أقام فرع طلائع البعث بحلب ندوة حوارية تحت شعار: (سورية بخير) شارك فيها الدكتور الشيخ محمود عكام مفتي حلب والقس هاروتيون سليميان رئيس طائفة الأرمن البروتستانت في سورية وأدارها السيد عبد القادر بدّور رئيس الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون، في معسكر الشهيد باسل الأسد بكفر جنة يوم الثلاثاء 13/7/2011. وفيما يلي النص الكامل لمشاركة الدكتور عكام:
بسم الله الرحمن الرحيم
قيمة الوطن في حياة الشعوب عموماً وفي حياتنا بشكل خاص:
نحن في هذا المكان الذي يشكل جزءاً من الوطن، ونحن مع إخوة يشكلون بعضاً من هذا الوطن، هذا المكان جميل، وهؤلاء الإخوة والأخوات أعزاء وشرفاء وأماجد، فإذا كان هذا المكان جزءاً من الوطن وإذا كان هؤلاء الإخوة والأخوات بعضاً من المواطنين فحدِّث عن الوطن وجماله وروعته ولا حرج. أتريدون عيّنة من وطننا ؟ هذه هي العينة، شبابٌ لا أجاملهم، فهم كرام وأشعر بأني واحدٌ منهم، هم مني وأنا منهم، أنتمي إليهم وينتمون إلي، أحب ما يحبون، ويحبون ما أحب، أحب سورية لأنها وطننا، ونحب الوطن لأن محبة الوطن ديننا، نحب أرضنا ونرعاها ونفتديها لأنها حفظتنا ورعتنا وأطعمتنا وسقتنا، نحب هذه السماء التي أظلتنا والتي أعطتنا هوية، وهذه الهوية نفتخر بها، نفتخر بأننا من سورية التي تمتد من حيث العمر آلاف السنوات، سورية المعروفة بالحضارات المتوالية.
الوطن قيمة بحدّ ذاته، الوطن كالخير كالجمال، فعندما نتحدث عن الجمال نتحدث عن قيمة مطلقة، عندما نتحدث عن الخير نتحدث عن قيمة مطلقة، الوطن قيمة مطلقة بحد ذاته فبمجرد أن تقول وطن كأنك تقول خير وكأنك تقول جمال، الوطن أمٌ أعطتنا ربتنا ضمتنا سماؤها، الوطن أم علينا أن نبرّ أمنا، الوطن أنا، الوطن أهلي، الوطن قيمي، الوطن كل شيء لدي، الوطن هو البلد الذي جعلني أعتز بنسبتي إليه، لذلك وطني أيها الوطن الغالي: الواو فيك وفاء، والطاء فيك طهارة، والنون فيك نقاء، وطني سأبقى أحبك، سأبقى أفتديك وأعيش على ترابك من أجل أن أكون باراً، وطني لن أخونك، وطني لن أهادن عليك، سأبقى أحافظ عليك بكل ذراتي. ويوم أُخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مكة التفت إليها لا لأنها مكة بل لأنها وطنه، علَّمَ الناس أن يلتفتوا إلى أوطانهم ليقولوا هذه الكلمة: "والله إنك لأحب بلاد الله عندي، ولولا أن قومك اخرجوني ما خرجت". ونحن نقول: والله يا سورية إنك لأحب بلاد الله عندي، والله يا حلب إنك لأحب بلاد الله عندي، من مسَّك بسوء فإنني سأتحول إلى عاصفة تنهال على الذي يريد سوريةَ بسوء. والله يا سورية عندما نحب ديننا فإننا نحبك لأن ديننا يقولوا لنا أحبوا بلادكم، أحبوا وطنكم، قابلوا المعروف بالمعروف، والله يا سورية أنت غالية على قلوبنا، أقسمنا بأن نحافظ عليك ما حيينا، سنحافظ على كل من يريد الحفاظ عليك، كل من يريد لك الخير فهو على الرأس والعين، وكل من يريد بك ولك الشر فإننا سندحره ونرفضه. يا أيها الشباب: إن ديناً يقول لي إن الوطن عِرض هو الدين الصحيح، ويوم يقول لي الدين بأن الوطن ليس قيمة فليس هذا بدين، الوطن محكُّ الدين الصحيح ومحكُّ القيم الصحيحة، ومحكّ الإنسانية الصحيحة، عندما تعيش لوطنك فعليك أن تتذكر دائماً بأن أول الواجبات التي يجب أن تقوم بها هي واجبات هذا الوطن وحقوق هذا الوطن عليك.
