أمَّا بعد، فيا أيها الإخوةُ المسلمونَ المؤمنون إنْ شَاءَ الله:

نعيش في رِحاب ذكرى معجزة الإسراء والمعراج، وكُلُّكم يعلم ذلك، وموقفنا حِيالَ هذه المعجزة يَتلخَّصُ بما يلي:

الأمر الأول: علموا أولادَكم وطُلابَكم هذه المعجزة ودَرِّسُوها لأجيالكم، فإنها مُعجزةٌ مَدرسة، تَفيضُ بالدُّروس والعِبر والعِظات، ولا تُقصِّروا يا أيها الآباء، ويا أيها المدرِّسون، ويا أيها الموجِّهون، لا تُقصِّروا في ذلك.

الأمر الثاني: هنالك أنواعٌ من الذِّكريات، ثمة ذكرى بَنَّاءة فاعِلة إيجابية، وثمة ذكرى لا تتَّصِفُ بتلك الصِّفات التي ذكرناها، فضعوا مثل هذه الذِّكريات في ذواكركم، فالذاكرة التي ليس فيها ذكريات بنَّاءة إيجابية ذاكرةٌ صَمَّاء، والذَّاكرة التي تحتوي على ذكرياتٍ إيجابية بَنَّاءة فَعَّالة مُلهِمة هي ذاكرةٌ مُلهِمة ومِعطاء وجَديرة بأن يُنهَلَ منها، فانظُر ذاكرتك أنت هل فيها ذِكرياتٌ بَنَّاءة إيجابية، هل فيها ذكرى الهجرة، هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، هل فيها ذكرى المولد، هل فيها ذكرى بدر، هل فيها ذكرى الإسراء والمعراج، هل فيها هاتيك الذكريات التي تنتمي لسيِّد الناس، وأنت الذي تُقِرُّ بأنه سَيدك وقائدك وأسوتك، فهل أحداثُ هذا النبي الذي لفَّته وأضحت ذكريات إيجابية بَنَّاءة، هل تَشغَلُ مَوطِناً ومَوضِعاً في ذاكرتك أم أنَّ ذاكرتك أصبحت صَمَّاء لا تحوي إلا تلك الذكريات التي لا إلهام لها ولا عطاء لها ولا صدى إيجابياً لها، انظر ذاكرتك، ومن خلال ذاكرتك - كما يقول علماء النفس - انظر ذاكرتَك وعلى أساس ذاكرتِك يمكنني أن أحدد شخصيتك، وأن أحدِّدَ طُموحَك، وأن أحَدِّدَ آمالَك، وأن أُحدِّد غاياتك وأهدافك.

الأمر الثالث: فلنعِش أبعادَ هذه المعجزة، فَلَها أبعاد. كُلُّكم يَعرفُ مُجمَلَ القصة، أو لَعلَّكم لا تعرفونها، لذلك دعوتكم إلى قراءتها والاطِّلاع عليها، هذه المعجزة أُسريَ بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس في ليلةٍ واحدة، ومن بيتِ المقدس عُرِجَ به إلى السَموات العُلى، إلى سِدرة المنتهى. عندها جنة المأوى، إذ أوحى اللهُ إلى عبدِه ما أوحى، (ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأى). اقرؤوا هذه المعجزة، رتِّلوها على أسماعِكم وأسماع أبنائكم من كتبٍ موثوقة، من مصادرَ موثوقة محققة موثقة. لهذه المعجزة أبعاد كثيرة، أذكر منها:

- البُعد الربَّاني. ما الذي يعنيه البُعد الرباني ? الرسولُ عليه الصَّلاة والسلام عُرِجَ به إلى السَّماوات العُلى، هل يُمكِنك أن تعرج أنت إلى السَّماوات العُلى? نعم، بإمكانك أن تقتدي بِمَن عُرِجَ به إلى السَّماوات العُلى بجسمه وروحه، لتعزج إلى السَّماوات العُلى بروحك من خلال نِيَّةٍ خالصة لله، اجعَل نِيَّتك تصعَدُ إلى السَّماء على مِعراج الصِّدق والصَّبر والأمانة والتوفيق، إلى ربِّ العِزَّة جَلَّت قُدرته، اجعل نيتك خالصةً في كُلِّ عَمل من أعمالك، في صلاتك، في عبادتك، في بيعك، في شرائك، في خدمَتِكَ وطنَك، عِش هذا البُعد الرَّباني من خلالِ تحرير النية، وأن تكونَ لله عَزَّ وجَل، (لأنَّ اللهَ لا يقبلُ من العَملِ إلا ما كانَ خَالصاً له وابتُغيَ به وَجهُه)، (قُل إنَّ صَلاتي ونُسُكي ومَحيَايَ ومَماتي للهِ رَبِّ العَالمين. لا شريكَ له وبذلك أُمرتُ وأنا أولُ المسلمين) البُعد الرباني تعرُج بنيتك الخالصة إلى الله عز وجل، ارفع نَظَرَكَ إلى السَّماء وقل: إلهي أنتَ مقصُودي، ورِضاكَ مَطلوبي.

