم كالمسمار ، محبرتي كالجوزة
، ومقلمتي كالموزة ، وقلمي كاللوزة ، فإذا دخلت إلى المجلس قالوا : أوسعوا للشيخ ا
لصغير " .
2- البناء الروحي : قال الله تعالى : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) طه :
132 . وقال الله تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع
المحسنين ) العنكبوت : 79 . وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت خلف رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال : " يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك
، احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ،
واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك
، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت
الأقلام ، وجفت الصحف " -أخرجه الترمذي .
3- البناء العاطفي : وأعظم العواطف أسّها الرحمة ، وقد قال الله تعالى : ( وما
أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء : 107 . وقال الله تعالى : ( ورحمتي وسعت
كل شيء ) الأعراف : 156 . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " الراحمون
يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " أخرجه احمد وأبو داود
والترمذي والحاكم ، عن عبد الله بن عمرو . وقال الله تعالى : ( فأما اليتيم فلا
تقهر . وأما السائل فلا تنهر ) الضحى : 109 . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : " أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين " وأشار بالسبابة والوسطى أخرجه البخاري
، عن سهل بن سعد رضي الله عنه .
4- البناء الجنسي ، أو التهذيب والتأديب الجنسي : قال الله تعالى : ( يا أيها الذين
آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل
صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس
عليكم ولاعليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات
والله عليم حكيم . وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كمااستأذن الذين من
قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم ) النور : 58 - -59 .
5- البناء السلوكي : أ - الذي ينصب على الجسم بالتصحيح والتقوية : فدعا الإسلام
إلى النظافة والطهارة ، والتداوي وممارسة الرياضة من رماية وسباحة وركوب خيل ، وقد
قال الله تعالى: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) الأنفال : 60 .
ب- وينصب على الأخلاق بالرفعة والترقية ، فقد قال الله تعالى : ( وإنك لعلى خلق
عظيم ) القلم : 4 . وقال تعالى: ( ولوكنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) آل
عمران : 159 . وعي أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم : " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن " أخرجه أحمد
والترمذي .
جـ - وينصب على الاجتماع بالدعوة إلى التآلف والتواد وحسن المعاملة ، فالمؤمن إلف
مألوف ، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم .
4- القدوة الحسنة ضرورة تربوية :
القدوة الحسنة ضرورة تربوية لا غنى عنها ، والإسلام أكد على لزوم قيامها ، ففي داخل
كل انسان إنسان يقلده و يتبعه ، وفي كل الميادين . وقدم هذا الدين أنموذجه وقدوته ،
فقال الله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم
الآخر وذكر الله كثيراً ) الأحزاب : 21 . وقال الله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون
الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) آل عمران : 31 . وقال صلى الله عليه
وآله وسلم : " أنا خير أصحاب اليمين ، أنا خير السابقين ، أنا أتقى ولد آدم وأكرمهم
على الله " أخرجه الطبراني في الكبير ، كما في مجمع الزوائد . وقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : " أنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر " أخرجه الترمذي
وأخيراً :
هذه معالم الإسلام التربوية أو بعضها ، في مجال الطفولة ، وليسمح لي القارئ أن أنقل
شهادتين لعالمين غربيين هما: ( كاري واند ) الذي يقول : " من خلال معايشتي
للمسلمين اكتشفت العلاقة الرائعة بين أفراد الأسرة المسلمة " . والثاني ( لويس
سيديو ) الذي قال : " لا شيء أدعى إلى راحة النفس من عناية محمد بالأولاد " .
فاللهم وفقنا جميعاً للتحقق بالإسلام حقاً وصدقاً ، واجعلنا في انتمائنا إليه واعين
جادين .
د . محمود عكام
التعليقات