أقامت قيادة فرع جامعة حلب لحزب البعث العربي الاشتراكي بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب ندوة حوارية بعنوان «الهوية الوطنية بين الوفاق والتنوع الثقافي» على المدرج الحضاري بكلية الحقوق، شارك فيها سماحة الدكتور الشيخ محمود عكام رئيس لجنة الإفتاء بمحافظة حلب، نيافة المطران بطرس مراياتي مطران الأرمن الكاثوليك بحلب، وأدارها الدكتور فاروق أسليم عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب.
وقد شارك الدكتور الشيخ محمود عكام بورقة بعنوان: «مقامات في الهوية الوطنية الوفاق والتنوع»، وفيما يلي نصها:
مقامات في الهوية الوطنية الوفاق والتنوع
1- المواطنة هي الرباط أو العقد الذي يتم بين المواطن (الفرد) وبين الدولة التي يعيش فيها وينتسب إليها ويأخذ جنسيته منها (الهوية هي العقد) ويتساوى مع جميع المواطنين على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم وأديانهم في الحقوق والواجبات، وتكفل الدولة للمواطنين حرية الاعتقاد والرأي والعمل بما لايتنافى مع الثوابت الأمنية (الاستقرار – السيادة – الأمان)، ودولة "المواطنة" هي الصيغة الأرقى للدولة، وقد جاءت نتيجة جهاد طويل بذله الإنسان بعد تجربة دولة العشيرة والقبيلة والقوم والعرق، وقد كان الإسلام سباقاً إلى ذلك فيما سجل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المادة الأولى في دستور المدينة والتي تنص على أن المسلمين ومَن معهم (من أصحاب الديانات والأعراق) أمة واحدة على مَن عداهم وعاداهم. ولعل المواطنة أيضاً كانت تطوراً سيرورياً لمفهوم الجوار فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه كما ورد عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
2- الوطن: القيمة والسلوك: الوطن قيمة إيجابية ذاتية كالأم والعِرض فلنبرَّه بقيامنا بواجباتنا نحوه بأمانة ووفاء، وهذا هو السلوك بعد القيمة، ومن خلال السلوك نعرف المواطن والأفضل والأصلح، إذ في الوطن الحر لا يوجد مواطن أصغر ومواطن أكبر، بل المنشود هو المواطن الأفضل الذي رسخت في خباياه القيمة وتبدَّت على جوارحه السلوكات المعبرة عن رسوخ هذه القيمة العظيمة، وقد لخصنا تلكم الواجبات في ثلاثة أمور:
أ. الحب والوفاء. ب. البذل والعطاء. ج. التضحية والفداء.
وثمة أدلة وفيرة كثيرة على ذلك في نصوص ديننا الحنيف من قرآن كريم وسنة شريفة وسيرة منيرة.
3- ميثاق المواطنة: الذي يجسد ويفصل الواجبات التي ذكرناها آنفاً:
أ. تأمين أفراد المجتمع (الوطن) بعضهم بعضاً على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، فدم الآخر وعرضه وماله علينا حرام، وهي المحل الأقدس، وكلنا آمن من كلنا، وذمتنا جميعاً واحدة.
ب. نشر العفة والفضيلة وتعميم ذلك على كل مرافق المجتمع: السياسية والعلمية والاقتصادية لتضمن أجيالاً بناءة واعية.
ج. ممارسة النصيحة فيما بيننا وتقديمها أنيقة صادقة نابعة من إرادة الخير.
د. إتقان كل منا عمله حيث كان وأياً كان منصبه بدءاً من رأس الدولة ومروراً بكل المستويات وانتهاء بأقل ذي مسؤولية.
هـ. مجابهة ومكافحة الفساد والمفسدين وإسقاط كل اعتبار يؤدي إلى مراعاتهم،وتكريم المصلحين والمبدعين وتقديرهم وإكبارهم.
و. عدونا الذي نقاتله: هو الصهيوني المعتدي، والمتطرف المغالي الذي يُلغي الآخر ويزيله، والغادر الخائن لوطنه ولقيم أبناء وطنه.
ز. نشر ثقافة الحوار لتكون عنوان لقاءاتنا كلها، بشروط الإنسانية وقواعده الأخلاقية.
ح. اعتماد الكفاءة والقدرات والإمكانات في التوظيف والتنصيب والتعيين، ونبذ المحاباة والمحسوبيات في هذا الأمر.
ط. تفعيل المجتمع المدني ودعمه في ميادين الرعاية الاجتماعية والصحية والعلمية، ومراقبة هيئاته ومؤسساته لكي لا تحيد عن مسارها الإنساني إلى مسارات أخرى غير مَرضية.
ي. العدلَ العدل يا أيتها السلطة القضائية، والرحمة الرحمة أيتها السلطة التنفيذية، والأمانة والوفاء لقيم السماء في التشريع يا أيتها السلطة التشريعية.
ك. أيها الباحثون عن وطن عظيم هيا إلى الإنسان: كرموه وقدروه وصونوا دمه وعرضه وماله.
4- مناشدة: لكل مواطن مَن كان من حيث الدين أو المذهب أو العرق أو القوم، هيا وتعاونوا على بناء وطن عزيز سيد حر مستقر مستقل مزدهر، ولن يكون هذا إلا إذا أيقنَّا أن الوطن هو (نحن) ويمتد ليكون (أولادنا) وقد تجذر فكان (آباءنا وأجدادنا). وإلى وطن عشقته لأنه سورية، وإليه أرفع أزكى آيات السلام والتحية والتقدير والوفاء.
5- لقد كتبتُ كتاباً في بداية الأزمة العصيبة بعنوان: "وطن ومواطن ومسؤولية" وتتمة العنوان: وطن عزيز ذو سيادة، ومواطن حر آمن، ومسؤولية جادة وطنية وفية.
بلادٌ ألفنـاها على كـل حالةٍ وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن
وتستعذب الأرض التي لا هوا بها ولا ماؤها عذبٌ ولكنها وطن.
حلب المحروسة
4/11/2024
الدكتور محمود عكام
التعليقات