- البُعد الثاني: هو البُعد الاطمئناني، اطمئنَّ إلى هذا النبيِّ، إلى صاحب المعجزة، فهو أسوةٌ من دون تَردُّدٍ ولا ريب، هو قُدوةٌ، هوإمام، هو رسول الله، هو سيد الأسياد عليه الصَّلاة والسَّلام، (إنَّه لَقَولُ رَسولٍ كَريم. ذي قُوَّةٍ عِندَ ذي العَرشِ مكين. مُطَاعٍ ثَمَّ أمين. وما صَاحبكم بمجنون) اطمئنَّ إلى هذا، واعلم بأن هذا النبي سيأخذ بيدك صلَّى الله عليه وسلَّم إلى النَّجاح في الدنيا وإلى الفَلاح في الآخرة، (والنَّجم إذا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكم ومَا غَوى. وما يَنطِقُ عَن الهوى) كفى أن تقول بأنَّ هذا النبي يُخطِئُ ويُصيب، لا يُخطئ، بل يُصيبُ دائماً وأبداً، كُن مُطمَئِنَّاً إلى هذا النبيِّ الأكرم باقتدائك به، في تأسِّيك به، في ائتسائك به، أيها الإنسان المسلم المؤمن الذي تشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسول الله. لما أُسرِيَ بالنَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أُتي بالبراق، ولما أرادَ النبيُّ أن يركب استصعَبَ هذا البراق، كأنه تحرَّك، فقالَ جِبريل، والحديثُ صَحيح في التِّرمذي، قالَ جبريل: أَبمحمدٍ تفعلُ هذا ؟! واللهِ ما رَكِبك أحدٌ أكرمُ على الله من محمد. البعد الاطمئناني، اطمئنُّوا إلى رسولكم كما يطمئنُّ أحدكم إلى مادةٍ بين يديه، أترانا نطمئنُّ إلى مادةٍ وقعت بين أيدينا أكثر من اطمئناننا إلى هذا الرجل الأعظم، إلى السيِّد السَّند الأكرم عليه الصلاة والسلام.

- البعد الثالث: البُعد الشَّعائري، وشَعيرتنا في هذه المعجزة: (سبحان الذي أسرى بعبدِه لَيلاً مِن المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى) المسجدُ الحَرامُ شَعيرة، ومَسجدُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام شعيرة، والمسجدُ الأقصى شعيرة، المسجدُ الأقصى مَسرى رَسولِ الله، ومِعراجُ رَسول الله، وأولى القبلتين، وثالثُ الحرمين، وهو أرض المحشر، وأرض المنشر يا أمة الاقصى أفيقوا. معجزة الإسراء والمعراج لها بُعدٌ شَعائري نتذكَّرُ من خلالها المسجدَ الأقصى الذي صَلَّى فيه النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام إماماً بكل الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام. لكأنِّي بمسجدِ القدس يدعو وينادي أما سمعتم أنينه ؟!

يا أيُّها المسجدُ الجريحُ سلاماً           لك عَهدٌ على المدى لن نخونه

كما بدأتُ الحديثَ أعيدُه، هيا إلى قراءةِ هذه المعجزة، هيا إلى تثبيتها في ذاكرتنا، ذكرى تشعُّ لنا نورا وعطاءً وإيماناً واطمئناناً وتصديقاً وإخلاصاً ووفاء، اللهمَّ إني أسألك بِسِرِّ الإسراء والمعراج أن تكشفَ الضُّرَّ عن بيت المقدس، وأن تدفعَ عنه الأعداء، وأن تنصُر إخوتنا المجاهدين من أجل تحريره، يا ربَّ العالمين، نِعْمَ مَن يُسأَلُ أنت، ونَعْمَ النَّصيرُ أنت، أقولُ هذا القولَ وأستغفِرُ الله.

ألقيت في جامع السيدة نفيسة عليها السَّلام بحلب الجديدة بتاريخ 9/2/2024

لمشاهدة فيديو الخطبة، لطفاً اضغط هنا

https://fb.watch/q5QUrGA4dn/

ندعوكم لمتابعة صفحتنا عبر الفيس بوك بالضغط على الرابط وتسجيل المتابعة والإعجاب

https://www.facebook.com/akkamorg/

لمتابعة قناتنا عبر برنامج التليغرام بالضغط على الرابط وتسجيل الدخول والاشتراك.

https://t.me/akkamorg