وملخص القول: وطني أعشقك، أحبك، أحب مَن فيك، أحبُّ أرضك وسماءك وأشجارك، وها أنذا أعلن أمام الناس وأمام الله بأنك أمانة في رقبتي لن أخونك، لن أخون مواطنيك، لن أخون الطّهر الذي تجلببت به، لن أخون النقاء الذي خيّم عليك، أكرمنا ربنا بسورية الغالية، العزيزة التي تتمتع بكل رفعة كونوا على مستواها، فسورية تحتاج أن يكون أبناؤها على مستواها، نحن مع كل من يخدم سورية، مع كل من يريد رفعة سورية والأمانة والعزة والحضارة والمدنية، نحن مع سورية، مع كل ذرة من ذرات هذا الوطن الغالي، وأضعها أمانة في أعناقكم فإياكم أن تخونوا الوطن، إياكم أن تخونوا القيم، إياكم أن تخونوا الدين، فورب الكعبة إنكم لمسؤلون أمام الله عز وجل وأمام الأجيال القادمة، فالآخرة حق، وسيسألنا ربنا عن موقفنا تجاه وطننا، فاتقوا الله في أوطانكم أيها المواطنون الأعزاء.
الحرية، مفهومها، ضوابطها:
ما ثمة كلمة أجمل من الحرية، وما أظن أن ثمة هدفاً يسعى الإنسان ليناله أعظم وأكبر من الحرية، لكننا أحياناً نذكر بعض المصطلحات وننادي بها قبل أن نحصرها في أذهاننا من حيث الدلالة، قرأت أكثر من مئة تعريف للحرية لكني في النهاية وصلت إلى أن الحرية ليست مصطلحاً، وإنما هي منظومة تتألف من أربعة مصطلحات، فالحرية: معرفة وحوار ووضوح ومسؤولية.
إن تمتعَ الإنسان بهذه الأمور الأربعة كان حراً، الحوار بالنسبة لنا كلمة ومصطلح إسلامي جاء في القرآن الكريم: (قال له صاحبه وهو يحاوره) إن أردت أن تكون موصوفاً بالحرية فعليك أن تتمتع بقابلية الحوار، إن أردت أن تكون موصوفاً بالحرية فعليك أن تتمتع بالمعرفة، الجاهل لا يمكن أن يكون حراً ، إذا أردت أن تتمتع بالحرية فعليك أن تكون واضحاً، الوضوح تحت الشمس: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها" نحن لا نتكلم وراء السراديب، إن أردت أن تتمتع بالحرية عليك أن تستشعر مسؤوليتك، لذلك قال من قال أنا أفكر إذاً أنا موجود، وأنا أقول: أنا أشعر بالمسؤولية إذاً أنا موجود، وأنا حر.
من أراد منا أن يتعرف على نفسه فيما إذا كان حراً فلينظر: هل هو محاور، هل هو على علم بالمضمون والغاية والهدف، هل يستشعر المسؤولية، هل هو واضح ؟ إذاً هو حر.
حقوق وواجبات الوطن:
الأصل أن يكون الإنسان بين حق وواجب، الإنسان ذمة، والذمة حق وواجب، قالوا: من عرف حقوقه وواجباته فهو عادل، ومن عرف حقوقه وتناسى واجباته فهو غافل، ومن عرف واجباته وتناسى حقوقه فهو فاضل.
في هذه الأيام بدأ داء الغفلة يدبُّ فينا، فالواحد منا يريد أن يعرف حقوقه ويتناسى واجباته، ولو قُدِّر لي أن أكون مسؤولاً لغيرت كلية الحقوق وأسميتها كلية الواجبات، لأننا تعلمنا أن نطالب بحقوقنا ونتناسى واجباتنا، فلا حاجة لأن يتذكر الإنسان حقوقه لأنه يعرفها، لكن هناك حاجة لتذكيره بواجباته، كل شيء عليك واجبات تجاهه، ما واجباتي تجاه وطني ؟ واجباتي تجاه وطني أمور ثلاثة: محبة ووفاء، بذل وعطاء، تضحية وفداء. هل تحب وطنك وهل أنت وفيٌ مع وطنك ؟ هل تبذل ما في وسعك من أجل رفعة وطنك ؟ هل تضحي إذا لزم الأمر بالغالي والنفيس من أجل وطنك ؟
وأما واجباتي نحو المواطن الذي يحمل الهوية التي أحملها، وهذه الهوية وثيقة معاهدة، أنت تحمل نفس الوثيقة التي أحملها، واجباتي نحوك وواجباتك نحوي أمرين: الحصانة والإعانة. أنت في حصانة، دمك ومالك وعرضك وكرامتك مسيحياً كنت، شركسياً، كردياً، عربياً، مسلماً، مسيحياً... المهم أنك تحمل وثيقة المواطنة السورية، نحن مواطنون وليس ثمة رعايا. لذلك واجب المواطن نحو الآخر الحصانة والإعانة، الحصانة دمك وعرضك مالك وكرامتك، أما الإعانة: فحينما أكون غنياً عليَّ أن أعين الفقير، وإن لم أعن الفقير لم أقم بواجباتي نحو المواطن، وحين أكون عالماً عليَّ أن أعلِّم الجاهل، وحين أكون قوياً عليَّ أن أساعد الضعيف...
من شتم مواطناً آخر لم يقم بواجباته، ومن تعدى على مواطن آخر لم يقم بواجباته.
أيها الباحثون عن حضارة الإنسان تبغونها واقعاً، هيا إلى الإنسان، إلى المواطن، كرِّموه وقدروه واحترموه وصونوا دمه وعرضه وكرامته وحريته، هذه هي المواطنة، حصانة وإعانة، ومن كان منا مقصراً فليراجع نفسه وليتب إلى الله عز وجل.
وختاماً أقول:
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، تعالوا نتعاهد في هذا المكان على أن يحب الواحد منا لأخيه ما يحب لنفسه، ولنضع أمام أعيننا الله إن كنا مؤمنين بالله، ولنستشعر ضمائرنا، والضمير هو صوت الله فيك، أقول تعالوا نتعاهد: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" عامل الناس كما تحب أن يعاملوك به، تعالوا نطبّق الحرية على بعضنا، تعالوا نتحاور من أصغر مشكلة لأكبر مشكلة، تعالوا نتحاور على أساس أن الحق ليس عندي وأن الحق ليس عندك، تعالوا نتحاور على أساس أننا نبحث عن الحق بصدق.
هي أمور ثلاثة:
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
عامل الناس كما تحب ان يعاملوك به.
تعالوا نتحاور على أساس أن الحق ليس عندك وليس عندي.
وهذا هو الفرق بين الحوار والجدال، فالفرق بينهما أنني عندما أجادلك أجادلك على أساس أني صاحب الحق وأريدك أن تصل إلى ما أعتقد، والحوار أنا وأنت نريد أن نصل إلى ما يوصلنا إليه النقاش الموضوعي، ربما ظهر الحق على لسانك أو لساني، لذلك حوَّل القرآن الكريم الجدال إلى حوار فقال في سورة المجادلة: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) جاءت مجادلة إلى النبي فحولها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى محاورة (وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) تعالوا نتحاور، تعالوا يحب الواحد منا للآخر ما يحب لنفسه، تعالوا يعامل الواحد منا أخاه بما يحب أن يعامله به أخوه، تعالوا لنكون جميعاً تحت سقف هذا الوطن، تحت سماء هذا الوطن، تعالوا من أجل أن نكون أحراراً، فالحرية لا تكون من الخارج، الحرية تنبع من داخلنا، علينا أن نحرر أنفسنا من كل ما يؤذي إنسانيتنا، وبالتالي سنكون أوفياء لوطننا.
اللهم احفظ سورية وأبناء سورية وأبناءَ أبناءِ سورية، اللهم حصّن سورية بالأخلاق الحسنة، اللهم حصّن سورية بالقوة التي تفيد الإنسان، اللهم اجعل من سورية بلداً معطاءاً تريد الخير لكل الناس، اللهم وفق سورية ومن يقوم على خيرها واجعل سورية في أمنك وحفظك ورعايتك يا رب العالمين يا أكرم الأكرمين بحق هذه الوجوه الطيبة. اللهم ردّ المعتدين على سورية رد كيدهم في نحورهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وفي نهاية الندوة استمع الدكتور عكام إلى مداخلات الحضور وأجاب على أسئلتهم.
التعليقات